دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو الحجة 1435هـ/27-09-2014م, 11:37 PM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
Post من سورة الأعلى إلى سورة الفجر

تفسير سورة الأعلى
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر


أسماء السورة
سورة سبح -ك ، س-
سُورَةُ الأَعْلَى -ش-

مكان نزول السورة: -ك , س-

وهي مكّيّةٌ.
والدّليل على ذلك ما رواه البخاريّ: عن البراء بن عازبٍ قال: أوّل من قدم علينا من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مصعب بن عميرٍ وابن أمّ مكتومٍ، فجعلا يقرئاننا القرآن، ثمّ جاء عمّارٌ وبلالٌ وسعدٌ، ثمّ جاء عمر بن الخطّاب في عشرين، ثمّ جاء النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيءٍ فرحهم به، حتّى رأيت الولائد والصّبيان يقولون: هذا رسول اللّه قد جاء، فما جاء حتّى قرأت: {سبّح اسم ربّك الأعلى}. في سورٍ مثلها)

فضائل السورة: -ك-
-محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها :

وقال الإمام أحمد: عن عليٍّ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ هذه السورة: {سبّح اسم ربّك الأعلى}. تفرّد به أحمد.
-الصلاة بـ(سبح اسم ربك الأعلى ) :
1-الوصاية بالصلاة به
ا: وثبت في الصحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لمعاذٍ: ((هلاّ صلّيت بـ{سبّح اسم ربّك الأعلى}، {والشّمس وضحاها}، {واللّيل إذا يغشى})).
2-الصلاة بها في العيدين والجمعة : وقال الإمام أحمد: عن النّعمان بن بشيرٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ في العيدين بـ{سبّح اسم ربّك الأعلى}، و{هل أتاك حديث الغاشية}. وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعاً.
3-الصلاة بها في الوتر: وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبيّ بن كعبٍ وعبد اللّه بن عبّاسٍ وعبد الرّحمن بن أبزى وعائشة أمّ المؤمنين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرأ في الوتر بـ{سبّح اسم ربّك الأعلى}، و{قل يا أيّها الكافرون}، و{قل هو اللّه أحدٌ}. زادت عائشة والمعوّذتين.
-ماتضمنته السورة في كونها من أذكار الصلاة :قال الإمام أحمد: عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ لمّا نزلت: {فسبّح باسم ربّك العظيم}. قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((اجعلوها في ركوعكم)). فلمّا نزلت: {سبّح اسم ربّك الأعلى}. قال: ((اجعلوها في سجودكم)). ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن موسى بن أيّوب به.
5-الذكر الوارد عند قراءتها :
وقال الإمام أحمد: عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا قرأ: {سبّح اسم ربّك الأعلى}. قال: ((سبحان ربّي الأعلى)).

تفسير قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) }


تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) )
معنى التسبيح :

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}؛ أَيْ: نَزِّهْهُ عَنْ كُلِّ مَا لا يَلِيقُ بِهِ بِقَوْلِكَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى.
نَزِّهْ تَسْمِيَةَ رَبِّكَ, وَذِكْرُكَ إِيَّاهُ أنْ تَذْكُرَهُ إِلاَّ وَأَنْتَ خَاشِعٌ لَهُ مُعَظِّمٌ، وَلِذِكْرِهِ مُحْتَرِمٌ.
-ما يتضمن الأمر بالتسبيح :
يأمرُ تعالى بتسبيحهِ المتضمن لذكرهِ وعبادتهِ، والخضوعِ لجلالهِ، والاستكانةِ لعظمتهِ، وأنْ يكونَ تسبيحاً يليقُ بعظمةِ اللهِ تعالى، بأنْ تذكرَ أسماؤهُ الحسنى العاليةُ على كلِّ اسمٍ بمعناها الحسنِ العظيمِ، وتذكرَ أفعالُه التي منها أنَّهُ خلقَ المخلوقاتِ فسواها.


تفسير قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) )
-معنى الآية :

-عامة لجميع المخلوقات: خلق الخليقة وسوّى كلّ مخلوقٍ في أحسن الهيئات . –ك-
-خاص بالإنسان : خَلَقَ الإِنْسَانَ مُسْتَوِياً، فَعَدَلَ قَامَتَهُ وَسَوَّى فَهْمَهُ وَهَيَّأَهُ للتَّكْلِيفِ. –ش-

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) )
معنى التقدير في الآية:

{وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}؛ الْمَعْنَى: قَدَّرَ أَجْنَاسَ الأَشْيَاءِ، وَأَنْوَاعَهَا وَصِفَاتِهَا وَأَفْعَالَهَا وَأَقْوَالَهَا وَآجَالَهَا.
معنى الهداية :
أي : هَدَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِلَى مَا يَصْدُرُ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي لَهُ، وَيَسَّرَهُ لِمَا خَلَقَهُ لَهُ، وَأَلْهَمَهُ إِلَى أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَقَدَّرَ أَرْزَاقَ الْخَلْقِ وَأَقْوَاتَهُمْ، وَهَدَاهُمْ لِمَعَايِشِهِمْ إِنْ كَانُوا إِنْساً، وَلِمَرَاعِيهِمْ إِنْ كَانُوا وَحْشاً، وَخَلَقَ المنافعَ فِي الأَشْيَاءِ، وَهَدَى الإِنْسَانَ لِوَجْهِ اسْتِخْرَاجِهَا مِنْهَا). [زبدة قال مجاهدٌ: هدى الإنسان للشّقاوة والسعادة، وهدى الأنعام لمراتعها.
-وهذه الآية كقوله تعالى إخباراً عن موسى أنّه قال لفرعون: {ربّنا الّذي أعطى كلّ شيءٍ خلقه ثمّ هدى}. أي: قدر قدراً، وهدى الخلائق إليه، كما سبق في صحيح مسلمٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((إنّ اللّه قدّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السّماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، وكان عرشه على الماء)) .
-نوع الهداية وارتباط الآية بما بعدها :
وهذه الهدايةُ العامةُ،التي مضمونهُا أنهُ هدى كلَّ مخلوقٍ لمصلحتهِ، وتذكرَ فيها نعمهُ الدنيويةُ، ولهذا قالَ فيهَا: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى}.


تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) )
معنى الآية:

{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} أي: أنزلَ منَ السماءِ ماءً فأنبتَ بهِ أنواعَ النباتِ والعشبِ الكثيرِ، فرتعَ فيهَا الناسُ والبهائمُ وكلُّ حيوانٍ.


تفسير قوله تعالى: (فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) )
معنى الآية والمقصد منها :

أي: جعلَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَخْضَرَ, غُثَاءً أي :هشيماً رميماً، أَحْوَى؛ أَيْ: أَسْوَدَ بَعْدَ اخْضِرَارِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الكَلَأَ إِذَا يَبِسَ اسْوَدَّ ويذكرَ فيها نعمَهُ الدينيةَ، ولهذا امتنَّ اللهُ بأصِلِها ومنشئِها، وهوَ القرآنُ.
قال ابن عبّاسٍ: هشيماً متغيّراً. وعن مجاهدٍ وقتادة وابن زيدٍ نحوه.
قال ابن جريرٍ:
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أنّ ذلك من المؤخّر الذي معناه التقديم، وأنّ معنى الكلام: والذي أخرج المرعى أحوى، أي: أخضر إلى السّواد، فجعله غثاءً بعد ذلك. ثم قال ابن جريرٍ: وهذا وإن كان محتملاً إلاّ أنّه غير صوابٍ؛ لمخالفته أقوال أهل التأويل.

تفسير قوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) )
-سبب النزول :

كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بالوَحْيِ لَمْ يَفْرُغْ جِبْرِيلُ منْ آخِرِ الآيَةِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَوَّلِهَا؛ مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهَا؛ فَنَزَلَتْ: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى}, فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ وَعَصَمَهُ مِنْ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ.
كاف الخطاب عائدة إلى : {سنقرئك}. أي: يا محمد، {فلا تنسى}.
أي: سنحفظُ ما أوحينا إليكَ منَ الكتابِ، ونوعيهِ قلبكَ، فلا تنسى منهُ شيئاً.
المقصد من الآية: وهذا إخبارٌ بشارةٌ كبيرةٌ منَ اللهِ لعبدهِ ورسولِه محمدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ، ووعدٌ منه له بأنّه سيقرئه قراءةً لا ينساها.


تفسير قوله تعالى: (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) )
-معنى الاستثناء (إلا ما شاء الله)

قال قتادة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا ينسى شيئاً إلاّ ما شاء اللّه.
مما اقتضتْ حكمتُهُ أنْ ينسيكَهُ لمصلحةٍ بالغةٍ.
وقيل: المراد بقوله: {فلا تنسى} طلبٌ، وجعلوا معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النّسخ، أي: لا تنسى ما نقرئك إلاّ ما يشاء اللّه رفعه، فلا عليك أن تتركه.
-معنى {إنه يعلم الجهر وما يخفى }:
أي: يَعْلَمُ مَا ظَهَرَ وَمَا بَطَنَ، فيعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ.
وقيل: يعلمُ ما يصلحُ عبادهُ أي: فلذلكَ يَشرعُ ما أرادَ، ويحكمُ بما يريدُ.

تفسير قوله تعالى: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) )
-معنى الآية:

قيل: نسهّل عليك أفعال الخير وأقواله، ونشرّع لك شرعاً سهلاً سمحاً مستقيماً عدلاً لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر.
وقيل: نُهَوِّنُ عَلَيْكَ عَمَلَ الْجَنَّةِ، وَنُهَوِّنُ عَلَيْكَ الْوَحْيَ حَتَّى تَحْفَظَهُ وَتَعْمَلَ بِهِ، أَوْ نُوَفِّقُكَ للطَّرِيقَةِ اليُسْرَى فِي الدِّينِ والدنيا، فِي كُلِّ أَمْرٍ منْ أمورِهِمَا الَّتِي تَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ.
-ماتقتضيه الآية : وهذه أيضاً بشارةٌ كبيرةٌ، أنَّ اللهَ ييسرُ رسولَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في جميعِ أمورِه ويجعلُ شرعَهُ ودينَهُ يسراً.

تفسير قوله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) )
{فَذَكِّرْ} بشرعِ اللهِ وآياتهِ {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أي: ما دامتِ الذكرى مقبولةً، والموعظةُ مسموعةً، سواءٌ حصلَ منَ الذكرى جميعُ المقصودِ أو بعضُهُ.
فَأَمَّا مَنْ ذُكِّرَ وَبُيِّنَ لَهُ الْحَقُّ بِجَلاءٍ فَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَأَصَرَّ عَلَى العِصيانِ فَلا حَاجَةَ إِلَى تَذْكِيرِهِ، وَهَذَا فِي تكريرِ الدعوةِ، فَأَمَّا الدُّعَاءُ الأَوَّلُ فَعَامٌّ.
-ما تقتضيه الآية من الآداب:
ومن ههنا يؤخذ الأدب في نشر العلم، فلا يضعه عند غير أهله، كما قال أمير المؤمنين عليٌّ رضي اللّه عنه: ما أنت بمحدّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلاّ كان فتنةً لبعضهم، وقال: حدّث الناس بما يعرفون، أتحبّون أن يكذّب اللّه ورسوله؟!؟.
-ومفهومُ الآيةِ أنَّهُ إنْ لمْ تنفعِ الذكرى، بأنْ كانَ التذكيرُ يزيدُ في الشَّرِّ، أو ينقصُ منَ الخِير، لمْ تكنِ الذكرى مأموراً بها، بل منهيّاً عنها.
فالذكرى ينقسمُ الناسُ فيها قسمينِ:
-منتفعونَ.
-وغيرُ منتفعينَ.
وسيأتي تفصيل ذلك في الآيات التالية .


تفسير قوله تعالى: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) )
-معنى الآية وسبب انتفاعه بالذكرى:

أي: سيتّعظ بما تبلّغه يا محمد، من قلبه يخشى اللّه ويعلم أنّه ملاقيه وهو المنتفع بالذكرى.
فقد ذكرَه بقولِهِ: {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى} اللهَ تعالى، فإنَّ خشيةَ اللهِ تعالى، وعِلْمَهُ بأنْ سيجازيهِ على أعمالهِ، توجبُ للعبدِ الانكفافَ عن المعاصي والسعيَ في الخيراتِ.



تفسير قوله تعالى: { وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}


تفسير قوله تعالى: (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) )
-معنى الآية وسبب عدم انتفاعه بالذكرى:

أَيْ: وَيَتَجَنَّبُ الذِّكْرَى وَيَبْعُدُ عَنْهَا الأَشْقَى من الْكُفَّارِ؛ لإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَانْهِمَاكِهِ فِي مَعَاصِيهِ , وهو غير المنتفع بالذكرى وذكره بقولهِ: {وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} وهي النارُ الموقدةُ، التي تطلعُ على الأفئدةِ.

تفسير قوله تعالى: (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) )
-النار الكبرى والنار الصغرى:

أَي:النار العَظِيمَةَ الفَظِيعَةَ، وَالنارُ الصُّغْرَى: نَارُ الدُّنْيَا

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (13) )
أي: لا يموت فيستريح مما هو فيه من العذاب، ولا يحيا حياةً تنفعه، بل هي مضرّةٌ عليه؛ لأنّ بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب وأنواع النّكال.
-الأحاديث والآيات الموافقة لهذه الآية:
وقال أحمد أيضاً: عن أبي سعيدٍ الخدريّ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس- أو كما قال- تصيبهم النّار بذنوبهم - أو قال: بخطاياهم - فيميتهم إماتةً، حتّى إذا صاروا فحماً أذن في الشّفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فنبتوا على أنهار الجنّة؛ فيقال: يا أهل الجنّة، أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل)). قال: فقال رجلٌ من القوم حينئذٍ: كأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان بالبادية.
وقد قال اللّه إخباراً عن أهل النّار: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك قال إنّكم ماكثون}. وقال تعالى: {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها}. إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى.

تفسير قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) )
-الأقوال في معنى (تزكى):

1-طهّر نفسه من الأخلاق الرّذيلة وتابع ما أنزل اللّه على الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه.
2-وقد قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: عن جابر بن عبد اللّه، عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قد أفلح من تزكّى}. قال: ((من شهد أن لا إله إلاّ اللّه، وخلع الأنداد وشهد أنّي رسول اللّه)) .
3-وقال قتادة في هذه الآية: {قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربّه فصلّى}: زكّى ماله وأرضى خالقه.
4-{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} أي: قدْ فازَ وربحَ منْ طهَّرَ نفسهُ ونقَّاهَا منَ الشركِ والظلمِ ومساوئِ الأخلاقِ.

-مناقشة من قال بأن المراد بالتزكية هنا تزكية الأموال:
وأمَّا منْ فسَّرَ قولهُ: {تَزَكَّى} بمعنى أخرجَ زكاةَ الفطرِ {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} أنَّهُ صلاةُ العيد، فإنَّهُ وإنْ كانَ داخلاً في اللفظِ وبعضِ جزئياتهِ، فليسَ هو المعنى وحدهُ.


تفسير قوله تعالى: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) )
-الأقوال في معنى (وذكر اسم ربه فصلى):

1-أي: أقام الصّلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان اللّه وطاعةً لأمر اللّه وامتثالاً لشرع اللّه.
{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بِلِسَانِهِ، {فَصَلَّى}؛ أَيْ: فَأَقَامَ الصلواتِ الخَمْسَ.
وكذا قال ابن عبّاسٍ: إنّ المراد بذلك الصلوات الخمس. واختاره ابن جريرٍ.
2-اتصفَ بذكرِ اللهِ، وانصبغَ بهِ قلبهُ، فأوجبَ لهُ ذلكَ العملَ بما يرضي اللهَ، خصوصاً الصلاةَ، التي هيَ ميزانُ الإيمانِ، فهذا معنى الآيةِ الكريمةِ.
3-وَقِيلَ: تَذَكَّرَ مَوْقِفَهُ وَمعادَهُ فَعَبَدَهُ.
4- وَقِيلَ: الْمُرَادُ بالتَّزَكِّي فِي الآيَةِ الأُولَى زَكَاةُ الفطرِ، وَالْمُرَادُ بالصلاةِ صَلاةُ العيدِ.


تفسير قوله تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) )
أي: لا يفْعَلُونَ ذَلِكَ، بل يقدّمونها على أمر الآخرة، ويبدّونها على ما فيه نفعهم وصلاحهم في معاشهم ومعادهم.


تفسير قوله تعالى: (وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) )
أي: ثواب اللّه في الدار الآخرة خيرٌ من الدنيا وأبقى؛ فإنّ الدنيا دنيّةٌ فانيةٌ، والآخرة شريفةٌ باقيةٌ، فكيف يؤثر عاقلٌ ما يفنى على ما يبقى؟! ويهتمّ بما يزول عنه قريباً ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد؟!
-ماورد من الأحاديث والآثار مايوافق معنى الآية:
1-قال الإمام أحمد: عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((الدّنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له)).
2-وقال ابن جريرٍ: عن عرفجة الثّقفيّ قال: استقرأت ابن مسعودٍ: {سبّح اسم ربّك الأعلى}، فلمّا بلغ: {بل تؤثرون الحياة الدّنيا} ترك القراءة وأقبل على أصحابه، فقال: آثرنا الدنيا على الآخرة. فسكت القوم؛ فقال: آثرنا الدنيا؛ لأنّا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزويت عنّا الآخرة فاخترنا هذا العاجل، وتركنا الآجل.
وهذا منه على وجه التواضع والهضم، أو هو إخبارٌ عن الجنس من حيث هو، واللّه أعلم.
3-وقد قال الإمام أحمد: عن أبي موسى الأشعريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته، ومن أحبّ آخرته أضرّ بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى)). تفرّد به أحمد.
4-قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مِنْ ذَهَبٍ يَفْنَى، وَالآخِرَةُ مِنْ خَزَفٍ يَبْقَى، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُؤْثَرَ خَزَفٌ يَبْقَى عَلَى ذَهَبٍ يَفْنَى، فَكَيْفَ وَالآخِرَةُ منْ ذَهَبٍ يَبْقَى، وَالدُّنْيَا منْ خَزَفٍ يَفْنَى؟!
-ما يورثه حب الدنيا:
فحبُّ الدنيا وإيثارُهَا على الآخرةِ رأسُ كلِّ خطيئةٍ.

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) )
-على ماذا تعود الإشارة بقوله (إن هذا لفي الصحف الأولى)/

1-عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت {إنّ هذا لفي الصّحف الأولى صحف إبراهيم وموسى}. قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((كان كلّ هذا - أو: كان هذا - في صحف إبراهيم وموسى)).
عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت: {سبّح اسم ربّك الأعلى}. قال: كلّها في صحف إبراهيم وموسى. فلمّا نزلت: {وإبراهيم الّذي وفّى}. قال: وفّى {ألاّ تزر وازرةٌ وزر أخرى}. يعني: أنّ هذه الآية كقوله تعالى في سورة النّجم: {أم لم ينبّأ بما في صحف موسى وإبراهيم الّذي وفّى ألاّ تزر وازرةٌ وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى وأنّ سعيه سوف يرى ثمّ يجزاه الجزاء الأوفى وأنّ إلّى ربّك المنتهى} .. الآيات إلى آخرهنّ.
2-واختار ابن جريرٍ أنّ المراد بقوله: {إنّ هذا}. إشارةٌ إلى قوله: {قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى بل تؤثرون الحياة الدّنيا والآخرة خيرٌ وأبقى}. ثم قال تعالى: {إنّ هذا}. أي: مضمون هذا الكلام {لفي الصّحف الأولى صحف إبراهيم وموسى}. وهذا الذي اختاره حسنٌ قويٌّ، وقد روي عن قتادة وابن زيدٍ نحوه. واللّه أعلم.


تفسير قوله تعالى: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) )
اللذين هما أشرفُ المرسلينَ، سوى النبيِّ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
-ماتضمنته الآية :
تَتَابَعَتْ كُتُبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى مِنَ الدُّنْيَا , فهذهِ أوامرُ في كلِّ شريعةٍ، لكونِهَا عائدةً إلى مصالحِ الدارينِ، وهيَ مصالحُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.


مقدمات تفسير سورة الغاشية
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر



أسماء السورة : سورة الغاشية.

مكان نزول السورة: مكية.

فضائل السورة
قد تقدّم عن النّعمان بن بشيرٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرأ بـ{سبّح اسم ربّك الأعلى}، و"الغاشية" في صلاة العيد ويوم الجمعة.
وقال الإمام مالكٌ: سأل الضّحّاك بن قيسٍ , النّعمان بن بشيرٍ: بم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة؟ قال: {هل أتاك حديث الغاشية}.

تفسير قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) }

تفسير قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1))
-ماتضمنته السورة من المواضيع:

يذكرُ تعالى أحوالَ يومِ القيامةِ وما فيها من الأهوالِ الطامَّةِ، وأنَّها تغشى الخلائقَ بشدائدها، فيجازونَ بأعمالهمْ، ويتميزونَ فريقينِ: فريقاً في الجنةِ، وفريقاً في السعيرِ
-المخاطب في الآية الرسول صلى الله عليه وسلم .
-معنى الغاشية وسبب التسمية بذلك:
الغاشية من أسماء يوم القيامة، قاله ابن عبّاسٍ وقتادة وابن زيدٍ؛ لأنّها تغشى النّاس وتعمّهم بأهوالها وأحداثها.
عن عمرو بن ميمونٍ، قال: مرّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على امرأةٍ تقرأ: {هل أتاك حديث الغاشية}. فقام يستمع ويقول: ((نعم، قد جاءني))}

تفسير قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2))
معنى الآية :

أيْ: إِنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرِيقَيْنِ فقالَ في أهلِ النارِ: وُجُوهُهُمْ ذَلِيلَةٌ خاضِعَةٌ؛ لِمَا هِيَ فِيهِ من الْعَذَابِ، وَقِيلَ: أَرَادَ وُجُوهَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى الخُصوصِ.خاشعة : ذليلةٌ، قاله قتادة. وقال ابن عبّاسٍ: تخشع، ولا ينفعها عملها.

تفسير قوله تعالى: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3))
أي: قد عملت عملاً كثيراً، ونصبت فيه، وصليت يوم القيامة ناراً حاميةً.
-ذكر المراد بهذا الوصف:
1- عاملة ناصبة في الدنيا :

عن أبي عمران الجونيّ يقول: مرّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه بدير راهبٍ، قال: فناداه، يا راهب، يا راهب. فأشرف، قال: فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه: {عاملةٌ ناصبةٌ تصلى ناراً حاميةً}. فذاك الذي أبكاني.
وقال البخاريّ: قال ابن عبّاسٍ: {عاملةٌ ناصبةٌ}: النّصارى.
ولكنَّهُ لما عدمَ شرطهُ وهوَ الإيمانُ، صارَ يومَ القيامةِ هباءً منثوراً، وهذا الاحتمالُ وإنْ كانَ صحيحاً منْ حيثُ المعنى، فلا يدلُّ عليهِ سياقُ الكلامِ، بلِ الصوابُ المقطوعُ بهِ هو الاحتمالُ الثاني:
-لأنَّهُ قيدَهُ بالظرفِ، وهوَ يومُ القيامةِ.
-ولأنَّ المقصودَ هنا بيانُ وصفِ أهلِ النارِ عموماً، وذلكَ الاحتمالُ جزءٌ قليلٌ منْ أهلِ النارِ بالنسبةِ إلى أهلهَا.
-ولأنَّ الكلامَ في بيانِ حالِ الناسِ عندَ غشيانِ الغاشيةِ، فليسَ فيه تعرضٌ لأحوالهم في الدنيا
2-عاملة ناصبة في الآخرة :
تاعبةٌ في العذابِ، تُجرُّ على وجوههَا، وتغشى وجوههم النارُ.
3-عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة :
وعن عكرمة والسّدّيّ: {عاملةٌ} في الدّنيا بالمعاصي، {ناصبةٌ} في النار بالعذاب والأغلال, تُجرُّ على وجوههَا، وتغشى وجوههم النارُ.


تفسير قوله تعالى: (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4))
قال ابن عبّاسٍ والحسن وقتادة: {تصلى ناراً حاميةً}. أي: حارّةً شديدة الحر, تُحيطُ بهمْ من كلِّ مكانٍ.


تفسير قوله تعالى: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ (5))
أَيْ: يَشْرَبُونَ منْ مَائِهَا، وَالْمَاءُ الآنِي: هُوَ المُتَنَاهِي فِي الحَرّ .
1- قد انتهى حرّها وغليانها، قاله ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ والحسن والسّدّيّ
2-حارةٍ شديدةِ الحرارةِ {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}


تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6))
-الاختلاف في طعام أهل النار:

1-قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: شجرٌ من نارٍ. وقال سعيد بن جبيرٍ: هو الزّقّوم.
2-وعنه أنّها الحجارة.
3-هُوَ نَوْعٌ من الشوكِ يقال له الشبرق , وبه قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وعكرمة وأبو الجوزاء وقتادة.
قال قتادة: قريشٌ تسمّيه في الرّبيع الشّبرق، وفي الصّيف الضّريع. وهو سمٌّ
قال عكرمة: وهو شجرةٌ ذات شوكٍ، لاطئةٌ بالأرض.
عن قتادة: {ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ}: من شرّ الطّعام وأبشعه وأخبثه


تفسير قوله تعالى: (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7))
وذلكَ أنَّ المقصودَ مِنَ الطعامِ أحدُ أمرينِ:

-إمَّا أنْ يسدَّ جوعَ صاحبهِ ويزيلَ عنهُ ألمَهُ.
-وإمَّا أنْ يسمنَ بدنَهُ من الهزالِ.
وهذا الطعامُ ليسَ فيهِ شيءٌ منْ هذينِ الأمرينِ، فلا يحصل به مقصودٌ، ولا يندفع به محذورٌ بلْ هوَ طعامٌ في غايةِ المرارةِ والنتنِ والخسةِ، نسألُ اللهَ العافيةَ



تفسير قوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)}


تفسير قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8))
-علاقة الآية بما قبلها:

لمّا ذكر حال الأشقياء ثنّى بذكر السّعداء؛
-صفة وجوه أهل الجنة وسبب وصفها بذلك:
فقال: {وجوهٌ يومئذٍ}. أي: يوم القيامة {ناعمةٌ}. أي: يعرف النّعيم فيها، فنضرتْ أبدانُهُمْ، واستنارتْ وجوهُهُمْ، وسرُّوا غايةَ السُّرورِ , وإنما حصل لها ذلك بسعيها ولِمَا شَاهَدُوهُ منْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ.


تفسير قوله تعالى: (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9))
{لِسَعْيِهَا} الذي قدمتهُ في الدنيا منَ الأعمالِ الصالحةِ، والإحسانِ إلى عبادِ اللهِ، {رَاضِيَةً} إذْ وجدتْ ثوابَهُ مدخراً مضاعفاً، فحمدتْ عقباهُ، وحصلَ لها كلُّ مَا تتمناهُ , لأَنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ من الأجْرِ مَا أَرْضَاهَا.
وقال سفيان: {لسعيها راضيةٌ}: قد رضيت عملها.


تفسير قوله تعالى: (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10))
{فِي جَنَّةٍ} جامعةٍ لأنواعِ النعيمِ كلهَا، {عَالِيَةٍ} في محلهَا ومنازلِهَا، فمحلّهَا في أعلى عليينَ، ومنازلُهَا مساكنُ عاليةٌ، لها غرفٌ ومنْ فوقِ الغرفِ غرفٌ مبنيةٌ يشرفونَ منهَا على مَا أعدَّ اللهُ لهمْ من الكرامةِ.


تفسير قوله تعالى: (لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11))
أي: لا يسمع في الجنّة التي هم فيها كلمة لغوٍ وباطلٍ، فضلاً عن الكلامِ المحرمِ، بلْ كلامُهُمْ كلامٌ حسنٌ مشتملٌ على ذكرِ اللهِ تعالَى، وذكرِ نعمهِ المتواترةِ عليهمْ، و الآدابِ المستحسنةِ بينَ المتعاشرينَ، الذي يسرُّ القلوبَ، ويشرحُ الصدورَ ، كما قال: {لا يسمعون فيها لغواً إلاّ سلاماً}. وقال: {لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ}. وقال: {لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلاّ قيلاً سلاماً سلاماً}


تفسير قوله تعالى: (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12))
أي: سارحةٌ، وهذه نكرةٌ في سياق الإثبات، وليس المراد بها عيناً واحدةً، وإنّما هذا جنسٌ، يعني: فيهَا العيونُ الجاريةُ التي يفجرونَهَا ويصرفونَها كيفَ شاؤوا وأنَّى أرادوا
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((أنهار الجنّة تفجّر من تحت تلال - أو من تحت جبال – المسك.


تفسير قوله تعالى: (فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13))
والسررُ: جمعُ سريرٍ، وهي المجالسُ المرتفعةُ في ذاتها، وبمَا عليهَا من الفرشِ اللينةِ الوطيئةِ.
قالوا: فإذا أراد وليّ اللّه أن يجلس على تلك السّرر العالية تواضعت له.


تفسير قوله تعالى: (وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14))
أوانٍ ممتلئةٌ منْ أنواعِ الأشربةِ اللذيذةِ، قدْ وضعتْ بينَ أيديهمْ، وأعدتْ لهمْ، وصارتْ تحتَ طلبهمْ واختيارهمْ، يطوفُ بهَا عليهمُ الوِلدانُ المخلدونَ .


تفسير قوله تعالى: (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15))
قال ابن عبّاسٍ: النّمارق: الوسائد. وكذا قال عكرمة وقتادة والضحّاك والسّدّيّ والثّوريّ وغيرهم.
أي: وسائدُ مِنَ الحريرِ والإستبرقِ وغيرهمَا ممَا لا يعلمهُ إلا اللهُ، قدْ صفتْ للجلوسِ والاتكاءِ عليهَا، وقدْ أريحوا عنْ أنْ يضعوهَا، ويَصُفُّوهَا بأنفسهمْ


تفسير قوله تعالى: (وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16))
قال ابن عبّاسٍ: الزّرابيّ: البسط الحسانُ. وكذا قال الضحّاك وغير واحدٍ.
ومعنى {مبثوثةٌ}. مملوءةٌ بهَا مجالسهمْ منْ كلِّ جانبٍ أي: ههنا وههنا لمن أراد الجلوس عليها.
عن كريبٌ أنّه سمع أسامة بن زيدٍ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ألا هل من مشمّرٍ للجنّة؟ فإنّ الجنّة لا خطر لها، هي وربّ الكعبة نورٌ يتلألأ، وريحانةٌ تهتزّ، وقصرٌ مشيدٌ، ونهرٌ مطّردٌ، وثمرةٌ نضيجةٌ، وزوجةٌ حسناء جميلةٌ، وحللٌ كثيرةٌ، ومقامٌ في أبدٍ في دارٍ سليمةٍ، وفاكهةٌ وخضرةٌ وحبرةٌ ونعمةٌ في محلّةٍ عاليةٍ بهيّةٍ)). قالوا: نعم، يا رسول اللّه نحن المشمّرون لها. قال: ((قولوا إن شاء اللّه)). قال القوم: إن شاء اللّه.



تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17))
يقولُ تعالَى حثّاً للذينَ لا يصدقونَ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولغيرهمْ منَ الناسِ، آمراً لهم بالنظر إلى مخلوقاته الدّالّة على قدرته وعظمته: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}؛ فإنّها خلقٌ عجيبٌ، وتركيبها غريبٌ؛ فإنّها في غاية القوّة والشّدّة، وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف، وتؤكل وينتفع بوبرها، ويشرب لبنها.
-سبب تخصيص وذكر الإبل من بين سائر المخلوقات:
ونبّهوا بذلك؛ لأنّ العرب غالب دوابّهم كانت الإبل.
وكان شريحٌ القاضي يقول: اخرجوا بنا حتّى ننظر إلى الإبل كيف خلقت.


تفسير قوله تعالى: (وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18))
أي: كيف رفعها اللّه عزّ وجلّ عن الأرض هذا الرّفع العظيم بِلا عَمَدٍ، عَلَى وَجْهٍ لا يَنَالُهُ الفَهْمُ وَلا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ ، كما قال تعالى: {أفلم ينظروا إلى السّماء فوقهم كيف بنيناها وزيّنّاها وما لها من فروجٍ}


تفسير قوله تعالى: (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19))
أي: جعلت منصوبةً قائمةً ثابتةً راسيةً؛ لئلاّ تميد الأرض بأهلها، وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن.


تفسير قوله تعالى: (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20))
مُدَّتْ مدّاً واسعاً، وسهلتْ غايةَ التسهيلِ، ليستقرَّ الخلائقُ على ظهرِهَا، ويتمكنُوا منْ حرثِهَا وغراسِهَا، والبنيانِ فيهَا، وسلوكِ الطرقِ الموصلةِ إلى أنواعِ المقاصدِ فيهَا.
واعلمْ أنَّ تسطيحَهَا لا ينافي أنَّهَا كرةٌ مستديرةٌ،قدْ أحاطتِ الأفلاكَ فيهَا منْ جميعِ جوانبهَا، كمَا دلَّ على ذلكَ النقلُ والعقلُ والحسُّ والمشاهدةُ، كمَا هوَ مذكورٌ معروفٌ عندَ أكثرِ الناسِ، خصوصاً في هذهِ الأزمنةِ، التي وقفَ الناسُ على أكثرِ أرجائِهَا بمَا أعطاهمُ اللهُ مِنَ الأسبابِ المقربةِ للبعيدِ، فإنَّ التسطيح إنَّمَا ينافي كرويةَ الجسمِ الصغيرِ جدّاً، الذي لو سطحَ لمْ يبقَ لهُ استدارةٌ تذكرُ. وأمَّا جسمُ الأرضِ الذي هوَ في غايةِ الكبرِ والسعةِ، فيكونُ كرويّاً مسطّحاً، ولا يتنافى الأمرانِ، كمَا يعرفُ ذلكَ أربابُ الخبرةِ.

-تخصيصه في الحث للتفكر بما سبق من المخلوقات:
نبّه البدويّ على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكبٌ عليه، والسّماء التي فوق رأسه، والجبل الذي تجاهه، والأرض التي تحته، على قدرة خالق ذلك وصانعه، وأنّه الرّبّ العظيم الخالق المتصرّف المالك، وأنّه الإله الذي لا يستحقّ العبادة سواه. وهكذا أقسم "ضمامٌ" في سؤاله على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كما رواه الإمام أحمد حيث قال:
عن أنسٍ قال: كنّا نهينا أن نسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن شيءٍ، فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجلٌ من أهل البادية فقال: يا محمّد، إنّه أتانا رسولك فزعم لنا أنّك تزعم أنّ اللّه أرسلك. قال: ((صدق)). قال: فمن خلق السّماء؟ قال: ((اللّه)). قال: فمن خلق الأرض؟ قال: ((اللّه)). قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: ((اللّه)). قال: فبالذي خلق السّماء والأرض ونصب هذه الجبال آللّه أرسلك؟ قال: ((نعم)). قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلواتٍ في يومنا وليلتنا. قال: ((صدق)). قال: فبالذي أرسلك آللّه أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)). قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاةً في أموالنا. قال: ((صدق)). قال: فبالذي أرسلك آللّه أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)). قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً. قال: ((صدق)). قال: ثمّ ولّى فقال: والذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ شيئاً ولا أنقص منهنّ شيئاً؛ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إن صدق ليدخلنّ الجنّة)).

تفسير قوله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) )
أي: فذكّر يا محمّد النّاس بما أرسلت به إليهم وعِظهمْ، وأنذرهمْ وبشِّرهمْ، فإنَّكَ مبعوثٌ لدعوةِ الخلقِ إلى اللهِ وتذكيرهمْ ، فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
عن جابرٍ قال: قال صلّى اللّه عليه وسلّم: ((أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها، وحسابهم على اللّه عزّ وجلّ)). ثمّ قرأ {فذكّر إنّما أنت مذكّرٌ * لست عليهم بمسيطرٍ}.


تفسير قوله تعالى: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22))
قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وغيرهما: لست عليهم بجبّارٍ.
وقال ابن زيدٍ: لست بالذي تكرههم على الإيمان.
فإنَّكَ مبعوثٌ لدعوةِ الخلقِ إلى اللهِ وتذكيرهمْ، ولمْ تبعثْ مسيطراً عليهمْ، مسلّطاً موكَّلاً بأعمالهمْ، فإذا قمتَ بمَا عليكَ، فلا عليكَ بعدَ ذلكَ لومٌ، كقولهِ تعالى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}.


تفسير قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23))
أي: لكن من تولّى عن الطاعة والعمل بأركانه وكفر بالحقّ بجنانه ولسانه، وهذه كقوله: {فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذّب وتولّى}


تفسير قوله تعالى: (فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24))
أي: الشديدَ الدائمَ , وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ.
عن عليّ بن خالدٍ، أنّ أبا أمامة الباهليّ مرّ على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمةٍ سمعها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ((ألا كلّكم يدخل الجنّة إلاّ من شرد على اللّه شراد البعير على أهله)).
تفرّد بإخراجه الإمام أحمد.


تفسير قوله تعالى: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25))
مرجعهم بَعْدَ الْمَوْتِ ومنقلبهم , وجمعهمْ في يومِ القيامةِ .


تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26))
أي: نحن نحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها، إن خيراً فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ بعد رجوعهم إلى الله في البعث.



مقدمات تفسير سورة الفجر
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر


أسماء السورة: سورة الفجر.

نزول السورة: مكية

فضائل السورة:
عن جابرٍ، قال: صلّى معاذٌ صلاةً فجاء رجلٌ فصلّى معه فطوّل، فصلّى في ناحية المسجد ثمّ انصرف، فبلغ ذلك معاذاً، فقال: منافقٌ.
فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأل الفتى فقال: يا رسول الله، جئت أصلّي معه فطوّل عليّ، فانصرفت وصلّيت في ناحية المسجد، فعلفت ناقتي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((أفتّانٌ يا معاذ؟ أين أنت من {سبّح اسم ربّك الأعلى} و {الشّمس وضحاها} و {الفجر} و {اللّيل إذا يغشى}؟)).


{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)}.


تفسير قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ (1))
الظاهرُ أنَّ المقسمَ بهِ هو المقسمُ عليهِ،وذلكَ جائزٌ مستعملٌ، إذا كانَ أمراً ظاهراً مُهِمّاً، وهوَ كذلكَ في هذا الموضعِ.
-المراد بالفجر وسبب الإقسام به :
1- المعنى العام : أمّا الفجر فمعروفٌ، وهو الصّبح. قاله عليٌّ وابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وعكرمة والسّدّيّ.
فأقسمَ تعالى بالفجرِ،الذي هوَ آخرُ الليلِ ومقدمةُ النهارِ، لمَا في إدبارِ الليلِ وإقبالِ النهارِ من الآياتِ الدالةِ على كمالِ قدرةِ اللهِ تعالَى، وأنَّهُ وحدهُ المدبّرُ لجميعِ الأمورِ، الذي لا تنبغي العبادةُ إلا لهُ.
ويقعُ في الفجرِ صلاةٌ فاضلةٌ معظمةٌ، يحسنُ أنْ يقسمَ اللهُ بهَا، ولهذا أقسمَ بعدهُ بالَّليالي العشرِ.

2- وعن مسروقٍ ومحمّد بن كعبٍ: المراد به فجر يوم النحر خاصّةً، وهو خاتمة الليالي العشر.
-المراد بالفجر جميع النهار أو الإقسام بصلاة الفجر:
أ- وقيل: المراد بذلك الصلاة التي تفعل عنده. كما قاله عكرمة.
ب-وقيل: المراد به جميع النهار. وهو روايةٌ عن ابن عبّاسٍ.


تفسير قوله تعالى: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
واللّيالي العشر المراد بها :

1-عشر ذي الحجّة، كما قاله ابن عبّاسٍ وابن الزّبير ومجاهدٌ وغير واحدٍ من السّلف والخلف.
وقد ثبت في صحيح البخاريّ عن ابن عبّاسٍ مرفوعاً: ((ما من أيّامٍ العمل الصّالح أحبّ إلى الله فيهنّ من هذه الأيّام)). يعني: عشر ذي الحجّة. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلاّ رجلاً خرج بنفسه وماله ثمّ لم يرجع من ذلك بشيءٍ)).
2-وقيل: المراد بذلك العشر الأول من المحرّم.حكاه أبو جعفر بن جريرٍ، ولم يعزه إلى أحدٍ.
3-وقد روى أبو كدينة، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وليالٍ عشرٍ} قال: هو العشر الأول من رمضان.
4-العشر الأواخر من رمضان : وفي ليالي عشرِ رمضانَ ليلةُ القدرِ، التي هيَ خيرٌ منْ ألفِ شهرٍ، وفي نهارِهَا صيامُ آخرِ رمضانَ الذي هوَ ركنٌ منْ أركانِ الإسلامِ.

والصّحيح هو القول الأوّل؛ فإنَّها ليالٍ مشتملةٌ على أيامٍ فاضلةٍ، ويقعُ فيهَا منَ العباداتِ والقرباتِ ما لا يقعُ في غيرهَا.
عن جابرٍ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((إنّ العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشّفع يوم النّحر))
وفي أيامِ عشرِ ذي الحجةِ: الوقوفُ بعرفةَ،الذي يغفرُ اللهُ فيهِ لعبادهِ مغفرةً يحزنُ لهَا الشيطانُ، فما رُئِيَ الشيطانُ أحقرَ ولا أدحرَ منهُ في يومِ عرفةَ، لمَا يرى مِنْ تنزُّلِ الأملاكِ والرحمةِ منَ اللهِ لعبادِهِ، ويقعُ فيهَا كثيرٌ من أفعالِ الحجِّ والعمرةِ، وهذه أشياءُ معظمةٌ، مستحقةٌ لأنْ يقسمَ اللهُ بهَا.


تفسير قوله تعالى: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3))
-ذكر الخلاف في معنى الآية:

1-قد تقدّم في هذا الحديث أنّ الوتر يوم عرفة؛ لكونه التّاسع، وأنّ الشّفع يوم النّحر؛ لكونه العاشر. وقاله ابن عبّاسٍ وعكرمة والضّحّاك أيضاً.
2- الشّفع يوم عرفة، والوتر ليلة الأضحى.
3-قولٌ ثالثٌ: الشفع قول الله عزّ وجلّ: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه}، والوتر قوله: {ومن تأخّر فلا إثم عليه}.
يقول ابن الزّبير : الشفع: أوسط أيام التشريق، والوتر: آخر أيام التشريق.
عن جابرٍ، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ((الشّفع اليومان، والوتر الثّالث)).
هكذا ورد هذا الخبر بهذا اللفظ، وهو مخالفٌ لما تقدّم من اللّفظ في رواية أحمد والنّسائيّ وابن أبي حاتمٍ، وما رواه هو أيضاً.والله أعلم.
4-قولٌ رابعٌ: الخلق كلّهم شفعٌ ووترٌ، أقسم تعالى بخلقه.
5-قولٌ خامسٌ : {والشّفع والوتر} قال: الله وترٌ واحدٌ وأنتم شفعٌ.
الشّفع: الزّوج، والوتر: الله عزّ وجلّ.
عن مجاهدٍ قوله: {والشّفع والوتر}: كلّ شيءٍ خلقه الله شفعٌ، السماء والأرض، والبرّ والبحر، والجنّ والإنس، والشمس والقمر، ونحو هذا.
ونحا مجاهدٌ في هذا ما ذكروه في قوله تعالى: {ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين لعلّكم تذكّرون} أي: لتعلموا أنّ خالق الأزواج واحدٌ.
6-قولٌ سادسٌ: {والشّفع والوتر} هو العدد؛ منه شفعٌ ومنه وترٌ.
7-قولٌ سابعٌ في الآية الكريمة: هي الصلاة؛ منها شفعٌ كالرّباعيّة والثّنائيّة، ومنها وترٌ كالمغرب؛ فإنها ثلاثٌ، وهي وتر النهار. وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجّد من الليل.


تفسير قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4))
1-إذا غاب وأدبر : قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: أي: إذا ذهب.
وقال عبد الله بن الزّبير: {واللّيل إذا يسر} حتى يذهب بعضه بعضاً.
وقال مجاهدٌ وأبو العالية وقتادة ومالكٌ، عن زيد بن أسلم وابن زيدٍ: {واللّيل إذا يسر}: إذا سار.وهذا يمكن على حمله على ما قال ابن عبّاسٍ، أي: ذهب.
2- إذا أتى وأقبل: ويحتمل أن يكون المراد: إذا سار، أي: أقبل، وقد يقال: إن هذا أنسب؛ لأنه في مقابلة قوله: {والفجر}؛ فإنّ الفجر هو إقبال النهار وإدبار الليل، فإذا حمل قوله: {واللّيل إذا يسر} على إقباله كان قسماً بإقبال الليل وإدبار النهار، وبالعكس: {واللّيل إذا عسعس والصّبح إذا تنفّس}.
وكذا قال الضّحّاك: {واللّيل إذا يسر} أي: يجري.
وقال عكرمة: {واللّيل إذا يسر} يعني: ليلة جمعٍ.


تفسير قوله تعالى: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5))
{هَلْ فِي ذَلِكَ} المذكورِ {قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} أي: عقلٍ؟ نعمْ، بعضُ ذلكَ يكفي , فَمَنْ كَانَ ذَا عَقْلٍ وَلُبٍّ عَلِمَ أَنَّ مَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ منْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ حَقِيقٌ بِأَنْ يُقْسَمَ بِهِ .
-سبب تسمية العقل حجرا:
وإنما سمّي العقل حجراً؛ لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال، ومنه حجر البيت؛ لأنه يمنع الطائف من اللّصوق بجداره الشاميّ، ومنه حجر اليمامة، وحجر الحاكم على فلانٍ إذا منعه التصرّف، {ويقولون حجراً محجوراً}، كلّ هذا من قبيلٍ واحدٍ ومعنًى متقاربٍ.
-نوع القسم:
وهذا القسم هو بأوقات العبادة وبنفس العبادة من حجٍّ وصلاةٍ، وغير ذلك من أنواع القرب التي يتقرّب بها إليه عباده المتّقون، المطيعون له، الخائفون منه، المتواضعون لديه، الخاشعون لوجهه الكريم .


تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6))
-علاقة الآية بما قبلها:

ولمّا ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده: {ألم تر كيف فعل ربّك بعادٍ} وهؤلاء كانوا متمرّدين عتاةً جبّارين، خارجين عن طاعته، مكذّبين لرسله، جاحدين لكتبه، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمّرهم وجعلهم أحاديث وعبراً فقال: {ألم تر كيف فعل ربّك بعادٍ إرم ذات العماد}
أي {أَلَمْ تَرَ} بقلبكَ وبصيرتكَ كيفَ فُعِلَ بهذهِ الأمم الطاغية.
-المراد بقوم عاد وسبب ذكرهم:
وهؤلاء عادٌ الأولى، وهم أولاد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوحٍ. قاله ابن إسحاق، وهم الذي بعث فيهم رسوله هوداً عليه السلام، فكذّبوه وخالفوه، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم، وأهلكهم {بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيّامٍ حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ فهل ترى لهم من باقيةٍ}. وقد ذكر الله قصّتهم في القرآن في غير ما موضعٍ؛ ليعتبر بمصرعهم المؤمنون , وَيُقَالُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ: عَادٌ الأُخْرَى.


تفسير قوله تعالى: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7))
عطف بيانٍ؛ زيادة تعريفٍ بهم
-المراد بإرم:
قال مجاهدٌ: إرم أمّةٌ قديمةٌ. يعني: عاداً الأولى.
قال قتادة بن دعامة والسّدّيّ: إنّ إرم بيت مملكة عادٍ. وهذا قولٌ حسنٌ جيّدٌ قويٌّ.
-سبب تسميتهم بـ{ذات العماد}:
وقوله : {ذات العماد}؛ لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشّعر التي ترفع بالأعمدة الشّداد، وقد كانوا أشدّ الناس في زمانهم خلقةً وأقواهم بطشاً.
وقال مجاهدٌ وقتادة والكلبيّ في قوله: {ذات العماد}: كانوا أهل عمودٍ، لا يقيمون.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: إنما قيل لهم: {ذات العماد} لطولهم. واختار الأوّل ابن جريرٍ، وردّ الثاني فأصاب.
قلت: فعلى كلّ قولٍ، سواءٌ كانت العماد أبنيةً بنوها، أو أعمدة بيوتهم للبدو، أو سلاحاً يقاتلون به، أو طول الواحد منهم - فهم قبيلةٌ وأمّةٌ من الأمم، وهم المذكورون في القرآن في غير ما موضعٍ، المقرونون بثمود، كما ههنا. والله أعلم.
ومن زعم أنّ المراد بقوله: {إرم ذات العماد} مدينةٌ إما دمشق، كما روي عن سعيد بن المسيّب وعكرمة، أو إسكندريّة كما روي عن القرظيّ، أو غيرهما - ففيه نظرٌ؛ فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا: {ألم تر كيف فعل ربّك بعادٍ إرم ذات العماد} إن جعل ذلك بدلاً أو عطف بيانٍ؛ فإنه لا يتّسق الكلام حينئذٍ، ثمّ المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعادٍ، وما أحلّ الله بهم من بأسه الذي لا يردّ، لا أنّ المراد الإخبار عن مدينةٍ أو إقليمٍ.
وإنما نبّهت على هذا لئلا يغترّ بكثيرٍ ممّا ذكره جماعةٌ من المفسّرين عند هذه الآية من ذكر مدينةٍ يقال لها: إرم ذات العماد مبنيةٌ بلبن الذهب والفضّة، قصورها ودورها وبساتينها، وأن حصباءها لآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك، وأنهارها سارحةٌ، وثمارها ساقطةٌ، ودورها لا أنيس بها، وسورها وأبوابها تصفر، ليس بها داعٍ ولا مجيبٌ، وأنّها تنتقل؛ فتارةً تكون بأرض الشام، وتارةً باليمن، وتارةً بالعراق، وتارةً بغير ذلك من البلاد.
فإنّ هذا كلّه من خرافات الإسرائيليّين من وضع بعض زنادقتهم؛ ليختبروا بذلك القول عقول الجهلة من الناس إن صدّقهم في جميع ذلك.


-سبب ذكرهم:
ولهذا ذكّرهم هودٌ بتلك النعمة، وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربّهم الذي خلقهم، فقال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ وزادكم في الخلق بسطةً فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}
وقال تعالى: {فأمّا عادٌ فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوّةً أولم يروا أنّ الله الّذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّةً}،


تفسير قوله تعالى: (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8))
-عود الضمير في قوله (مثلها):

1-أعاد ابن زيدٍ الضمير على العماد؛ لارتفاعها، وقال: بنوا عمداً بالأحقاف لم يخلق مثلها في البلاد.
2-أمّا قتادة وابن جريرٍ فأعاد الضمير على القبيلة؛ أي: لم يخلق مثل تلك القبيلةِ في الطُّولِ والشِّدَّةِ وَالقُوَّةِ في البلاد، يعني: في زمانهم. وهذا القول هو الصواب.
وقول ابن زيدٍ ومن ذهب مذهبه ضعيفٌ؛ لأنه لو كان أراد ذلك لقال: التي لم يعمل مثلها في البلاد، وإنما قال: {لم يخلق مثلها في البلاد}


تفسير قوله تعالى: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9))
يعني: يقطّعون الصخر بالوادي.
قال ابن عبّاسٍ: ينحتونها ويخرقونها، وكذا قال مجاهدٌ وقتادة والضحّاك وابن زيدٍ، ومنه يقال: (مجتابي النّمار) إذا خرقوها، واجتاب الثوب إذا فتحه، ومنه الجيب أيضاً، وقال الله تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين}.
وقال ابن إسحاق: كانوا عرباً، وكان منزلهم بوادي القرى , نحتُوا بقوتهمُ الصخورَ، فاتخذوها مساكن.



تفسير قوله تعالى: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10))
-الأقوال في معنى (ذي الأوتاد)

1-عن ابن عبّاسٍ: الأوتاد: الجنود الذين يشدّون له أمر وثبتوا ملكهُ، كما تُثبتُ الأوتادُ ما يرادُ إمساكهُ بهَا .
2-ويقال: كان فرعون يوتّد أيديهم وأرجلهم في أوتادٍ من حديدٍ، يعلّقهم بها. وكذا قال مجاهدٌ: كان يوتّد الناس بالأوتاد. وهكذا قال سعيد بن جبيرٍ والحسن والسّدّيّ.
قال السدّيّ: كان يربط الرّجل في كلّ قائمةٍ من قوائمه في وتدٍ، ثمّ يرسل عليه صخرةً عظيمةً فتشدخه.
وقال قتادة: بلغنا أنه كان له مطالّ وملاعب يلعب له تحتها من أوتادٍ وحبالٍ.
3-وقال ثابتٌ البنانيّ، عن أبي رافعٍ: قيل لفرعون: {ذي الأوتاد}؛ لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتادٍ، ثمّ جعل على ظهرها رحًى عظيمةً حتى ماتت
4-وَهِيَ الأهرامُ الَّتِي بَنَاهَا الفَرَاعِنَةُ؛ لِتَكُونَ قُبُوراً لَهُمْ، وَسَخَّرُوا فِي بِنَائِهَا شُعُوبَهُمْ.


تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11))
هذا الوصفُ عائدٌ إلى عادٍ وثمودَ وفرعونَ ومَنْ تبعهمْ، فإنَّهم طغوا في بلادِ اللهِ، وآذوا عبادَ اللهِ، في دينهمْ ودنياهمْ،أي: تمرّدوا وعتوا وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذيّة للناس


تفسير قوله تعالى: (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12))
المراد بالفساد في الآية : وهو العملُ بالكفرِ وشُعبِهِ، منْ جميعِ أجناسِ المعاصي، وسعَوا في محاربةِ الرسلِ وصدِّ الناسِ عن سبيلِ اللهِ، فلمَّا بلغُوا منَ العتوِّ ما هوَ موجبٌ لهلاكهمْ أرسلَ اللهُ عليهمْ منْ عذابهِ ذنوباً وسوطَ عذابٍ.


تفسير قوله تعالى: (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13))
أي: أنزل عليهم رجزاً من السماء، وأحلّ بهم عقوبةً لا يردّها عن القوم المجرمين.
وهوَ العملُ بالكفرِ وشُعبِهِ، منْ جميعِ أجناسِ المعاصي، وسعَوا في محاربةِ الرسلِ وصدِّ الناسِ عن سبيلِ اللهِ، فلمَّا بلغُوا منَ العتوِّ ما هوَ موجبٌ لهلاكهمْ أرسلَ اللهُ عليهمْ منْ عذابهِ ذنوباً وسوطَ عذابٍ.
أَيْ: أَفْرَغَ عَلَيْهِمْ وَأَلْقَى عَلَى تِلْكَ الطوائفِ عَذَاباً، كَمَا يُقَالُ: صَبَبْتُ السوطَ عَلَى المُجْرِمِ؛أَيْ: جَلَدْتُهُ بِهِ جَلْداً شَدِيداً.


تفسير قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14))
قال ابن عبّاسٍ: يسمع ويرى.
يعني: يرصد خلقه فيما يعملون، ويجازي كلاًّ بسعيه في الدنيا والأخرى، وسيعرض الخلائق كلّهم عليه فيحكم فيهم بعدله، ويقابل كلاًّ بما يستحقّه، وهو المنزّه عن الظّلم والجور.
وقيل لبالمرصاد لمنْ عصاهُ يمهلُهُ قليلاً، ثمَّ يأخذُهُ أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: عَلَيْهِ طَرِيقُ الْعِبَادِ لا يَفُوتُهُ أَحَدٌ.



تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)}


تفسير قوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15))
-المعنى الإجمالي للآية:

يخبرُ تعالَى عنْ طبيعةِ الإنسانِ منْ حيثُ هوَ،وأنَّهُ جاهلٌ ظالمٌ، لا علمَ لهُ بالعواقبِ، يظنُ الحالةَ التي تقعُ فيهِ تستمرُ ولا تزولُ، ويظنُّ أنَّ إكرامَ اللهِ في الدنيا وإنعامَهُ عليه يدلُّ على كرامتهِ عندهُ وقربه منهُ.
-المعنى التفصيلي:
{فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ} امْتَحَنَهُ وَاخْتَبَرَهُ بالنِّعَمِ، {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ}؛ أَيْ: أَكْرَمَهُ بِالْمَالِ وَوَسَّعَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ في الدينا، {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الكَرامةُ؛ فَرَحاً بِمَا نَالَ، وَسُرُوراً بِمَا أُعْطِيَ غَيْرَ شَاكِرٍ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلا خَاطِرٍ بِبَالِهِ أَنَّ ذَلِكَ امْتِحَانٌ لَهُ مِنْ رَبِّهِ.


تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) )
-المعنى الإجمالي:

يخبرُ تعالَى عنْ طبيعةِ الإنسانِ منْ حيثُ هوَ،وأنَّهُ جاهلٌ ظالمٌ، لا علمَ لهُ بالعواقبِ، يظنُ الحالةَ التي تقعُ فيهِ تستمرُ ولا تزولُ، ويظنُّ أنَّ إكرامَ اللهِ في الدنيا وإنعامَهُ عليه يدلُّ على كرامتهِ عندهُ وقربه منهُ، وأنَّهُ إذا {قَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي: ضيَّقهُ، فصارَ بقدرِ قوتهِ لا يفضلُ منهُ، أن هذا إهانةٌ منَ اللهِ لهُ.
-المعنى التفصيلي:
{وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ
}؛أَي: اخْتَبَرَهُ وَامْتَحَنَهُ.
{فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}؛ أَيْ: ضَيَّقَهُ وَلَمْ يُوَسِّعْهُ لَهُ، وَلا بَسَطَ لَهُ فِيهِ.
{فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}؛ أَيْ: أَوْلانِي هَوَاناً.
-الفرق بين المؤمن والكافر في قياس الأمور ومعرفة رضا الله من غضبه:
يقيس ذلك بحسب عطاء الله له في الدنيا وتوسيعه له في رزقه أو العكس وَهَذِهِ صِفَةُ الْكَافِرِ الَّذِي لا يُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ ؛ لأَنَّهُ لا كَرَامَةَ عِنْدَهُ إِلاَّ الدُّنْيَا والتَّوَسُّعُ فِي مَتَاعِهَا، وَلا إِهَانَةَ عِنْدَهُ إِلاَّ فَوْتُهَا وَعَدَمُ وُصُولِهِ إِلَى مَا يُرِيدُ منْ زِينَتِهَا.
فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فالكرامةُ عِنْدَهُ أَنْ يُكْرِمَهُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ، وَيُوَفِّقَهُ لِعَمَلِ الآخِرَةِ، والإهانةُ عِنْدَهُ أَلاَّ يُوَفِّقَهُ اللَّهُ للطَّاعَةِ وَعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ سَعَةُ الدُّنْيَا كَرَامَةً، وَلَيْسَ ضِيقُهَا إِهَانَةً، وَإِنَّمَا الغِنَى اخْتِبَارٌ للغَنِيِّ هَلْ يَشْكُرُ، وَالفَقْرُ اخْتِبَارٌ لَهُ هَلْ يَصْبِرُ.


تفسير قوله تعالى: (كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17))
يقول تعالى منكراً على الإنسان في اعتقاده إذا وسّع الله عليه في الرزق؛ ليختبره في ذلك، فيعتقد أن ذلك من الله إكرامٌ له، وليس كذلك، بل هو ابتلاءٌ وامتحانٌ، كما قال تعالى: {أيحسبون أنّما نمدّهم من مالٍ وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون}
وكذلك في الجانب الآخر، إذا ابتلاه وامتحنه، وضيّق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانةٌ له، قال الله: {كلاّ} رَدْعٌ للإنسانِ الْقَائِلِ فِي الحَالَتَيْنِ مَا قَالَ, وَزَجْرٌ لَهُ , أي: ليس الأمر كما زعم، لا في هذا ولا في هذا؛ فإنّ الله يعطي المال من يحبّ ومن لا يحبّ، ويضيّق على من يحبّ ومن لا يحبّ، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كلٍّ من الحالين، إذا كان غنيًّا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيراً بأن يصبر.
وأيضاً فإنَّ وقوفَ همّةِ العبدِ عندَ مرادِ نفسهِ فقطْ، منْ ضعفِ الهمةِ، ولهذا لامَهمُ اللهُ على عدمِ اهتمامِهمْ بأحوالِ الخلقِ المحتاجينَ، فقالَ:{كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} الذي فقدَ أباهُ وكاسبَهُ، واحتاجَ إلى جبرِ خاطرهِ والإحسانِ إليهِ.
-وقوله: {بل لا تكرمون اليتيم} فيه أمرٌ بالإكرام له، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((خير بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيمٌ يحسن إليه، وشرّ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيمٌ يساء إليه)). ثمّ قال بأصبعه: ((أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا)).


تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18))
يعني:
لا يأمرون بالإحسان إلى الفقراء والمساكين، ويحثّ بعضهم على بعضٍ في ذلك.
وذلكَ لأجلِ الشُّحِّ على الدنيا ومحبتهَا الشديدةِ المتمكنةِ مِنَ القلوبِ، ولهذا قالَ: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ}

تفسير قوله تعالى: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19))
يعني: الميراث وهو المالَ المخلفَ .
وقيل: أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَالنِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ،
{أكلاً لمًّا} أي: : أَكْلاً شَدِيداً من أيّ جهةٍ حصل لهم، من حلالٍ أو حرامٍ.


تفسير قوله تعالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20))
أي: كثيراً شديداً. زاد بعضهم: فاحشاً.
وهذا كقولهِ تعالى:{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}وقوله: {كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ}.


تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}

تفسير قوله تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21))
يخبر تعالى عمّا يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة:
فقال: {كلاّ} أي: ليسَ ما أحببتمْ منَ الأموالِ، وتنافستمْ فيهِ منَ اللذاتِ، بباقٍ لكمْ،بلْ أمامكمْ يومٌ عظيمٌ، وهولٌ جسيمٌ، تُدكُّ فيهِ الأرضُ والجبالُ وما عليهَا حتى تُجعلَ قاعاً صفصفاً لا عوجَ فيهِ ولا أمت .
وقيل : مَا هكذا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَمَلُكُمْ.
{إذا دكّت الأرض دكًّا دكًّا} الدَّكُّ: الكَسْرُ وَالدَّقُّ؛ زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ تَحْرِيكاً بَعْدَ تَحْرِيكٍ، أَوْ دُكَّتْ جِبَالُهَا حَتَّى اسْتَوَتْ.
والمعنى: وطئت ومهّدت وسوّيت الأرض والجبال، وقام الخلائق من قبورهم لربّهم.


تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22))
{وجاء ربّك} يعني
: لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيّد ولد آدم على الإطلاق: محمّدٍ صلوات الله وسلامه عليه، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحداً بعد واحدٍ، فكلّهم يقول: لست بصاحب ذاكم. حتى تنتهي النّوبة إلى محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم فيقول: ((أنا لها، أنا لها)). فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء، فيشفّعه الله تعالى في ذلك.
وهي أوّل الشفاعات، وهي المقام المحمود، كما تقدّم في بيانه، وفي سورة (سبحان). فيجيء الربّ تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفاً صفوفاً. كلُّ سماءٍ يجيءُ ملائكتهَا صفّاً، يحيطونَ بمنْ دونهمْ منَ الخلقِ، وهذهِ الصفوفُ صفوفُ خضوعٍ وذلٍّ للملكِ الجبارِ.


تفسير قوله تعالى: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23))
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}
تقودُهَا الملائكةُ بالسلاسلِ , عن عبد الله - هو ابن مسعودٍ - قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((يؤتى بجهنّم يومئذٍ لها سبعون ألف زمامٍ، مع كلّ زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرّونها)).
فإذا وقعتْ هذهِ الأمورُ فـ {يومئذٍ يتذكّر الإنسان} أي: عمله، وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه.
{وأنّى له الذّكرى} أي: وكيف تنفعه الذكرى, فقدْ فاتَ أوانُهَا، وذهبَ زمانُهَا


تفسير قوله تعالى: (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24))
يقول متحسِّراً على ما فرَّطَ في جنبِ الله ونادمًا على ما كان سلف منه من المعاصي - إن كان عاصياً - ويودّ لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعاً.
عن محمد بن أبي عميرة، وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: لو أنّ عبداً خرّ على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت في طاعة الله لحقره يوم القيامة، ولودّ أنه ردّ إلى الدنيا؛ كيما يزداد من الأجر والثواب.
{يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} الدائمةِ الباقيةِ، عملاً صالحاً، كمَا قالَ تعالَى:{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً}.
وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّ الحياةَ التي ينبغي السعيُ في أصلهَا وكمالهَا، وفي تتميمِ لذّاتهَا، هيَ الحياةُ في دارِ القرارِ، فإنَّهَا دارُ الخلدِ والبقاءِ.


تفسير قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25))
أي: ليس أحدٌ أشدّ عذاباً من تعذيب الله من عصاه وأهملَ ذلكَ اليومَ ونسيَ العملَ لهُ.


تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26))
أي: وليس أحدٌ أشدّ قبضاً ووثقاً من الزبانية لمن كفر بربّهم عزّ وجلّ. هذا في حقّ المجرمين من الخلائق والظالمين , فإنَّهمْ يقرنونَ بسلاسلٍ منْ نارٍ، ويسحبونَ على وجوههمْ في الحميمِ، ثمَّ في النارِ يسجرونَ، فهذا جزاءُ المجرمينَ.


تفسير قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27))
وأمَّا مَنْ اطمأنَ إلى اللهِ وآمنَ بهِ وصدقَ رسلهُ، فيقالُ لهُ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} إلى ذكرِ اللهِ، الساكنةُ حبِّهِ، لمُوقِنَةُ بالإيمانِ وَتَوْحِيدِ اللَّهِ، لا يُخَالِطُهَا شَكٌّ وَلا يَعْتَرِيهَا رَيْبٌ، قَدْ رَضِيَتْ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَعَلِمَتْ أَنَّ مَا أَخْطَأَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهَا، وَأَنَّ مَا أَصَابَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهَا، فَتَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُطْمَئِنَّةً؛لأَنَّهَا قَدْ بُشِّرَتْ بالجَنَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْبَعْثِ


تفسير قوله تعالى: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)))
{ارْجِعِي} إلى جواره وثوابه، وما أعدّ لعباده في جنّته.
{إِلَى رَبِّكِ} الذي ربّاكِ بنعمتهِ، وأسدى عليكِ منْ إحسانهِ ما صرتِ بهِ منْ أوليائهِ وأحبابهِ .
{راضيةً} أي: في نفسها بالثَّوَابِ الَّذِي أَعْطَاها.
{مرضيّةً} أي: قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها


تفسير قوله تعالى: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29))
أي: فِي زُمْرَةِ عِبَادِي الصَّالِحِينَ، وَكُونِي مِنْ جُمْلَتِهِمْ .


تفسير قوله تعالى: (وَادْخُلِي جَنَّتِي (30))
مَعَهُمْ؛ أَيْ: فَتِلْكَ هِيَ الكرامةُ، لا كَرَامَةَ سِوَاهَا.
وهذا يقال لها عند الاحتضار، وفي يوم القيامة أيضاً، كما أنّ الملائكة يبشّرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره فكذلك ههنا.

فيمن نزلت الآية: -ك-
ثمّ اختلف المفسّرون فيمن نزلت هذه الآية:

1- فروى الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: نزلت في عثمان بن عفّان.
2-وعن بريدة بن الحصيب: نزلت في حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه.
3-وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: يقال للأرواح المطمئنّة يوم القيامة: {يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك} يعني: صاحبك، وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا {راضيةً مرضيّةً}.
4-عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّةً} قال: نزلت وأبو بكرٍ جالسٌ، فقال رسول الله: ((ما أحسن هذا!)) فقال: ((أما إنّه سيقال لك هذا)).

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 4 ذو الحجة 1435هـ/28-09-2014م, 05:09 PM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
Post من سورة البلد إلى الضحى

تفسير سورة البلد
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر



أسماء السورة
سورة البلد.
سُورَةِ لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ.

نزول السورة: مكية .


تفسير قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) }

تفسير قوله تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1))
هذا قسمٌ من الله عزّ وجلّ بمكّة أمّ القرى في حال كون الساكن فيها حلالاً؛ لينبّه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها.
عن ابن عبّاسٍ: {لا أقسم بهذا البلد} يعني: مكّة.
والْمَعْنَى: أُقْسِمُ بالبلدِ الحرامِ، وَهُوَ مَكَّةُ؛ وَذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى كَرَامَةِ أُمِّ القُرَى وَشَرَفِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَنَّ فِيهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ، وَهِيَ بلدُ إِسْمَاعِيلَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَبِهَا مَنَاسِكُ الْحَجِّ.


تفسير قوله تعالى: (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) )
-المراد بالآية:

1-قال: أنت يا محمد يحلّ لك أن تقاتل به.
وكذا روي عن سعيد بن جبيرٍ، وأبي صالحٍ، وعطيّة، والضّحّاك، وقتادة، والسّدّيّ، وابن زيدٍ.
2-وقال مجاهدٌ: ما أصبت فيه فهو حلالٌ لك.
وقال قتادة: {وأنت حلٌّ بهذا البلد} قال: أنت به من غير حرجٍ، ولا إثمٍ.
3-وقال الحسن البصريّ: أحلّها الله له ساعةً من نهارٍ. وهذا المعنى الذي قالوه قد ورد به الحديث المتّفق على صحّته: ((إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السّماوات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، وإنّما أحلّت لي ساعةً من نهارٍ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلّغ الشّاهد الغائب)).
وفي لفظٍ: ((فإن أحدٌ ترخّص بقتال رسول الله فقولوا: إنّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم))
4-وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أُقْسِمُ بِهَذَا البلدِ الَّذِي أَنْتَ مُقِيمٌ بِهِ؛ تَشْرِيفاً لَكَ وَتَعْظِيماً لِقَدْرِكَ؛ لأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِإِقَامَتِكَ فِيهِ عَظِيماً شَرِيفاً.


تفسير قوله تعالى: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3))
-الخلاف في معنى الآية:

1-عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ووالدٍ وما ولد}: الوالد: الذي يلد، وما ولد: العاقر الذي لا يولد له.
2-وقال عكرمة: الوالد: العاقر، وما ولد: الذي يلد. رواه ابن أبي حاتمٍ.
3-وقال مجاهد وغيره: يعني بالوالد آدم، وما ولد ولده.
وهذا الذي ذهب إليه مجاهدٌ وأصحابه حسنٌ قويٌّ؛ لأنه تعالى لمّا أقسم بأمّ القرى، وهي المساكن، أقسم بعده بالساكن، وهو آدم أبو البشر وولده.
4-وقال أبو عمران الجونيّ: هو إبراهيم وذرّيته. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، واختار ابن جريرٍ أنه عامٌّ في كلّ والدٍ وولده. وهو محتملٌ أيضاً


تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) )
والمقسمُ عليهِ قولهُ{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}
-الخلاف في معنى (كبد):

1-والكبد: الاستواء والاستقامة، ومعنى هذا القول: لقد خلقنا الإنسان سويًّا مستقيماً، كقوله: {يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الّذي خلقك فسوّاك فعدلك}، وكقوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ}.
3-وقال ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {في كبدٍ} قال: في شدّة خلقٍ، ألم تر إليه... وذكر مولده ونبات أسنانه.
وقال مجاهدٌ: {في كبدٍ}: نطفةً، ثمّ علقةً، ثمّ مضغةً، يتكبّد في الخلق.
قال مجاهدٌ: وهو كقوله: {حملته أمّه كرهاً ووضعته كرهاً}. وأرضعته كرهاً، ومعيشته كرهٌ، فهو يكابد ذلك.
وقال سعيد بن جبيرٍ: {لقد خلقنا الإنسان في كبدٍ} في شدّةٍ وطلب معيشةٍ.
يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة.
4-وقال ابن زيدٍ: {لقد خلقنا الإنسان في كبدٍ} قال: آدم خلق في السماء، فسمّي ذلك الكبد.
واختار ابن جريرٍ أن المراد بذلك مكابدة الأمور ومشاقّها.
يحتملُ أنَّ المرادَ بذلكَ:
ما يكابدهُ ويقاسيهِ منَ الشدائدِ في الدنيا، وفي البرزخِ، ويومَ يقومُ الأشهادُ، وأنَّهُ ينبغي لهُ أنْ يسعى في عملٍ يريحهُ منْ هذهِ الشدائدِ، ويوجبُ لهُ الفرحَ والسرورَ الدائمَ.
وإنْ لمْ يفعلْ، فإنَّهُ لا يزالُ يكابِدُ العذابَ الشديدَ أبد الآبادِ.


تفسير قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) )
1-قال الحسن البصريّ: يعني: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحدٌ} يأخذ ماله.
2-وقال قتادة: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحدٌ} قال: ابن آدم يظنّ أن لن يسأل عن هذا المال؛ من أين اكتسبه؟ وأين أنفقه؟.
3-أَيْ: أَيَظُنُّ ابْنُ آدَمَ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ وَلا يَنْتَقِمَ مِنْهُ أَحَدٌ مَهْمَا اقْتَرَفَ مِنَ السَّـيِّئَاتِ، حَتَّى وَلا رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ.


تفسير قوله تعالى: (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) )
أي: يقول ابن آدم: أنفقت مالاً لبداً، أي: كثيراً بعضهُ فوقَ بعضٍ لا يُخَافُ فَنَاؤُهُ مِنْ كَثْرَتِهِ.
-سبب تسميته الإنفاقَ في الشهواتِ والمعاصي إهلاكاً:
لأنَّهُ لا ينتفعُ المنفقُ بمَا أنفقَ، ولا يعودُ عليهِ منْ إنفاقِهِ إلا الندمُ والخسارُ والتعبُ والقلةُ، لا كمنْ أنفقَ في مرضاةِ اللهِ في سبيلِ الخيرِ، فإنَّ هذا قدْ تاجرَ معَ اللهِ، وربحَ أضعافَ أضعافِ ما أنفقَ.


تفسير قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) )
قالَ الله متوعداً هذا الذي يفتخرُ بمَا أنفقَ في الشهواتِ: {أَيَحْسَبُ أَن لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} أي: أيحسبُ في فعلهِ هذا، أنَّ اللهَ لا يراهُ ويحاسبهُ على الصغيرِ والكبيرِ؟
بلْ قدْ رآهُ اللهُ، وحفظَ عليهِ أعمالهُ، ووكلَ بهِ الكرامَ الكاتبينَ، لكلِّ ما عملهُ منْ خيرٍ وشر.
قال مجاهدٌ: أيحسب أن لم يره الله عزّ وجلّ، وكذا قال غيره من السلف.


تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8))
ثمَّ قررهُ بنعمهِ، فقالَ: {أَلَمْ نَجْعَل لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} للجمالِ والبصرِ والنطقِ، وغيرِ ذلكَ منَ المنافعِ الضروريةِ فيهَا، فهذهِ نعمُ الدنيا.


تفسير قوله تعالى: (وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9))
أي: ينطق به فيعبّر عمّا في ضميره، {وشفتين} يستر بهما ثغره ويستعين بهما على الكلام وأكل الطعام، وجمالاً لوجهه وفمه.



تفسير قوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10))
الخلاف في معنى النجدين:

1-طريقي الخيرِ والشرِّ، بيَّنَّا لهُ الهدى منَ الضلالِ، والرّشدَ منَ الغيِّ.
عن عبد الله - هو ابن مسعودٍ-: {وهديناه النّجدين} قال: الخير والشرّ
وقال ابن جريرٍ: عن أبي رجاءٍ، قال: سمعت الحسن يقول: {وهديناه النّجدين} قال: ذكر لنا أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: ((يا أيّها النّاس إنّهما النّجدان؛ نجد الخير، ونجد الشّرّ، فما جعل نجد الشّرّ أحبّ إليكم من نجد الخير؟)).
2-عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وهديناه النّجدين} قال: الثّديين.
والصواب القول الأوّل.
ونظير هذه الآية قوله: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً}
فهذهِ المننُ الجزيلةُ، تقتضي مِنَ العبدِ أنْ يقومَ بحقوقِ اللهِ،ويشكرَ اللهَ على نعمهِ، وأنْ لا يستعينَ بهَا على معاصيهِ، ولكنَّ هذا الإنسانَ لمْ يفعلْ ذلكَ




تفسير قوله تعالى: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}


تفسير قوله تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) )
-الخلاف في معنى الآية:

1-عن ابن عمر في قوله: {فلا اقتحم العقبة} قال: جبلٌ في جهنّم آزلٌ.
2-وقال كعب الأحبار: {فلا اقتحم العقبة} هو سبعون درجةً في جهنّم.
3-وقال الحسن البصريّ: {فلا اقتحم العقبة} قال: عقبةٌ في جهنّم.
وقال قتادة: إنها عقبةٌ قحمةٌ شديدةٌ، فاقتحموها بطاعة الله تعالى.
أي: لم يقتحمهَا ويعبر عليهَا، لأنَّهُ متبعٌ لشهواتهِ.وهذهِ العقبةُ شديدةٌ عليهِ
4-أي فَهَلاَّ نَشِطَ وَاخْتَرَقَ المَوَانِعَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَاعَةِ اللَّهِ؛ مِنْ تَسْوِيلِ النَّفْسِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالشَّيْطَانِ.



تفسير قوله تعالى: (فَكُّ رَقَبَةٍ (13))
قال ابن زيدٍ: {فلا اقتحم العقبة} أي: أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير، ثمّ بيّنها فقال تعالى: {وما أدراك ما العقبة فكّ رقبةٍ أو إطعامٌ}
عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكلّ إربٍ منها إرباً من النّار، حتّى إنّه ليعتق باليد اليد، وبالرّجل الرّجل، وبالفرج الفرج)).
عن أبي نجيحٍ، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: ((أيّما مسلمٍ أعتق رجلاً مسلماً فإنّ الله جاعلٌ وقاء كلّ عظمٍ من عظامه عظماً من عظام محرّره من النّار، وأيّما امرأةٍ مسلمةٍ أعتقت امرأةً مسلمةً فإنّ الله جاعلٌ وقاء كلّ عظمٍ من عظامها عظماً من عظامها من النّار)).
عن عمرو بن عبسة، أنه حدّثهم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من بنى مسجداً ليذكر الله فيه، بنى الله له بيتاً في الجنّة، ومن أعتق نفساً مسلمةً كانت فديته من جهنّم، ومن شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة)).


تفسير قوله تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14))
قال ابن عبّاسٍ: ذي مجاعةٍ. والسّغب: هو الجوع. أي: مجاعةٍ شديدةٍ، بأنْ يطعمَ وقتَ الحاجةِ أشدَّ الناسِ حاجةً.


تفسير قوله تعالى: (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15))
{يتيماً} أي: أطعم في مثل هذا اليوم يتيماً {ذا مقربةٍ} أي: ذا قرابةٍ منه.
أي: جامعاً بينَ كونهِ يتيماً، فقيراً ذا قرابة
عن سلمان بن عامرٍ، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((الصّدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرّحم اثنتان: صدقةٌ وصلةٌ)). وقد رواه التّرمذيّ والنّسائيّ، وهذا إسنادٌ صحيحٌ.


تفسير قوله تعالى: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16))
أي: فقيراً مدقعاً لاصقاً بالتراب، وهو الدّقعاء أيضاً.
قال ابن عبّاسٍ: {ذا متربةٍ} هو المطروح في الطريق، الذي لا بيت له، ولا شيء يقيه من التراب.
وفي روايةٍ: وهو الذي لصق بالدّقعاء؛ من الفقر والحاجة، ليس له شيءٌ.
قال ابن أبي حاتمٍ: يعني: الغريب عن وطنه.
وقال عكرمة: هو الفقير المديون المحتاج.
وقال سعيد بن جبيرٍ: هو الذي لا أحد له.
وقال ابن عبّاسٍ، وسعيدٌ، وقتادة، ومقاتل بن حيّان: هو ذو العيال. وكلّ هذه قريبة المعنى.
فَمَنْ أَطْعَمَ من هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ فِي أَيَّامِ المجاعاتِ الَّتِي تُذْهِلُ الإِنْسَانَ إِلاَّ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ منْ حِرْصِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَنَفْعِ عِبَادِهِ، فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِين.


تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17))
{ثمّ كان من الّذين آمنوا} أي: ثمّ هو مع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة مؤمنٌ بقلبه، محتسبٌ ثواب ذلك عند الله عزّ وجلّ، كما قال تعالى: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكوراً}.
وقال: {من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ} الآية.
وهم الذين آمنُوا بقلوبهمْ بما يجبُ الإيمانُ بهِ، وعملُوا الصالحاتِ بجوارحهمْ مِنْ كلِّ قولٍ وفعلٍ واجبٍ أو مستحبٍّ
.وقوله: {وتواصوا بالصّبر وتواصوا بالمرحمة} أي: كان من المؤمنين العاملين صالحاً، المتواصين بالصبر على أذى الناس، والصبر على طاعةِ اللهِ وعنْ معصيتهِ، وعلى أقدارِ اللهِ المؤلمةِ بأنْ يحثَّ بعضهم بعضاً على الانقيادِ لذلكَ، والإتيانِ بهِ كاملاً منشرحاً بهِ الصدرُ، مطمئنةً بهِ النفسُ
وتواصوا على الرحمة بالناس، منْ إعطاءِ محتاجهمْ، وتعليمِ جاهلهمِ، والقيامِ بمَا يحتاجونَ إليهِ منْ جميعِ الوجوهِ، ومساعدتهمْ على المصالحِ الدينيةِ والدنيويةِ، وأنْ يحبَّ لهمْ ما يحبُّ لنفسهِ، ويكرهَ لهم ما يكرهُ لنفسهِ كما جاء في الحديث: ((الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء)). وفي الحديث الآخر: ((لا يرحم الله من لا يرحم النّاس)).


تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18))
أولئك المتصفون بالصفات السابقة هم أصحاب الميمنة وهي الجنة ؛ لأنَّهمْ أدوا ما أمرَ اللهُ بهِ منْ حقوقهِ وحقوقِ عبادهِ، وتركوا مَا نهوا عنهُ، وهذا عنوانُ السعادةِ وعلامتُهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَصْحَابَ الْيَمِينِ وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ من النَّعِيمِ، وَفَصَّلَ ذَلِكَ عَلَى التمامِ وَالكمالِ فِي سُورَةِ الوَاقِعَةِ .


تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19))
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} بأنْ نبذوا هذهِ الأمورَ وراءَ ظهورهمْ، فلمْ يصدقوا باللهِ، ، ولا عملوا صالحاً، ولا رحموا عبادَ اللهِ {هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ} أي: أصحاب الشّمال, وَهِيَ النَّارُ المَشْؤُومَةُ. وَتَفْصِيلُ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لأَصْحَابِ الشِّمالِ مُبَيَّنٌ أَيْضاً فِي سُورَةِ الوَاقِعَةِ.



تفسير قوله تعالى: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) )
أي: مطبقةٌ عليهم، لا ضوء فيها، ولا فرج، فلا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها.
قال ابن عبّاسٍ: مغلقة الأبواب.
وقال أبو عمران الجونيّ: إذا كان يوم القيامة أمر الله بكلّ جبّارٍ، وكلّ شيطانٍ، وكلّ من كان يخاف الناس في الدنيا شرّه، فأوثقوا بالحديد، ثمّ أمر بهم إلى جهنّم، ثمّ أوصدوها عليهم. أي: أطبقوها. قال: فلا والله لا تستقرّ أقدامهم على قرارٍ أبداً، ولا والله لا ينظرون فيها إلى أديم سماءٍ أبداً، ولا والله لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نومٍ أبداً، ولا والله لا يذوقون فيها بارد شرابٍ أبداً. رواه ابن أبي حاتمٍ.


تفسير سورة الشمس
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر



أسماء السورة
الشمس
سورة والشمس وضحاها.


نزول السورة: مكية.

فضائل السورة:
تقدّم حديث جابرٍ الذي في الصحيحين، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لمعاذٍ: ((هلاّ صلّيت بـ {سبّح اسم ربّك الأعلى} و {الشّمس وضحاها} و {اللّيل إذا يغشى})) ). [


تفسير قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}

تفسير قوله تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) )
أقسمَ اللهُ تعالى بهذهِ الآياتِ العظيمةِ، على النفسِ المفلحةِ، وغيرِهَا منَ النفوسِ الفاجرةِ، فقالَ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} أي: نورهَا ونفعهَا الصادرِ منهَا .
وقال قتادة: {وضحاها} النهار كلّه.
قال ابن جريرٍ: والصواب أن يقال: أقسم الله بالشمس ونهارها؛ لأنّ ضوء الشمس الظاهر النهار.


تفسير قوله تعالى: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) )
قال مجاهدٌ: تبعها.
وَذَلِكَ فِي اللَّيَالِي البِيضِ، وَهِيَ لَيْلَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ، وَسِتَّ عَشْرَةَ، يَطْلُعُ فِيهَا القَمَرُ من المَشْرِقِ مُمْتَلِئاً بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وقال قتادة: {إذا تلاها} ليلة الهلال، إذا سقطت الشمس رؤي الهلال.
وقال ابن زيدٍ: هو يتلوها في النصف الأوّل من الشهر، ثمّ هي تتلوه، وهو يتقدّمها في النصف الأخير من الشهر.
وقال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: {إذا تلاها} ليلة القدر


تفسير قوله تعالى: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) )
قال مجاهدٌ: أضاء.
وقال قتادة: {والنّهار إذا جلاّها}: إذا غشيها النهار.
-عود الضمير في جلاها:
1-جلى الشمس: وقال ابن جريرٍ: وكان بعض أهل العربيّة يتأوّل ذلك بمعنى: والنّهار إذا جلّى الظّلمة؛ لدلالة الكلام عليها.
2-جلى ماعلى وجه الأرض: قلت: ولو أنّ هذا القائل تأوّل ذلك بمعنى: {والنّهار إذا جلاّها} أي: البسيطة، أي: جلّى ما علَى وجهِ الأرضِ وأوضحهُ.لكان أولى، ولصحّ تأويله في قوله: {واللّيل إذا يغشاها} فكان أجود وأقوى. والله أعلم.
ولهذا قال مجاهدٌ: {والنّهار إذا جلاّها}: إنه كقوله: {والنّهار إذا تجلّى}.
وأمّا ابن جريرٍ فاختار عود الضمير في ذلك كلّه على الشمس؛ لجريان ذكرها.
وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْسَ عِنْدَ انْبِسَاطِ النَّهَارِ تَنْجَلِي تَمَامَ الانجلاءِ.


تفسير قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4))
يعني: إذا يغشى الشمس حين تغيب فَيَذْهَبُ بِضَوْئِهَا فتظلم الآفاق.
وقيل : أي: يغشى وجهَ الأرضِ، فيكونُ ما عليهَا مظلماً.

-ماتضمنته الآيتين السابقتين من الأدلة:
فتعاقبُ الظلمةِ والضياءِ،والشمسِ والقمرِ على هذا العالمِ بانتظامٍ وإتقانٍ، وقيامٍ لمصالحِ العبادِ، أكبرُ دليلٍ على أنَّ اللهَ بكلِّ شيءٍ عليمٌ، وعلى كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنَّهُ المعبودُ وحدهُ، الذي كلُّ معبودٍ سواهُ فباطلُ.


تفسير قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5))
-نوع ما :

يحتمل أن تكون (ما) ههنا مصدريّةً بمعنى: والسماء وبنائها. فيكونُ الإقسامُ بالسماءِ وبنيانِهَا، الذي هوَ غايةُ ما يقدّرُ مِنْ الإحكامِ والإتقانِ والإحسانِ، ونحوُ ذلكَ وهو قول قتادة.
ويحتمل أن تكون بمعنى (من)، يعني: والسماء وبانيها. فيكونُ الإقسامُ بالسماءِ وبانيهَا، الذي هوَ الله تباركَ وتعالَى وهو قول مجاهدٍ.
وكلاهما متلازمٌ، والبناء هو الرفع، كقوله: {والسّماء بنيناها بأيدٍ} أي: بقوّةٍ {وإنّا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون}.
وهكذا قوله: {والأرض وما طحاها}.


تفسير قوله تعالى: (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6))
الاختلاف في معنى طحاها:

1- عن ابن عبّاسٍ: {وما طحاها} أي: خلق فيها.
2- عن ابن عبّاسٍ: {طحاها} قسّمها.
3-وقال مجاهدٌ، وقتادة،وغيرهم: {طحاها}: بسطها، وهذا أشهر الأقوال، وعليه الأكثر من المفسّرين، وهو المعروف عند أهل اللّغة، قال الجوهريّ: طحوته مثل دحوته، أي: بسطته.


تفسير قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) )
يحتملُ أنَّ المرادَ:
1-نفسُ سائرِ المخلوقاتِ الحيوانيةِ، كمَا يؤيدُ هذا العمومُ.
2-أو الإقسامُ بنفسِ الإنسانِ المكلفِ، بدليلِ ما يأتي بعدَهُ.
والمعنى: أَنْشَأهَا وَسَوَّى أَعْضَاءَهَا، وَرَكَّبَ فِيهَا الرُّوحَ، وَجَعَلَ فِيهَا الْقُوَى النَّفْسِيَّةَ الهَائِلَةَ، وَالإِدْرَاكَاتِ العَجِيبَةَ،وجعلها مستقيمةً على الفطرة القويمة، كما قال تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفاً فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق الله}.
وقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: ((كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه، كما تولد البهيمة بهيمةً جمعاء هل تحسّون فيها من جدعاء)). أخرجاه من رواية أبي هريرة.
وفي صحيح مسلمٍ من رواية عياض بن حمارٍ المجاشعيّ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((يقول الله عزّ وجلّ: إنّي خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم.
-ماتتضمنه النفس من الآيات :
فالنفسُ آيةٌ كبيرةٌ منْ آياتهِ التي حقيقةٌ بالإقسامِ بهَا، فإنَّهَا في غايةِ اللطفِ والخفةِ، سريعةِ التنقلِ والتغيرِ والتأثرِ والانفعالاتِ النفسيةِ، منَ الهمِّ، والإرادةِ، والقصدِ، والحبِّ، والبغضِ، وهيَ التي لولاهَا لكانَ البدنُ مجردَ تمثالٍ لا فائدةَ فيهِ، وتسويتهَا على هذا الوجهِ آيةٌ منْ آياتِ اللهِ العظيمةِ.


تفسير قوله تعالى: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)) –ك . ش-
أي: فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي: بيّن لها ذلك، وهداها إلى ما قدّر لها.
قال ابن عبّاسٍ: {فألهمها فجورها وتقواها} بيّن لها الخير والشرّ.
وروي أنّ رجلاً من مزينة - أو جهينة - أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون؟ أشيءٌ قضي عليهم ومضى عليهم من قدرٍ قد سبق، أم شيءٌ ممّا يستقبلون ممّا أتاهم به نبيّهم وأكّدت به عليهم الحجّة؟
قال: ((بل شيءٌ قد قضي عليهم)) قال: ففيم نعمل؟ قال: ((من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيّئه لها، وتصديق ذلك في كتاب الله: {ونفسٍ وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها})). رواه أحمد ومسلمٌ من حديث عزرة بن ثابتٍ به.


تفسير قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9))
يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكّى نفسه، أي: بطاعة الله وعلاّهَا بالعلمِ النافعِ والعملِ الصالحِ , - وطهّرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل ونقاهَا منَ العيوبِ.
فَازَ بِكُلِّ مَطْلُوبٍ وَظَفِرَ بِكُلِّ مَحْبُوبٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا فَقَدَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن مَضْجَعِهِ، فَلَمَسَتْهُ بِيَدِهَا، فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ يَقُولُ: ((رَبِّ أَعْطِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا ومولاها) وكقوله تعالى: {قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى}.


تفسير قوله تعالى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) )
أي: دسسها، بمعنى: خَسِرَ مَنْ أَضَّلَهَا و أغواها وأخملها ووضع منها بخذلانه إيّاها عن الهدى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عزّ وجلّ.
وقد يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكّى الله نفسه، وقد خاب من دسّى الله نفسه.
عن ابن عبّاسٍ، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا مرّ بهذه الآية: {ونفسٍ وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها} وقف، ثمّ قال: ((اللّهمّ آت نفسي تقواها، أنت وليّها ومولاها، وخير من زكّاها)).



تفسير سورة الليل
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر



أسماء السورة: سورة الليل.

نزول السورة: مكية.

فضائل السورة:

تقدّم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذٍ: ((فهلاّ صلّيت بـ {سبّح اسم ربّك الأعلى} و {الشّمس وضحاها} و {اللّيل إذا يغشى}))



تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)}.


تفسير قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1))
هذا قسمٌ منَ اللهِ بالزمانِ الذي تقعُ فيهِ أفعالُ العبادِ على تفاوتِ أحوالهمْ، فقالَ:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
أي: إذا غشي الخليقة بظلامه الخلقَ بظلامهِ، فيسكنُ كلٌّ إلى مأواهُ ومسكنهِ، ويستريحُ العبادُ منَ الكدِّ والتعبِ.


تفسير قوله تعالى: (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2))
{والنّهار إذا تجلّى} أي: للخلقِ بضيائه وإشراقه، فاستضاؤوا بنورهِ، وانتشروا في مصالحهم


تفسير قوله تعالى: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3))
إن كانتْ {مَا} موصولةً، كانَ إقساماً بنفسهِ الكريمةِ الموصوفةِ بأنَّهُ خالقُ الذكورِ والإناثِ.
-وإنْ كانتْ مصدريةً، كانَ قسماً بخلقِهِ للذكرِ والأنثى .
-وكمالِ حكمتهِ في ذلكَ أن خلقَ منْ كلِّ صنفٍ منَ الحيواناتِ التي يريدُ بقاءَهَا ذكراً وأنثى: ليبقى النوعُ ولا يضمحلَّ، وقادَ كلاًّ منهما إلى الآخرِ بسلسلةِ الشهوةِ، وجعلَ كلاًّ منهمَا مناسباً للآخرِ، فتباركَ اللهُ أحسنَ الخالقينَ.



تفسير قوله تعالى: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4))
ولمّا كان القسم بهذه الأشياء المتضادّة كان المقسم عليه أيضاً متضادًّا، ولهذا قال: {إنّ سعيكم لشتّى} أي: أعمال العباد التي اكتسبوها متضادّةٌ أيضاً، ومتخالفةٌ؛ فمن فاعلٍ خيراً، ومن فاعلٍ شرًّا.
-سبب تفاوت الناس في الأعمال:
يتفاوت الناس في الأعمال بحسبِ تفاوتِ نفسِ الأعمالِ ومقدارهَا والنشاطِ فيهَا، وبحسبِ الغايةِ المقصودةِ بتلكَ الأعمالِ، هلْ هوَ وجهُ اللهِ الأعلى الباقي؟ فيبقى السعيُ لهُ ببقائهِ، وينتفعُ بهِ صاحبهُ، أمْ هيَ غايةٌ مضمحلةٌ فانيةٌ، فيبطلُ السعيُ ببطلانِهَا، ويضمحلُّ باضمحلالِهَا؟
وهكذا كلُّ عملٍ يقصدُ بهِ غيرُ وجهِ اللهِ تعالَى، بهذا الوصفِ، ولهذا فصَّلَ اللهُ تعالَى العاملينَ، ووصفَ أعمالَهمْ، فقال:{فَأَمَّا مَن أَعْطَى}.


تفسير قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) )
ما أُمرَ بهِ مِنَ العباداتِ الماليةِ،كالزكواتِ، والكفاراتِ، والنفقاتِ، والصدقاتِ، والإنفاقِ في وجوهِ الخيرِ، والعباداتِ البدنيةِ كالصلاةِ، والصومِ وغيرهمَا، والمركّبةِ منهمَا، كالحجِّ والعمرةِ، {وَاتَّقَى}ما نهيَ عنهُ، مِنَ المحرماتِ والمعاصي، على اختلافِ أجناسِهَا


تفسير قوله تعالى: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6))
-الخلاف في معنى الحسنى:

1-أي: بالمجازاة على ذلك. أي بالثّواب.
2-أي: بلا إله إلاّ الله , وما دلّتْ عليهِ، مِنْ جميعِ العقائدِ الدينيةِ، ومَا ترتبَ عليهَا منَ الجزاءِ الأخرويِّ.
3- أي: بما أنعم الله عليه.
4-قال: الصلاة والزكاة والصوم. وقال مرّةً: وصدقة الفطر.
5- عن أبيّ بن كعبٍ، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحسنى، قال: ((الحسنى الجنّة)).


تفسير قوله تعالى: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7))
-معنى اليسرى:

1-قال ابن عبّاسٍ: يعني: للخير.
2-وقال زيد بن أسلم: يعني: للجنّة.
3-وقال بعض السّلف: من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن جزاء السيّئة السيّئة بعدها.
أي: نسهلُ عليهِ أمرَهُ، ونجعلُهُ ميسراً لهُ كلُّ خيرٍ، ميسراً لهُ تركُ كلِّ شرٍّ، لأنَّهُ أتى بأسبابِ التيسيرِ، فيسرَ اللهُ لهُ ذلكَ

والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ دالّةٌ على أنّ الله عزّ وجلّ يجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشرّ بالخذلان، وكلّ ذلك بقدرٍ مقدّرٍ.
عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بقيع الغرقد في جنازةٍ، فقال: ((ما منكم من أحدٍ إلاّ وقد كتب مقعده من الجنّة ومقعده من النّار)). فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتّكل؟ فقال: ((اعملوا، فكلٌّ ميسّرٌ لما خلق له)). ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى} إلى قوله: {للعسرى}.

فيمن نزلت هذه الآية: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؛ اشْتَرَى سِتَّةَ نَفَرٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي أَهْلِ مَكَّةَ، يُعَذِّبُونَهُمْ فِي اللَّهِ، فَأَعْتَقَهُمْ.
عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: كان أبو بكرٍ رضي الله عنه يعتق على الإسلام بمكّة، فكان يعتق عجائز ونساءً إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بنيّ، أراك تعتق أناساً ضعفاء، فلو أنّك تعتق رجالاً جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك. فقال: أي أبت، إنما أريد - أظنّه قال - ما عند الله.
قال: فحدّثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى}.


تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8))
{وأما من بخل} أي: بما عنده وبخل بمَا أُمرَ بهِ، فتركَ الإنفاقَ الواجبَ والمستحبَّ، ولمْ تسمحْ نفسهُ بأداءِ مَا وجبَ للهِ، {واستغنى} أي: استغنى عن ربّه عزّ وجلّ فتركَ عبوديتهُ جانباً، ولم يَرَ نفسهُ مفتقرةً غايةَ الافتقارِ إلى ربِّهَا الذي لا نجاةَ لهَا ولا فوزَ ولا فلاحَ إلاَّ بأنْ يكونَ هوَ محبوبُهَا ومعبودهَا، الذي تقصدهُ وتتوجهُ إليهِ , فاسْتَغْنَى بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عَنْ نَعِيمِ الآخِرَةِ.


تفسير قوله تعالى: (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9))
أي: بالجزاء في الدار الآخرة.
وقيل:كذب بمَا أوجبَ اللهُ على العبادِ التصديقَ بهِ مِنَ العقائدِ الحسنةِ


تفسير قوله تعالى: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10))
أي: لطريق الشرّ، وللحالةِ العسرةِ، والخصالِ الذميمةِ، بأنْ يكونَ ميسراً للشر أينمَا كانَ، ومقيضاً لهُ أفعالُ المعاصي كما قال تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون} حَتَّى تَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ الْخَيْرِ والصلاحِ، وَيَضْعُفَ عَنْ فِعْلِهَا فَيُؤَدِّيهِ ذَلِكَ إِلَى النَّارِ.
والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ دالّةٌ على أنّ الله عزّ وجلّ يجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشرّ بالخذلان، وكلّ ذلك بقدرٍ مقدّرٍ.


تفسير قوله تعالى: (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11))
1- أي: إذا مات.
2- إذا تردّى في النار.
{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ}؛ أَيْ: لا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئاً مَالُهُ الَّذِي بَخِلَ بِهِ، {إِذَا تَرَدَّى}؛ أَيْ: هَلَكَ وَسَقَطَ فِي جَهَنَّمَ؛ فَإِنَّ الْمَالَ الَّذِي يَتْرُكُهُ خَلْفَهُ لا أَجْرَ لَهُ فِيهِ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ لِذُرِّيَّةٍ يَحْتَاجُونَهُ، أَمَّا مَا قَدَّمَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ الَّذِي يَنْفَعُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.


تفسير قوله تعالى: { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)}


تفسير قوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12))
قال قتادة: {إنّ علينا للهدى} أي: نبيّن الحلال والحرام.
وقال غيره: من سلك طريق الهدى وصل إلى الله. وجعله كقوله تعالى: {وعلى الله قصد السّبيل}. حكاه ابن جريرٍ.
أي: إنَّ الهدى المستقيمَ طريقُهُ يوصلُ إلى اللهِ، ويدني منْ رضاهُ، وأمَّا الضلالُ فطرقٌ مسدودةٌ عنِ اللهِ، لا توصلُ صاحبهَا إلا للعذابِ الشديدِ.


تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13))

أي: الجميع ملكنا، وأنا المتصرّف فيهما , ليسَ لهُ فيهمَا مشاركٌ، فليرغب الراغبونَ إليهِ في الطلبِ، ولينقطعْ رجاؤهمْ عنِ المخلوقينَ.


تفسير قوله تعالى: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14))
قال مجاهدٌ: أي: توهّج وتستعرُ وتتوقدُ.
عن أبي إسحاق: سمعت النّعمان بن بشيرٍ يخطب ويقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إنّ أهون أهل النّار عذاباً رجلٌ توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه)). رواه البخاريّ.


تفسير قوله تعالى: (لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15))
أي: لا يدخلها دخولاً تحيط به من جميع جوانبه إلاّ الأشقى.
هُوَ الْكَافِرُ،يَجِدُ صَلاَهَا،وَهُوَ حَرُّهَا


تفسير قوله تعالى: (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16))
{الّذي كذّب} أي: كَذَّبَ بقلبه بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ {وتولّى} أي: وَأَعْرَضَ عن العمل بجوارحه وأركانه.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يدخل النّار إلاّ شقيٌّ)). قيل: ومن الشّقيّ؟ قال: ((الّذي لا يعمل بطاعةٍ، ولا يترك لله معصيةً)).


تفسير قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17))
أي: وسيزحزح عن النار التّقيّ النّقيّ الأتقى.
. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الأَتْقَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي قَوْلِ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ؛ أَيْ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، وَإِلاَّ فَحُكْمُهَا عَامٌّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


تفسير قوله تعالى: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18))

أي: يصرف ماله في طاعة ربّه؛ ليزكّي نفسه وماله، وما وهبه الله من دينٍ ودنيا،
قاصداً بهِ وجهَ اللهِ تعالى، فدلَّ هذا على أنَّهُ إذا تضمنَ الإنفاقُ المستحبُّ تركَ واجبٍ، كدينٍ ونفقةٍ ونحوهمَا، فإنَّهُ غيرُ مشروعٍ، بلْ تكونُ عطيتُهُ مردودةً عندَ كثيرٍ منَ العلماءِ، لأنَّهُ لا يُتزكّى بفعلٍ مستحبٍّ يفوِّتُ الواجبَ.


تفسير قوله تعالى: (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19))
أي: ليَس لأحدٍ منْ الخلقِ على هذا الأتقى نعمةٌ تجزى إلاَّ وقدْ كافأهُ بهَا، وربَّمَا بقيَ لهُ الفضلُ والمنةُ على الناسِ، فتمحَّضَ عبداً للهِ، لأنَّهُ رقيقُ إحسانِهِ وحدَهُ، وأمَّا منْ بقيَ عليهِ نعمةٌ للناسِ لم يجْزِهَا ويكافئْهَا، فإنَّهُ لا بدَّ أنْ يتركَ للناسِ، ويفعلَ لهمْ مَا ينقصُ .
وهذهِ الآيةُ،وإنْ كانتْ متناولةً لأبي بكرٍ الصديقِ رضيَ اللهُ عنهُ، بلْ قدْ قيلَ إنَّهَا نزلتْ في سببهِ، فإنَّهُ - رضيَ اللهُ عنهُ - ما لأحدٍ عندهُ منْ نعمةٍ تجزى، حتى ولا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، إلا نعمةَ الرسولِ التي لا يمكنُ جزاؤُهَا، وهيَ الدعوةِ إلى دينِ الإسلامِ، وتعليمِ الهدى ودينِ الحقِّ، فإنَّ للهِ ورسولهِ المنةُ على كلِّ أحدٍ، منةٌ لا يمكنُ لهَا جزاءٌ ولا مقابلةٌ، فإنَّهَا متناولةٌ لكلِّ منِ اتَّصفَ بهذا الوصفِ الفاضلِ، فلمْ يبقَ لأحدٍ عليهِ منَ الخلقِ نعمةٌ تجزى، فبقيتْ أعمالهُ خالصةً لوجهِ اللهِ تعالى.


تفسير قوله تعالى: (إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20))
أي: لا يُؤْتِي إِلاَّ لابْتِغَاءِ وَجْهِ رَبِّهِ، لا لِمُكَافَأَةِ نِعَمِهِ بل طمعاً في أن يحصل له رؤيته في الدّار الآخرة في روضات الجنّات.


تفسير قوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21))
أي: ولسوف يرضى من اتّصف بهذه الصفات بمَا يعطيهِ اللهُ منْ أنواعِ الكراماتِ والمثوباتِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.





تفسير سورة الضحى
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر



أسماء السورة
:سورة الضحى.

نزول السورة: مكية.

أسباب نزول السورة: -ك-
عن الأسود بن قيسٍ سمع جندباً قال: أبطأ جبريل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال المشركون: ودّع محمّدٌ. فأنزل الله تعالى: {والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودّعك ربّك وما قلى}.
-وقد ذكر بعض السّلف، منهم ابن إسحاق، أنّ هذه السورة التي أوحاها جبريل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين تبدّى له في صورته التي هي خلقه الله عليها، ودنا إليه وتدلّى منهبطاً عليه، وهو بالأبطح {فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال: قال له هذه: {والضّحى واللّيل إذا سجى}.




تفسير قوله تعالى: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)}


تفسير قوله تعالى: (وَالضُّحَى (1))
أقسمَ تعالى بالنهارِ إذا انتشرَ ضياؤهُ بالضحى , والضُّحَى اسْمٌ لِوَقْتِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ.


تفسير قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2))
وأقسم سبحانه بالليلِ إذا سجى وادلهمَّتْ ظلمتهُ أي: سكن فأظلم وادلهمّ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سُجُوُّ اللَّيْلِ تَغْطِيَتُهُ النَّهَارَ، مِثْلَ مَا يُسَجَّى الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ
-وذلك دليلٌ ظاهرٌ على قدرة خالق هذا وهذا، كما قال: {واللّيل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى} وقال: (فالق الإصباح وجاعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم)).
.

تفسير قوله تعالى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3))
هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ,
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} أي: مَا ترككَ منذُ اعتنى بكَ، ولا أهملكَ منذُ رباكَ ورعاكَ، بلْ لمْ يزلْ يربيكَ أحسنَ تربيةٍ، ويعليكَ درجةً بعدَ درجةٍ.
{وَمَا قَلا} كَ اللهُ أي: ما أبغضكَ منذُ أحبَّكَ.
-نفي الضد والنفي المحض:
فإنَّ نفيَ الضدِّ دليلٌ على ثبوتِ ضدِّهِ، والنفي المحضُ لا يكونُ مدحاً، إلاَّ إذا تضمنَ ثبوتَ كمالٍ.
-فهذهِ حالُ الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الماضيةُ والحاضرةُ، أكملُ حالٍ وأتمها، محبةُ اللهِ لهُ واستمرارهَا، وترقيتهُ في درجِ الكمالِ، ودوامُ اعتناءِ اللهِ بهِ.



تفسير قوله تعالى: (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4))
أي: كلُّ حالةٍ متأخرةٍ منْ أحوالكَ، فإنَّ لهَا الفضلُ على الحالةِ السابقةِ.
فلمْ يزلْ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يصعدُ في درجِ المعالي، ويمكنُ لهُ اللهُ دينهُ، وينصرُهُ على أعدائِهِ، ويسددُ لهُ أحوالهُ، حتى ماتَ، وقدْ وصلَ إلى حالٍ لا يصلُ إليهَا الأولونَ والآخرونَ، منَ الفضائلِ والنعمِ، وقرةِ العينِ، وسرورِ القلبِ.
وقيل : بمعنى وللدّار الآخرة خيرٌ لك من هذه الدار , هَذَا مَعَ مَا قَدْ أُوتِيَ فِي الدُّنْيَا مِنْ شَرَفِ النُّبُوَّةِ مَا يَصْغُرُ عِنْدَهُ كُلُّ شَرَفٍ، وَيَتَضَاءَلُ بالنسبةِ إِلَيْهِ كُلُّ مَكْرُمَةٍ فِي الدُّنْيَا.
-وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أزهد الناس في الدنيا، وأعظمهم لها اطّراحاً، كما هو معلومٌ بالضرورة من سيرته، ولمّا خيّر عليه السلام في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها، ثمّ الجنّة، وبين الصّيرورة إلى الله عزّ وجلّ اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدّنيّة.
-عن عبد الله - هو ابن مسعودٍ - قال: اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حصيرٍ فأثّر في جنبه، فلمّا استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت: يا رسول الله، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئاً؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((ما لي وللدّنيا؟! ما أنا والدّنيا؟! إنّما مثلي ومثل الدّنيا كراكبٍ ظلّ تحت شجرةٍ ثمّ راح وتركها))


تفسير قوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5))
أي: في الدار الآخرة يعطيه حتّى يرضيه في أمّته، من الشفاعة وفيما أعدّه له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر، الذي حافتاه قباب اللّؤلؤ المجوّف، وطينه مسكٌ أذفر، كما سيأتي.
عن عليّ بن عبد الله بن عبّاسٍ، عن أبيه، قال: عرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما هو مفتوحٌ على أمّته من بعده كنزاً كنزاً، فسرّ بذلك، فأنزل الله: {ولسوف يعطيك ربّك فترضى} فأعطاه في الجنّة ألف ألف قصرٍ، في كلّ قصرٍ ما ينبغي له من الأزواج والخدم، وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عبّاسٍ، ومثل هذا لا يقال إلاّ عن توقيفٍ.
وعن ابن عبّاسٍ: من رضى محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم ألاّ يدخل أحدٌ من أهل بيته النار.
وقال الحسن: يعني بذلك الشفاعة. وهكذا قال أبو جعفرٍ الباقر.


تفسير قوله تعالى: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}.


تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6))
ثمّ قال تعالى يعدّد نعمه على عبده ورسوله محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه: {ألم يجدك يتيماً فآوى} وذلك أن أباه توفّيّ وهو حملٌ في بطن أمّه. وقيل: بعد أن ولد عليه السلام ثمّ توفّيت أمّه آمنة بنت وهبٍ وله من العمر ستّ سنين.
فآواهُ اللهُ، وكفلهُ جدُّهُ عبدُ المطلبِ، ثمَّ لما ماتَ جدُّهُ كفّلهُ اللهُ عمَّهُ أبا طالبٍ، حتى أيدهُ اللهُ بنصرهِ وبالمؤمنينَ .
وبعد وفاة عمه اختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج، كما أجرى الله سنّته على الوجه الأتمّ الأكمل، فلمّا وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه، رضي الله عنهم أجمعين، وكلّ هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به


تفسير قوله تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7))
-الأقوال في معنى الآية:

1-وجدكَ لا تدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ، فعلَّمكَ ما لمْ تكنْ تعلمُ، ووفّقكَ لأحسنِ الأعمالِ والأخلاقِ.
كقوله: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ} الآية.
2-ومنهم من قال: إنّ المراد بهذا أنّه عليه الصلاة والسلام ضلّ في شعاب مكّة، وهو صغيرٌ، ثمّ رجع.
3-وقيل: إنه ضلّ وهو مع عمّه في طريق الشام، وكان راكباً ناقةً في الليل، فجاء إبليس فعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل، فنفخ إبليس نفخةً ذهب منها إلى الحبشة، ثمّ عدل بالراحلة إلى الطريق. حكاهما البغويّ.


تفسير قوله تعالى: (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8))
أي: كنت فقيراً ذا عيالٍ، فأغناك الله عمّن سواه، فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغنيّ الشاكر، صلوات الله وسلامه عليه.
وقال قتادة في قوله: {ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاًّ فهدى ووجدك عائلاً فأغنى} قال: كانت هذه منازل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يبعثه الله عزّ وجلّ. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ.
-الأحاديث المفسرة لمعنى الغنى:
في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس))
وفي صحيح مسلمٍ، عن عبد الله بن عمرٍو، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنّعه الله بما آتاه))


تفسير قوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9))
أي: كما كنت يتيماً فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، أي: لا تذلّه وتنهره وتهنه ولا تسيْء معاملةَ اليتيمِ، ولا يضقْ صدرُكَ عليهِ، ولا تَتَسَلَّطْ عَلَيْهِ بالظُّلْمِ لِضَعْفِهِ، بَلِ ادْفَعْ إِلَيْهِ حَقَّهُ و أكرمهُ، وأعطهِ مَا تيسرَ، واصنعْ بهِ كمَا تحبُّ أنْ يُصنعَ بولدكِ منْ بعدكِ , وَاذْكُرْ يُتْمَكَ.
قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرّحيم.
.وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْسِنُ إِلَى اليتيمِ وَيَبَرُّهُ وَيُوصِي بِاليَتَامَى.


تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10))
أي: وكما كنت ضالاًّ فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد.
قال ابن إسحاق: {وأمّا السّائل فلا تنهر} أي: فلا تكن جبّاراً، ولا متكبّراً، ولا فحّاشاً، ولا فظًّا على الضعفاء من عباد الله , فلا يصدرْ منكَ إلى السائلِ كلامٌ يقتضي ردَّهُ عنْ مطلوبهِ، بنهرٍ وشراسةِ خلقٍ، بلْ أعطهِ ما تيسرَ عندكَ أو ردّهُ بمعروفٍ .
وقال قتادة: يعني: ردّ المسكين برحمةٍ ولينٍ.
-أنواع السائل:
وهذا يدخلُ فيهِ السائلُ للمالِ، والسائلُ للعلمِ،ولهذا كانَ المعلمُ مأموراً بحسنِ الخلقِ معَ المتعلمِ، ومباشرتهِ بالإكرامِ والتحننِ عليهِ، فإنَّ في ذلكَ معونةً لهُ على مقصدهِ، وإكراماً لمنْ كانَ يسعَى في نفعِ العبادِ والبلادِ.


تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11))
-أي: وكما كنت عائلاً فقيراً فأغناك الله، فحدّث بنعمة الله عليك، كما جاء في الدعاء المأثور
النبويّ: ((واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك، قابليها، وأتمّها علينا)).
عن أبي نضرة، قال: كان المسلمون يرون أنّ من شكر النّعم أن يحدّث بها.
-المراد بالنعمة في الآية:
1-وقال مجاهدٌ: يعني: النّبوّة التي أعطاك ربّك.2- وفي روايةٍ عنه: القرآن.
3-وقال محمد بن إسحاق: ما جاءك من الله من نعمةٍ وكرامةٍ من النبوّة فحدّث فيها، واذكرها، وادع إليها. قال: فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر ما أنعم الله به عليه من النبوّة سرًّا إلى من يطمئنّ إليه من أهله، وافترضت عليه الصلاة فصلّى.

-ماجاء في شكر النعم من الأحاديث :
وقال أبو داود: عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((لا يشكر الله من لا يشكر النّاس)).
عن جابرٍ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((من أبلى بلاءً فذكره فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره)). تفرّد به أبو داود.

-ما يتضمنه التحدث بالنعم من الأمور :
فإنَّ التحدثَ بنعمةِ اللهِ داعٍ لشكرهَا، وموجبٌ لتحبيبِ القلوبِ إلى مَنْ أنعمَ بهَا، فإنَّ القلوبَ مجبولةٌ على محبةِ المحسنِ.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 محرم 1436هـ/1-11-2014م, 02:16 AM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
افتراضي تعديل وكتابة وترتيب المسائل التفسيرية لسورة الفجر من آية 21 إلى 30

تفسير سورة الفجر من آية -21 إلى نهاية السورة .

المسائل التفسيرية:
-معنى كلا في قوله (كلا إذا دكت الأرض دكًا دكًا).
-معنى الدك .
-معنى قوله : (وجاء ربك والملك صفا صفا) وبيان سبب المجيء.
-معنى قوله (وجيء يومئذ بجنهم ). والمراد باليوم في الآية .
-المراد بقوله ( يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) وما الذي يتذكره ذلك اليوم.
-على ماذا يدل قوله تعالى (ياليتني قدمت لحياتي) وما السبب من عدم قوله (في حياتي).
-معنى قوله (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد).
-من الموثق في قوله (ولا يوثق وثاقه أحد).
-ماهي النفس المطمئنة في قوله (يا أيتها النفس المطمئنة) ,
-معنى الرجوع في قوله (ارجعي إلى ربك)
-معنى قوله : (راضية مرضية).
-معنى قوله (فادخلي في عبادي).
-معنى قوله :(وادخي جنتي )ومتى يكون الخطاب لها بهذا الوصف.
-الخلاف فيمن نزلت فيه الآيات من قوله (يا أيتها النفس المطمئنة).

المسائل العقدية:
-إثبات صفة المجيء لله تعالى .
-إثبات الحساب والبعث والنشور .


تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}

تفسير قوله تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21))
يخبر تعالى عمّا يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة:
معنى: {كلاّ} أي: ليسَ ما أحببتمْ منَ الأموالِ، وتنافستمْ فيهِ منَ اللذاتِ، بباقٍ لكمْ،بلْ أمامكمْ يومٌ عظيمٌ، وهولٌ جسيمٌ، تُدكُّ فيهِ الأرضُ والجبالُ وما عليهَا حتى تُجعلَ قاعاً صفصفاً لا عوجَ فيهِ ولا أمت .
وقيل : مَا هكذا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَمَلُكُمْ.
{إذا دكّت الأرض دكًّا دكًّا} الدَّكُّ: الكَسْرُ وَالدَّقُّ؛ زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ تَحْرِيكاً بَعْدَ تَحْرِيكٍ، أَوْ دُكَّتْ جِبَالُهَا حَتَّى اسْتَوَتْ.
والمعنى: وطئت ومهّدت وسوّيت الأرض والجبال، وقام الخلائق من قبورهم لربّهم.


تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22))
{وجاء ربّك} يعني
: لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيّد ولد آدم على الإطلاق: محمّدٍ صلوات الله وسلامه عليه، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحداً بعد واحدٍ، فكلّهم يقول: لست بصاحب ذاكم. حتى تنتهي النّوبة إلى محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم فيقول: ((أنا لها، أنا لها)). فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء، فيشفّعه الله تعالى في ذلك.
وهي أوّل الشفاعات، وهي المقام المحمود، كما تقدّم في بيانه، وفي سورة (سبحان). فيجيء الربّ تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفاً صفوفاً. كلُّ سماءٍ يجيءُ ملائكتهَا صفّاً، يحيطونَ بمنْ دونهمْ منَ الخلقِ، وهذهِ الصفوفُ صفوفُ خضوعٍ وذلٍّ للملكِ الجبارِ.


تفسير قوله تعالى: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23))
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}
تقودُهَا الملائكةُ بالسلاسلِ , عن عبد الله - هو ابن مسعودٍ - قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((يؤتى بجهنّم يومئذٍ لها سبعون ألف زمامٍ، مع كلّ زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرّونها)).
فإذا وقعتْ هذهِ الأمورُ فـ {يومئذٍ يتذكّر الإنسان} أي: عمله، وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه.
{وأنّى له الذّكرى} أي: وكيف تنفعه الذكرى, فقدْ فاتَ أوانُهَا، وذهبَ زمانُهَا


تفسير قوله تعالى: (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24))
يقول متحسِّراً على ما فرَّطَ في جنبِ الله ونادمًا على ما كان سلف منه من المعاصي - إن كان عاصياً - ويودّ لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعاً.
عن محمد بن أبي عميرة، وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: لو أنّ عبداً خرّ على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت في طاعة الله لحقره يوم القيامة، ولودّ أنه ردّ إلى الدنيا؛ كيما يزداد من الأجر والثواب.
{يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} الدائمةِ الباقيةِ، عملاً صالحاً، كمَا قالَ تعالَى:{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً}.
وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّ الحياةَ التي ينبغي السعيُ في أصلهَا وكمالهَا، وفي تتميمِ لذّاتهَا، هيَ الحياةُ في دارِ القرارِ، فإنَّهَا دارُ الخلدِ والبقاءِ لذلك عبر بقوله (لحياتي ) ولم يقل في حياتي.


تفسير قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25))
أي: ليس أحدٌ أشدّ عذاباً من تعذيب الله من عصاه وأهملَ ذلكَ اليومَ ونسيَ العملَ لهُ.


تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26))
أي: وليس أحدٌ أشدّ قبضاً ووثقاً من الزبانية لمن كفر بربّهم عزّ وجلّ. هذا في حقّ المجرمين من الخلائق والظالمين , فإنَّهمْ يقرنونَ بسلاسلٍ منْ نارٍ، ويسحبونَ على وجوههمْ في الحميمِ، ثمَّ في النارِ يسجرونَ، فهذا جزاءُ المجرمينَ.


تفسير قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27))
وأمَّا مَنْ اطمأنَ إلى اللهِ وآمنَ بهِ وصدقَ رسلهُ، فيقالُ لهُ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} إلى ذكرِ اللهِ، الساكنةُ حبِّهِ، لمُوقِنَةُ بالإيمانِ وَتَوْحِيدِ اللَّهِ، لا يُخَالِطُهَا شَكٌّ وَلا يَعْتَرِيهَا رَيْبٌ، قَدْ رَضِيَتْ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَعَلِمَتْ أَنَّ مَا أَخْطَأَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهَا، وَأَنَّ مَا أَصَابَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهَا، فَتَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُطْمَئِنَّةً؛لأَنَّهَا قَدْ بُشِّرَتْ بالجَنَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْبَعْثِ


تفسير قوله تعالى: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)))
{ارْجِعِي} إلى جواره وثوابه، وما أعدّ لعباده في جنّته.
{إِلَى رَبِّكِ} الذي ربّاكِ بنعمتهِ، وأسدى عليكِ منْ إحسانهِ ما صرتِ بهِ منْ أوليائهِ وأحبابهِ .
{راضيةً} أي: في نفسها بالثَّوَابِ الَّذِي أَعْطَاها.
{مرضيّةً} أي: قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها


تفسير قوله تعالى: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29))
أي: فِي زُمْرَةِ عِبَادِي الصَّالِحِينَ، وَكُونِي مِنْ جُمْلَتِهِمْ .


تفسير قوله تعالى: (وَادْخُلِي جَنَّتِي (30))
مَعَهُمْ؛ أَيْ: فَتِلْكَ هِيَ الكرامةُ، لا كَرَامَةَ سِوَاهَا.
وهذا يقال لها عند الاحتضار، وفي يوم القيامة أيضاً، كما أنّ الملائكة يبشّرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره فكذلك ههنا.

فيمن نزلت الآية: -ك-
ثمّ اختلف المفسّرون فيمن نزلت هذه الآية:

1- فروى الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: نزلت في عثمان بن عفّان.
2-وعن بريدة بن الحصيب: نزلت في حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه.
3-وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: يقال للأرواح المطمئنّة يوم القيامة: {يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك} يعني: صاحبك، وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا {راضيةً مرضيّةً}.
4-عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّةً} قال: نزلت وأبو بكرٍ جالسٌ، فقال رسول الله: ((ما أحسن هذا!)) فقال: ((أما إنّه سيقال لك هذا)).

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 محرم 1436هـ/18-11-2014م, 07:18 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تماضر مشاهدة المشاركة
تفسير سورة الفجر من آية -21 إلى نهاية السورة .

المسائل التفسيرية:
-معنى كلا في قوله (كلا إذا دكت الأرض دكًا دكًا).
-معنى الدك .
-معنى قوله : (وجاء ربك والملك صفا صفا) وبيان سبب المجيء.
-معنى قوله (وجيء يومئذ بجنهم ). والمراد باليوم في الآية .
-المراد بقوله ( يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) وما الذي يتذكره ذلك اليوم.
-على ماذا يدل قوله تعالى (ياليتني قدمت لحياتي) وما السبب من عدم قوله (في حياتي).
-معنى قوله (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد).
-من الموثق في قوله (ولا يوثق وثاقه أحد).
-ماهي النفس المطمئنة في قوله (يا أيتها النفس المطمئنة) ,
-معنى الرجوع في قوله (ارجعي إلى ربك)
-معنى قوله : (راضية مرضية).
-معنى قوله (فادخلي في عبادي).
-معنى قوله :(وادخي جنتي )ومتى يكون الخطاب لها بهذا الوصف.
-الخلاف فيمن نزلت فيه الآيات من قوله (يا أيتها النفس المطمئنة).

المسائل العقدية:
-إثبات صفة المجيء لله تعالى .
-إثبات الحساب والبعث والنشور .

.
المعذرة، فلم أنتبه لإعادة التلخيص
جيد جدا ما استخلصتيه من مسائل، ومع كثرة المران والتكرار ستتضح لك الكثير من المسائل التي قد تكون خفيت في التجارب الأولى إن شاء الله.
يلاحظ أن تلخيصك لأقوال المفسرين مطابق للتلخيص الأول، لكن الصحيح أنه يكون على المسائل التي استخلصتيها، تضعي عنوان المسألة وتحته ملخص لكلام المفسرين فيه.
ولعل ما وضعته لك من مسائل في المشاركة السابقة يوضح لك بعض المسائل التي فاتتك.
بارك الله فيك وتقبل منك

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 محرم 1436هـ/18-11-2014م, 06:30 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تماضر مشاهدة المشاركة


تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}

تفسير قوله تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21))
يخبر تعالى عمّا يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة:
فقال: {كلاّ} أي: ليسَ ما أحببتمْ منَ الأموالِ، وتنافستمْ فيهِ منَ اللذاتِ، بباقٍ لكمْ،بلْ أمامكمْ يومٌ عظيمٌ، وهولٌ جسيمٌ، تُدكُّ فيهِ الأرضُ والجبالُ وما عليهَا حتى تُجعلَ قاعاً صفصفاً لا عوجَ فيهِ ولا أمت .
وقيل : مَا هكذا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَمَلُكُمْ.
{إذا دكّت الأرض دكًّا دكًّا} الدَّكُّ: الكَسْرُ وَالدَّقُّ؛ زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ تَحْرِيكاً بَعْدَ تَحْرِيكٍ، أَوْ دُكَّتْ جِبَالُهَا حَتَّى اسْتَوَتْ.
والمعنى: وطئت ومهّدت وسوّيت الأرض والجبال، وقام الخلائق من قبورهم لربّهم.


تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22))
{وجاء ربّك} يعني
: لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيّد ولد آدم على الإطلاق: محمّدٍ صلوات الله وسلامه عليه، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحداً بعد واحدٍ، فكلّهم يقول: لست بصاحب ذاكم. حتى تنتهي النّوبة إلى محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم فيقول: ((أنا لها، أنا لها)). فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء، فيشفّعه الله تعالى في ذلك.
وهي أوّل الشفاعات، وهي المقام المحمود، كما تقدّم في بيانه، وفي سورة (سبحان). فيجيء الربّ تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفاً صفوفاً. كلُّ سماءٍ يجيءُ ملائكتهَا صفّاً، يحيطونَ بمنْ دونهمْ منَ الخلقِ، وهذهِ الصفوفُ صفوفُ خضوعٍ وذلٍّ للملكِ الجبارِ.


تفسير قوله تعالى: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23))
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}
تقودُهَا الملائكةُ بالسلاسلِ , عن عبد الله - هو ابن مسعودٍ - قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((يؤتى بجهنّم يومئذٍ لها سبعون ألف زمامٍ، مع كلّ زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرّونها)).
فإذا وقعتْ هذهِ الأمورُ فـ {يومئذٍ يتذكّر الإنسان} أي: عمله، وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه.
{وأنّى له الذّكرى} أي: وكيف تنفعه الذكرى, فقدْ فاتَ أوانُهَا، وذهبَ زمانُهَا


تفسير قوله تعالى: (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24))
يقول متحسِّراً على ما فرَّطَ في جنبِ الله ونادمًا على ما كان سلف منه من المعاصي - إن كان عاصياً - ويودّ لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعاً.
عن محمد بن أبي عميرة، وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: لو أنّ عبداً خرّ على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت في طاعة الله لحقره يوم القيامة، ولودّ أنه ردّ إلى الدنيا؛ كيما يزداد من الأجر والثواب.
{يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} الدائمةِ الباقيةِ، عملاً صالحاً، كمَا قالَ تعالَى:{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً}.
وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّ الحياةَ التي ينبغي السعيُ في أصلهَا وكمالهَا، وفي تتميمِ لذّاتهَا، هيَ الحياةُ في دارِ القرارِ، فإنَّهَا دارُ الخلدِ والبقاءِ.


تفسير قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25))
أي: ليس أحدٌ أشدّ عذاباً من تعذيب الله من عصاه وأهملَ ذلكَ اليومَ ونسيَ العملَ لهُ.


تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26))
أي: وليس أحدٌ أشدّ قبضاً ووثقاً من الزبانية لمن كفر بربّهم عزّ وجلّ. هذا في حقّ المجرمين من الخلائق والظالمين , فإنَّهمْ يقرنونَ بسلاسلٍ منْ نارٍ، ويسحبونَ على وجوههمْ في الحميمِ، ثمَّ في النارِ يسجرونَ، فهذا جزاءُ المجرمينَ.


تفسير قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27))
وأمَّا مَنْ اطمأنَ إلى اللهِ وآمنَ بهِ وصدقَ رسلهُ، فيقالُ لهُ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} إلى ذكرِ اللهِ، الساكنةُ حبِّهِ، لمُوقِنَةُ بالإيمانِ وَتَوْحِيدِ اللَّهِ، لا يُخَالِطُهَا شَكٌّ وَلا يَعْتَرِيهَا رَيْبٌ، قَدْ رَضِيَتْ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَعَلِمَتْ أَنَّ مَا أَخْطَأَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهَا، وَأَنَّ مَا أَصَابَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهَا، فَتَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُطْمَئِنَّةً؛لأَنَّهَا قَدْ بُشِّرَتْ بالجَنَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْبَعْثِ


تفسير قوله تعالى: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)))
{ارْجِعِي} إلى جواره وثوابه، وما أعدّ لعباده في جنّته.
{إِلَى رَبِّكِ} الذي ربّاكِ بنعمتهِ، وأسدى عليكِ منْ إحسانهِ ما صرتِ بهِ منْ أوليائهِ وأحبابهِ .
{راضيةً} أي: في نفسها بالثَّوَابِ الَّذِي أَعْطَاها.
{مرضيّةً} أي: قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها


تفسير قوله تعالى: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29))
أي: فِي زُمْرَةِ عِبَادِي الصَّالِحِينَ، وَكُونِي مِنْ جُمْلَتِهِمْ .


تفسير قوله تعالى: (وَادْخُلِي جَنَّتِي (30))
مَعَهُمْ؛ أَيْ: فَتِلْكَ هِيَ الكرامةُ، لا كَرَامَةَ سِوَاهَا.
وهذا يقال لها عند الاحتضار، وفي يوم القيامة أيضاً، كما أنّ الملائكة يبشّرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره فكذلك ههنا.

فيمن نزلت الآية: -ك-
ثمّ اختلف المفسّرون فيمن نزلت هذه الآية:

1- فروى الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: نزلت في عثمان بن عفّان.
2-وعن بريدة بن الحصيب: نزلت في حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه.
3-وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: يقال للأرواح المطمئنّة يوم القيامة: {يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك} يعني: صاحبك، وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا {راضيةً مرضيّةً}.
4-عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّةً} قال: نزلت وأبو بكرٍ جالسٌ، فقال رسول الله: ((ما أحسن هذا!)) فقال: ((أما إنّه سيقال لك هذا)).
بارك الله فيك أختي وأحسن إليك
قد فسرت كل آية تفسيرا جيدا، ولقد شاع عند أغلب الطلاب أن التلخيص يعنى به اختصار الدرس في جمل قليلة، لكن ليس هذا هو المقصود من تلخيص دروس التفسير .
بل الهدف من تلخيص درس التفسير هو استيعاب جميع أقوال المفسرين في الآيات القرآنية، وترتيبها وحسن تنظيمها، بحيث نصل في النهاية إلى الفهم الصحيح لكلام الله.
وطريقة التلخيص الصحيحة يجب أت تؤسس على استخلاص المسائل من كل آية
والمسائل هي المعاني التي تعرض لها المفسرون عند تفسيرهم للآية، ففي تفسير الآية الأولى مثلا، تعرض المفسرون للمعاني الآتية:
معنى {كلا}
معنى الداك
المقصود بدك الأرض
متى يحدث ذلك؟
معنى {دكا دكا}
وهكذا في كل آية تناول المفسرون معاني محددة
هذه المعاني يجب على الطالب أن يستخرج عناوينها أولا من كلام المفسرين،
ثم يلخص كلامهم في كل مسألة بعد ذلك،
وبذلك يتم لك الملخص.
وهذه الطريقة أثبت لتفسير الآية وأضبط لفهم واستيعاب جميع ما قيل في كل مسألة.
ولذلك لا ينبغي أن نجعل الآية مسألة، بل الآية نفسها تحتوي على عدد من المسائل يجب تفصيلها
وإليك بيان بأهم المسائل الواردة في الآيات، وسيتضح لك أنه فاتتك بعض المسائل المهمة:
اقتباس:
القراءات
القراءات في قوله: {فادخلي في عبادي}

أسباب النزول
سبب نزول قوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة}

المسائل التفسيرية
معنى {كلا}
المقصود بدك الأرض
وقت حدوث ذلك
معنى {دكا دكا}
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لبدء الحساب
مجيء الرب سبحانه لفصل القضاء
مجيء الملائكة صفوفا بين يدي الله
الحكمة من اصطفاف الملائكة ذلك اليوم
ما ورد في الحديث عن الإتيان بجهنم
متعلق التذكر (أي ما الذي سيتذكره الإنسان؟)
المراد بالإنسان
غرض الاستفهام في قوله: {وأنى له الذكرى}
المقصود بالحياة في الآية
فائدة في قصر وصف الحياة على الحياة الآخرة
مرجع الضمير في قوله: {عذابه}
معنى الوثاق
مرجع الضمير في قوله: {وثاقه}
المقصد من قوله تعالى: {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد}
المقصود بالنفس المطمئنة
المقصود بالرب
معنى {راضية مرضية}
معنى قوله تعالى: {فادخلي في عبادي}

متى تخاطب النفس المطمئنة بهذا الخطاب؟

المسائل العقدية
الإيمان بالبعث والجزاء
إثبات الشفاعة الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم لبدء الحساب
مجيء الرب جل وعلا في ظلل الغمام كما يشاء لفصل القضاء
الإيمان بالملائكة
الإيمان بالنار، وأنها خلقت للعصاة، والإيمان بالجنة وأنها خلقت للطائعين

المسائل اللغوية
معنى الدك
معنى الاستفهام في قوله: {وأنى له الذكرى}

وتقييم الملخص:
الشمول : ( شمول التلخيص على أهم المسائل )
25 / 30
الترتيب : ( حسن ترتيب المسائل على العلوم ) 15/ 20
التحرير العلمي ( تجنب الأخطاء العلمية واستيعاب الأقوال في المسائل ) 15/ 20
الصياغة : ( صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية ) : 10 / 15
العرض : ( تنسيق التلخيص ليسهل قراءته ومراجعته ) : 15 / 15
= 80%

درجة الملخص:4/4
زادك الله من فضله

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:13 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir