3/472 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: فَبَعَثَ مُنَادِياً يُنَادِي: الصَّلاةَ جَامِعَةً.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ)؛ أَيْ: رُكُوعَاتٍ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا: (فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ، وَالْمُرَادُ هُنَا كُسُوفُ الشَّمْسِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ: خَسَفَت الشَّمْسُ، وَقَالَ: ثُمَّ قَرَأَ، فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْجَهْرَ أَيْضاً التِّرْمِذِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ مَرْفُوعاً الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ.
وَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ:
الأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ مُطْلَقاً فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ؛ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَارِداً فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ فَالْقَمَرُ مِثْلُهُ؛ لِجَمْعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ؛ حَيْثُ قَالَ: ((فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا -أَيْ: كَاسِفَتَيْنِ- فَصَلُّوا وَادْعُوا)).
وَالأَصْلُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلاةِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَآخَرِينَ.
الثَّانِي: يُسِرُّ مُطْلَقاً؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ قِيَاماً طَوِيلاً نَحْواً مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَلَوْ جَهَرَ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمَا ذَكَرَهُ.
وَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَامَ بِجَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُسُوفِ فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ حَرْفاً، وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ ثَلاثِ طُرُقٍ أَسَانِيدُهَا وَاهِيَةٌ، فَيَضْعُفُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ بَعِيداً مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَسْمَعْ جَهْرَهُ بِالْقِرَاءَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِمَا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالإِسْرَارِ؛ لِثُبُوتِ الأَمْرَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا عَرَفْتَ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَوْلَيْنِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُسِرُّ فِي الشَّمْسِ وَيَجْهَرُ فِي الْقَمَرِ، وَهُوَ لِمَنْ عَدَا الْحَنَفِيَّةِ مِن الأَرْبَعَةِ؛ عَمَلاً بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيَاساً عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ دَلِيلِ أَهْلِ الْجَهْرِ مُطْلَقاً أَنْهَضُ مِمَّا قَالُوهُ.
وَقَدْ أَفَادَ حَدِيثُ الْبَابِ أَنَّ صِفَةَ صَلاةِ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَانِ، وَيَأْتِي فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ الْخِلافُ فِي ذَلِكَ.
(وَفِي رِوَايَةٍ)؛ أَيْ: لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ، (فَبَعَثَ)؛ أَيْ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (مُنَادِياً يُنَادِي: الصَّلاةَ جَامِعَةً) بِنَصْبِ الصَّلاةِ وَجَامِعَةٍ، فَالأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَي: احْضُرُوا، وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَفِيهِ تَقَادِيرُ أُخَرُ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الإِعْلامِ بِهَذَا اللَّفْظِ لِلاجْتِمَاعِ لَهَا، وَلَمْ يَرِد الأَمْرُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ فِي هَذِهِ الصَّلاةِ.