دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #7  
قديم 13 رجب 1441هـ/7-03-2020م, 07:29 PM
ندى توفيق ندى توفيق غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 237
افتراضي

رسالة في هدايات و مقاصد قوله تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)} [الليل : 5-7]
الحمد لله حمدا كثيراً حتى يبلغ منتهاه، و الصلاة والسلام على نبيه و مصطفاه، و على آله و صحبه و من اتبع هداه

ابتُدئت سورة الليل بالقسم، حيث أقسم سبحانه بأضداد من مخلوقاته ،كالليل و النهار، و الذكر و الأنثى، على اختلاف مساعي البشر، قال تعالى : {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)} [الليل : 1-4]
فقد اقتضت حكمته سبحانه؛ تميّز الأمور بما يخالفها، فلولا البخل لما عرف العطاء، و لولا الكفر لما عرف التقوى، و لولا الكذب لما عرف الصدق، و لولا العسر لما عرف اليسر
و سياق الآيات يقود إلى بيان أنواع السعي، باختلاف الساعين ، بأسلوب شرطي موجز خلاب ، تتضح فيه حكمة السنن الكونية التي أجراها الخالق سبحانه؛ ألا وهي ترتُّب المسَبَّبات على المسبِّبات، و تقدير الجزاء من جنس العمل؛ قال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)} [الليل : 5-7]
و البذل و العطاء، لا تبتدره إلا النفس التقية، المقيمة لحدود الله تعالى، المجتنبة لمحارمه، المؤثرة رضاه على هوى النفس و ملذاتها، و لن تترقى إلى مراتب هذا الكمال المثالي، إلا بتناغم فطرتها مع ما خُلقت لأجله، ألا و هو التوحيد و التقوى، و هذا هو الشرط الذي يستوجب التيسير لليسرى، و حسن العاقبة في الآخرة و الأولى
و حذف متعلق التقوى يفيد عموم المنهيات و جميع مساخط الرب سبحانه وتعالى، وكذلك متعلق العطاء حُذف ليعم كل عطاء مادي أو معنوي، فرضاً أو نفلاً ، بالنفس و المال و الجاه و العلم
و التصديق بالحسنى بعد ذكر العطاء و التقوى، فيه الحث على الإيمان بكلمة التوحيد و القيام بمقتضياتها و لوازمها، من أركان الإيمان، و أركان الإسلام و ، و الاعتقاد بثوابها بالجنة في الآخرة، وبالخير في الدنيا ، أخذاً بعموم المعنى ، و المتضمن اليقين بوعد الله تعالى بالخلف و العوض على المنفق المبتغي بنفقته وجه الله تعالى وحده، لا لجاه أو منصب أو رياء، و ما لذلك من رضا علام الغيوب، و الفوز بكل محبوب، في الفانية و الباقية
قال تعالى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ( سبإ - الآية 39)
وفي صحيح البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال : " ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"،
و لا ريب أن في الطاعة - لا سيما النفقة - مشقة على بعض النفوس، و في الوعد بالتيسير لليسرى إشارة لتلك المشقة، و إن كانت في ذاتها يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه، و في حرف التنفيس دلالة على استمرار هذا الوعد مدى الحياة، { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)}
و التيسير لليسرى هو جزاء من حقق شرط العطاء و التصديق، فيُهدى للطريقة السهلة التي لا مشقة فيها، و سبيلها الأعمال الصالحة التي توجب الجنة و تنجي من النار
قال تعالى : {.......... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق : 4]

وإلف الطاعة، و احتساب ثوابها، و إحسان أدائها، يلقي في قلب المؤمن السكينة و اللذة و الرضا، و يحثه على الاستزادة ما أمكنه، ، و لله در أقوام، ذُلّلت لهم الصعاب بصدقهم، حتى غلبت لذة العطاء عندهم لذة الأخذ، و ارتاضت قلوبهم بحب علام الغيوب، حتى هان عليهم ما أعجَز سواهم، فصاروا مضرب الأمثال و قدوة الأجيال
و في سلف هذه الأمة نجوم ساطعة، و بدور منيرة ، يستلهم منها الناظر كل رفعة و سمو، و يستضيء بنورها في ظلمات التقليد و التبعية و الجفاء، كلُّ تائه حيران، و صِدّيق هذه الأمة؛ أبو بكر رضي الله تعالى عنه، خير مثال على ذلك، فقد جاء فيما رواه الطبري في تفسيره، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: " كان أبو بكر الصدّيق يُعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بنيّ، أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالا جَلْدا يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت، إنما أريد "أظنه قال": ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الآية أنزلت فيه: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ ".
و معلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلفظ " مَن" يعم كل معطٍ متقٍ مصدقٍ بالحسنى، و التصديق هو الإيمان و التسليم بإخلاص و سلامة قصد، و هو الأَولى، و عليه المعتمد، فإذا اجتمع معه عمل الجوارح تم الكمال ، و إلا قامت النية وحدها مقام العمل عند التعذر والعجز، ففي صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عَنْ النبي ﷺ قال : "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوى،......... " .
وعن أبي كبشة الأنماري ، عن النبي ﷺ، قال : " مثلَ هذه الأمةِ كمثلِ أربعةِ نفرٍ: رجلٌ آتاه اللهُ مالًا وعلمًا فهو يعملُ بعلمِه في مالِه؛ ينفقُه في حقِّه، ورجلٌ آتاه اللهُ علمًا ولم يُؤْتِه مالًا وهو يقول: لو كان لي مثلُ هذا عملتُ فيه بمثلِ الذي يعملُ فهما في الأجر سواءٌ، ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا ولم يُؤتِه علمًا فهو يخبطُ في مالِه ينفقُه في غيرِ حقِّه، ورجلٌ لم يؤْتِه اللهُ مالًا ولا علمًا، وهو يقولُ: لو كان لي مثلُ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعمل قال رسولُ اللهِ: فهما في الوزرِ سواءٌ" ( رواه الألباني في صحيح الترغيب)
و من أعظم نعم الله تعالى على العبد، تسخيره للحق و العمل بما فيه، و الدعوة إليه بالعلم و المال، و تمني ذلك، و الغبطة عليه، ففي صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عَنْ النبي ﷺ قال : " لا حَسَدَ إلّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَسُلِّطَ على هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، وآخَرُ آتاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهو يَقْضِي بها ويُعَلِّمُها" .
و المحروم من جهل حكمة الله تعالى في خلقه و رزقه و إنعامه، فباع آخرته بدنياه، و اتخذ دار الابتلاء سكناً و مستقراً، بدلاً من اتخاذها ممراً للعبور، و محطة تزوُّد بالحسنات، من أحسن فيها فيها سعدَ في الدارين
قال تعالى : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة : 7-8]

و في صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال : " كُنّا مع النبيِّ ﷺ في بَقِيعِ الغَرْقَدِ في جَنازَةٍ، فَقالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ أفلا نَتَّكِلُ؟ فَقالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمّا مَن أعْطى واتَّقى وصَدَّقَ بالحُسْنى} إلى قَوْلِهِ {لِلْعُسْرى} "

و في الآية الكريمة رد قاطع على الجبرية القائلين بأن الإنسان مُسيّر لا مخير، لا يملك من أمره شيئاً، فضَلّوا و أَضلّوا، و إنما هو مخير بين طريقي الخير و الشر، ذا إرادة كاملة، لا تخرج عن إرادة الله عز وجل وعونه وتوفيقه، مقدَّرة في علمه الأزلي، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، و حاشاه أن يظلم أحدا من خلقه فهو العدل القيوم الحسيب، المُقيت سبحانه
و موضع الشاهد في الحديث، هو الآية الكريمة؛ التي تنفي التعارض بين علم الله تعالى بقصد القلوب و السرائر، و ما تستحقه من ثواب أو عقاب ، و بين تقدير ما يخرج منه الى حيز العمل و الوجود، من غير جبر و لا قصر ، فلا حجة لمتهاون أو مسوِّف بالقدر، قال تعالى : {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15)} [القيامة : 14-15]
فاللهم اجعلنا والمسلمين أجمعين من أهل الخيرات، و رفع الدرجات، العالمين العاملين، الهادين المهديين، الصادقين المصدقين، المتبعين لسنة أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم


المراجع و المصادر:
تفسير ابن كثير
تفسير الطبري
نظم الدرر للبقاعي
التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
روح المعاني للألوسي
أضواء البيان للشنقيطي
تفسير ابن تيمية
تفسير ابن الجوزي
المحرر الوجيز لابن عطية

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir