فَصْلٌ
فِي مَوْقِفِ الإِمَامِ والمَأْمُومِينَ
السُّنَّةُ أن (يَقِفَ المَأْمُومُونَ)- رِجَالاً كَانُوا أو نِسَاءً, إن كَانُوا اثْنَيْنِ فأَكْثَرَ- (خَلْفَ الإمامِ)؛ لفِعْلِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ إذا قَامَ إلى الصَّلاةِ قَامَ أَصْحَابُه خَلْفَهُ، ويُسْتَثْنَى مِنْهُ إِمَامُ العُرَاةِ يَقِفُ وَسَطَهُم وُجُوباً، والمَرْأَةُ إذا أَمَّتِ النِّسَاءَ تَقِفُ وَسَطَهُنَّ استِحْبَاباً ويأتِي.
(ويَصِحُّ) وُقُوفُهُم (معَهُ)؛ أي: معَ الإمامِ (عَن يَمِينِه أو عَن جَانِبَيْهِ)؛ لأنَّ ابنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بينَ عَلْقَمَةَ والأَسْوَدِ وقَالَ: هكذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ فعَلَ، رواهُ أَحْمَدُ.
وقالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: لا يَصِحُّ رَفْعُه، والصَّحِيحُ أنَّهُ مِن قَوْلِ ابنِ مَسْعُودٍ. (لا قُدَّامَهُ)؛ أي: لا قُدَّامَ الإمامِ, فلا تَصِحُّ للمَأْمُومِ, ولو بإحرامٍ؛ لأنَّه ليسَ مَوْقِفاً بحَالٍ، والاعتِبَارُ بمُؤَخَّرِ القَدَمِ, وإلاَّ لم يَضُرَّ، وإن صَلَّى قَاعِداً فالاعتِبَارُ بالأَلْيَةِ، حتَّى لو مَدَّ رِجْلَيْهِ وقَدَّمَهُمَا على الإمامِ لم يَضُرَّ، وإن كانَ مُضْطَجِعاً فبِالجَنْبِ، وتَصِحُّ دَاخِلَ الكَعْبَةِ إذا جعَلَ وَجْهَهُ إلى وَجْهِ إِمَامِهِ، أو ظَهْرَه إلى ظَهْرِه لا إن جعَلَ ظَهْرَهُ إلى وَجْهِ إمامِه؛ لأنَّه مُتَقَدِّمٌ عليه، وإن وَقَفُوا حَوْلَ الكَعْبَةِ مُسْتَدِيرِينَ,صَحَّتْ، فإنْ كانَ المَأْمُومُ في جِهَتِه أَقْرَبَ مِن الإمامِ في جِهَتِه, جَازَ, إن لم يَكُونَا في جِهَةٍ وَاحِدَةٍ, فتَبْطُلُ صَلاةُ المَأْمُومِ. ويُغْتَفَرُ التَّقَدُّمُ في شِدَّةِ خَوْفٍ إذا أَمْكَنَ المُتَابَعَةُ.
(ولا) يَصِحُّ للمَأْمُومِ إنْ وَقَفَ (عن يَسَارِه فَقَط)؛ أي: معَ خُلُوِّ يَمِينِه إذا صَلَّى رَكْعَةً فأَكْثَرَ؛ لأنَّه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ أدارَ ابنَ عَبَّاسٍ وجَابِراً عن يَسَارِه إلى يَمِينِه، وإذا كَبَّرَ عَن يَسَارِه أدَارَهُ مِن وَرَائِه إلى يَمِينِه، فإنْ كَبَّرَ معَهُ آخَرُ, وَقَفَا خَلْفَهُ، فإنْ كَبَّرَ الآخَرُ عَن يَسَارِه أَدَارَهُمَا بيَدِهِ ورَاءَهُ، فإنْ شَقَّ ذلكَ أو تَعَذَّرَ, تَقَدَّمَ الإمامُ فَصَلَّى بَيْنَهُمَا أو عَن يَسَارِهِمَا، ولو تَأَخَّرَ الأَيْمَنُ قَبْلَ إِحْرَامِ الدَّاخِلِ ليُصَلِّيَا خَلْفَهُ, جَازَ، ولو أَدْرَكَهُمَا الدَّاخِلُ جَالِسَيْنِ كَبَّرَ وجَلَسَ عَن يَمِينِ صَاحِبِه أو يَسَارِ الإمامِ، ولا تَأَخُّرَ إِذنْ؛ للمَشَقَّةِ, فالزَّمْنَى لا يَتَقَدَّمُونَ ولا يَتَأَخَّرُونَ.
(ولا) تَصِحُّ صَلاةُ (الفَذِّ)؛ أي: الفَرْدِ (خَلْفَهُ)؛ أي: خَلْفَ الإمامِ (أو خَلْفَ الصَّفِّ) إن صلَّى رَكْعَةً فأَكْثَرَ عَامِداً أو نَاسِياً, عَالِماً أو جَاهِلاً؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((لاَ صَلاَةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ)). رواهُ أَحْمَدُ وابنُ مَاجَهْ. (ورَأَى عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ رَجُلاً يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ). رواه أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وابنُ مَاجَهْ، وإِسْنَادُه ثِقَاتٌ.
(إِلاَّ أنْ يَكُونَ) الفَذُّ خَلْفَ الإمامِ أو الصَّفِّ (امْرَأَةً) خَلْفَ رَجُلٍ, فتَصِحُّ صَلاتُهَا؛ لحديثِ أَنَسٍ، وإن وَقَفَتْ بجَانِبِ الإمامِ فكَرَجُلٍ، وبصَفِّ رِجَالٍ, لم تَبْطُلْ صَلاةُ مَن يَلِيهَا أو خَلْفَهَا، فصَفٌّ تَامٌّ مِن نِسَاءٍ لا يَمْنَعُ اقتِدَاءَ مَن خَلْفَهُنَّ مِن رِجَالٍ. (وإِمَامَةُ النِّسَاءِ تَقِفُ فِي صَفِّهِنَّ) نَدْباً, رُوِيَ عَن عَائِشَةَ وأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
فإن أَمَّت وَاحِدَةً وَقَفَتْ عَن يَمِينِهَا, ولا يَصِحُّ خَلْفَهَا. (ويَلِيهِ)؛ أي: الإِمَامَ مِن المَأْمُومِينَ (الرِّجَالُ) الأَحْرَارُ, ثُمَّ العَبِيدُ, الأَفْضَلُ فالأَفْضَلُ؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((لِيَلِيَنِّي([1]) مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلامِ والنُّهَى)) رواهُ مُسْلِمٌ.
(ثُمَّ الصِّبْيَانُ) الأَحْرَارُ, ثُمَّ العَبِيدُ, (ثُمَّ النِّسَاءُ)؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ)). ويُقَدَّمُ مِنْهُم البَالِغَاتُ الأَحْرَارُ, ثُمَّ الأَرِقَّاءُ, ثُمَّ مَن لم تَبْلُغْ مِن الأَحْرَارِ, فالأَرِقَّاءُ الفُضْلَى فالفُضْلَى، وإن وَقَفَ الخَنَاثَى صَفًّا, لم تَصِحَّ صَلاتُهُم؛ كالتَّرْتِيبِ (في جَنَائِزِهِم) إذا اجتَمَعَت فيُقَدَّمُونَ إلى الإِمَامِ وإلى القِبْلَةِ في القَبْرِ على ما تَقَدَّمَ في صُفُوفِهِم.
(ومَن لم يَقِفْ مَعَهُ) في الصَّفِّ (إلاَّ كَافِرٌ أو امْرَأَةٌ) أو خُنْثَى, وهو رَجُلٌ, (أو مَن عَلِمَ حَدَثَهُ) أو نَجَاسَةَ (أَحَدِهِمَا)؛ أي: المُصَلِّي أو المُصَافِفِ لَهُ, (أو) لم يَقِفْ معَهُ إلاَّ (صَبِيٌّ في فَرْضٍ, فَفَذٌّ)؛ أي: فَرْضٌ,= فلا تَصِحُّ صَلاتُهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ, وعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ مُصَافَّةِ الصَّبِيِّ في النَّفْلِ أو مَن جَهِلَ حَدَثَهُ أو نَجَسَهُ حتَّى فَرَغَ.
(ومَن وَجَدَ فُرْجَةً) بضَمِّ الفَاءِ: وهي الخَلَلُ في الصَّفِّ, ولو بَعِيدَةً, (دَخَلَها), وكذا إن وَجَدَ الصَّفَّ غَيْرَ مَرْصُوصٍ, وَقَفَ فيه؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((إِنَّ اللَّهَ ومَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ)).
(وإِلاَّ) يَجِدْ فُرْجَةً, وَقَفَ (عَن يَمِينِ الإمامِ)؛ لأنَّه مَوْقِفُ الوَاحِدِ, (فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ, فله أن يُنَبِّهَ مَن يَقُومَ معَهُ) بنَحْنَحَةٍ أو كَلامٍ أو إشارةٍ، وكُرِهَ بجَذْبِه، ويَتْبَعُه مَن نُبِّهَ وُجُوباً.
(فإِنْ صَلَّى فَذًّا رَكْعَةً, لم تَصِحَّ) صَلاتُه؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وكَرَّرَهُ لأجلِ ما أَعْقَبَهُ به. (وإنْ رَكَعَ فَذًّا)؛ أي: فَرْداً لعُذْرٍ؛ بأن خَشِيَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ (ثُمَّ دَخَلَ في الصَّفِّ قَبْلَ سُجُودِ الإمامِ, (أو وقفَ معَهُ آخَرُ قَبْلَ سُجُودِ الإمامِ, صَحَّتْ) صَلاتُه؛ لأنَّ أَبَا بَكْرَةَ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ, ثُمَّ مَشَى حتَّى دخلَ الصَّفَّ, فقالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((زَادَكَ اللَّهُ حِرْصاً وَلاَ تَعُدْ)). رواهُ البُخَارِيُّ.
وإن فعَلَهُ ولم يَخْشَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ, لم تَصِحَّ إِنْ رَفَعَ الإمامُ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ قَبْلَ أن يَدْخُلَ الصَّفَّ أو يَقِفَ معَهُ آخَرُ.
_________________
(1) في صحيح مسلم ((لِيَلِنِي)) بكسر اللامين وتخفيف النون وليس قبل النون ياء , وروي بتشديد النون مع ياء قبلها على التأكيد .