اختلف العلماء في المراد بمواقع النجوم على قولين ويندرج تحت هذين القولين أقوال عدة :
-الأول :المراد يالنجوم نجوم السماء وهي الكواكب المعروفة , وهذا ظاهر الآية.
واختلفوا في المراد بقوله {مواقع } على أقوال عدة :
-الأول : منازل النجوم , رواه عبدالرزاق عن معمر عن قتادة , ورواه ابن جرير عن قتادة قللب حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: بمنازل النّجوم.وذكره ابن الأثير من غير نسبه .
-الثاني : مساقطها ومغايبها في المغرب. قاله البخاري في صحيحه , وأبي عبيدة في كتابه مجاز القرآن ورواه ابن جرير الطبري عن مجاهد وقتادة , قال ابن جرير : - حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {بمواقع النّجوم}. قال في السّماء ويقال مطالعها ومساقطها.
- حدّثني بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. أي مساقطها. ورواه الهمذاني في تفسير مجاهد قال نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني بمواقع النجوم في السماء ويقال أيضا مطلعها ومساقطها . وذكره ابن الأثير من غير نسبه .
*التعليق: قال الزجاج : ومواقع النجوم مساقطها، كما قال عزّ وجلّ : {فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب} . فمن قال مساقطها استدل بهذه الآية التي فيها القسم بالجهات , وقال مكي بن أبي طالب (بمواقع) حيث تغيب , وتفسيره يكون بالآية السابقة فالشمس مثلا تغيب من الغرب ..
قال ابن عاشور: والوُقُوعُ يُطْلَقُ عَلى السُّقُوطِ، أيِ الهَوى، فَمَواقِعُ النُّجُومِ مَواضِعُ غُرُوبِها فَيَكُونُ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ [النجم: ١] والقَسَمُ بِذَلِكَ مِمّا شَمِلَهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ﴾ [المعارج: ٤٠] . وجَعَلَ مَواقِعِ النُّجُومِ بِهَذا المَعْنى مُقْسَمًا بِهِ لِأنَّ تِلْكَ المَساقِطَ في حالِ سُقُوطِ النُّجُومِ عِنْدَها تُذَكِّرُ بِالنِّظامِ البَدِيعِ المَجْعُولِ لِسَيْرِ الكَواكِبِ.
قال ابن حجر: وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره.
قال ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النّجوم ومغايبها في السّماء، وذلك أنّ المواقع جمع موقعٍ، والموقع المفعل من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به.
-الثالث: انكدارها وانتشارها يوم القيامة، نسبه العيني للحسن من غير إسناد
رواه ابن جرير عن الحسن قال: حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: قال الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
-الرابع: الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا , ذكره ابن الأثير ونسبه إلى حديث في صحيح مسلم عن ابن عباس قال : قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكرٌ، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت: هذه الآية: {فلا أقسم بمواقع النّجوم (75) وإنّه لقسمٌ لو تعلمون عظيمٌ (76) إنّه لقرآنٌ كريمٌ (77) في كتابٍ مكنونٍ.....) ,ونسبه الماوردي إلى الضحاك من غير إسناد وكذلك ابن كثير .
*التعليق:
من فسر مواقع النجوم بهذا التفسير استند في ذلك على سبب النزول , كما روى الواحدي في كتابه قال: أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا حمدان السلمي قال: حدثنا النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال: حدثني ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة وضعها الله تعالى وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا)) فنزلت هذه الآيات: {فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُجومِ}حتى بلغ: {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ} رواه مسلم عن عباس بن عبد العظيم عن النضر بن محمد.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فنزلوا منزلا فأصابهم العطش وليس معهم ماء فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أرأيتم إن دعوت لكم فسقيتم فلعلكم تقولون: سقينا هذا المطر بنوء كذا)) فقالوا: يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء قال: فصلى ركعتين ودعا الله تبارك وتعالى فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا حتى سالت الأودية وملأوا الأسقية ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يغترف بقدح له وهو يقول: سقينا بنوء كذا ولم يقل:
[أسباب النزول: 429]
هذا من رزق الله سبحانه فأنزل الله سبحانه {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ}.
-الخامس : السماء , ذكره الماوردي عن ابن جرير من غير إسناد , وذكره ابن كثير عن مجاهد بلا إسناد .
-السادس: مواقعها:الانقضاض إثر العفاريت ،ذكره بن عطية والثعالبي بلا نسبة لأحد .
القول الثانى :أن المراد بالنجوم ،نجوم القرآن إذ نزل مفرقا على السنين وهو مأخوذ من معنى نجم الشىء قسطه . واختلف في المواقع على أقوال:
الأول: :منازل القرآن {أنزل القرآن على الرسول منجما نجوما متفرقة} , ذكره عبدالرزاق عن معمر والكلبي قال: قال معمر وقال الكلبي هو القرآن كان ينزل نجوما . ورواه النسائي عن ابن عباس قال: - أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبي عوانة، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " نزل القرآن جميعًا في ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا، ثمّ فصّل فنزل في السّنين، فذلك قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. ورواه الطبري عن ابن عباس وعكرمة كذلك قال: حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا حصينٌ، عن حكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السّماء العليا إلى السّماء الدّنيا جملةً واحدةً، ثمّ فرّق في السّنين بعد قال: وتلا ابن عبّاسٍ هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: نزل متفرّقًا. وقال : حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. قال: أنزل اللّه القرآن نجومًا ثلاث آياتٍ وأربع آياتٍ وخمس آياتٍ.
قال ابن قتيبة : أراد نجوم القرآن إذا نزل.
قال الزجاج : عنى به نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء , ودليل هذا القول : {وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم * إنّه لقرآن كريم}فاستدل بالمعنى على ما يلي هذذه الآية من الآيات التي بينت أنها تتعلق بالقرآن .
قال ابن عطية : ويُؤَيِّدُ هَذا القَوْلَ عَوْدُ الضَمِيرِ عَلى القُرْآنِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾، وذَلِكَ أنَّ ذِكْرَهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلّا عَلى هَذا التَأْوِيلِ؟
فمن فسر النجوم بمعنى القسط من الشيء , والجزء منه , كما يقال: نجوم تادبات والغرامات . وجعلوا المراد بالنجوم الطوائف من الآيات التي تنزل من القرآن , فصرفوا ظاهر المعنى , كما قال ابن عاشور .
-الثاني: محكم القرآن . رواه الفراء في كتابه معاني القران عن المنهال بن عمرو عن ابن مسعود قال: الفضيل بن عياض عن منصور عن المنهال بن عمرو رفعه إلى عبدالله فيما أعلم شك الفراء قال: فلا أقسم بموقع النجوم، قال: بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبى صلى الله عليه نجوما . ورواه ابن جرير عن مجاهد , قال: حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، {فلا أقسم بمواقع النجوم}. قال: هو محكم القرآن.
*التعليق:" قال الفراء : وكان ينزل على النبي صلى الله عليه نجوما.
قال القسطلاني: ويؤيده وإنه لقسم وإنه لقرآن كريم, أي أن ما بعده من الآيات تؤيد هذا القول فإن القرآن الكريم محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
قال السندي: مبني على تشبيه معاني القرآن بالنجوم الساطعة، والأنوار اللامعة، ومحل تلك المعاني هي محكم القرآن، فصار مواقع النجوم. لكن قوله هذا قد لا يتناسب مع سياق الآية والله أعلم.
-الثالث:مستقر الكتاب أوله وآخره, رواه ابن جرير عن ابن عباس , قال: حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم وإنّه لقسمٌ لو تعلمون عظيمٌ}. قال: مستقرّ الكتاب أوّله وآخره.
*ومما يتعلق باختلاف العلماء هل المراد القرآن أو النجوم في السماء تفسير مرجع الضمير في قوله ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ فأصحاب القول الثاني قالوا: إِنَّ الْهَاءَ تَعُودُ عَلَى الْقُرْآنِ، أَيْ إِنَّ الْقُرْآنَ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ. وَقِيلَ: مَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ عَظِيمٌ (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) ذُكِرَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، أَيْ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ، لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا كَهَانَةٍ، وَلَيْسَ بِمُفْتَرًى، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ مَحْمُودٌ، جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُعْجِزَةً لِنَبِيِّهِ ﷺ، كما ذكره القرطبي.