ومَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزولِ تُعِينُ عَلَى فَهْمِ الآيةِ ؛ فَإِنَّ العِلْمَ بِالسَّببِ يُورِثُ العِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ ، وَلِهَذَا كَانَ أَصَحُّ قَوْلَي الفُقَهَاءِ أنَّهُ إِذَا لَمْ يُعرَفْ مَا نَوَاهُ الحالِفُ رُجِعَ إِلَى سَبَبِ يَمِينِهِ وَمَا هَيَّجَهَا وَأَثارَهَا .
وَقَولُـُهم : نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ في كَذَا يُرَادُ بِهِ تَارَةً أنَّهُ سببُ النُّزولِ ، ويُرَادُ بِهِ تارَةً أنَّ هَذَا دَاخِلٌ في الآيَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُن السَّبَبَ . كَمَا تَقُولُ عَنَى بِهَذِهِ الآيةِ كَذَا .
وقَدْ تَنازَعَ العُلَمَاءُ في قَوْلِ الصَّاحبِ : " نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي كَذَا " هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْمُسْنَدِ - كَمَا لَوْ يذكِرَ السَّببُ الَّذِي أُنْزِلَتْ لأجْلِهِ - أَوْ يَجْرِي مَجْرَى التَّفسيرِ منْهُ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْنَدٍ ؟
فَالبُخَاريُّ يُدْخِلُهُ في الْمُسْنَدِِ ، وَغَيرُهُ لاَ يُدْخِلُهُ فِي الْمُسْنَدِ ، وَأَكْثرُ الْمَسَانِيدِ عَلَى هَذَا الاصْطِلاحِ كَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وغيرِهِ ، بِخلافِ مَا إِذَا ذَكَرَ سَببًا نزلَتْ عَقِبَهُ ، فإنَّهُم كُلَّهُمْ يُدْخلُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الْمُسْنَدِ .
وَإِذَا عـُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ أَحَدِهِم : " نَزَلَتْ في كَذَا " لاَ يُنَافِي قَوْلَ الآخرِ : " نزَلَتْ في كَذَا " ؛ إِذَا كَانَ اللفْظُ يَتَنَاوَلُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ في التَّفسيرِ بِالمِثَالِ .
وَإِذَا ذَكَرَ أَحَدُهُم لَهَا سَبَبًا نَزلَتْ لأجْلِهِ ، وَذَكَرَ الآخرُ سَبَبًا ، فَقَدْ يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا بِأَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ عَقِبَ تِلْكَ الأسْبَابِ ، أَوْ تَكُونَ نَزَلَتْ مَرَّتينِ ؛ مَرَّةً لِهَذَا السَّببِ ، وَمَرَّةً لِهَذَا السَّببِ . وَهَذَانِ الصِّنفانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا في تَنَوُّعِ التَّفسيرِ – تارَةً لتنوُّعِ الأسماءِ والصِّفاتِ ، وَتَارةً لِذِكْرِ بَعْضِِ أنواعِ المسمَّى وأَقْسَامِهِ كَالتَّمثيلاتِ – هُمَا الغَالِبُ فِي تَفْسِيرِ سَلَفِ الأُمَّةِ الَّذِي يُظَنُّ أنَّهُ مُخْتَلِفٌ !!