823- وعن المِقْدامِ بنِ مَعْدِ يَكْرِبَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ)). أخْرَجَهُ أحمدُ والأربعةُ، سِوَى التِّرْمِذِيِّ، وحَسَّنَهُ أبو زُرْعَةَ الرازِيُّ، وصَحَّحَه الحاكِمُ، وابنُ حِبَّانَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ صَحِيحٌ.
وللحديثِ طَرِيقانِ:
الأولى: أخْرَجَها أحمدُ، وسعيدُ بنُ مَنْصورٍ، وأبو دَاوُدَ، وابنُ مَاجَهْ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكِمُ، وغيرُهم، كُلُّهم عن بديلِ بنِ مَيسَرَةَ, عن عليِّ بنِ أبي طَلْحَةَ، وإسنادُه حَسَنٌ.
الطريقُ الأُخْرَى: أخْرَجَها أبو دَاوُدَ والبَيْهَقِيُّ عن صالِحِ بنِ يَحْيَى بنِ المِقْدَامِ عن أبيهِ, عن جَدِّه، وهذا سَنَدٌ ضَعِيفٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ حَسَّنَهُ أبو زُرْعَةَ، وصَحَّحَه الحاكِمُ، وابنُ حِبَّانَ.
قالَ الألبانِيُّ: الحديثُ صَحِيحٌ بلا رَيْبٍ؛ لهذه الشواهِدِ.
824- وعن أبي أُمامَةَ بنِ سَهْلٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ قالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلى أبي عُبَيْدَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ:إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ: ((اللَّهُوَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لاَ مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ)). رواهُ أحمدُ والأربعةُ سِوَى أبي دَاوُدَ، وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ حَسَنٌ.
قال التِّرْمِذِيُّ: حديثٌ حَسَنٌ، وهو مِن شَواهِدِ الحديثِ السابِقِ.
قالَ الحافِظُ في (التلخيصِ): قالَ البَزَّارُ: أَحْسَنُ إسنادٍ فيهِ حديثُ أبي أُمامَةَ بنِ سَهْلٍ، والحديثُ له عِدَّةُ شَوَاهِدَ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.
* مُفْرداتُ الحَديثِ:
- اللَّهُ ورَسُولُه مَوْلَى مَن لاَ مَوْلَى لَهُ: أي: وارثانِ مَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ، والمرادُ بمِيراثِهما إدخالُ مَالِه في بَيْتِ مالِ المُسلمِينَ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثيْنِ:
1- الوَرَثَةُ ثَلاثَةُ أَقْسامٍ: أصحابُ الفُروضِ، والعَصَبَةُ، وذَوُو الأَرْحامِ، عندَ مَن يقولُ بتَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ.
2- ذَوُو الأرحامِ لا يَرِثُونَ إلاَّ إذا لمْ يُوجَدْ أَصْحَابُ الفروضِ ولا العَصَبَةُ؛ ولذا جَاءَ في هذيْنِ الحديثيْنِ: ((الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ)) فمتى عُدِمَ الوَرَثَةُ مِن ذَوِي الفُروضِ، والعَصَبَةِ، وَرِثَه ذَوُو الأرحامِ مِن خالٍ، وجَدٍّ لأُمٍّ ونَحْوِهما.
3- أمَّا قولُه: ((اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لاَ مَوْلَى لَهُ)) فالمرادُ بَيْتُ مالِ المُسلمِينَ؛ فإنَّه وَارِثُ مَن لا وَارِثَ لَهُ عندَ المَالِكِيَّةِ مُطْلقاً، وعندَ الشافِعِيَّةِ إِنِ انْتَظَمَ وصَارَ عليهِ إمامٌ عادِلٌ، وعندَ الحَنَفِيَّةِ والحنابِلَةِ أنه حَافِظٌ، وليسَ بوَارِثٍ، وبناءً على تَوْريثِه وعَدَمِه جَاءَ الخلافُ في توريثِ ذَوِي الأرحامِ، كما يلي:
* خِلافُ العُلماءِ:
اخْتَلَفَ العُلماءُ في تَوريثِ ذَوِي الأرْحامِ إذا لم يُوجَدْ صَاحِبُ فَرْضٍ غَيْرُ الزوجَيْنِ، ولم يُوجَدْ عَاصِبٌ.
فذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والحَنابِلَةُ إلى أنَّهم يَرِثُونَ.
وذهَبَ المَالِكِيَّةُ والشافِعِيَّةُ إلى عَدَمِ تَوْرِيثِهم.
والراجِحُ هو تَوْرِيثُهم؛ لقولِهِ تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] ومعناهُ: أَحَقُّ بالتوارثِ, في حُكْمِ اللَّهِ تعالى.
ولحَدِيثِ البابِ: ((الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ)) فقدْ جَعَلَ الخَالَ وَارِثاً عندَ عَدَمِ الوارثِ بالفَرْضِ أو التعصيبِ، والخالُ مِن ذوي الأرحامِ, فيُلْحَقُ به غَيْرُه منهم.
قالَ ابنُ القَيِّمِ: جَاءَ تَوْرِيثُهم مِن وُجوهٍ مُخْتلفَةٍ، وليسَ في أحاديثِ الأُصولِ ما يُعارِضُها، وجُمهورُ العلماءِ يُورِّثُونَهم، وهو قولُ أكثرِ الصحابةِ، وأسْعَدُ الناسِ مَنْ ذَهَبَ إليه.
واخْتَلَفَ القائِلونَ بتَوريثِهم في طريقةِ تَوريثِهم.
والراجِحُ أنَّهم يَرِثونَ بتنزيلِهم مَنْزِلَةَ مَن أَدْلَوْا بهم، وهذا مَذْهَبُ الجُمهورِ.
قالَ الشيخُ تَقِيُّ الدينِ: والمنقولُ عن الصحابةِ والتابعِينَ وجمهورِ العلماءِ, ومنهم الإمامُ أحمدُ, تَنزِيلُ كلِّ وَاحِدٍ مِن ذوي الأرحامِ مَنْزِلَةَ مَن أَدْلَى به، قَرِيباً كانَ أو بعيداً، ولا يُعْتَبَرُ القُرْبُ إلى الوَارِثِ.
قالَ في (المُنْتَهَى) وشَرْحِه: ويَرِثُونَ بتنزيلِهم مَنْزِلةَ مَن أَدْلَوْا به، فيُنْزَلُ كلٌّ منهم مَنْزِلَةَ مَن أَدْلَى بهِ مِن الوَرَثَةِ بدَرَجَةٍ أو دَرجاتٍ، حتى يَصِلَ إلى مَن يَرِثُ، فيَأْخُذَ مِيرَاثَهُ، ثم يُجْعَلُ نَصِيبُ كُلِّ وَارِثٍ بفَرْضٍ أو تعصيبٍ لمَن أَدْلَى به من ذوي الأرحامِ، فإنْ أَدْلَى جَمَاعَةٌ مِن ذوي الأرحامِ بوَارِثٍ، بفرضٍ أو تعصيبٍ، واستَوَتْ منزلتُهم منه بلا سَبْقٍ؛ كأولادِه، وإخوتِه المُتفرِّقِينَ، الذين لا وَاسِطَةَ بينَه وبينَهم، فنَصِيبُه لهم كإِرْثِهم منه، لكنَّه يَسْتَوِي الذَّكَرُ والأُنْثَى؛ لأنَّهم يَرِثُونَه بالرحِمِ المُجَرَّدَةِ، فاسْتَوَى ذَكَرُهم وأنثاهم كوَلَدِ الأُمِّ، وإنِ اخْتَلَفَتْ منزلتُهم مِمَّن أَدْلَوا به، جَعَلْتَ المُدْلَى بهِ كالمَيِّتِ، وقَسَّمْتَ نَصِيبَه بينَ مَن أَدْلَوْا به على حَسَبِ منازِلِهم منه؛ كثلاثِ خَالاتٍ مُتفرِّقاتٍ وثَلاثِ عَمَّاتٍ مُتفَرِّقاتٍ, فالثُّلُثُ الذي للأمِّ بينَ الخالاتِ على خَمْسَةٍ، والثُّلُثانِ اللذانِ كانَا للأبِ تَعْصِيباً بينَ العَمَّاتِ علَى خَمْسَةٍ.
وإنْ أَدْلَى جَماعَةٌ مِن ذَوِي الأرحامِ، بجماعةٍ مِن ذوي الفُروضِ أو العَصَباتِ، جَعَلْتَ كَأَنَّ المُدْلَى بِهِم أحياءٌ، وقَسَّمْتَ المَالَ بينَهم، وأَعْطَيْتَ نَصِيبَ كلِّ وَارِثٍ بفَرْضٍ أو تَعْصيبٍ لمَن أَدْلَى بهِ مِن ذوي الأرحامِ؛ لأنهم ورَثَتُه، وإنْأَسْقَطَ بعضُهم بعضاً عَمِلْتَ به، ويَسْقُطُ بعيدٌ مِن وَارِثٍ بأقْرَبَ منه إليه؛ كبِنْتِ بِنْتٍ، وبِنْتِ بِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ، المَالُ للأُولَى، وكخالةٍ وأُمِّ أبي أمٍّ، المالُ للخَالَةِ؛ لأنَّها تَلْتَقِي بالأُمِّ بأَوَّلِ دَرَجَةٍ، بخِلافِ أُمِّ أبيها.
* وجِهاتُ ذَوِي الأرحامِ ثَلاثٌ: أُبُوَّةٌ، وأُمومَةٌ، وبُنُوَّةٌ؛ لأنَّ طَرَفَه الأعْلَى الأبوانِ؛ لأنه نَشَأَ منهما، وطَرَفَه الأسْفَلَ وَلَدُه، لأنَّ مَبْدَأَه منه نَشَأَ، فكلُّ قَرِيبٍ إنَّما يُدْلِي بواحدٍ من هؤلاء.
قالَ المُوَفَّقُ في (المُغْنِي): وهم أَحَدَ عَشَرَ صِنْفاً.
1- وَلَدُ البناتِ سواءٌ أكانَ لصُلْبٍ، أو بناتِ بناتٍ.
2- أبناءُ الأخواتِ لأبويْنِ، أو لأبٍ.
3- بناتُ الأخواتِ لأبويْنِ، أو لأبٍ.
4- بناتُ الأعمامِ لأبويْنِ، أو لأبٍ.
5- وَلَدُ وَلَدِ الأُمِّ ذَكَراً، أو أُنْثَى.
6- العَمُّ لأُمٍّ، سَواءٌ كانَ عَمَّ المَيِّتِ أو عَمَّ أبيهِ أو عَمَّ جَدِّه.
7- عَمَّاتُ المَيِّتِ، أو عَمَّاتُ أبيهِ، أو عَمَّاتُ جَدِّه.
8- الأَخْوَالُ والخَالاتُ، سَواءٌ أكانوا ذُكُوراً أو إِنَاثاً.
9- أبو الأُمِّ، وإنْ عَلاَ.
10- كلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بأَبٍ بينَ أُمَّيْنِ.
11- مَنْ أَدْلَى بصِنْفٍ مِن هؤلاءِ كعَمَّةِ العَمَّةِ، وخالةِ الخالةِ، وعَمَّةِ العَمِّ لأُمٍّ، أخيهِ[؟؟] كأبِ أَبِي الأُمِّ، وعَمِّه، وخالِه، ونحوِ ذلك، يُورَّثُونَ بتنزيلِهم منزلةَ من أَدْلَوْا به.
قالَ في (الإنصافِ): هذا المَذْهَبُ وعليهِ الأصحابُ.