(ويستحب القضاء) أي: قضاء رمضان، فورًا (متتابعًا)([1]) لأن القضاء يحكي الأداء([2]) وسواء أفطر بسبب محرم، أو لا([3]) وإن لم يقض على الفور، وجب العزم عليه([4]).(ولا يجوز) تأخير قضائه (إلى رمضان آخر، من غير عذر)([5]) لقول عائشة: كان يكون على الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه([6]) فلا يجوز التطوع قبله، ولا يصح([7]).(فإن فعل) أي: أَخره بلا عذر،حرم عليه([8]) وحينئذ (فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم) ([9]) ما يجزئ في كفارة، رواه سعيد، بإسناد جيد، عن ابن عباس([10]) والدارقطني بإسناد صحيح، عن أبي هريرة([11]) وإن كان لعذر، فلا شيء عليه([12]). (وإن مات) بعد أَن أَخره لعذر، فلا شيء عليه([13]) ولغير عذر أَطعم عنه، لكل يوم مسكين، كما تقدم ([14]) (ولو بعد رمضان آخر) ([15]) لأَنه بإخراج كفارة واحدة زال تفريطه([16]) والإطعام من رأس ماله، أَوصى به أو لا([17]).وإن مات وعليه صوم كفارة، أطعم عنه،كصوم متعة([18]) ولا يقضى عنه ما وجب بأَصل الشرع، من صلاة وصوم ([19]).
([1]) وفاقًا، مسارعة لبراءة ذمته، ولا بأس أن يفرقه وفاقًا، وقاله البخاري عن ابن عباس، لقوله {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}وعن ابن عمر مرفوعًا «قضاء رمضان إن شاء فرق، وإن شاء تابع» رواه الدارقطني، وعن محمد بن المنكدر قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء رمضان، قال «ذاك إليك، أرأيت لو كان على أحد دين، فقضاه الدرهم والدرهمين، ألم يكن قضى؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر» رواه الدارقطني، وحسن إسناده، ولأنه لا يتعلق بزمان معين، فلم يجب فيه التتابع، كالنذر المطلق. إلا إذا لم يبق من شعبان إلا قدر ما عليه، فيجب التتابع إجماعًا، لضيق الوقت، كأداء رمضان، في حق من لا عذر له، ولا يكره في عشر ذي الحجة، لأنها أيام عبادة، كعشر المحرم، ,واستحبه ابن عمر، ويقدم رمضان على نذر لا يخاف فوته، لتأكد القضاء، فإن خاف فوت النذر قدمه، ومن فاته رمضان، قضاه عدد أيامه، تامًا كان، أو ناقصًا إجماعًا.
([2]) أي يساويه، وفيه خروج من الخلاف.
([3]) أي أو أفطر بسبب غير محرم، يستحب القضاء على الفور متتابعًا.
([4]) قال النووي: الصحيح عند محققي الفقهاء وأهل الأصول فيه، وفي كل واجب موسع، أنه يجوز تأخيره، بشرط العزم عليه، وأجاز جماعة من الصحابة وغيرهم الأمرين، وقال المجد: يجوز تأخير قضاء رمضان بلا عذر، ما لم يدرك رمضان ثان، ولا نعلم فيه خلافًا. وكذا ذكر غير واحد، مذهب الأئمة، وجماهير السلف والخلف، أن القضاء يجب على التراخي، ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان، وتقدم قول الشيخ: إنه لا يأثم بتأخير قضاء رمضان ولو مات، لأنه وقت موسع.
([5]) نص عليه وفاقًا، «ورمضان آخر» مصروف، لأنه نكرة، لوصفه بـ«آخر» وكذا كل معرفة وصفت بـ«آخر» فإنها تنكر.
([6]) أي من كونها مهيئة نفسها له صلى الله عليه وسلم، متربصة لاستمتاعه في جميع أوقاتها، إن أراد ذلك، وهذا من الأدب، ولا ريب في إطلاعه على ذلك، واتفق أهل العلم أنها لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر، إلا بإذنه، وإنما كانت تصومه في شعبان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان، فلا حاجة له فيها حينئذ في النهار، ولأنه إذا جاء شعبان، يضيق قضاء رمضان، فلا يجوز تأخيره عنه.
([7]) نص عليه لخبر «من أدرك رمضان، وعليه من رمضان شيء لم يقضه، لم يتقبل منه صومه» لكن قال الموفق وغيره: متروك. ونقل حنبل: لا يجوز، بل يبدأ بالفرض حتى يقضيه. ولأن المبادرة إلى إبراء الذمة، من أكبر العمل الصالح، وعنه: يجوز، ويصح وفاقًا، وصوبه في تصحيح الفروع وغيره، للعموم، وكالتطوع بصلاة في وقت فرض متسع قبل فعله، فالأوجه أن يصوم العشر ونحوها تطوعًا وقضاء، والتطوع أفضل، كالسنن الراتبة، في أول وقت الصلاة، واستظهر صاحب التنقيح وغيره الجواز مع سعة الوقت، وصححه في تصحيح الفروع.
([8]) لأن مقتضاه وجوب القضاء على الفور، وكما لا تؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية، خولف في المعذور، فيبقى ما عداه على الأصل.
([9]) وجوبًا، وفاقًا، لمالك والشافعي، وقال الوزير: أجمعوا أنه إن أخره لغير عذر يقضي، وعليه الفدية. وقال الشيخ: إن ترك الأداء لغير عذر وجبت، وإلا فلا.
([10]) ولفظه: فإذا قضى أطعم.
([11]) ورواه مرفوعًا من حديث أبي هريرة، لكن فيه ضعف، وروي نحوه عن ابن عمر، وذكره غيره عن جماعة من الصحابة، وقال يحيى بن أكثم: لا أعلم لهم مخالفًا. والمجزئ من البرمُدُّ، ومن غيره مُدَّانِ، ويجوز قبل القضاء وبعده، وقال المجد: الأفضل عندنا تقديمه، مسارعة إلى الخير، وتخلصًا من آفات التأخير.
([12]) أي وإن كان التأخير إلى رمضان آخر لعذر، كمرض، أو سفر، أو ضيق وقت، ونحو ذلك فيقضي فقط، بلا إطعام وفاقًا، ومن دام عذره بين الرمضانين، ثم زال، صام الرمضان الذي أدركه، ثم قضى ما فاته، ولا إطعام وفاقًا.
([13]) أي لا شيء عليه، وذكره النووي اتفاق أهل العلم، ولو مضى عليه أحوال، لأنه حق لله تعالى، وجب بالشرع، ومات من وجب عليه، قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير بدل، كالحج، وأما الحي، فتسقط الكفارة، دون القضاء، لإمكانه.
([14]) أي من خبر ابن عباس، وأبي هريرة، ولفظ أبي داود: قال ابن عباس: إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يصم، أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن نذر قضى عنه وليه، وللترمذي عن ابن عمر مرفوعًا «من مات وعليه صيام شهر رمضان، فليطعم عنه كل يوم مسكين» وقال: الصحيح أنه موقوف، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقال ابن القيم – في قول ابن عباس: يطعم عن الفرض، ويقضى عن النذر -: هذا أعدل الأقوال، وعليه يدل كلام الصحابة، وبه يزول الإشكال.
([15]) فأكثر، لم يلزمه لكل سنة فدية.
([16]) بالتأخير، أشبه ما لو مات من غير تفريط، ولأنه إنما لزمه للتأخير عن وقته، وكثرة التأخير لا يزاد بها الواجب، كما لو أخر الحج لسبب، لم يكن عليه أكثر من فعله.
([17]) أي أو لم يوص به، يخرج من رأس ماله، كسائر الديون.
([18]) أي أطعم عنه لكل يوم مسكين، كما يطعم عنه فيما إذا مات وعليه صوم متعة حج، ولا يجزئ صوم كفارة عن ميت، وإن أوصى به، وفاقًا.
([19]) لأنه لا تدخله النيابة في الحياة، فكذا بعد الموت، وكذا الاعتكاف، ولا فدية، لعدم ورود ذلك، ونقل جميع الإجماع، والمراد إجماع الأكثر، والنسائي وغيره «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصومن أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه» وعن ابن عمر نحوه، رواه عبد الرزاق، قال مالك: ولم أسمع عن أحد من الصحابة، ولا من التابعين أمر بصوم، أو صلاة عن أحد، ونقل الجماعة: لا تفعل عنه. وفاقًا، وأجمعوا على أن الصلاة المفروضة، من الفروض التي لا تصح فيها النيابة، بنفس، ولا مال، لأنها عبادة بدنية، محضة، لا يخلفها مال، ولا يجب بإفسادها، ونقل القاضي وغيره الإجماع على أنه لا يصلى عنه صلاة فائتة، وأنه لا يصام عن أحد في حياته.
وقال ابن القيم: يصام عنه النذر، دون الفرض الأصلي، وهذا مذهب أحمد وغيره، والمنصوص عن ابن عباس، وعائشة؛ ولا تعارض بين روايتهما ورأيهما، وبهذا يظهر اتفاق الروايات، وموافقة فتاوى الصحابة، وهو مقتضى الدليل والقياس، لأن النذر ليس واجبًا بأصل الشرع، وإنما أوجبه العبد على نفسه، فصار بمنزلة الدين، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدين، وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء، فهو أحد أركان الإسلام، فلا تدخله النيابة بحال، كما لا تدخل الصلاة والشهادتين، فإن المقصود منهما طاعة العبد بنفسه، وقيامه بحق العبودية التي خلق لها، وأمر بها، وهذا لا يؤديه عنه غيره، ولا يصلي عنه غيره، وهكذا من ترك الحج عمدًا، مع القدرة عليه حتى مات، أو ترك الزكاة، فلم يخرجها حتى مات، فإن مقتضى الدليل، وقواعد الشرع إن فعلها عنه أحد بعد الموت، لا يبرئ ذمته، ولا تقبل منه، والحق أحق أن يتبع.وقال الشيخ: يطعم عنه كل يوم مسكين، وبذلك أخذ أحمد وإسحاق، وغيرهما، وهذا مقتضى النظر، كما هو موجب الأثر، فإن النذر كان ثابتًا في الذمة، فيفعل عنه بعد الموت، وأما صوم رمضان، فإن الله لم يوجبه على عاجز عنه، بل أمر العاجز بالفدية، طعام مسكين، والقضاء إنما يجب على من قدر عليه، لا على من عجز عنه، فلا يحتاج أن يقضي أحد عن أحد، وأما الصوم وغيره من المنذورات، فيفعل عنه بلا خلاف، للأحاديث الصحيحة، والواجب بالشرع، أيسر من الواجب بالنذر. وقال: وأما الصلاة فلا يصلي أحد عن أحد، ولكن إذا صلى عن الميت أحد أبويه تطوعًا، وأهداه له، أو صام عنه تطوعًا، وأهداه له، نفعه ذلك. وقال في حديث «من مات وعليه صوم، صام عنه وليه» إنه إن تبرع بصوم عمن لا يطيقه، لكبر ونحوه، أو عن ميت، وهما معسران، يتوجه جوازه، لأنه أقرب إلى المماثلة من المال.