وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ صَاحِبُ ( الْحِلْيَةِ ) فِي عَقِيدَةٍ لَهُ قال فِي أَوَّلِهَا: ( طَرِيقَتُنَا طَرِيقَةُ الْمُتَّبِعِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ) قَالَ: ( فَمِمَّا اعْتَقَدُوهُ أَنَّ الأَحَادِيثَ الَّتِي تَثْبُتُ عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي الْعَرْشِ وَاسْتِوَاءِ اللَّهِ يَقُولُونَ بِهَا وَيُثْبِتُونَهَا مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلا تَمْثِيلٍ وَلا تَشْبِيهٍ، وَأَنَّ اللَّهَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْخَلْقُ بَائِنُونَ مِنْهُ، لاَ يَحِلُّ فِيهِمْ وَلاَ يَمْتَزِجُ بِهِمْ، وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ دُونَ أَرْضِهِ وَخَلْقِهِ).
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ ( مَحَجَّةِ الْوَاثِقِينَ وَمَدْرَجَةِ الْوَامِقِينَ ) تَأْلِيفُهُ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَالٍٍ عَلَى عَرْشِهِ مُسْتَوٍ عَلَيْهِ، لاَ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ.كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ: أنَّه بِكُلِّ مَكَانٍ خِلاَفًا لِمَا نَزَّلَ فِي كِتَابِهِ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }، لَهُ الْعَرْشُ الْمُسْتَوِي عَلَيْهِ وَالْكُرْسِيُّ الَّذِي وَسِعَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ }، وَكُرْسِيُّهُ جِسْمٌ، وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ وَالسَّمَاوَاتُ السَّبْعُ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ فِي أَرْضِ فَلاَةٍ، وَلَيْسَ كُرْسِيُّهُ عِلْمَهُ كَمَا قَالَت الْجَهْمِيَّةُ بَلْ يُوضَعُ كُرْسِيُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ، كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّه تَعَالَى وَتَقَدَّسَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا صَفًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } وزاد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأنَّه تَعَالَى وَتَقَدَّسَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مُذْنِبِي الْمُوَحِّدِينَ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ }. أهـ.
وَقَالَ الإِمَامُ الْعَارِفُ مَعْمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ - شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ فِي حُدُودِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ فِي بِلاَدِهِ - قَالَ: ( أَحْبَبْتُ أَنْ أُوصِيَ أَصْحَابِي بِوَصِيَّةٍ مِنَ السُّنَّةِ وَمَوْعِظَةٍ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَأَجْمَعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالأَثَرِ بلا كيف، وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصَوُّفِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ ).
قَالَ فِيهَا: وَأَنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِلاَ كَيْفٍ، وَلا تَشْبِيهٍ. وَلا تَأْوِيلٍ، والاسْتِوَاءُ مَعْقُولٌ وَالْكَيْفُ فِيهِ مَجْهُولٌ، وأنَّه عَزَّ وَجَلَّ مستو على عرشه بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْخَلْقُ مِنْهُ بَائِنُونَ، بِلاَ حُلُولٍ وَلا مُمَازَجَةٍ، وَلاَ اخْتِلاطٍ وَلا مُلاصَقَةٍ؛ لأنَّه الْفَرِدُ الْبَائِنُ مِنَ الْخَلْقِ، الْوَاحِدُ الْغَنِيُّ عَنِ الْخَلْقِ.
وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمِيعٌ، بَصِيرٌ، عَلِيمٌ، خَبِيرٌ، يَتَكَلَّمُ، وَيَرْضَى وَيَسْخَطُ، وَيَضْحَكُ، وَيَعْجَبُ، وَيَتَجَلَّى لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَاحِكًا، وَيَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كَيْفَ شَاءُ فَيَقُولُ: ( هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ )، وَنُزُولُ الرَّبِّ إِلَى السَّمَاءِ بِلاَ كَيْفٍ وَلا تَشْبِيهٍ، وَلا تَأْوِيلٍ، فَمَنْ أَنْكَرَ النُّزُولَ أَوْ تَأَوَّلَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، وَسَائِرُ الصَّفْوَةِ مِنَ الْعَارِفِينَ عَلَى هَذَا(1).