طلبُ العلم منه ما هو فرض عين و منه ما هو فرض كفاية:ـ
فأما فرض العين: فهو ما يتم العبد به الواجب و يكفّ به عن المحرم و يؤدي به معاملاته على وجه لا معصية فيه ـ فيجب عليه أن يتعلّم الصلاة و الصيام و كلّ واجب كما ذكر الإمام أحمد ذلك ، فالتاجر ينبغي أن يعرف من علوم الشرع ما تقوم به تجارته على نحو لا معصية فيه ، كذا الطبيب و المهندس والعامل و كلّ ذي مهنة.
و أما فرض الكفاية : فهو ما زاد عن الواجب ، فإنّه إذا قام به البعض سقط فرضُه عن باقي المسلمين.
كما قال سفيان ابن عيينة: "طلب العلم و الجهاد فريضة على جماعتهم و يجزيء فيه بعضُهم عن بعض" و تلا: (فلولا نفَر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)
و قال ابن عبد البرّ "قد أجمع العلماء على أنّ العلم منه ما هو فرض متعيّن على العبد في خاصة نفسه و منه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن سائر أهل ذلك الموضع"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيّن عناية السلف الصالح بطلب العلم.
اعتنى العلماء ـ رحمهم الله ـ بطلب العلم و يظهر ذلك فيما ورّثوه لنا منه و ما وصلنا عنهم من أخبار ، و من أقوالهم في ذلك :ـ
قول الشافعي رحمه الله : "ما أرى شيئا بعد أداء الفروض خيرا من طلب العلم" قيل له : ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : "ولا الجهاد في سبيل الله!"
ولمّا سئل الإمام أحمد عن أفضل الأعمال قال : "طلبُ العلم لمن صحّت نيّته"
قيل له و ما تصحيح النيّة؟ فقال : "يتواضع فيه و يرفع عنه الجهل"
و نقل النووي في المجموع اتّفاق السلف على أنّ طلب العلم خير من نوافل العبادات من صلاة و صيام و تسبيح و غير ذلك..
و ضمّن العلماء في مصنّفاتهم أبواباً عن العلم و فضله ، كالبخاري و أصحاب السنن و غيرهم من المحدّثين و أصحاب الجوامع ..
و منهم من أفرد العلم و فضله بالتأليف كأبي نعيم الأصبهاني و أبي العباس المرهبي و ابن عبد البرّ و ابن رجب ، و ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة و كثير من مؤلفاته.
رحم الله السلَف و نفعنا بعلومهم و جعلنا خير خلَف لهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اذكر بعض الأمثلة للعلوم التي لا تنفع و بيّن خطر الاشتغال بها و ضرر تعلمها بإيجاز.
العلوم منها النافع و منها الضار ، والعلوم التي لا تنفع فسّرت بتفسيرين :ـ
· العلوم الضّارة المخالفة للشرع: كالسحر والكهانة و الشعوذة وعلم الكلام غيرها من العلوم التي تشمل المعاصي و الاعتداء على الشرع أو العباد.
· العلوم النافعة التي لا ينتفع بها أصحابها لفساد نيّاتهم أو فقر عمَلهم بما تعلّموا مما يحجب بركة العلم عنهم.
و قد يدفع الفضولُ بعض المتعلّمين إلى تعلّم ما لا ينفع فتزلّ في ذلك أقدامهم و كانوا من قبلُ على استقامة و دراية و عافية، و سبب ذلك مخالفتهم لهدى الله واتباعهم غير سبيل المؤمنين ككثير من الذين افتتنوا في علم الكلام.
والحاصل أن كلّ علم يصدّ عن طاعة الله أو يؤدي إلى معصية الله أو يقبّح ما حسّنه الشرع أو يحسّن ما قبّحه فهو علم غير نافع مهما كان فيه من زخرفة و ادعاء.
و قد أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم أن نتعوذ بالله من علم لا ينفع ، مما يدلّ على خطره و ضرره..
والله أعلم.