1- فبلاغةُ الكلامِ مطابقتُهُ(1) لِمُقْتَضَى الحالِ(2). مَعَ فَصَاحَتِهِ(3).
والحالُ(4) - ويُسَمَّى بالمَقَامِ – هو الأَمْرُ الحامِلُ(5)
للمُتَكَلِّمِ على أنْ يُورِدَ(6) عبارتَهُ(7) على صورةٍ(8) مخصوصةٍ(9).
والمُقْتَضَى(10) – ويُسَمَّى الاعتبارَ المناسبَ – هو الصورةُ المخصوصةُ التي تُورَدُ عليها العبارَةُ(11)، مَثَلاً, المدحُ حالٌ(12) يدعو لإيرِادِ العبارةِ على صورةِ الإطنابِ، وذكاءُ المُخَاطَبِ حالٌ يدعو لإيرادِهَا(13) على صورةِ الإيجازِ، فَكُلٌّ مِن المدحِ والذكاءِ حالٌ(14)، وكلٌّ مِن الإطنابِ والإيجازِ مُقْتَضىً(15)، وإيرادُ الكلامِ على صورةِ الإطنابِ أو الإيجازِ(16) مُطَابَقَةٌ للْمُقْتَضَى(17).
___________________
( 1 ) ( فبلاغةُ الكلامِ مطابقَتُهُ ) أي: الكلامِ، والإضافةُ فيهِ للكمالِ، وهِيَ المقصودةُ لِقَائِلِهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بوجوبِ القَصْدِ إلى الخصوصِيَّةِ فِي الكلامِ البليغِ.
( 2 ) ( لِمُقْتَضَى الحالِ ) أي: لِمُنَاسِبِ الحالِ, لاَ مُوجِبِهِ الذي يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ عنهُ, وإنَّمَا أُطْلِقَ عليهِ ( مُقْتَضَى ) لأَنَّ المُسْتَحْسَنَ كالمُقْتَضَى فِي نَظَرِ البُلَغَاءِ، والمرادُ بمناسباتِ الحالِ الخصوصياتُ التي يُبْحَثُ عنها فِي عِلْمِ المعاني دونَ كيفياتِ دلالةِ اللفظِ التي يَتَكَفَّلُ بها عِلْمُ البيانِ.
هذا ولا يُشْتَرَطُ مطابقتُهُ لجميعِ المقتضياتِ التي يَقْتَضِيهَا الحالُ، بلْ تَكْفِي مُطَابَقَتُهُ لايِّ مُقْتَضًى منها, نَعَمْ إذا اقْتَضَى الحالُ شَيْئَيْنِ - كالتأكيدِ والتعريفِ مثلاً- فَرُوعِيَ أَحَدُهُمَا دونَ الآخَرِ كانَ الكلامُ بَلِيغاً مِن هذا الوجْهِ، وإذا رُوعِيَا معاًكانَ أَزْيَدَ بَلاَغَةً.
( 3 ) ( مع فصاحتِهِ ) حالٌ من الضميرِ المجرورِ فِي مطابقتِهِ، فلابُدَّ مِن الفصاحةِ مُطْلَقاً, سواءً كانتْ معنويَّةً وهِيَ الخُلُوصُ مِن التعقيدِ المعنَوِيِّ, أو لفظيةً وهِيَ الخُلُوصُ من التنافُرِ، والغرابَةِ، وضعْفِ التأليفِ، ومُخَالَفَةِ القياسِ.
( 4 ) ( والحالُ ) أي: حالُ الخطابِ.
( 5 ) ( ويُسَمَّى بالمَقَامِ، هو الأمرُ الحامِلُ ) أي: الباعِثُ والدَّاعِي.
( 6 ) ( للمُتَكَلِّمِ على أَنْ يُورِدَ ) أي: يَأْتِيَ.
( 7 ) ( عِبَارَتَهُ ) التي يُؤَدِّي بها أصْلَ المعنى المُرَادِ مُشْتَمِلَةٌ.
( 8 ) ( على صورةٍ ) أي: صِفَةٍ ونُكْتَةٍ.
( 9 ) ( مَخْصُوصَةٍ ) يَعْنِي: مَزَيَّةً مُخْتَصَّةً بِالْمَقَامِ، فَلاَبُدَّ فِي بلاغةِ الكلامِ مِن كَوْنِ النِّكَاتِ والخصوصياتِ مقصودةً للمُتَكَلِّمِ، فإنْ وُجِدَتْ من غيرِ قَصْدٍ لم تَكُنْ مُقْتَضَى حالٍ, ولا يُقَالُ للكلامِ حينئذٍ: إنَّهُ مُطَابِقٌ لِمُقْتَضَى الحالِ, سواءً كانَ هذا الأمْرُ الدَّاعِي دَاعِياً فِي نفسِ الأمْرِ, أو غيرَ دَاعٍ فِي نفسِ الأمْرِ، فالأوَّلُ كما لو كانَ المُخَاطَبُ مُنْكِراً لقيامِ زيدٍ حقيقةً، فإنَّ الإنكارَ أَمْرٌ دَاعٍ فِي نفسِ الأمْرِ إلى اعتبارِ المُتَكَلِّمِ فِي كلامِهِ خصوصيَّةً ما، والثاني كما لو نَزَلَ المُخَاطَبُ غيرُ المُنْكِرِ مَنْزِلَةَ المُنْكِرِ، فإنَّ ذلكَ الإنكارَ التَّنْزِيلِيَّ دَاعٍ بالنسبةِ للمُتَكَلِّمِ لاَ فِي نَفْسِ الأمْرِ، وهذا بخلافِ ظاهرِ الحالِ، فَإِنَّهُ الأمْرُ الداعِي فِي نفسِ الأمْرِ لاعتبارِ المُتَكَلِّمِ خصوصيَّةً ما، فهو أَخَصُّ مِن الحالِ.
( 10 ) ( والمُقْتَضَى ) أي: مُقْتَضَى الحالِ.
( 11 ) ( ويُسَمَّى الاعتبارَ المناسبَ هو الصورةُ المخصوصةُ التي تُورَدُ عليها العبارةُ ) لا نَفْسُ اعْتِبَارِهَا، نَعَمْ بالنَّظَرِ إلى أنَّ اعْتِبَارَهَا أَمْرٌ لاَ بُدَّ منهُ في البلاغةِ، قد يُبَالَغُ فيهِ, فَيُسَمَّى المُقْتَضِي بهِ مُقَيَّداًبالمُنَاسِبِ كَمَا ذُكِرَ.
( 12 ) ( مثلاًالمدحُ حالٌ ) أي: حالُ خطابٍ.
( 13 ) ( يدعو لإيرادِ العبارةِ على صورةِ الإطنابِ، وذكاءُ المخاطبِ حالٌ يدعو لإيرادِهَا ) أي: العبارةِ.
( 14 ) ( على صورةِ الإيجازِ، فَكُلٌّ مِن المدحِ والذكاءِ حالٌ ) ومَقَامٌ
( 15 ) ( وكلٌّ مِن الإطنابِ والإيجازِ مُقْتَضًى ) أي: مُقْتَضَى حالٍ.
( 16 ) ( وإيرادُ الكلامِ على صورةِ الإطنابِ أو الإيجازِ ) أي: مُشْتَمِلاً عليها.
( 17 ) ( مُطَابَقَةٌ للمُقْتَضَى ) فالمرادُ بمطابقةِ الكلامِ للمُقْتَضَى اشْتِمَالُهُ عليهِ, لا مُصْطَلَحُ المَنَاطِقَةِ الذي هو الصِّدْقُ، هذا وَيُؤْخَذُ مِن تَعْرِيفَيْ بلاغةِ الكلامِ وفصاحتِهِ أنَّ البلاغةَ أَخَصُّ والفصاحةَ أَعَمُّ؛ لأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ فِي تعريفِ البلاغةِ، فَكُلُّ كلامٍ بليغٍ فصيحٌ ولا عَكْسَ؛ لجوازِ أنْ يكونَ كلامٌ فصيحٌ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِمُقْتَضَى الحالِ كما إذا قِيلَ لِمُنْكِرِ قيامِ زَيْدٍ: زيدٌ قائمٌ. مِن غيرِ تَوْكِيدٍ.