بابُ جامعِ الأَيمانِ
يُرْجَعُ في الْأَيمانِ إلى نِيَّةِ الحالِفِ إذا احْتَمَلَها اللفظُ، فإن عُدِمَت النِّيَّةُ رُجِعَ إلى سببِ اليمينِ وما هَيَّجَها، فإن عُدِمَ ذلك رُجِعَ إلى التعيينِ، فإذا حَلَفَ: " لا لَبِسْتُ هذا القميصَ" فجَعَلَه سراويلَ أو رِداءً أو عمامةً ولَبِسَه , أو: "لا كَلَّمْتُ هذا الصبِيَّ" فصارَ شيخًا , أو: "زوجةَ فلانٍ هذه، أو صديقَه فلانًا، أو مَملوكَه سعيدًا" فزَالَت الزوجيَّةُ والْمِلْكُ والصداقَةُ ثم كلَّمَهم، أو: " لا أَكَلْتُ لحمَ هذا الْحَمَلِ" فصارَ كَبْشًا , أو: " هذا الرُّطَبَ " فصارَ تَمْرًا أو دِبْسًا أو خَلًّا , أو: " هذا اللبنَ " فصارَ جُبْنًا أو كِشْكًا أو نحوَه , ثم أَكَلَه حَنِثَ في الكُلِّ، إلا أن يَنْوِيَ ما دامَ على تلك الصفةِ.
( فصلٌ ) فإن عُدِمَ ذلك رَجَعَ إلى ما يَتناولُه الاسمُ، وهو ثلاثةٌ: ( شرعيٌّ ) و ( حقيقيٌّ ) و ( عُرْفِيٌّ ). فالشرعيُّ: ما له مَوضوعٌ في الشرْعِ وموضوعٌ في اللغةِ، فالمطلَقُ يَنصرِفُ إلى الموضوعِ الشرعيِّ الصحيحِ، فإذا حَلَفَ لا يَبيعُ أو لا يَنْكِحُ فعَقَدَ عقدًا فاسدًا لم يَحْنَثْ، وإن قَيَّدَ يمينَه بما يَمْنَعُ الصحَّةَ كأَن حَلَفَ لا يَبيعُ الْخَمْرَ أو الحُرَّ حَنِثَ بصورةِ العَقْدِ.
والحقيقيُّ: هو الذي لم يَغْلِبْ مَجازُه على حقيقتِه كاللحمِ، فإن حَلَفَ لا يَأكلُ اللحمَ فأَكَلَ شَحْمًا أو مُخًّا أو كَبِدًا، ونحوَه لم يَحْنَثْ، وإن حَلَفَ لا يَأكُلُ أَدَمًا حَنِثَ بأَكْلِ البيضِ والتمرِ والْمِلحِ والزيتونِ ونحوِه وكلِّ ما يُصْطَبَغُ به، ولا يَلبَسُ شيئًا فلَبِسَ ثوبًا أو دِرْعًا أو جَوْشَنًا أو نَعْلًا حَنِثَ، وإن حَلَفَ لا يُكَلِّمُ إنسانًا حَنِثَ بكلامِ كلِّ إنسانٍ، ولا يَفعلُ شيئًا فوَكَّلَ مَن فَعَلَه حَنِثَ، إلا أن يَنْوِيَ مُباشَرَتَه بنفسِه.
والعرفيُّ: ما اشْتَهَرَ مَجازُه فغَلَبَ الحقيقةَ كالراويةِ والغائطِ ونحوِهما، فتَتَعَلَّقُاليمينُ بالعُرْفِ، فإذا حَلَفَ على وَطْءِ زوجتِه أو وَطْءِ دارٍ تَعَلَّقَتْ يمينُه بجِمَاعِها وبدخولِ الدارِ، وإن حَلَفَ لا يأكُلُ شَيْئًا فأَكَلَه مستَهْلَكًا في غيرِه كمَنْ حَلَفَ لا يأكلُ سَمْنًا فأَكَلَ خَبيصًا فيه سَمْنٌ لا يَظْهَرُ فيه طَعْمُه، أو لا يَأكُلُ بيضًا فأَكَلَ ناطفًا لم يَحْنَثْ، وإن ظَهَرَ طعمُ شيءٍ من المحلوفِ عليه حَنِثَ.