المبحثُ الثاني: في أقسامِ التشبيهِ
يَنقَسِمُ التشبيهُ باعتبارِ طَرَفَيْهِ إلى أربعةِ أقسامٍ: تشبيهُ مفْرَدٍ بمفْرَدٍ، نحوُ: هذا الشيءُ كالمِسْكِ في الرائحةِ. وتشبيهُ مرَكَّبٍ بمرَكَّبٍ، بأنْ يكونَ كلٌّ من المشبَّهِ والمشبَّهِ بهِ هيئةً حاصلةً منْ عِدَّةِ أمورٍ، كقولِ بشَّارٍ:
كأنَّ مُثارَ النقْعِ فَوْقَ رءُوسِنا ..... وأسيافُنا ليلٌ تَهَاوى كواكبُهْ
فإنَّهُ شَبَّهَ هيئةَ الغُبارِ وفيهِ السيوفُ مُضْطَرِبَةٌ بهيئةِ الليلِ وفيهِ الكواكبُ تَتساقطُ في جهاتٍ مختلِفةٍ.
وتَشبيهُ مفْرَدٍ بمرَكَّبٍ، كتشبيهِ الشقيقِ بهيئةِ أعلامٍ ياقوتيَّةٍ منشورةٍ على رِماحٍ زَبَرْجَدِيَّةٍ.
وتشبيهُ مرَكَّبٍ بمفْرَدٍ، نحوُ قولِه:
يا صَاحِبَيَّ تَقَصَّيَا نَظَـرَيْكُمَا ..... تَرَيَا وُجوهَ الأرضِ كيفَ تَصَوَّرُ
تَرَيَا نهارًا مُشْمِسًا قدْ شَابَهُ ..... زَهْـرُ الرُّبَا فكأنَّمَا هوَ مُقْمِـرُ
فإِنَّهُ شَبَّهَ هيئةَ النهارِ المشْمِسِ الذي اختَلَطَتْ بهِ أزهارُ الرَّبْوَاتِ بالليلِ المقمِرِ.
(ويَنقسِمُ) باعتبارِ الطرَفينِ أيضًا إلى مَلفوفٍ ومَفروقٍ. فالملفوفُ: أنْ يُؤْتَى بِمُشَبَّهَيْنِ أوْ أكثرَ ثمَّ بالمشَبَّهِ به، نحوُ:
كأنَّ قلوبَ الطيرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ..... لَدَى وَكْرِها الْعُنَّابُ والْحَشَفُ البالِي
فإنَّهُ شَبَّهَ الرَّطْبَ الطَّرِيَّ منْ قلوبِ الطيرِ بالعُنَّابِ، واليابسَ العتيقَ منها بالتمْرِ الرديءِ.
والمفروقُ: أنْ يُؤْتَى بمشَبَّهٍ ومُشَبَّهٍ بهِ ثمَّ آخَرَ وآخَرَ، نحوُ:
النَّشْرُ مِسْكٌ والوجوهُ دَنَا ..... نِيرُ وأطرافُ الأَكُفِّ عَنْمُ
وإنْ تَعدَّدَ المشبَّهُ دونَ المشبَّهِ بهِ سُمِّيَ تَشبيهَ التسْوِيَةِ، نحوُ:
صَدْغُ الحبيبِ وحالِي ..... كلاهُمــا كاللَّيــالِي
وإنْ تَعَدَّدَ المشبَّهُ بهِ دونَ المشبَّهِ سُمِّيَ تشبيهَ الجمْعِ، نحوُ:
كأنَّما يَبْسِمُ عنْ لؤلؤٍ ..... مُنَضَّدٍ أوْ بَرَدٍ أوْ أَقَاحِ
ويَنْقسِمُ باعتبارِ وجهِ الشبَهِ إلى تمثيلٍ وغيرِ تمثيلٍ.
فالتمثيلُ: ما كان وجهُه منْتَزَعًا منْ متعدِّدٍ، كتشبيهِ الثريَّا بعُنقودِ العِنَبِ المنوَّرِ.
وغيرُ التمثيلِ: ما ليسَ كذلكَ، كتشبيهِ النَّجمِ بالدِّرْهَمِ.
ويَنقسِمُ أيضًا بهذا الاعتبارِ إلى مفصَّلٍ ومُجْمَلٍ.
فالأوَّلُ: ما ذُكِرَ فيهِ وجهُ الشبَهِ، نحوُ:
وثَغْرُهُ في صَفَاءٍ ..... وأَدْمُعِي كاللآلِي
والثاني: ما ليسَ كذلكَ، نحوُ: (النَّحْوُ في الكلامِ كالْمِلحِ في الطعامِ).
ويَنقسِمُ باعتبارِ أداتِه إلى مُؤَكِّدٍ، وهوَ ما حُذِفَتْ أداتُه، نحوُ: (هوَ بحرٌ في الْجُودِ). ومرْسَلٍ، وهوَ ما ليسَ كذلكَ، نحوُ: (هوَ كالبحْرِ كَرَمًا).
ومن المؤكِّدِ ما أُضيفَ فيهِ المشبَّهُ بهِ إلى المشبَّهِ، نحوُ:
والريحُ تَعْبَثُ بالغُصُونِ وقدْ جَرَى ..... ذَهَبُ الأصيلِ على لُجَيْنِ الماءِ