1173- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُسْلِمُ يَكْفِيهِ اسْمُهُ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيُسَمِّ، ثُمَّ لْيَأْكُلْ)). أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَهُوَ صَدُوقٌ ضَعِيفُ الْحِفْظِ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفاً عَلَيْهِ.
وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ بِلَفْظِ: ((ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلاَلٌ، ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، أَمْ لَمْ يَذْكُرْ)). وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ.
*درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ موقوفاً.
رجالُ سَنَدِ الحديثِ موقوفاً إلى ابنِ عَبَّاسٍ ثِقاتٌ؛ فأَخْرَجَهُ عبدُ الرزَّاقِ بإسنادٍ صحيحٍ إلى ابنِ عَبَّاسٍ موقوفاً، وأَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ بسندِه إلى ابنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً، ولكنَّ الراجحَ وَقْفُه معَ صِحَّتِه إليه.
أمَّا المرفوعُ فضعيفٌ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وهناكَ مَن صَحَّحَهُ كابنِ السَّكَنِ، وقالَ ابنُ القَطَّانِ: ليسَ في إسنادِه مَن تُكُلِّمَ فيه عَدَا مُحَمَّدِ بنِ سِنانٍ؛ فإنَّه صدوقٌ صالحٌ، لكِنْ فيه تفصيلٌ.
*ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- الحديثُ يَدُلُّ على مشروعيَّةِ تَسْمِيَةِ الذابحِ عندَ حركةِ يَدِهِ للذبْحِ؛ لأنَّ تلكَ اللحظةَ هي وقتُ إزهاقِ رُوحِ الحيوانِ.
2- ووجوبُ التسميةِ إذا كانَ ذاكراً لها، وأمَّا إنْ تَرَكَهَا نِسياناً فذبيحتُه حلالٌ، وهذا مَذْهَبُ جمهورِ العلماءِ، ومِنهم الأَئِمَّةُ الثلاثةُ: مالكٌ، وأبو حَنيفةَ، وأحمدُ.
أمَّا الشافعيُّ فيَرَى أنَّ التسميةَ سُنَّةٌ، فإنْ أَسْقَطَها عَمْداً أو نِسياناً فلا حَرَجَ عليه، وسيأتي تفصيلُ الخلافِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
3- الحديثُ يَدُلُّ على مشروعيَّةِ التسميةِ عندَ الأكلِ.
فقدْ جاءَ في (الْبُخَارِيِّ) (5376) و(مُسْلِمٍ) (2022) من حديثِ عمرَ بنِ أبي سَلَمَةَ قالَ: قالَ لي رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا غُلاَمُ! سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ،وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ)).
قالَ في (شرحِ الإقناعِ): وتُسَنُّ التسميةُ على الطعامِ والشرابِ، فيقولُ: بِاسمِ اللَّهِ.
قالَ الشيخُ تقيُّ الدينِ: لو زادَ(الرَّحْمَنِ الرحيمِ) لكانَ أحسنَ؛ فإنَّه أكملُ، بخلافِ الذبْحِ؛ فإنَّه لا يُناسِبُ، وإنْ نَسِيَ التسميةَ في أوَّلِ الأكلِ أو الشربِ، قالَ إذا ذَكَرَ: باسمِ اللَّهِ أوَّلَهُ وآخِرَهُ.
4- الروايةُ المرسلَةُ عندَ أبي دَاوُدَ على فَرْضِ صلاحِيَتِها للاستدلالِ، فإنَّها تُحْمَلُ على أنَّ المرادَ به الناسِي؛ لأنَّها لا تُقاوِمُ الأحاديثَ التي صَحَّتْ على وجوبِ التسميةِ، واللَّهُ أعلمُ.
*خِلافُ العلماءِ:
اخْتَلَفَ العلماءُ في حُكْمِ التسميةِ عندَ الذبحِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
الأوَّلُ: أنها واجبةٌ مُطلقاً، فلا تَسْقُطُ لا عَمْداً ولا سَهْواً؛ وهذا مَذْهَبُ الظاهريَّةِ، وسَبَقَهم ابنُ عمرَ، والشَّعْبِيُّ، وابنُ سِيرِينَ.
الثاني: أنها واجبةٌ إذا كانَ ذاكِراًً، وتَسْقُطُ معَ النسيانِ؛ وهذا مذهبُ جمهورِ العلماءِ، ومنهم الأَئِمَّةُ الثلاثةُ.
الثالثُ: أنها سنَّةٌ مؤكَّدَةٌ, وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ وأصحابِه، وهو مرويٌّ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وأبي هُرَيْرَةَ.
فمَن ذهَبَ إلى وُجُوبِها مطلقاً اسْتَدَلَّ بالآيةِ: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] والآيةُ ناسخةٌ لحديثِ عَائِشَةَ، وحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ.
وأمَّا مَن شَرَطَ التسميةَ معَ ذِكْرِها وإسقاطَها عندَ نِسيانِها فصارَ إلى قولِه تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]،وإلى قولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: ((عُفِيَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ)). رَوَاه ابنُ ماجَهْ (2045).
ومَن ذهَبَ إلى أنها سُنَّةٌ عَمِلَ بالحديثيْنِ، ولم يَرَ النسخَ؛ لأنَّ الحديثيْنِ بالمدينةِ، والآيةُ مَكِّيَّةٌ، فلا تَصْلُحُ دَعْوَى النسْخِ.
والقولُ الثاني هو الراجِحُ، واللَّهُ أعلمُ.