بَابُ الذِّكْرِ عَقِيبَ الصَّلاَةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا: أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ – حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِن المَكْتُوبَةِ – كانَ عَلَى عَهْدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كنتُ أعلمُ إذا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ.
وفي لفظٍ: مَا كنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلاَّ بالتَّكْبِيرِ.
عن وَرَّادٍ مولى المُغِيرَةِ بنِ شُعْبةَ قالَ: أَمْلَى عَلَيَّ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ في كِتَابٍ إلَى مُعَاوِيةَ، أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِما أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ، مِنْكَ الْجَدُّ)).
ثُمَّ وفَدتُ بَعْدُ على مُعَاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بذلكَ.
وفي لفظٍ: ((وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ المَالِ، وكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَكانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ البَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ)).
عن سُمَيٍّ - مولى أبِي بكرِ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحارثِ بنِ هشامٍ- عن أبِي صالحٍ السَّمَّانِ، عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ فُقَرَاءَ المهاجرينَ أتَوْا رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. فقَالُوا: قد ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثورِ بالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعيمِ المُقيمِ، فَقَالَ: ((وَمَا ذَاكَ؟)) قَالُوا: يُصَلُّونَ كمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ، فقالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَن سَبَقَكُمْ، وتَسْبِقُونَ بِهِ مَن بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إِلاَّ مَن صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟)) قَالُوا: بَلَى، يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: ((تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّةً)).
قالَ أبو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إلى رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فقالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مِن يَشَاءُ}.
قالَ سُمَيٌّ: فحدَّثْتُ بعضَ أَهْلِي هذَا الحديثَ، فقالَ: وَهِمْتَ، إنَّمَا قالَ: ((تُسَبِّحُ اللهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدُ اللهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرُ اللهَ ثَلاَثًا وَثلاثينَ)).
فَرَجَعْتُ إلى أبِي صالحٍ، فقلتُ لهُ ذلكَ، فقالَ: اللهُ أَكْبَرُ وَسُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للَّهِ، حتَّى تَبْلُغَ مِن جَمِيعِهِنَّ، ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ.
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا، أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم صلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إلى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: ((اذْهَبُوا بخَمِيصَتي هَذِهِ إلى أبِي جَهْمٍ، وَائتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي)).
الْخَمِيصَةُ: كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ لَهُ أَعْلاَمٌ.
وَالأَنْبَجَانِيَّةُ: كِسَاءٌ غَلِيظٌ.