تلخيص مقاصد كتاب: مداخل إعجاز القرآن لمحمود شاكر.
*
المدخل الأول: تاريخ حيرني ثم اهتديت.
المقصد الأكبر: تأسيس علم إعجاز القرآن.
المقاصد الثانوية:
*معنى الإعجاز وتاريخه:
-إثبات تعريف صحيح من مجاز اللغة للفظ الإعجاز ولفظة المعجزة.
-النص على معنى المعجزة, وهو: أنها الآية الكاشفة عن عجز جميع الخلائق, المبطلة لجميع قدراتهم على مثلها, المبينة عن قدرة الله الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض.
-أمران مهمان يتعلق بهما لفظ الإعجاز والمعجزة: الأول: أنه لفظ محدث, ولم يظهر إلا في كلام أهل القرن الثالث, واستفاض في الرابع. الثاني: أنه مقترن اقترانا لا فكاك منه بلفظ التحدي.
*لفظ التحدي وتاريخه:
-لفظ التحدي: هو كذلك محدث كلفظ المعجزة, وهو أسبق الثلاثة وجودا في لغة المتكلمين, وأسبقهن توليدا ووضعا واستعمالا.
-أتى لفظ التحدي نادرا في رسائل الجاحظ )وهو أقدم المعتزلة(, كما جاء منفردا, على عكس المؤلفات التي جاءت بعده, فإن تلك الألفاظ الثلاثة جاءت مقترنة.
-لفظ التحدي وضعه المتكلمون واصطلحوا عليه لتصوير موقف مشركي العرب من رسول الله حين تلا عليهم القرآن, ثم حاولوا الاعتراض عليه, ثم طالبهم بالإتيان بمثله وعشر سور وسورة منه, فلما عجزوا استخرج المتكلمون لفظ الإعجاز من ذلك, كما استخرجوا لفظ التحدي من المطالبة. فقولهم " إعجاز القرآن" هي صفة لهذا الموقف المركب.
-أخرج المتكلمون لفظ إعجاز القرآن عن حيزه, إلى السبب الذي لأجله كان التحدي مظهرا عجز العرب, فلما ظفروا ببعض ما ظنوا أنهم أصابوه من وجوه, سموه "إعجاز القرآن", فنقلوا اللفظ من حيزه وجعلوه صفة للقرآن, وهو كلام الله الذي أنزله ليكون آية لنبيه, لا صفة للموقف المركب من التحدي وظهور العجز.
*نظرة سريعة لتاريخ الألفاظ الثلاثة عبر تاريخ علم أهل الكلام:
-في منتصف القرن الثاني الهجري انبثق علم الكلام, وهو باب أراد أصحابه بكلامهم ونظرهم إثبات الحجج في أصول الدين, ورد شبه الطاعنين. حتى اتسع البثق وسال السيل, فتميزوا بكلامهم آرائهم عن غيرهم.
-كثر الجدال بينهم وبين الطاعنين في النبوة والقرآن, وخلال هذا الجدال تولدت أربعة ألفاظ: طلب المعارضة, والتحدي, وترك المعارضة, والعجز.
-دخل المتكلمون ساحة النظر والجدل من بابين كبيرين: باب الإلهيات, وباب النبوات. ومن الأول أفضوا إلى القول بأن الله ليس بمتكلم, وأن كلامه ليس قائما بذاته, بل هو خلق يحدثه فيكون كلاما. ومن الثاني أفضوا إلى أن آيات الأنبياء الدالة على صدق نبوتهم مدارها على عجز الخليقة.
-لما وجدوا في آيات الأنبياء من الوضوح في عجز الخليقة عن الإتيان بمثلها )كإبراء الأكمه ونار إبراهيم...إلخ( قارنوها بآية محمد -عليه الصلاة والسلام- القرآن, فوجدوا العرب تسمعه ولا تنكر عربيته, ويطبق جمهورهم على تكذيبه, فأين عجز الخليقة؟ فطفقوا يبحثون عن ذلك الشرط حتى وقعوا على مطالبة الله للعرب بأن يأتوا بمثل هذا القرآن, فطاروا به, وعبروا عن ذلك بـ"التحدي", وترك العرب لذلك سموه "عجزا",
*اعتراضات أبي فهر على مصطلحات أهل الكلام:
1-بعد النظر الطويل توصل إلى أن آيات الرسل جميعا العجز فيها ليس عجزا عن فعل طولبت به الخلائق, بل هو تسليم وإبلاس محض بأن الذي رأوه أو سمعوه داخل في قدرة الخلاق, خارج عن قدرة المخلوق.
فإذن الشرط الذي وضعه المتكلمون :"مدار الآية على عجز الخليقة" شرط فاسد المعنى غير دال على حقيقة الأية.
ومدار الآية -حسب أبي فهر- على إبلاس الخليقة.
وتعريف الإبلاس هو: إحساس غامر بالحيرة والدهش والانقطاع, تمنع المرء عن كل جهد.
أما العجز: فهو ضعف يدركه المرء من نفسه عن بذل جهد ومعالجة.
-ظهر مصطلح الصرفة عبر النظام والجاحظ, والمراد به: رفع من أوهام العرب, وصرف نفوسهم عن المعارضة للقرآن, بعد أن تحداهم الرسول بنظمه. مع نسب أبي فهر الفضل في إيراد هذا المصطلح للنظام.
*تحرير مدار العجز:
الأول: عجز مرده للصرفة, وقد قال به النظام, ويقع تحته عجزين:
1-: عجز قديم مغروس في الخلق لأنهم سلبوا القدرة عن أفعال قد استأثر بها الله.
2-: عجز أحدثه الله عند تنزيل آية نبينا محمد وهي القرآن, وهو عجز يسلب الخليقة القدرة على نظم الكلام وتأليفه عند إرادة معارضة القرآن.
الثاني: ما يوجبه نظم القرآن وتأليفه من قطع أطماع البلغاء من إدراكه أو الإتيان بمثله. وهو قول الأكثرية.
ولا يمكن الجمع بين العجزين, فأحدهما يلغي الآخر.وهو ما قام به الجاحظ.
*إيراد معارضات على لوازم " القول بالصرفة":
-في القول بالصرفة تسليم بأن الله طالب الخليقة بأمر ظاهره أنهم مخيرون في فعل ما طولبوا به تخييرا مطلقا, وباطنه أنهم مجبرون على ترك فعل ما طولبوا به إجبارا مفاجئا. وهذا عبث محض.
-نفي الفضل عن بيان القرآن ونظمه, وادعاء قدرة العرب بالمجيء بمثله -لو لم يصرفوا-, من القول المستنكر العجيب الجريء على كلام الله. وهو ما أودى بالجاحظ للتنكر لهذا القول دفاعا عن نظم القرآن وبيانه.
*ملاحظات تاريخية في هذا الباب:
-لم يذكر الجاحظ قط "بلاغة القرآن" ولم يجعلها الوجه الذي عجز العرب عن معارضته, مع أنه كان يذكر بلاغة الخطباء والشعراء.
-جاء الواسطي المتكلم المعتزلي بعد الجاحظ )ت:306( وهو أول من أنشأ كتابا يحمل عنوان "إعجاز القرآن", والذي يرجح أبا فهر أنه مستخرج من كتب الجاحظ, وهو اللفظ الذي كان قريبا من الجاحظ لكنه لم يستعمله, واستخرجه استخراجا من كتبه, وهو نفسه الذي استخرج لفظ المعجزة يريد بها آية النبي التي يستدل بها على نبوته, ولم يستعملها أحد من معاصريه, بل كانوا يقولون: آيات الأنبياء, حجج النبوة, برهان النبوة. ولم يصلنا كتاب الواسطي, وغلبت مصطلحاته على من جاء بعده. وهو الذي بين بيانا واضحا أن وجه إعجاز القرآن بلاغته.
-يستدل على القول الذي اشتهر بأن وجه إعجاز القرآن بلاغته بمؤلف الرماني )وهو الرجل الثالث النحوي المتكلم, وقد كان في الثانية عشرة عند وفاة الواسطي( وهو "نكت في إعجاز القرآن", والذي ذكر فيه وجوه إعجاز القرآن, ومنها: البلاغة.
-الرجل الرابع الذي أشار إلى البلاغة, كان أول من صرح بغموض هذا اللفظ مع القول به, وهو الخطابي )وهو معاصر للرماني وأسن منه( وذلك في كتابه )بيان إعجاز القرآن(, وقد ذكرها, وهي: ترك المعارضة مع وقوع الحاجة, والصرفة -مع إبطالها-, والإخبار عن غيوب المستقبل -مع تضعيفه-, والبلاغة -وهو قول الأكثرية-, وأهم ما ذكره هو نقل التحير عن السابقين عند القول ببلاغة القرآن وعدم بيان أوجه البلاغة, وهو إشكال أحيل إبهاما كما ذكر, ثم راح يعلل ذلك بذكر أقسام البلاغة واجتماعها في القرآن. إلا أن أبا فهر يرى أنه ليس ببعيد عن تقسيم الرماني, وأن ما ذكره من تقسيم, هو تقسيم لمبهم, وأن سر ذلك الاضطراب الغالب على لفظ البلاغة يعود لسحره.
-الرجل الخامس والذي كان في زمن الخطابي والرماني هو الباقلاني, وقد ألف "إعجاز القرآن", وذكر فيه اطلاعه على كتب من سبقوه, وذكر الجاحظ وجار عليه, وأشار للرماني, وحاول محاولة صادقة لإزالة الإبهام عن معنى البلاغة والفصاحة, إلا أنه سرعان ما يؤوب للتذوق ونعت القرآن بالأوصاف إذا ما حزبه أمر. وكان أشد تنبها من الجاحظ في بيان مفارقة بيان القرآن لبيان البشر. وإن شغل عن ذلك بحل إشكال "البلاغة".
-الرجل السادس وهو معاصر للسابقين, القاضي عبدالجبار المعتزلي, عقد في كتابه "المغني" جزءا لمسألة خلق القرآن والذي عقد فيه الحديث عن إعجاز القرآن, وأراد إزالة الإبهام عن معاني الفصاحة والبلاغة.
-الرجل السابع جاء أمة وحده, عبدالقاهر الجرجاني, جاء في القرن الخامس, كان إماما في النحو والأدب, ملما بأقوال سابقيه, كاشفا الإبهام عما خفي عليهم, واضعا اليد على الجرح, ومبينا لما لم يستطع سابقوه الإبانة عنه في مسألة الفصاحة والبلاغة. كما جاء مدافعا عن الشعر والنحو, مبينا عن أهميتهما, مؤسسا لعلم البلاغة, كاشفا لمسألة الإعجاز, وذلك في كتابيه "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" غير تارك للسائل عن وجه إعجاز القرآن مجالا إلا للقول بالصرفة. وهو أول من حلل اللغة وأسس علم "تحليل البيان الإنساني كله", الأول والأخير.
-عبر الخطابي عن البلاغة بقوله: "نظما وترتيبا وتأليفا وتركيبا وصياغة وتصويرا ونسجا وتحبيرا". وذكر الرماني أقسامها بأنها: "الإيجاز والاستعارة والتشبيه والتلاؤم والفواصل والتجانس والتصريف والتضمين والمبالغة وحسن البيان". والتي سماها: البديع. وكشف اللثام عنها الجرجاني فيما سماه البلاغيون من بعده أبواب علم البيان: التشبيه والتمثيل والاستعارة والحقيقة والمجاز. ومدارها الألفاظ التي هي خدم المعاني والمتصرفة في حكمها. وأما النظم والترتيب والتأليف والتركيب, فمتعلقة بالجمل. وهو ما نسميه اليوم علم النحو.
-انتبه الجرجاني لكلام الجاحظ ولعنوان كتابه, والتقط منه: "النظم, والمخرج, واللفظ, والطبع, والتأليف, والمخرج", ووقف على أربعة منها: "النظم’ والترتيب, والتأليف, والتركيب" فوجدها ترتكز على وجوه النحو= التي هي محصول النظم, حتى جعل ذلك مدار البلاغة والإعجاز.
-يلفت أبو فهر النظر لأمرين ذكرهما الجاحظ لم يكشف اللثام عنهما الجرجاني ولم يجر على ذكرهما أو تفسيرهما, وهما: "طبع القرآن, ومخرجه" ويعقب بأن هذين الأمرين مما عجز عن كشف مبهمهما كما عجز السابقون عن كشف مبهم "النظم, والترتيب, والتأليف, والتركيب", ويرجو أن يجيء اليوم الذي به تكتمل حلقة الإعجاز, بالكشف عن هذين, وتتميم عمل الجرجاني.
-أشار المؤلف في ختام حديثه إلى أهمية علم النحو, وشنع في حق الطاعن فيه, كيف لا والجرجاني قد بنى عليه أسس علم البلاغة وانطلق منه. ثم يشنع كذلك في حق الطاعنين في علم البلاغة, والذي هو بوابة علم البيان, الذي أخرج الإنسان من حيز البهيمية إلى سعة الإنسانية الناطقة.
*دعا المؤلف في ختام حديثه لأمرين:
-ترك الاستهانة بالفروق البينة والخفية بين الألفاظ المترادفة.
-ترك إهمال التاريخ ومتابعة البحث عن نشأة الألفاظ وتاريخها.
واستدل على ما سبق من استهانة وإهمال تاريخي للفظي "الآية" و" المعجزة", مع بيان معنى الآية في كلام أهل الجاهلية.
*
المدخل الثاني: تذوق راعني حتى تذوقت:
المقصد الأكبر: التقديم لكتاب "الظاهرة القرآنية" لمالك بن نبي.
المقاصد الثانوية:
-حقيقتان لا مناص لمتكلم في إعجاز القرآن من معرفتهما:
1-أن إعجاز القرآن هو دليل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, وأن التحدي بلفظ القرآن ونظمه وبيانه, لا بالإخبار عن الغيبيات ولا نحوه.
2-أن إثبات دليل النبوة وتصديق دليل الوحي وأن القرآن من عند الله, ليس دليلا على إعجازه. فالقرآن المعجز هو البرهان على صحة النبوة, أما النبوة فليست برهانا على إعجاز القرآن.
-التنبيه إلى أن كتاب مالك بن نبي لا يدخل تحت علم الإعجاز, بل علم التوحيد, لعنايته بإثبات صحة دليل النبوة, وصدق دليل الوحي, وأن القرآن من عند الله, وأما مسألة إعجاز القرآن فإنها خارج هذا الكتاب, وهي أعقد مشكلة يمكن أن يعانيها العقل الحديث.
-تتبع النبي الأفراد من عشيرته وقراءته القرآن عليهم, ومطالبته إياهم بالإيمان بما دعاهم إليه, لم يكن إلا بدليل واحد, هو هذا الذي يتلوه عليهم, فكان في نفسه أوضح آية, وكان في ذلك دلالة على تمييز السامعين لهذا الكلام عن غيره.
-إقرار المخاطبين بالقرآن من وجه النظم والبيان أن هذا كلام رب العالمين, دليل يطالبهم بالإقرار بصحة ما فيه, وأما صحة ما فيه, فليست الدليل الذي يطالبهم بأن نظم القرآن وبيانه مباين لنظم البشر وبيانهم, وأنه بها كلام رب العالمين.
-تحير المشركين في القرآن وتكذيبهم له على مدى الدعوة المكية, أعقبه تحد بأن يأتوا بمثله, وهو ما اصطلح عليه بـ"إعجاز القرآن".
*أمور لا غنى لدارس عن معرفتها )مناط التحدي ومفصل الإعجاز(:
1-أن قليل القرآن وكثيره سواء في شأن الإعجاز.
2-أن الإعجاز كائن في رصف القرآن وبيانه ونظمه ومباينة خصائصه للمعهود من خصائص البشر.
3-أن المتحدين بالقرآن أوتوا قدرة على الفصل بين الذي هومن كلام البشر والذي ليس من كلامهم.
4-أن المتحدين بالبيان كانوا يدركون أن ما طولبوا به هو هذا الضرب من البيان.
5-أن هذا التحدي لم يقصد به الإتيان بمثله مطابقا لمعانيه, بل بما يستطيعون افتراءه واختلاقه مما يعتلج في نفوس البشر.
6-أن التحدي للثقلين, وهو مستمر إلى يوم القيامة.
7-أن ما في القرآن من مكنون الغيب ودقائق التشريع بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز, وإن كان يدل على أنه من عند الله.
*تميز اللغة العربية وقومها بصفات دل عليها مجيء القرآن معجزا بهذه اللغة, وهي:
1-القدرة على احتمال ها القدر الهائل من المفارقة بين كلامين: كلام هو الغاية في البيان فيما تطيقه القوى, وكلام يقطع هذه القوى ببيان ظاهر المباينة له من كل الوجوه.
2-إدراك أهلها على هذا الحجاز الفاصل بين الكلامين.
3-التخلية بين الحكم على القرآن وما جاء به, رغم معارضتهم له وكفرهم وجحودهم إلا أن إنصافهم دعاهم لكف ألسنتهم.
4-أن من اقتدر على مثل هذه اللغة وتذوق البيان بالغ في الإعراب عن نفسه والإبانة باللسان مبلغا لا يدانى. والدليل على ذلك ما بقي من شعرهم الجاهلي.
-الشعر الجاهلي هو أساس مشكلة إعجاز القرآن التي ينبغي أن يواجهها العقل الحديث, لا تفسير القرآن على المنهج القديم كما ظن مالك بن نبي -رحمه الله-.
-الشعر الجاهلي هو مادة الدراسة الأولى لمعرفة خصائص البيان في القرآن.
-دراسة بلاغة القرآن ومعرفة أوجه إعجازه هي السبيل لفتح ما استغلق على الناس, والفتح المبين في تاريخ بلاغة البشرية جمعاء, والمقنع للعقل الحديث الذي يتطلب معرفة إعجاز القرآن, والوسيلة لدعوة الناس, والمبطل لفتنة ترجمة القرآن.
-ختم المؤلف برجاء أن يتم الله على يد آخر الأمة ما ابتدأه أولها, وأشار إلى أن صلاح آخرها بما صلح به أولها وهو "البيان".