الجزء الثاني القسم الثالث من الدقيقة 10 إلى 15
أي هل يستوي الذين يعلمون والذين ليس لديهم علم وإذا قلنا نفي فائدته يكون المعنى هل يستوي الذين يعلمون والذين لا ينتفعون بعلمهم
قد يتعلم بعض طلاب العلم شيئا يقرؤون كتبا كثيرة وقد يتعلمون مسائل كثيرة لكنهم لا ينتفعون بها، فهل يستوي من ينتفع بعلمه و من لا ينتفع ، فالآية على هذين القولين.
والخشية والإنابة هي قائمة على العلم قياما صحيحا لأن أصل الخشية والإنابة لا تكون إلا باليقين ،واليقين هو صفو العلم وخلاصته ، وقد قال عبادة ابن الصامت رضي الله عنه لجبير ابن نفير:"إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس : الخشوع يوشك ان تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعا " رواه الدارمي والترمذي وغيرهما
فسمى الخشوع علما وهو كذلك لأن الخاشع مقبل بقلبه على كلام ربه معظما له كثير التفكر والتدبر له فيوفق لفهمه والإنتفاع به إنتفاعا لا يحصله من يقرأ مئات الكتب وهو هاجر لكتاب ربه ،ولا يحصله من يقرأ القرآن وصدره ضائق بقراءته يصبر نفسه عليه ويفرح ببلوغ آخر السورة لينصرف إلى دنياه ،وقد قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه :"كفى بخشية الله علما وكفى بالإغترار به جهلا" رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان ،وروي نحوه في عن الفضيل ابن عياض وابن المبارك رواهما ابن الأعرابي في معجمه وغيره .
وقد قال الله عز وجل :"إنما يخشى الله من عباده العلماء " وقد فسرت الحكمة بالخشية في قول الله تعالى :" يوت الحكمة من يشاء ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب " ، قال الربيع ابن أنس البكري في قوله "يوت الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة ..." الآية ،الحكمة الخشية لأن رأس كل شيء خشية الله وقرأ " إنما يخش الله من عباده العلماء " هذه رواية ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم موصولا إلى أبي العالية الرياحي قال "الحكمة الخشية فإن خشية الله رأس كل حكمة .
وأهل الخشية الإنابة بما يجعل الله لهم من النور والفرقان الذي يميزون به بين الحق والباطل والهدى والضلالة والرشاد والزيغ وما يحبه الله و ما يبغضه يحصل لهم من اليقين والثبات على سلوك الصراط المستقيم ما هو من أعظم ثمرات العلم ، وقد قال الله تعالى :"يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم "
قال عبد الرحمن ابن زيد ابن أسلم ("فرقان" يفرق في قلوبهم بين الحق والباطل حتى يعرفوه ويهتدوا بذلك الفرقان) رواه ابن جرير.
فأهل الخشية والإنابة أعظم الناس حظا بهذا الفرقان وهو فرقان في القلوب التي استنارت بنور الله فمشت بهدى الله عز وجل كما قال الله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم ".
فأهل الخشية والإنابة يوفقون للتذكر ويوفقون للهدى ويوفقون للإنتفاع بعلومهم ويجعل لهم فرقانا في قلوبهم يميزون به بين الحق والباطل ،فهم أصحاب العلم الخالص وانتفاعهم بالعلم أعظم من انتفاع من قصر في ذلك وقد قال الله عز وجل :"قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب "
وقال الله تعالى :"الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ".
وقد اشتهر بخشية الله عز وجل وعلم السلوك من أهلم العلم والأئمة الكبار من الصحابة والتابعين وتابعيهم أئمة عرفت آثارهم واستفاض الثناء عليهم