دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير جزء قد سمع

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1436هـ/24-08-2015م, 07:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير سورة الجمعة [ من الآية (9) إلى الآية (11) ]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) }

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه وذروا البيع ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (9) فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون (10) وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضّوا إليها وتركوك قائمًا قل ما عند اللّه خيرٌ من اللّهو ومن التّجارة واللّه خير الرّازقين (11) }
إنّما سمّيت الجمعة جمعةً؛ لأنّها مشتقّةٌ من الجمع، فإنّ أهل الإسلام يجتمعون فيه في كلّ أسبوعٍ مرّةً بالمعابد الكبار وفيه كمل جميع الخلائق، فإنّه اليوم السّادس من الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. وفيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنّة، وفيه أخرج منها. وفيه تقوم السّاعة. وفيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يسأل اللّه فيها خيرًا إلّا أعطاه إيّاه كما ثبتت بذلك الأحاديث الصّحاح
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا عبيدة بن حميد، عن منصورٍ، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن قرثع الضّبّيّ، حدّثنا سلمان قال: قال أبو القاسم صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا سلمان، ما يوم الجمعة؟ ". قلت: اللّه ورسوله أعلم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يومٌ جمع فيه أبواك -أو أبوكم"
وقد روي عن أبي هريرة، من كلامه، نحو هذا، فاللّه أعلم.
وقد كان يقال له في اللّغة القديمة يوم العروبة. وثبت أنّ الأمم قبلنا أمروا به فضلّوا عنه، واختار اليهود يوم السّبت الّذي لم يقع فيه خلقٌ واختار النّصارى يوم الأحد الّذي ابتدئ فيه الخلق، واختار اللّه لهذه الأمّة [يوم] الجمعة الّذي أكمل اللّه فيه الخليقة، كما أخرجه البخاريّ ومسلمٌ من حديث عبد الرّزّاق، عن معمر، عن همّام بن منبّه قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة، بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا. ثمّ هذا يومهم الّذي فرض اللّه عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا اللّه له، فالنّاس لنا فيه تبعٌ، اليهود غدًا، والنّصارى بعد غدٍ" لفظ البخاري.
وفي لفظٍ لمسلمٍ: "أضلّ اللّه من كان قبلنا فكان لليهود يوم السّبت، وكان للنّصارى يوم الأحد. فجاء اللّه بنا فهدانا اللّه ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسّبت والأحد، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدّنيا، والأوّلون يوم القيامة، المقضيّ بينهم قبل الخلائق".
وقد أمر اللّه المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة، فقال:
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه} أي: اقصدوا واعمدوا واهتمّوا في مسيركم إليها، وليس المراد بالسعي هاهنا المشي السّريع، وإنّما هو الاهتمام بها، كقوله تعالى: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ} [الإسراء: 19] وكان عمر بن الخطّاب وابن مسعودٍ رضي اللّه عنهما يقرآنها: "فامضوا إلى ذكر اللّه". فأمّا المشي السّريع إلى الصّلاة فقد نهي عنه، لما أخرجاه في الصّحيحين، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصّلاة، وعليكم السّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا". لفظ البخاريّ
وعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذ سمع جلبة رجالٍ، فلمّا صلّى قال: "ما شأنكم؟ ". قالوا: استعجلنا إلى الصّلاة. قال: "فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصّلاة فامشوا وعليكم بالسّكينة فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتمّوا". أخرجاه
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصّلاة فلا تأتوها تسعون، ولكن ائتوها تمشون، وعليكم السّكينة والوقار، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا".
رواه التّرمذيّ، من حديث عبد الرّزّاق كذلك وأخرجه من طريق يزيد بن زريع، عن معمرٌ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، بمثله
قال الحسن أما واللّه ما هو بالسّعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا الصّلاة إلّا وعليهم السّكينة والوقار، ولكن بالقلوب والنّيّة والخشوع.
وقال قتادة في قوله:
{فاسعوا إلى ذكر اللّه} يعني: أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المشي إليها، وكان يتأول قوله تعالى: {فلمّا بلغ معه السّعي} [الصّافّات: 102] أي: المشي معه. روي عن محمّد بن كعبٍ، وزيد بن أسلم، وغيرهما نحو ذلك.
ويستحب لمن جاء الجمعة أن يغتسل قبل مجيئه إليها، لما ثبت في الصّحيحين عن عبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل".
ولهما عن أبي سعيدٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "غسل يوم الجمعة واجبٌ على كلّ محتلم"
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "حقٌّ للّه على كلّ مسلمٍ أن يغتسل في كلّ سبعة أيّامٍ، يغسل رأسه وجسده". رواه مسلمٌ
وعن جابرٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "على كلّ رجلٍ مسلمٍ في كلّ سبعة أيّامٍ غسل يومٍ، وهو يوم الجمعة". رواه أحمد، والنّسائيّ، وابن حبّان
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا ابن المبارك، عن الأوزاعيّ، عن حسّان بن عطيّة، عن أبي الأشعث الصّنعانيّ، عن أوس بن أوسٍ الثّقفيّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "من غسّل واغتسل يوم الجمعة، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكلّ خطوة أجر سنة، صيامها وقيامها".
وهذا الحديث له طرقٌ وألفاظٌ، وقد أخرجه أهل السّنن الأربعة وحسّنه التّرمذيّ
وعن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنةً، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرةً، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشًا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجةً، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضةً، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر" أخرجاه
ويستحبّ له أن يلبس أحسن ثيابه، ويتطيّب ويتسوّك، ويتنظّف ويتطهّر. وفي حديث أبي سعيدٍ المتقدّم: "غسل يوم الجمعة واجبٌ على كلّ محتلمٍ، والسواك، وأن يمس من طيب أهله".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن إبراهيم التّيميّ، عن عمران بن أبي يحيى، عن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، عن أبي أيّوب الأنصاريّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله -إن كان عنده-ولبس من أحسن ثيابه، ثمّ خرج حتّى يأتي المسجد فيركع -إن بدا له-ولم يؤذ أحدًا، ثمّ أنصت إذا خرج إمامه حتّى يصلّي، كانت كفّارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى"
وفي سنن أبي داود وابن ماجه، عن عبد اللّه بن سلامٍ، رضي اللّه عنه، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول على المنبر: "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته"
وعن عائشة رضي اللّه عنها: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطب النّاس يوم الجمعة، فرأى عليهم ثياب النّمار، فقال: "ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتّخذ ثوبين لجمعته، سوى ثوبي مهنته". رواه ابن ماجه
وقوله تعالى:
{إذا نودي للصّلاة} المراد بهذا النّداء هو النّداء الثّاني الّذي كان يفعل بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا خرج فجلس على المنبر، فإنّه كان حينئذٍ يؤذّن بين يديه، فهذا هو المراد، فأمّا النّداء الأوّل الّذي زاده أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه، فإنّما كان هذا لكثرة النّاس، كما رواه البخاريّ رحمه اللّه حيث قال: حدّثنا آدم -هو ابن أبي إياسٍ-حدّثنا ابن أبي ذئبٍ، عن الزّهريّ، عن السّائب بن يزيد قال: كان النّداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبي بكرٍ وعمر، فلمّا كان عثمان [بعد زمنٍ] وكثر النّاس، زاد النّداء الثّاني على الزّوراء يعني: يؤذّن به على الدّار الّتي تسمّى بالزّوراء، وكانت أرفع دارٍ بالمدينة، بقرب المسجد.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا محمّد بن راشدٍ المكحوليّ، عن مكحولٍ: أنّ النّداء كان في يوم الجمعة مؤذّنٌ واحدٌ حين يخرج الإمام، ثمّ تقام الصّلاة، وذلك النّداء الّذي يحرم عنده البيع الشراء إذا نودي به، فأمر عثمان، رضي اللّه عنه، أن ينادى قبل خروج الإمام حتّى يجتمع النّاس.
وإنّما يؤمر بحضور الجمعة [الرّجال] الأحرار دون النّساء والعبيد والصّبيان، ويعذر المسافر والمريض، وقيّم المريض، وما أشبه ذلك من الأعذار، كما هو مقرّرٌ في كتب الفروع.
وقوله:
{وذروا البيع} أي: اسعوا إلى ذكر اللّه واتركوا البيع إذا نودي للصّلاة: ولهذا اتّفق العلماء رضي اللّه عنهم على تحريم البيع بعد النّداء الثّاني. واختلفوا: هل يصحّ إذا تعاطاه متعاطٍ أم لا؟ على قولين، وظاهر الآية عدم الصّحّة كما هو مقرّرٌ في موضعه، واللّه أعلم.
وقوله:
{ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} أي: ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر اللّه وإلى الصّلاة خيرٌ لكم، أي: في الدّنيا والآخرة إن كنتم تعلمون). [تفسير القرآن العظيم: 8/119-122]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
(9) يَأمُرُ تعالى عِبادَه المؤمنينَ بالْحُضورِ لصلاةِ الْجُمُعَةِ، والمُبادَرَةِ إليها مِن حِينِ يُنادَى لها، والسَّعْيِ إليها.
والمُرادُ بالسَّعْيِ هنا المُبادَرَةُ إليها، والاهتمامُ لها، وجعْلُها أهَمَّ الأشغالِ، لا العَدْوُ الذي قدْ نُهِيَ عنه عندَ الْمُضِيِّ إلى الصلاةِ.
وقولُه: {وَذَرُوا الْبَيْعَ}؛ أي: اتْرُكُوا البيعَ إذا نُودِيَ للصلاةِ وامْضُوا إليها؛ فإنَّ {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} مِن اشتغالِكم بالبَيْعِ، أو تَفْوِيتِكم الصلاةَ الفريضةَ التي هي مِن آكَدِ الفُروضِ, {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنَّ ما عندَ اللَّهِ خيرٌ وأَبْقَى، وأنَّ مَن آثَرَ الدنيا على الدِّينِ فقدْ خَسِرَ الْخَسارةَ الحقيقيَّةَ، مِن حيثُ يَظُنُّ أنَّه يَربَحُ). [تيسير الكريم الرحمن: 863]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وفي هذه الآياتِ فوائدُ عديدةٌ:
منها: أنَّ الْجُمُعَةَ فَريضةٌ على جميعِ المُؤْمنِينَ يَجِبُ عليهم السعْيُ إليها والمُبادَرَةُ والاهتمامُ بشأْنِها.
ومنها: أنَّ الْخُطْبَتَيْنِ يومَ الْجُمُعَةِ فَريضةٌ يَجِبُ حُضورُهما؛ لأنَّه فَسَّرَ الذِّكْرَ هنا بالْخُطْبتَيْنِ فأمَرَ اللَّهُ بالْمُضِيِّ إليهِ والسعْيِ له.
ومنها: مَشروعيَّةُ النِّداءِ للجُمُعَةِ والأمْرُ به.
ومنها: النَّهْيُ عن البيْعِ والشِّراءِ بعدَ نِداءِ الجُمُعَةِ وتحريمُ ذلك، وما ذاكَ إلاَّ لأنَّه يُفَوِّتُ الواجبَ ويَشْغَلُ عنه.
فدَلَّ ذلك على أنَّ كُلَّ أمْرٍ وإنْ كانَ مُباحاً في الأصْلِ، إذا كانَ يَنْشَأُ عنه تَفويتُ واجبٍ؛ فإنَّه لا يَجُوزُ في تلكَ الحالِ.
ومنها: الأمْرُ بحُضورِ الْخُطبتَيْنِ يومَ الْجُمُعَةِ، وذَمُّ مَن لم يَحْضُرْهما، ومِن لازِمِ ذلك الإنصاتُ لهما.
ومنها: أنَّه يَنْبَغِي للعبْدِ الْمُقْبِلِ علَى عِبادةِ اللَّهِ وقتَ دَواعي النفْسِ لحُضورِ اللَّهْوِ والتجاراتِ والشَّهَوَاتِ, أنْ يُذَكِّرَها بما عِندَ اللَّهِ مِن الْخَيراتِ وما لِمُؤْثِرِ رِضاهُ على هَواهُ). [تيسير الكريم الرحمن: 863-864]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (9- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} المرادُ به الأذانُ إذا جلَسَ الإمامُ على الْمِنْبَرِ يومَ الْجُمُعَةِ؛ لأنه لم يكنْ على عهْدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نِداءٌ سِواهُ أمَّا الأذانُ الأوَّلُ للجُمُعَةِ فقد زَادَه عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه بِمَحْضَرِ الصحابةِ لَمَّا اتَّسَعَتِ المدينةُ.
{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أيْ: فاعْمَلُوا على الْمُضِيِّ إلى ذِكْرِ اللهِ وهو الْخُطبةُ وصلاةُ الْجُمُعَةِ في المساجِدِ الجامعةِ واشْتَغِلُوا بأسبابِه مِن الغُسْلِ والوُضوءِ والتوَجُّهِ إليه.
{وَذَرُوا الْبَيْعَ} أي: اتْرُكُوا الْمُعامَلَةَ به، ويُلْحَقُ به سائرُ الْمُعامَلاتِ، فإذا أذَّنَ المؤَذِّنُ يومَ الْجُمُعَةِ لم يَحِلَّ الشراءُ والبيعُ.
{ذَلِكُمْ} السعيُ إلى ذكْرِ اللهِ وترْكُ البَيْعِ.
{خَيْرٌ لَّكُمْ} أيْ: خيرٌ مِن فعْلِ البَيْعِ، وترْكِ السعيِ؛ لِمَا في الامتثالِ مِن الأجْرِ والجزاءِ). [زبدة التفسير: 554]


تفسير قوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فإذا قضيت الصّلاة} أي: فرغ منها، {فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه} لمّا حجر عليهم في التّصرّف بعد النّداء وأمرهم بالاجتماع، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل اللّه. كما كان عراك بن مالكٍ رضي اللّه عنه إذا صلّى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللّهمّ إنّي أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرّازقين. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وروي عن بعض السّلف أنّه قال: من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصّلاة، بارك اللّه له سبعين مرّةً، لقول اللّه تعالى:
{فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه}
وقوله:
{واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون} أي: حال بيعكم وشرائكم، وأخذكم وعطائكم، اذكروا اللّه ذكرًا كثيرًا، ولا تشغلكم الدّنيا عن الّذي ينفعكم في الدّار الآخرة؛ ولهذا جاء في الحديث: "من دخل سوقًا من الأسواق فقال: لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ كتبت له ألف ألف حسنة، ومحي عنه ألف ألف سيئة"
وقال مجاهدٌ: لا يكون العبد من الذّاكرين اللّه كثيرًا، حتّى يذكر اللّه قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا).
[تفسير القرآن العظيم: 8/122-123]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (10) وهذا الأمْرُ بتَرْكِ البيْعِ مُوَقَّتٌ مُدَّةَ الصلاةِ، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} لطَلَبِ الْمَكاسِبِ والتِّجاراتِ.
ولَمَّا كانَ الاشتغالُ بالتجارةِ مَظِنَّةَ الغَفْلةِ عن ذِكْرِ اللَّهِ، أمَرَ اللَّهُ بالإكثارِ مِن ذِكْرِه؛ ليَنْجَبِرَ بهذا فقالَ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً}؛ أيْ: في حالِ قِيامِكم وقُعُودِكم وعلى جُنُوبِكم، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ فإنَّ الإكثارَ مِن ذِكْرِ اللَّهِ أكبرُ أسبابِ الفَلاحِ). [تيسير الكريم الرحمن: 863]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (10- {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ} أيْ: إذا فَعَلْتُم الصلاةَ وأَدَّيْتُمُوهَا وفَرَغْتُم منها.
{فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} للتجارةِ والتصَرُّفِ فيما تَحتاجونَ إليه مِن أمْرِ مَعاشِكُمْ {وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ} أيْ: مِن رِزْقِه الذي يَتفضَّلُ به على عِبادِه، مِن الأرباحِ في المعامَلاتِ والمكاسِبِ.
{وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً} أيْ: لا تَنْسَوْا في أثناءِ بَيْعِكم وشِرائِكم أنْ تَذْكُرُوه ذِكْرًا كثيراً، بالشكْرِ له على ما هَدَاكم إليه مِن الْخَيْرِ الأُخْرَوِيِّ والدُّنيويِّ،وكذا اذْكُرُوه بما يُقَرِّبُكم إليه مِن الأذكارِ؛ كالحمْدِ والتسبيحِ والتكبيرِ والاستغفارِ ونحوِ ذلك, {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أيْ: كي تَفوزُوا بخَيْرِ الدارَيْنِ وتَظْفَرُوا به). [زبدة التفسير: 554]


تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضّوا إليها وتركوك قائمًا قل ما عند الله خيرٌ من اللّهو ومن التّجارة والله خير الرّازقين}
يعاتب تبارك وتعالى على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التّجارة الّتي قدمت المدينة يومئذٍ، فقال تعالى:
{وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضّوا إليها وتركوك قائمًا} أي: على المنبر تخطب. هكذا ذكره غير واحدٍ من التّابعين، منهم: أبو العالية، والحسن، وزيد بن أسلم، وقتادة.
وزعم مقاتل بن حيّان: أنّ التّجارة كانت لدحية بن خليفة قبل أن يسلم، وكان معها طبلٌ، فانصرفوا إليها وتركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا على المنبر إلّا القليل منهم. وقد صحّ بذلك الخبر، فقال الإمام أحمد:
حدّثنا ابن إدريس، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابرٍ قال: قدمت عيرٌ المدينة، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب، فخرج النّاس وبقي اثنا عشر رجلًا فنزلت:
{وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضّوا إليها}
أخرجاه في الصّحيحين، من حديث سالمٍ، به
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا زكريّا بن يحيى، حدّثنا هشيم، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد وأبي سفيان، عن جابر بن عبد اللّه قال: بينما النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة، فقدمت عيرٌ إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى لم يبق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا اثنا عشر رجلًا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "والّذي نفسي بيده، لو تتابعتم حتّى لم يبق منكم أحدٌ، لسال بكم الوادي نارًا" ونزلت هذه الآية:
{وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضّوا إليها وتركوك قائمًا} وقال: كان في الاثني عشر الّذين ثبتوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أبو بكرٍ، وعمر، رضي اللّه عنهما.
وفي قوله:
{وتركوك قائمًا} دليلٌ على أنّ الإمام يخطب يوم الجمعة قائمًا. وقد روى مسلمٌ في صحيحه عن جابر بن سمرة قال: كانت للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويذكر الناس.
ولكن هاهنا شيءٌ ينبغي أن يعلم وهو: أنّ هذه القصّة قد قيل: إنّها كانت لمّا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقدّم الصّلاة يوم الجمعة على الخطبة، كما رواه أبو داود في كتاب المراسيل: حدّثنا محمود بن خالدٍ، عن الوليد، أخبرني أبو معاذٍ بكير بن معروف، أنّه سمع مقاتل بن حيّان يقول: "كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي يوم الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتّى إذا كان يومٌ والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب، وقد صلّى الجمعة، فدخل رجلٌ فقال: إنّ دحية بن خليفة قد قدم بتجارةٍ يعني: فانفضّوا، ولم يبق معه إلّا نفرٌ يسيرٌ.
وقوله:
{قل ما عند اللّه} أي: الّذي عند اللّه من الثّواب في الدّار الآخرة {خيرٌ من اللّهو ومن التّجارة واللّه خير الرّازقين} أي: لمن توكّل عليه، وطلب الرّزق في وقته). [تفسير القرآن العظيم: 8/123-124]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (11) {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا}؛ أيْ: خَرَجُوا مِنَ المَسجِدِ حِرْصاً على ذلكَ اللَّهْوِ وتلك التِّجارةِ وتَرَكُوا الخيرَ، {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} تَخْطُبُ الناسَ، وذلكَ في يومِ الْجُمُعَةِ.
بينَما النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ يَخطُبُ الناسَ؛ إذ قَدِمَ المدينةَ عِيرٌ تَحمِلُ تِجارةً، فلَمَّا سَمِعَ الناسُ بها وهم في المسجِدِ انفَضُّوا من المسجِدِ، وتَرَكُوا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ يَخْطُبُ؛ استعجالاً لِمَا لا يَنْبَغِي أنْ يُسْتَعْجَلَ له وتَرْكَ أدَبٍ.
{قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ} مِن الأجْرِ والثوابِ لِمَن لازَمَ الخيرَ وصَبَرَ نفْسَه على عِبادةِ اللَّهِ, {خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} التي وإنْ حَصَلَ منها بعضُ الْمَقاصِدِ فإنَّ ذلكَ قليلٌ مُنْقَضٍ، مُفَوِّتٌ لخيرِ الآخرةِ، وليسَ الصَّبْرُ على طاعةِ اللَّهِ مُفَوِّتاً للرِّزْقِ؛ فَإِنَّ {اللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}, فمَنِ اتَّقَى اللَّهَ رَزَقَه مِن حيثُ لا يَحْتَسِبُ). [تيسير الكريم الرحمن: 863]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (11- {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا}؛ سببُ نُزولِ هذه الآيةِ أنه كان بأَهْلِ المدينةِ فاقَةٌ وحاجةٌ فأَقْبَلَتْ قافِلَةٌ مِن الشامِ والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخطُبُ يومَ الْجُمُعَةِ، فانفتَلَ الناسُ إليها حتى لم يَبقَ إلاَّ اثْنَا عشَرَ رَجُلاً في المسجِدِ، وفي روايةٍ: وسَبْعُ نِسوةٍ، ومعنى انْفَضُّوا إليها: تَفَرَّقوا خارِجينَ إليها.
{وَتَرَكُوكَ قَائِماً} أي: على الْمِنْبَرِ.
{قُلْ مَا عِندَ اللهِ} يَعنِي مِن الجزاءِ العظيمِ وهو الجنَّةُ.
{خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} اللَّذَيْنِ ذَهَبْتُمْ إليهما وتَرَكْتُم البقاءَ في الْمَسجِدِ وسماعَ خُطبةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأَجْلِها, {وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ). [زبدة التفسير: 554]


* للاستزادة ينظر: هنا

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir