المجموعة الثانية :
س1: ما معنى الوقف في القرآن؟ وما سبب وقوف بعض أهل الحديث؟
معنى الوقف في القرآن: أي التوقف عند قول: القرآن كلام الله, وعدم القول بأنه غير مخلوق أو مخلوق.
وسبب وقوف بعض أهل الحديث: أنهم يقولون بأن القول بخلق القرآن محدث, فنبقى على ما كان عليه السلف دون القول بأنه مخلوق أو غير مخلوق, وهم يعتقدون بأن القرآن غير مخلوق, وينكرون القول بخلق القرآن, لكن يسكتون يسكتون عما سكت عنه السلف.
وكان الإمام أحمد بن حنبل يشتد عليهم ويأمر بهجرهم, ويرى ضرورة رد الشبهات وبيان الحق لعموم الفتنة والتباس الأمر على العامة.
س2: بيّن سبب اختلاف الأفهام في مسألة اللفظ.
سبب اختلاف الأفهام في مسألة اللفظ: أن كلمة (لفظي بالقرآن مخلوق) كلمة مجملة حمالة أوجه, فقد يراد بها التلفظ وقد يراد بها الملفوظ؛ فإن أريد بها التلفظ فالتلفظ من أفعال العباد, وأفعال العباد مخلوقة, وإن أريد بها الملفوظ وهو القرآن المتلو, فهو كلام الله غير مخلوق, ولذلك حدثت فتنة اللفظية, والتلبيس بين التلفظ والملفوظ.
س3: ما سبب محنة الإمام البخاري رحمه الله ؟ وبيّن موقفه من مسألة اللفظ.
جرت سنة الله تعالى في خلقه أن يبتلى المؤمن بالابتلاءات التي تظهر صدقه مع ربه وتنفي عنه الكذب, (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).
وقد ابتلي الإمام البخاري رحمه الله, ولقى بسبب مسألة اللفظ ما لقى من المحن, وبسبب حسد بعض معاصريه من العلماء على ما آتاه الله من فضله من العلم:
ففي بغداد: رأى البخاري ما نال الإمام أحمد في فتنة اللفظية, فأخذ على نفسه ألا يتكلم في هذه المسألة المشؤومة.
وفي خراسان: لما رجع إلى موطنه, وجد الكثيرين يخالفوه, فلم يطب له المقام في بخارى, وعزم على التوجه إلى نيسابور.
وفي نيسابور: اجتمع له الناس واحتفوا به أول الأمر, فلما سألوه عن مسألة اللفظ قال: "أفعال العباد مخلوقة, وألفاظنا من أفعالنا", فحدث الخلاف, وقال بعضهم: قال لفظي بالقرآن مخلوق, وقال بعضهم لم يقل.
القاضي محمد بن يحيى الذهلي: كان البخاري يقول أن بن الذهلي يحسده على ما أوتي من العلم, والعلم رزق يعطيه الله من يشاء من عباده, فكان ابن الذهلي يقول من جلس إلى البخاري فلا يحل له أن يجالسنا في مجلسنا, فكان ذلك سببا في رحيل البخاري من نيسابور.
وقد خاض الناس في البخاري فكان يقول: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله), حتى أن بعضهم كفره, فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما".
العودة إلى بخارى: والاستقبال الحار, ثم الخروج منها بأمر الأمير ووشاية ابن الذهلي.
خرتنك: والإقامة القصيرة بها, ثم توفي ودفن بها رحمه الله.
-موقف الإمام البخاري من مسألة اللفظ: كان البخاري يرى: أن القرآن كلام الله غير مخلوق, أما أفعال العباد فمخلوقة, قال في كتابه (خلق أفعال العباد): "أصواتهم وحركاتهم وكتابتهم مخلوقة, أما القرآن المتلو الذي في المصحف, الموعى في صدور العباد, فهو كلام الله غير مخلوق".
وكان يرى أن مسألة اللفظ مسألة مشؤومة, لما رأى ما نال الإمام أحمد بسببها, فأخذ على نفسه ألا يتكلم فيها, لكنه بين كما بين الإمام أحمد الحق للناس فيها.
س4: بيّن سبب نشأة فتنة اللفظية.
لما توقف امتحان العلماء في فتنة القول بخلق القرآن, ابتلي الناس بفتن أخرى أخرى كالوقفية واللفظية, وذلك بسبب بقاء المعتزلة في القضاء والخطابة ومجالس العلم, وكذلك صلتهم القوية بالولاة والأمراء.
وكان أول من أشعل فتنة اللفظية هو حسين بن علي الكرابيسي, وكان صاحب علم, وله مصنفات كثيرة, منها كتاب المدلسين, الذي حط فيه على بعض الصحابة كالزبير بن العوام, والتابعين كالأعمش, فلما عرض الكتاب على الإمام أحمد قال: حذروا منه, فغضب الكرابيسي, وقال لأقولن مقالة يقول ابن حنبل بخلافها فيكفر, فقال: لفظي بالقرآن مخلوق, فقال الإمام أحمد: بل هو الكافر, فنشأت بذلك فتنة عظيمة استمرت قرونا من الزمن.
والقرآن كلام الله غير مخلوق, وأفعال العباد مخلوقة, وإنما جاءت فتنة اللفظية تلبيسا بين الأمرين, لأن الكلمة مجملة حمالة أوجه.
س5: لخّص بيان الإمام أحمد والبخاري للحق في مسألة اللفظ.
لقد بين الإمام أحمد والإمام البخاري رحمهما الله تعالى, الحق في مسألة اللفظ, وذلك لأن الفتنة قد عمت, والتبس على الناس الأمر, فكان لزاما على العلماء أن يبنوا لهم ما تزول به الشبهات.
-فقد أجاب الإمام أحمد لما سئل عن الذين يفرقون بين اللفظ والمحكي, فقال: القرآن كيف تصرف في أقواله وأفعاله, فغير مخلوق, وأما أفعالنا فمخلوقة.
وقال: القرآن في جميع الوجوه غير مخلوق.
-والإمام البخاري قال في كتاب (خلق أفعال العباد): "حركاتهم وأصواتهم وكتابتهم مخلوقة, أما القرآن المتلو المثبت في المصاحف, الموعى في صدور العباد فهو كلام الله ليس بمخلوق".
وقال أيضا: "القرآن كله كلام الله تعالى, والقول صفة القائل موصوف بها, والقراءة فعل الخلق؛ قال تعالى (فاقرؤا ما تيسر منه).
وقد منع الإمام أحمد والبخاري ومن وافقهم من أهل الحديث, الكلام في اللفظ مطلقا, وبدعوا من قال لفظي بالقرآن مخلوق, أو قال لفظي بالقرآن غير مخلوق, وبينوا أن أفعال العباد مخلوقه, فكانوا بذلك مصابيح هدى على طريق الحق, يسترشد بقولهم, ويستضاء بهديهم.
س6: ما هي الفوائد التي استفدتها من دراستك لدورة "مسائل الإيمان بالقرآن"؟
-أن الإيمان بالقرآن أصل من أصول الدين يجب الإيمان به.
-أن الإيمان بالقرآن يشمل
الاعتقاد:بأن يصدق بأنه كلام الله منزل على رسوله, ويصدق بكل ما جاء فيه.
القول: تلاوته تصديقا وتعبدا.
العمل: وهو اتباع هدي القرآن؛ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
أن على طالب العلم أن يعرف القول الحق في مسائل الاعتقاد, وتقرير الاستدلال لذلك, وأن يعرف أقوال المخالفين لأهل السنة, وشبهاتهم, ورد أهل السنة عليهم, ومنهجهم في ذلك.
-أن السير الصحيح إلى الله تعالى يحتاج إلى العلم والعمل, والعبد حين يتفقه في بصائر القرآن وبيناته, يلزمه مع ذلك العزم والإرادة في اتباع هدي القرآن.
-أن سبيل الاهتداء بالقرآن يكون بتصديق خبره, وعقل مثله, وامتثال أمره واجتناب نهيه.
-أن التصديق بالقرآن مراتب, فمقل ومستكثر, وأن أمثاله قد تكون صريحة, وقد تكون كامنة.
-أن كلام الله تعالى صفة من صفاته, وهو سبحانه لم يزل متكلما كيف شاء وبما شاء.
-أن عقيدة أهل السنة والجماعة على أن القرآن:
كلام الله غير مخلوق, أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم, بلسان عربي مبين, تكلم سبحانه بكل حرف فيه حقيقة, وليس هناك قرآن غير هذا القرآن الذي في المصحف, محفوظ في السطور والصدور, من الله بدأ وإليه يعود.
-الفتن عواصف متتالية, في طياتها المحن الشديدة, والابتلاء سنة الله في خلقه, والصبر تمحيص للمؤمنين.
-كن أبا ثور, فرجل مثل أبي ثور خير من ملئ الأرض من رجل مثل الكرابيسي.