المراسيل في التفسير
عناصر الدرس:
● موضوع الدرس
● تمهيد:
أسانيد التفسير تختلف عن الحديث
● الحديث المرسل
المقصود بالحديث المرسل
ضوابط قبول المراسيل في التفسير
صدق الخبر لا يتعارض مع اختلاف التفاصيل
● طريقةِ التعامُلِ مع مرويَّاتِ السَّلفِ في التفسيرِ
● أمثلةٌ على الاختلافِ في التفسيرِ
تلخيص الدرس:
● موضوع الدرس
المراسيل في التفسير
● تمهيد:
أسانيد التفسير تختلف عن الحديث :
غالب أسانيد التفسير لا تكون بقوة أسانيد الحديث فتجد الأسانيد ضعيفة في التفسير ، لأن أسانيد التفسير مبناها على المسامحة وأن بعضها يعضد بعضاً وهذا هو الصحيح الذي عليه عمل الفقهاء وعمل الأئمة الذين احتاجوا إلى الروايات المرسلة في الأحكام والاستنباط.
● الحديث المرسل
المقصود بالحديث المرسل
الحديث المرسل هو ما رفعه التابعي أو الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه منه .
ضوابط قبول المراسيل في التفسير :
- ألا يكون صاحبه تعمد الكذب فيه.
- أن يكون صاحبه لم يخطئ فيه.
- تعدد الروايات عن حدث واحد واستحالة التواطؤو على الكذب فيه .
- استحالة أخذهم من شخص واحد فإن استحال ذلك فلا شك بصدق الحدث الذي كررته الروايات وإن اختلفت صحة التفاصيل .
صدق الخبر لا يتعارض مع اختلاف التفاصيل :
معلوم أن الصحابة والتابعين لا يتعمدون الكذب ، أما الخطأ فقد يجوز على أحدهم أن يخطئ والخطأ والنسيان عرضة لابن آدم لكن هذا الخطأ والنسيان في تفاصيل القصص الطوال لا ينفي وقوعها
مثال : ما ذكر في قصة بيع جابر جمله على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وهذه الرواية بعضها مطولة وبعضها مختصرة عند أهل العلم فهذه الحادثة معلومة يقيناً أن جابراً باع جمله على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بثمن وأن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لما ذهب إلى المدينة رد عليه الجمل والثمن وهذا معلوم يقينا وإنما اختلف في تفاصيل القصة كمقدار الثمن وغير ذلك .
● طريقةِ التعامُلِ مع مرويَّاتِ السَّلفِ في التفسيرِ
قولُه تعالى: {وَالْبَيتِ المَعْمُورِ}.
ذَكرَ ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ وغيرُه عن السَّلفِ عدَّةَ أقوالٍ في معنى البيتِ المعمورِ، فقد وَردَ عن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال: إنه بيتٌ في السماءِ بِحِذاءِ الكعبةِ تَعمُرُه الملائكةُ، يَدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه، ويقالُ له: الضُّراحُ.
وورَدَ عن ابنِ عباسٍ من طريقِ العوفيِّ قال: بيتٌ بحذاءِ العَرشِ. وورد عن مجاهدٍ من طريقِ ابنِ أبي نَجِيحٍ أنه بيتٌ في السماءِ يُقالُ له: الضُّراحُ.
وعن عكرمةَ قال: بيتٌ في السماءِ بحيالِ الكعبةِ.
وعن الضحَّاكِ من طريقِ عُبيدٍ، قال: يزعُمون أنه يَروحُ إليه سبعونَ ألفَ ملَكٍ من قَبيلِ إبليسَ, يقالُ لهم: الحِنُّ.
ورَوى قتادةُ وابنُ زيدٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مُرسلًا أنه بيتٌ في السماءِ, وأنه يَدخُلُه في اليومِ سبعون ألفَ ملَكٍ لا يعودون إليه. وذَكرَ ابنُ حجَرٍ أنه وَردَ عن الحسَنِ ومحمدِ بنِ عبَّادِ بنِ جعفرٍ أنَّ البيتَ المعمورَ يُرادُ به الكعبةُ.
فإذا نظرتَ إلى هذا الاختلافِ في المرادِ بالبيتِ المعمورِ فإنَّك تَجِدُ أنَّ سببَ الخلافِ هو هل المرادُ بالبيتِ المعمورِ البيتُ الذي في السماءِ أو البيتُ الذي في الأرضِ الذي هو الكعبةُ؟
نوع الخلاف
التواطؤُ، وهو من قبيلِ الوصفِ الذي حُذِفَ موصوفُه، فوَصْفُ (المعمورِ) صالحٌ للكعبةِ وللبيتِ الذي في السماءِ.
كيفية الترجيح
هذا البيتُ الذي في السماءِ لا شكَّ أنه من عِلمِ الغيبِ، وما دام الأمرُ كذلك فإنه يَحتاجُ إلى أثَرٍ صحيحٍ، وقد ورد في ذلك حديثُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الذي ذَكرَ فيه أنه رأى إبراهيمَ عليه السلامُ مُسنِدًا ظَهرَه إلى البيتِ المعمورِ، فذكرَ أنه بيتٌ يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه. وهذا قولُ الجمهورِ و الحديث يثبت أوصاف للبيت وهي أنه في السماءِ السابعةِ، وأن إبراهيمَ عليه السلام مُسنِدًا ظهرَه إليه، وأنه يدخُلُه سبعون ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه
أما الأوصافُ التي اختلف عليها السَّلفُ :
أنه بحِذاءِ الكعبةِ؛ وهذا مرويٌّ عن عليٍّ وعكرمةَ.
وإنه بحِذاءِ العَرشِ؛ وهذا مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ.
وأنَّ اسمَهُ الضُّراحُ؛ وهو مرويٌّ عن عليٍّ ومجاهِدٍ.
وأنَّ الذين يَدخلُونه يقالُ لهم: الحِنُّ. وهم من قَبِيلِ إبليسَ، وهذا انفرد به الضحَّاكُ.
فترجح الأقوال كالآتي
- كونُ هذا البيتِ الذي في السماءِ بحذاءِ الكعبةِ وردَ عن اثنينِ لا يمكنُ أن يتواطآ على الكذِبِ، وهما عليٌّ وعكرمةُ، واحتمالُ أن يكونَ عكرمةُ أخَذَه من عليٍّ فيه ضعفٌ، فينبغي قبولُ هذه الروايةِ؛ لأنها مرويَّةٌ عن صحابيٍّ، وعضَّدَها مُرْسَلٌ .
-كونُه اسمُه الضراحُ أيضًا مرويٌّ عن اثنينِ هما عليٌّ ومجاهِدٌ، ولم يَرِدْ أنَّ مجاهدًا رواه عن عليٍّ، فيكونُ أيضًا من بابِ تعدُّدِ الرواياتِ.
وبناءً عليه فلو قلتَ: إنَّ هذا البيتَ بحذاءِ الكعبةِ , وإنه يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ , وإنه يسمَّى الضراحَ يكونُ مقبولًا لتعدُّدِ الرواياتِ به عن الصحابةِ والتابِعينَ, وبناءً على قبولِ قولِ الصحابيِّ في الأمورِ الغيبيةِ.
- ولكن كونُ الذين يدخُلُونه من قبيلِ الحِنِّ، هذا لا يُقبلُ؛ لأنه تفرَّد به الضحَّاكُ. فيُتوقَّفُ فيه.
والمقصودُ أن يُنظَرَ ما اتَّفقَتْ فيه الرواياتُ فيُقبلَ، وما الذي افترقتْ فيه فيُتوقَّفَ فيه حتى يَرِدَ دليلٌ آخـرُ.
● أمثلةٌ على الاختلافِ في التفسيرِ
- قولُه تعالى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ}.
الخلافُ في معنى " العتيق " يرجعُ إلى قولَيْنِ أحدُهما أنه مُشتَقٌّ من العِتقِ ضدِّ العبوديةِ، والثاني أنه مشتَقٌّ من العَتَاقةِ وهي القِدَمُ.
سببُ الخلافِ
يرجعُ إلى اللغةِ، وهو أنَّ لَفظَ (العِتقِ) لفظٌ مُشترَكٌ يحتملُ هذا المعنى ويَحتملُ ذلك المعنى الآخَرَ، وهذا يُسمَّى بالاشتراكِ اللغويِّ.
وهذا الخلافُ يَدخلُ في اختلافِ التنوُّعِ؛ لأنَّ القولَيْنِ ليس بينَهما تعارُضٌ، فالبيتُ مُعتَقٌ من الجبابرةِ وغيرِهم, وهو في نفسِ الوقتِ قديمٌ ، والآيةُ تحتملُ التفسيرَيْنِ معًا .
- قولُه تعالى{وأمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بالطَّاغِيَةِ}
فأما الطاغيةُ ففيها ثلاثةُ أقوالٍ " الفِعلةُ الطاغيةُ التي هي كُفرُهم وطغيانُهم ، الصَّيْحةُ الطاغيةُ التي أُهلِكوا بها فطغَتْ على كلِّ صيحةٍ ، الرجُلُ الطاغيةُ الذي هو عاقِرُ الناقةِ "
سبب الخلاف :
أن لفظُ (الطاغية) في الآيةِ وصفٌ حُذِفَ موصوفُه، فيحتملُ أن يكونَ هذا المحذوفُ هو أحَدَ المعاني الثلاثةِ المذكورةِ، وهو ما يسمي بالتواطؤو .
ويمكنُ أن تُرَجَّحَ أحدُ هذه الأقوالِ بدليلٍ خارجيٍّ, وهو قولُه تعالى في آيةٍ أُخْرَى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}. أي: بسببِ طُغيانِها، فتُجْعَلَ هذه الآيةُ تفسِّرُ الأخرى، فيكونُ القولُ الأولُ – وهو قولُ ابنِ عباسٍ ومجاهدٍ ومقاتِلٍ وأبي عبيدةَ وابنِ قتيبةَ– هو الراجِحَ، لوجودِ نظيرٍ له في القرآنِ في موضِعٍ آخَرَ.
ويمكنُ أن يقالَ أيضًا: إنَّ السياقَ يدلُّ على أن المرادَ بالطاغيةِ العذابُ؛ لأنه لما وَصفَ عذابَ عادٍ بالريحِ وَصفَ عذابَ ثمودَ بالطاغيةِ .
ويختلف ترجيح المفسرون في ذلك وهو من اختلاف التنوع لأنَّ لفظَ الآيةِ يحتمِلُها جميعًا .