وهذا الحديث أخرجه مسلم.
موضوعه وجوب تغيير المنكر.
المعنى الإجمالي للحديث:
دل الحديث على وُجُوبِ إنكارِ المُنْكَرِ بِحَسَبِ القُدْرَةِ عليهِ،
وأنَّ إِنْكَارَهُ بِالقَلْبِ لا بُدَّ منهُ، فمَنْ لمْ يُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ هلك. وَأَمَّا الإِنكارُ باللسانِ واليدِ، فإنَّمَا يَجِبُ بِحَسَبِ الطاقةِ.
الشرح التحليلي:
قوله: "مَنْ رَأَى" أي من علم وإن لم يرَ بعينه، فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين.
"منكم" الخطاب للمكلفين.
"المنكر": هو ما نهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر على فاعله أن يفعله.
1. "فليغيره" أي يغير هذا المنكر بيده، ولا يدخل في الحديث عِقابُ فاعِلُ المنكر. ولام الأمر تفيد الوجوب.
"بيده" أي بالفعل والقوة، وهو خاص بولي الأمر - ولاية عامة أو خاصة -، والأب على زوجته وأولاده.
2. "فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ" أن يغيره بيده.
"فَبِلِسَانِهِ" أي فلينكره بلسانه بالتذكير والترغيب والترهيب بالحكمة. وهي فرض كفاية.
وإنكار المنكر يجبُ مُطلقاً - سواءً غلب على الظن أن ينتفع المستمع له أم لا-، ما لم يؤد إلى منكر أعظم منه.
ويشترط في المنكِر: الإسلام، التكليف، والاستطاعة، العدالة، العلم بالمنكر.
ويشترط في المنكَر: كونه منكراً باتفاق - حيث لا إنكار في مسائل الاجتهاد-.
3. "فَإنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقَلْبِهِ" أي فلينكر بقلبه، أي يكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن. وَهذه الدرجة واجبةٌ على الجميع.
" وَذَلِكَ" أي الإنكار بالقلب "أَضْعَفُ الإِيْمَانِ" أي أضعف مراتب الإيمان في هذا الباب أي في تغيير المنكر.
من فوائد هذا الحديث:
1. أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وأنها من الواجبات.
2. لم يجعل الله في الدين أي حرج، والوجوب مشروط بالاستطاعة، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
3. أن للقلب عملاً، فالقلب له قول وله عمل، قوله عقيدته، وعمله حركته بنية أو رجاء أو خوف أو غير ذلك.
4. المنكر القاصر أهون من المنكر المتعدي.
5. الإنكار أضيق من النصيحة، فالنصيحةُ اسم عام يشمل أشياء كثيرة منها الإنكار.
6. والمراتب تصاعديا ثلاث: دعوة، أمر، تغيير.
أ. فالدعوة أن يقوم الداعي ويبين للناس الخير ويرغبهم فيه، ويبين لهم الشر ويحذرهم منه.
ب. والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وهو الذي يأمر الناس بالفعل وينهاهم عنه.
ج. والمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره ونهيه.
(وفي زَمَانِنَا هذا ذَهَبَت الغَيْرَةُ للهِ مِنْ قُلُوبِ العِبَادِ، وَصَارَ المُنْكَرُ مَعْرُوفًا والمعروفُ مُنْكَرًا) كذا قال السندي في عصره!