موضوع الدرس:احتمال اللفظ لأكثر من معنى.
· تمهيد:
مرجع اختلاف السلف في التفسير راجع إلى اللغة فيكون اللفظ المختلف فيه مشترك بين لفظين فيطلق على هذا وهذا.
· عناصر الدرس:
أسباب الخلاف بين السلف.
· تفصيل المسألة:
يرجع الخلاف بين السلف إلى نوعين:
النوع الأول:الاشتراك في اللغة:
- معنى الاشتراك في اللغة:
هو ما اتحد فيه اللفظ واختلف المعنى.
مثاله:القرء، فالقرء يطلق على الحيض والطهر
مثال آخر: العين ،والعين تطلق على العين الباصرة وعلى عين الماء وعلى الجاسوس.
مثال آخر: قسورة، يراد به الأسد ويراد به الرامي، فالسياق يحتمل الأمرين معا،لأنه ليس بينهما تضاد.
مثال آخر:لفظ عسعس ،يراد به إقبال الليل وإدباره،فيكون المعنى: والليل إذا أقبل أو والليل إذا أدبر ،وكلا المعنيين مناسب لما بعده،فعلى المعنى الأول يكون الإقسام بأول الليل وأول النهار
وعلى المعنى الثاني:يكون الإقسام بآخر الليل وأول النهار فكلا المعنيين صحيح من جهة السياق.
- جواز حمل المشترك على أكثر من معنى:
من الأمثلة السابقة تبين لنا أنه يجوز أن يراد به كل المعاني إذا لم يكن بين المعنيين تضاد ، وكلاهما سائغ في اللغة ،ولا عبرة بتضاد اللفظين في اللغة مثل: تفسير لفظ عسعس ، فالمقصود أن يمكن حمل الآية على المعنيين من غير تناقض.
- التنازع الوارد في لفظ ( قرء ):
في قوله تعالى:(( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ))
فمعنى القرء:الحيض أو الطهر ،فهنا لا يمكن الجمع بين القول :بأن القرء هو الطهر والحيض معا ،لأن المرأة لا يمكن أن تكون حائضا طاهرا في نفس الوقت،وجعل شيخ الإسلام النوع الأول من اختلاف التنوع،لأنه يعود إلى ذات واحدة مع اختلاف المعاني
· رأي العلماء في حمل المشترك على أكثر من معنى:
بعض أهل العلم ومنهم ابن القيم رحمه الله يرى أنه لا يجوز أن يراد بالمشترك إلا معنى واحدا،ولكن الجمهور على أنه يجوز أن يراد به أكثر من معنى ما دام أنه لم يقم دليل على إرادة أحد المعاني،فتكون المعاني كلها محتملة.
· النوع الثاني من أسباب الخلاف بين السلف: التواطؤ:
- معنى التواطؤ:
اصطلاح منطقي يراد به نسبة وجود معنى كلي في أفراده وجودا متوافقا غير متفاوت.
- أقسامه:
المتواطئ نوعين:
أحدهما:الضمائر.
مثاله:في قوله تعالى:(( ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى )):
في هذه الآية اختلفوا في الضمائر الموجودة في الآية تعود على من؟
فقيل:أن المراد بهها جبريل وهو رأي الجمهور
وقيل:أن المراد بها الله عز وجل وهو قول ابن عباس رضي الله عنه
فإذا نظرت إلى هذا الخلاف وجدت أن نسبة اسم الجلالة إلى الضمير لا تختلف عن نسبة جبريل إليه وهذا هو المتواطئ.
مثال آخر:(( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )):
فالضمير في ملاقيه:يعود على ماذا؟
هل ملاق ربك؟؟
أم ملاق كدحك؟؟
يحتمل هذا وهذا.
- قاعدة:أي خلاف في مرجع الضمير سببه:التواطؤ.
- النوع الثاني من أنواع التواطؤ:
هي الأوصاف التي حذفت موصوفاتها.
مثاله:(( والفجر وليال عشر * والشفع والوتر ))
فالفجر:قيل: فجر يوم النحر.
وقيل:فجر أيام السنة.
فإذا نظرت إلى نسبة الفجرية وجدتها لا تختلف في يوم النحر عنها في أول السنة وهذا هو المتواطئ.
مثال آخر:(( والنازعات غرقا ))
قيل:النازعات ملائكة الموت تنزع أرواح الكفار.
وقيل:النازعات النجوم تنزع من أفق إلى أفق.
وقيل:النازعات السفن تنزع من مكان إلى مكان.
فإذا نظرت إلى هذه الأقوال وجدتها تتفق في وجود المعنى الكلي الذي هو النزع وإن كانت نسبة النزع تختلف من نوع إلى آخر،فالمعنى الكلي موجود في هذه الأفراد وجودا متوافقا،وهذا هو المتواطئ.
مثال آخر: (( فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس ))
الخنس قيل: النجوم والكواكب
وقيل:بقر الوحش والظباء.
فالخنس: هو التأخر،وسميت النجوم بذلك لأنها تتأخر فلا تظهر مباشرة مع الليل
وبقر الوحش والظباء:إذا رأت إنسيا تأخرت وهربت.
فوصف الخنس:مشترك بينهما كوصف كلي وإن كان خنوس هذا يختلف عن هذا،فأي وصف ورد وموصوفه محذوف اختلف في هذا المحذوف فإن سبب هذا الخلاف هو التواطؤ.
- مسوغات قبول جميع المعاني التي قالها السلف في الأوصاف التي حذف موصوفها:
أ- إما لكون الآية نزلت مرتين،فأريد بها هذا تارة وهذا تارة.
وهذا قال عنه الشيخ الطيار أنه احتمال عقلي لأن الأصل في نزول الآيات أن تنزل مرة واحدة.
ب- وإما لكون اللفظ متواطئا فيكون عاما إذا لم يكن لتخصيصه موجب،مثل:
النازعات،ورد في تفسيرها ستة أقوال،فإذا لم يكن للتخصيص موجب فإنك تقول:كل ما وصف بأنه نازع فهو داخل في القسم لأنها محتملة.
- إذا استدل أحد على قول بدليل نقول هذا ترجيح ولكن الأقوال الأخرى محتملة .
- قاعدة:أن المتواطئ خصوصا في الأوصاف يدخل في القسم الثاني من أقسام اختلاف التنوع الذي هو العام الذي تذكر له أمثلة.
ولهذا ابن جرير رحمه الله في معنى النازعات قال:أن الله لم يخصص نازعة دون نازعة فالخبر على عمومه حتى يأتي ما يخصصه.
ومعنى هذا:أنه رجح جميع المذكور وأنها صحيحة.
· معنى المشكك:
عرفنا فيما سبق أن التواطؤ وجود معنى كلي في أفراده وجودا متوافقا غير متفاوت،فإذا وجد تفاوت بين هذه الأفراد في تحقيق معنى النسبة هو ما يسمى عند المناطقة بالمشكك.
مثاله: ما يقال في بياض اللبن وبياض الثلج،فكلاهما أبيض ولكن نسبة البياض بينهما متفاوتة،لأن بياض اللبن يختلف عن بياض الثلج.
· من إعجاز القرآن:
احتمالاللفظة الواحدة لأكثر من معنى صحيح يعد من بلاغة القرآن كما أشار إليه بعض المفسرين.
· خلاصة الدرس:
إن أسباب اختلاف السلف في التفسير يرجع إلى اللغة وذلك ينقسم إلى قسمين:
الأول : الاشتراك في اللغة وهو ما اتحد فيه اللفظ واختلف في المعنى.
والثاني:وهو المتواطئ وينقسم إلى قسمين:
أ- الاختلاف في مرجع الضمير.
ب- الأوصاف التي حذفت موصوفها .
وبعض أهل العلم يرى أنه لا يجوز أن يراد بالمشترك إلا معنى واحد،ولكن الجمهور على أنه يجوز أن يراد به أكثر من معنى ما دام أن المعاني كلها محتملة .