المراد ب "لهو الحديث" في قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا".
المطلوب: جمع ما يتصل بهذه المسألة من الأحاديث والآثار وأقوال السلف، وترتيبها على التسلسل الزمنى.
الجواب:
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يزيد بن يونس بن يزيد، عن أبي صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء البكريّ أنّه سمع عبد اللّه بن مسعودٍ وهو يسأل عن هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله}، فقال عبد اللّه: الغناء، والّذي لا إله إلا هو، يردّدها ثلاث مراتٍ). [الجامع في علوم القرآن: 1/52]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثنا سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في هذه الآية: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علمٍ}، قال: هو الغناء). [الجامع في علوم القرآن: 1/66]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} [لقمان: 6]، يعني: الشّرك.
[تفسير القرآن العظيم: 2/669]
وهو كقوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} [البقرة: 175] اختاروا الضّلالة على الهدى في تفسير الحسن.
وقال قتادة: استحبّوا الضّلالة على الهدى.
وتفسير السّدّيّ: {من يشتري لهو الحديث} [لقمان: 6]، يعني: يختار باطل الحديث على القرآن.
خالدٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، وعطاءٍ قال: {لهو الحديث} [لقمان: 6] الغناء.
وقال مجاهدٌ: والاستماع إليه.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: لهو الحديث، الغناء ونحوه.
قوله: {ليضلّ عن سبيل اللّه} [لقمان: 6]، يعني: عن سبيل الهدى.
{بغير علمٍ} [لقمان: 6] أتاه من اللّه بما هو عليه من الشّرك.
قال: {ويتّخذها هزوًا} [لقمان: 6] يتّخذ آيات اللّه، القرآن هزوًا.
وتفسير الكلبيّ أنّها أنزلت في النّضر بن الحارث من بني عبد الدّار، وكان رجلا راويةً لأحاديث الجاهليّة وأشعارهم.
قال: {أولئك لهم عذابٌ مهينٌ} [لقمان: 6] من الهوان، يعني: عذاب جهنّم). [تفسير القرآن العظيم: 2/670]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث...}
نزلت في النضر بن الحارث الداري, وكان يشتري كتب الأعاجم فارس , والروم , وكتب أهل الحيرة ويحدّث بها أهل مكة؛ وإذا سمع القرآن أعرض عنه , واستهزأ به, فذلك قوله: {ويتّخذها هزواً}, وقد اختلف القراء في {ويتّخذها} فرفع أكثرهم، ونصبها يحيى بن وثّاب , والأعمش , وأصحابه, فمن رفع ردّها على {يشتري}, ومن نصبها ردّها على قوله: {ليضلّ عن سبيل اللّه}: وليتّخذها.
وقوله: {ويتّخذها} يذهب إلى آيات القرآن., وإن شئت جعلتها للسبيل؛ لأن السّبيل قد تؤنّث قال {قل هذه سبيلي أدعو إلي الله} , وفي قراءة أبيّ : (وإن يروا سبيل الرشد لا يتّخذوها سبيلاً وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوها سبيل)
- حدثني حبّان , عن ليث , عن مجاهد في قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث}, قال: (هو الغناء) .
والأوّل تفسيره , عن ابن عباس.). [معاني القرآن: 2/326-327]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال أما والله لعله ألا يكون أنفق فيه مالا وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق.
قال معمر وبلغني أنها نزلت في بعض بني عبد الدار). [تفسير عبد الرزاق: 2/105]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن عبد الكريم البصري عن مجاهد في قوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال هو الغناء وكل لعب لهو). [تفسير عبد الرزاق: 2/105]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن مجاهدٍ في قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء [الآية: 6].
سفيان [الثوري] عن عبد الكريم عن مجاهدٍ قال: هو الغناء وكلّ لعبٍ لهو). [تفسير الثوري: 238]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ومن النّاس من يشتري لهو الحديث}: نزلت في النّضر بن الحارث، وكان يشتري كتبا فيها أخبار الأعاجم، ويحدث بها أهل مكة، ويقول: «محمد حدثكم أحاديث عاد, وثمود، وأنا أحدثكم أحاديث فارس , والرّوم , وملوك الحيرة.».). [تفسير غريب القرآن: 344]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا بكر بن مضر، عن عبيد الله بن زحرٍ، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ولا تعلّموهنّ، ولا خير في تجارةٍ فيهنّ وثمنهنّ حرامٌ، وفي مثل ذلك أنزلت عليه هذه الآية {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه} إلى آخر الآية.
هذا حديثٌ غريبٌ إنّما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة والقاسم ثقةٌ، وعليّ بن يزيد يضعّف في الحديث، سمعت محمّدًا يقول: القاسم ثقةٌ، وعليّ بن يزيد يضعّف). [سنن الترمذي: 5/198]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 58]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء والباطل ونحو ذلك). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 89]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ ويتّخذها هزوًا أولئك لهم عذابٌ مّهينٌ}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} فقال بعضهم: من يشتري الشّراء المعروف بالثّمن، ورووا بذلك خبرًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو ما:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن خلاّدٍ الصّفّار، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يحلّ بيع المغنّيات، ولا شراؤهنّ، ولا التّجارة فيهنّ، ولا أثمانهنّ، وفيهنّ نزلت هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن خلاّدٍ الصّفّار، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، إلاّ أنّه قال: أكل ثمنهنّ حرامٌ وقال أيضًا: وفيهنّ أنزل اللّه عليّ هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه}.
- حدّثني عبيد بن آدم بن أبي إياسٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سليمان بن حيّان، عن عمرو بن قيسٍ الكلابيّ، عن أبي المهلّب، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة. قال: وثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن مطّرح بن يزيد، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن عليّ بن زيدٍ، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهليّ، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: لا يحلّ تعليم المغنّيات، ولا بيعهنّ، ولا شراؤهنّ، وثمن حرامٍ، وقد نزل تصديق ذلك في كتاب اللّه {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} إلى آخر الآية.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من يختار لهو الحديث، ويستحبّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ} واللّه لعلّه أن لا ينفق فيه مالاً، ولكن اشتراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضّلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ، وما يضرّ على ما ينفع.
- حدّثني محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا أيّوب بن سويدٍ، قال: حدّثنا ابن شوذبٍ، عن مطرٍ، في قول اللّه {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: اشتراؤه: استحبابه.
وأولى التّأويلين عندي بالصّواب تأويل من قال: معناه: الشّراء، الّذي هو بالثّمن، وذلك أنّ ذلك هو أظهر معنييه.
فإن قال قائلٌ: وكيف يشتري لهو الحديث؟
قيل: يشتري ذات لهو الحديث، أو ذا لهو الحديث، فيكون مشتريًا لهو الحديث.
وأمّا الحديث، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو الغناء والاستماع له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء البكريّ، أنّه سمع عبد اللّه بن مسعودٍ، وهو يسأل عن هذه الآية، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ} فقال عبد اللّه: الغناء، والّذي لا إله إلاّ هو، يردّدها ثلاث مرّاتٍ.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا صفوان بن عيسى، قال: أخبرنا حميدٌ الخرّاط، عن عمّارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء، أنّه سأل ابن مسعودٍ عن قول اللّه {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عليّ بن عابسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء وأشباهه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، والفضل بن الصّبّاح، قالا: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء ونحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن عمرو بن أبي قيسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا الحسين بن عبد الرّحمن الأنماطيّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، قال: حدّثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: هو الغناء والاستماع له، يعني قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث}.
- حدّثنا الحسن بن عبد الرّحيم، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: حدّثنا سفيان، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن جابرٍ، في قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء والاستماع له.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، أو مقسمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: شراء المغنّية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، والمحاربيّ، عن ليثٍ، عن الحكم، عن ابن عبّاسٍ، قال: الغناء.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه} قال: باطل الحديث: هو الغناء ونحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيبٍ، عن مجاهدٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ وعبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ أنّه قال في هذه الآية {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حبيبٍ، عن مجاهدٍ قال: الغناء.
- قال: حدّثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء، وكلّ لعبٍ لهوٌ.
- حدّثنا الحسين بن عبد الرّحمن الأنماطيّ، قال: حدّثنا عليّ بن حفصٍ الهمدانيّ، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء والاستماع له وكلّ لهو.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: المغنّي والمغنّية بالمال الكثير، أو استماعٌ إليه، أو إلى مثله من الباطل.
- حدّثني يعقوب وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء، أو الغناء منه، أو الاستماع له.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن شعيب بن يسارٍ، عن عكرمة، قال: {لهو الحديث} الغناء.
- حدّثني عبيد بن إسماعيل الهبّاريّ، قال: حدّثنا عثّامٌ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن شعيب بن يسارٍ، هكذا قال عكرمة، عن عبيدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن الزّبرقان النّخعيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، وعبيد اللّه، عن أسامة، عن عكرمة، في قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أسامة بن زيدٍ، عن عكرمة، قال: الغناء.
وقال آخرون: عنى باللّهو: الطّبل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ الأعور، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: اللّهو: الطّبل.
وقال آخرون: عنى بلهو الحديث: الشّرك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول، في قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} يعني الشّرك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ ويتّخذها هزوًا} قال: هؤلاء أهل الكفر، ألا ترى إلى قوله: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبرًا كأن لم يسمعها كأنّ في أذنيه وقرًا} فليس هكذا أهل الإسلام، قال: وناسٌ يقولون: هي فيكم، وليس كذلك، قال: وهو الحديث الباطل الّذي كانوا يلغون فيه.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيًا عن سبيل اللّه، ممّا نهى اللّه عن استماعه أو رسوله، لأنّ اللّه تعالى عمّ بقوله {لهو الحديث} ولم يخصّص بعضًا دون بعضٍ، فذلك على عمومه، حتّى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشّرك من ذلك.
وقوله: {ليضلّ عن سبيل اللّه} يقول: ليصدّ ذلك الّذي يشتري من لهو الحديث عن دين اللّه وطاعته، وما يقرّب إليه من قراءة قرآنٍ، وذكر اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {ليضلّ عن سبيل اللّه} قال: سبيل اللّه: قراءة القرآن، وذكر اللّه إذا ذكره، وهو رجلٌ من قريشٍ اشترى جاريةً مغنّيةً.
وقوله: {بغير علمٍ} يقول: فعل ما فعل من اشترائه لهو الحديث، جهلاً منه بما له في العاقبة عند اللّه من وزر ذلك وإثمه.
وقوله {ويتّخذها هزوًا} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (ويتّخذها)، رفعًا، عطفًا به على قوله: {يشتري} كأنّ معناه عندهم: ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ويتّخذ آيات اللّه هزوًا. وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: {ويتّخذها} نصبًا عطفًا على (يضلّ)، بمعنى: ليضلّ عن سبيل اللّه، وليتّخذها هزوًا.
والصّواب من القول في ذلك: أنّهما قراءتان معروفتان في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ، فمصيبٌ الصّواب في قراءته.
والهاء والألف في قوله: {ويتّخذها} من ذكر سبيل اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ويتّخذها هزوًا} قال: سبيل اللّه.
وقال آخرون: بل ذلك من ذكر آيات الكتاب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: بحسب المرء من الضّلالة، أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ، وما يضرّ على ما ينفع.
{ويتّخذها هزوًا} يستهزئ بها ويكذّب بها. من أن يكونا من ذكر سبيل اللّه أشبه عندي لقربهما منها، وإن كان القول الآخر غير بعيدٍ من الصّواب. واتّخاذه ذلك هزوًا هو استهزاؤه به.
وقوله: {أولئك لهم عذابٌ مهينٌ} يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين وصفنا أنّهم يشترون لهو الحديث ليضلّوا عن سبيل اللّه، لهم يوم القيامة عذابٌ مذلٌّ مخزٍ في نار جهنّم). [جامع البيان: 18/532-541]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علم ويتّخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (6)}
{ليضلّ عن سبيل اللّه}, ويقرأ: {ليضلّ عن سبيل الله}
فأكثر ما جاء في التفسير أن:{لهو الحديث} ههنا : الغناء ؛ لأنه يلهي عن ذكر اللّه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم بيع المغنية.
وقد قيل في تفسير هذه الآية : إن لهو الحديث ههنا : الشرك.
فمن قرأ (ليضل) - بضم الياء - فمعناه ليضل غيره، فإذا أضل غيره , فقد ضل هو أيضا.
ومن قرأ (ليضل) : فمعناه ليصير أمره إلى الضلال، فكأنه وإن لم يكن يقدّر أنه يضل , فسيصير أمره إلى أن يضل.
وقوله: {ويتّخذها هزواً}
أي : يتخذ آيات اللّه هزوا، وقد جرى ذكر الآيات في قوله: {تلك آيات الكتاب الحكيم}
وقد جاء في التفسير أيضا أن قوله: {ويتّخذها هزواً}: يتخذ سبيل اللّه هزوا.).[معاني القرآن: 4/194]
قال أبو بكر بن أبي شيبة (ت: 235 هـ): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ صَخْرٍ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: «§الْغِنَاءُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ»
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْغِنَاءُ، وَشَرْيُ الْمُغَنِّيَةِ»
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: الْغِنَاءُ، وَشَرْيُ الْمُغَنِّيَةِ»
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَال: وَ الْغِنَاءُ»
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: هُوَ الْغِنَاءُ»
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَال: هُوَ الْغِنَاءُ»
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، قَال: هُوَ الْغِنَاءُ»
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ وَنَحْوُهُ»
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ». قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6]: «الْغِنَاءُ»
[مصنف ابن أبي شيبة]
قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256 هـ)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6]
(لهو الحديث) كل كلام لا فائدة فيه ولا جدوى والكلام الخيالي الذي لا يستند إلى أساس واقع وكل ما يشغل عن عبادة الله تعالى وذكره من السمر والأضاحيك ونحو ذلك [كتاب التفسير من صحيح البخاري]
قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256 هـ) وقوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" الآية (6)
- حدثنا حفص بن عمر بن الحارث الأزدي قال: حدثنا خالد بن عبدالله بن عبد الرحمن الطحّان الواسطي المزني مولاهم، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله عز وجل: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" قال: الغناء وأشباهه. إسناده صحيح. أخرجه البخاري في الأدب المفرد باب الغناء (ص369، 235) برقم (1265، 786) وابن جرير في تفسيره (21/61) وابن أبي شيبة في المصنف (6/310) والبيهقي في سننه (10/223) كلهم من طرق عن عطاء بن السائب به نحوه، وأورده السيوطي في الدر (6/504) وزاد في عزوه ابن مردويه وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد موقوفا صـ (292، 388).
- حدثنا حفص بن عمر، قال: أخبرنا خالد بن عبد الله، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" قال: العناء وأشباهه. إسناده صحيح. وقد تقدم تخريجه.
- قال إبراهيم بن حبيب بن الشهيد الأزدي، أبو إسحاق البصري، ثقة، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن شعيب بن يسار مولى ابن عباس، سمع عكرمة : "لهو الحديث" الغناء. في إسناده شعيب بن يسار مجهول الحال، وتابعه عبدة بن سليمان الكلابي عند أبي شيبة وهو ثقة، وعثام بن علي بن هجير عند ابن جرير وهو صدوق. أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 217) تحت ترجمته، وابن جرير في تفسيره (21/ 62) وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 310) كلاهما من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد به نحوه، وأورده السيوطي في الدر (6/ 505) وزاد في عزوه ابن أبي الدنيا. [مرويات الإمام البخاري في التفسير في غير صحيحه، جمع ودراسة: أحمد هادي شيخ علي، رسالة علمية، الجامعة الإسلامية.]
قال عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (ت 327 هـ) قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لهو الحديث"
عَنْ قَتَادَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: شراؤه استحبابه وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق وفي قوله: ويتخذها هزوا قال: يستهزئ بها ويكذبها.
عَنْ مُجَاهِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ويتخذها هزوا قال: سبيل الله يتخذ السبيل هزوًا.
عَنِ أَبِي أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لهو الحديث إلى آخر الآية.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَمَنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث قال: هو الغناء وأشباهه.
عن عطاء الخراساني رضي الله عنه وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لهو الحديث قال: الغناء والباطل.
عن الحسن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمِنَ النَّاسِ من يشتري لهو الحديث في الغناء والمزامير. [تفسير القرآن العظيم].
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله عز وجل: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث}
روى سعيد بن جبير , عن أبي الصهباء البكري, قال سئل عبد الله بن مسعود, عن قوله جل وعز: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} : فقال : (الغناء, والله الذي لا إله إلا هو) , يرددها ثلاث مرات).
وبغير هذا الإسناد عنه , والغناء ينبت في القلب النفاق .
وروى سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: (الرجل يشتري الجارية المغنية , تغنيه ليلاً, أو نهاراً).
وروي عن ابن عمر: (هو الغناء وكذلك قال عكرمة, وميمون بن مهران , ومكحول.
وروى علي بن الحكم , عن الضحاك : {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} , قال : (الشرك) .
وروى جويبر عنه قال : (الغناء مهلكة للمال , مسخطة للرب, مقساة للقلب).
وسئل القاسم بن محمد عنه , فقال: (الغناء باطل , والباطل في النار) .
قال أبو جعفر : وأبين ما قيل في الآية ما رواه عبد الكريم , عن مجاهد قال: الغناء , وكل لعب لهو .
قال أبو جعفر : فالمعنى ما يلهيه من الغناء , وغيره مما يلهي.
وقد قال معمر : بلغني أن هذه الآية نزلت في رجل من بني عدي , يعنى : النضر بن الحارث , كان يشتري الكتب التي فيها أخبار فارس , والروم , ويقول: محمد يحدثكم عن عاد , وثمود , وأنا أحدثكم عن فارس , والروم , ويستهزئ بالقرآن إذا سمعه.
وقوله جل وعز: {ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا}
أي : ليضل غيره , وإذا أضل غيره , فقد ضل .
و{ليضل}: هو , أي : يئول أمره إلى هذا , كما قال :{ربنا ليضلوا عن سبيلك}.). [معاني القرآن: 5/277-280]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) ({لهو الحديث}: أي: غناء المغنيات.). [ياقوتة الصراط: 405]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال هو اشتراء المغني والمغنية بالمال الكثير والاستماع إليهم وإلى مثله من الباطل). [تفسير مجاهد: 503]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح في قوله ويتخذها هزوا قال يتخذ سبيل الله هزوا). [تفسير مجاهد: 503]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا بكّار بن قتيبة القاضي، ثنا صفوان بن عيسى القاضي، ثنا حميدٌ الخرّاط، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء، عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه} [لقمان: 6] قال: «هو واللّه الغناء» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/445]
قال أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (ت 427 هـ) وقوله: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ".
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار بن قصي، كان يتجر فيخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدّث بها قريشا ويقول لهم: إنّ محمّدا يحدّثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدّثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأعاجم والأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، وقال مجاهد: يعني شراء [القيان] والمغنّين، ووجه الكلام على هذا التأويل يشتري ذات أو ذا لهو الحديث.
أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكى سنة ثلاث وثمانين، حدّثني جدّي محمد بن إسحاق بن خزيمة] عن علي بن خزيمة] عن علي بن حجرة، عن مستمغل بن ملجان الطائي، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زجر، عن علي بن يزيد، عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يحلّ تعليم المغنيات ولا بيعهن، وأثمانهن حرام، وفي مثل هذا نزلت هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... »[180](إلى آخر الآية. ) سنن الترمذي: 2/ 375 بتفاوت، والسنن الكبرى: 6/ 14، وكنز العمال: 4/ 39. (
وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلّا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتّى يكون هو الذي يسكت.
وقال آخرون: معناه يستبدل ويختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن وقال: سبيل الله:
القرآن.
وقال أبو الصهباء البكري: سألت ابن مسعود عن هذه الآية، فقال: هو الغناء والله الذي لا إله إلّا هو يردّدها ثلاث مرّات، ومثله روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس. ابن جريج: هو الطبل. عبيد عن الضحّاك: هو الشرك. جويبر عنه: الغناء، وقال: الغناء مفسدة للمال، مسخطة للربّ مفسدة للقلب. وقال ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنّيه ليلا ونهارا. وكلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله إلى ما نهى عنه فهو لهو ومنه الغناء وغيره. وقال قتادة: هو كلّ لهو ولعب. قال عطاء: هو الترّهات والبسابس.
وقال مكحول: من اشترى جارية ضرّابة ليمسكها لغناها وضربها مقيما عليه حتّى يموت لم أصلّ عليه، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ... إلى آخر الآية.
وروى علي بن يزيد عن القاسم بن أبي أمامه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنّ الله تعالى بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني بمحق المعازف والمزامير والأوتار والصّلب وأمر الجاهلية، وحلف ربّي بعزّته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من خمر متعمّدا إلّا سقيته من الصديد مثلها يوم القيامة مغفورا له أو معذّبا، ولا يسقيها صبيّا صغيرا ضعيفا مسلما إلّا سقيته مثلها من الصديد يوم القيامة مغفورا له أو معذّبا، ولا يتركها من مخافتي إلّا سقيته من حياض القدس يوم القيامة. لا يحلّ بيعهن ولا شرائهن ولا تعليمهن ولا التجارة بهن وثمنهنّ حرام» [181]( ) مسند أحمد: 5/ 268)
يعني الضوارب. وروى حمّاد عن إبراهيم قال: الغناء ينبت النفاق في القلب. وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يحرقون الدفوف.
أخبرنا عبد الله بن حامد، عن ابن شاذان، عن جيغويه، عن صالح بن محمد، عن إبراهيم ابن محمد، عن محمد بن المنكدر قال: بلغني أنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: أين الذين كانوا ينزّهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان؟ أدخلوهم رياض المسك، ثمّ يقول للملائكة: أسمعوا عبادي حمدي وثنائي وتمجيدي وأخبروهم أن لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
قوله: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب وَيَتَّخِذَها بنصب الذال عطفا على قوله: لِيُضِلَّ وهو اختيار أبي عبيد قال:
لقربه من المنصوب، وقرأ الآخرون بالرفع نسقا على قوله: يَشْتَرِي.
أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. [الكشف والبيان]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (كان النضر بن الحارث يشتري كتباً فيها أخبار الأعاجم , ويحدث بها أهل مكة مضادة لمحمد صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ... }.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 189]
جاء عن ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (ت: 449 هـ) باب: كل لهو باطل إذا (شغله) عن طاعة الله وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، وَقَوْلُهُ: (مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ الآية [لقمان: 6]
. فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ، فَقَالَ في حَلِفِهِ: بِاللاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ) . قال المؤلف: روى عن ابن مسعود، وابن عباس وجماعة من أهل التأويل في قوله: (ومن الناس من يشترى لهو الحديث) الآية، أنه الغناء، وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذى لا إله إلا هو ثلاث مرات، وقال: الغناء ينبت النفاق في القلب. وقاله مجاهد وزاد: ان لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل. قال القاسم بن محمد: الغناء باطل، والباطل في النار. ولذلك ترجم البخاري باب كل لهو باطل. وأما قوله: (إذا شغل عن طاعة الله) فهو مأخوذ من قوله تعالى: (ليضل عن سبيل الله (فدلت الآية على أن الغناء وجميع اللهو إذا شغل عن طاعة الله وعن ذكره فهو محرم، وكذلك قال ابن عباس: (ليضل عن سبيل الله) أي: عن قراءة القرآن وذكر الله ودلت أيضًا على أن اللهو إذا كان يسيرًا لا يشغل عن طاعة الله، ولا يصد للجاريتين يوم العيد الغناء في بيت عائشة من أجل العيد، كما أباح لعائشة النظر إلى لعب الحبشة بالحراب في المسجد ويسترها وهى تنظر إليهم حتى شبعت قال لها: حسبك. وقال عليه السلام لعائشة - وحضرت زفاف امرأة إلى رجل من الأنصار -: (يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو) . وقد تقدم في باب سنة العيدين لأهل الإسلام في كتاب الصلاة ما يرخص فيه من الغناء وما يكره، فدلت هذه الآثار على ما دلت عليه هذه الآية من أن يسير الغناء واللهو الذي لا يصد عن ذكر الله وطاعته مباح. وما روى عن مالك من كراهة يسير الغناء، فإن ذلك من باب قطع الذرائع، وخشية التطرق إلى كثرة الشغل عن طاعة الله الصاد عن ذكره على مذهبه في قطع الذرائع، وأجاز سماعه أهل الحجاز.
وقيل لمالك: إن أهل المدينة يسمعون الغناء قال: إنما يسمعه عندنا الفساق. وقال الأوزاعى: يترك من قول أهل الحجاز استماع الملاهي، وروى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن ضرب الكبر والمزمار وغير ذلك من اللهو الذى يهنأ لك سماعه وتجد لذته وأنت في طريق أو مجلس، أيؤمر من ابتلى بذلك أن يرجع من الطريق أو يقوم من المجلس؟ فقال: أرى أن يقوم إلا أن يكون جالسًا لحاجة أو يكون على حال لا يستطيع القيام، وكذلك يرجع صاحب الطريق أو يتقدم أو يتأخر. وقد جاء فيمن نزه سمعه عن قليل اللهو وكثيره ما روى أسد بن موسى، عن عبد العزيز بن أبى سلمه، عن محمد بن المنكدر قال: بلغنا أن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان، أحلوهم رياض المسك، وأخبروهم انى قد أحللت عليهم رضواني. وسأذكر اختلاف العلماء في القراءة بالألحان في فضائل القرآن عند قوله عليه السلام ( ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن) وقوله (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) . وأما حديث أبى هريرة المذكور في هذا الباب، فإنما أدخله البخاري. [شرح صحيح البخاري]
قال علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت: 450ه) في قوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم" قوله تعالى: {وَمِن النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: شراء المغنيات لرواية القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغنِيَاتِ وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ وَلاَ التِّجَارَةُ فِيهِنَّ وَلاَ أَثْمَانُهُنَّ وَفِيهِنَّ أنزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}).
الثاني: الغناء، قاله ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وابن جبير وقتادة.
الثالث: أنه الطبل، قاله عبد الكريم، والمزمار، قاله ابن زخر.
الرابع: أنه الباطل، قاله عطاء.
الخامس: أنه الشرك بالله، قاله الضحاك وابن زيد.
السادس: ما ألهى عن الله سبحانه، قال الحسن.
السابع: أنه الجدال في الدين والخوض في الباطل، قاله سهل بن عبد الله. [النكت والعيون]
قال أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (ت: 456هـ):
مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الشِّطْرَنْجِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالْعِيدَانِ، وَالْمَعَازِفِ، وَالطَّنَابِيرِ: حَلَالٌ كُلُّهُ، وَمَنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صُورَةً مُصَوَّرَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَى كَاسِرِهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مِنْ مَالِ مَالِكِهَا - وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَابْتِيَاعُهُنَّ.
قَالَ - تَعَالَى -: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ الضَّمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِآثَارٍ لَا تَصِحُّ، أَوْ يَصِحُّ بَعْضُهَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، وَهِيَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْأَزْرَقِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ
شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَبَاطِلٌ، إلَّا رَمْيَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ، أَوْ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، أَوْ مُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ» .
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْأَزْرَقِ مَجْهُولٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَابِرٍ أَنَا أَبُو سَلَامٍ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ لِي عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لَهْوُ الْمُؤْمِنِ إلَّا ثَلَاثٌ» ثُمَّ ذَكَرَهُ - خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ مَجْهُولٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سَعِيدٌ أَنَا ابْنُ حَفْصٍ أَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ " أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَعِبٌ، لَا يَكُونُ أَرْبَعَةً: مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مَغْشُوشٌ مُدَلَّسٌ دُلْسَةَ سُوءٍ؛ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَيْسَ هُوَ ابْنَ شِهَابٍ، لَكِنَّهُ رَجُلٌ زُهْرِيٌّ مَجْهُولٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ الْحَرَّانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ - هُوَ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ - وَهُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ: رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ، إلَّا أَرْبَعَةً: مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُهُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ» فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ
أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَغْوٌ وَسَهْوٌ» عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ سَهْوٌ وَلَغْوٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ.
وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدُّورِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيِّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُغَنِّيَةَ وَبَيْعَهَا وَثَمَنَهَا وَتَعْلِيمَهَا وَالِاسْتِمَاعَ إلَيْهَا» .
فِيهِ: لَيْثٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي رَزِينٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ أَخِيهِ، وَمَا أَدْرَاك مَا عَنْ أَخِيهِ هُوَ مَا يُعْرَفُ وَقَدْ سُمِّيَ، فَكَيْفَ أَخُوهُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ أَنَا لَاحِقُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَقْدِسِيُّ - قَدِمَ مَرْوَ - أَنَا أَبُو الْمُرَجَّى ضِرَارُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَيْرٍ الْقَاضِي الْجِيلَانِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ الْحِمْصِيُّ أَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا عَمِلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ - فَذَكَرَ مِنْهُنَّ وَاِتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ، وَالْمِعْزَفَ فَلْيَتَوَقَّعُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ، وَمَسْخًا وَخَسْفًا» .
لَاحِقُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَضِرَارُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْحِمْصِيُّ - مَجْهُولُونَ -.
وَفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حِمْصِيٌّ مَتْرُوكٌ، تَرَكَهُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ.
وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ كَيْسَانَ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ أَنَا مُعَاوِيَةُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تِسْعٍ وَأَنَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُنَّ الْآنَ - فَذَكَرَ فِيهِنَّ -: الْغِنَاءَ، وَالنَّوْحَ» .
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ ضَعِيفٌ، وَكَيْسَانُ مَجْهُولٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا سَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ» عَنْ شَيْخٍ عَجَبٌ جِدًّا.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ أَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَنَا حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ» .
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعَازِفِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اتِّخَاذِ الْقَيْنَاتِ - وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى اسْتِحْلَالِهِمْ الْخَمْرَ بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَالدِّيَانَةُ لَا تُؤْخَذُ بِالظَّنِّ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحَضْرَمِيُّ الْقَاضِي أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْغِمْرِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ بِحِمْصَ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَنَا عُبَيْدُ بْنُ هِشَامٍ الْحَلَبِيُّ - هُوَ ابْنُ نُعَيْمٍ - أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَلَسَ إلَى قَيْنَةٍ فَسَمِعَ مِنْهَا صَبَّ اللَّهُ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مُرَكَّبٌ، فَضِيحَةٌ مَا عُرِفَ قَطُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلَا مِنْ جِهَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَكُلُّ مَنْ دُونَ ابْنِ الْمُبَارَكِ إلَى ابْنِ شَعْبَانَ مَجْهُولُونَ.
وَابْنُ شَعْبَانَ فِي الْمَالِكِيِّينَ نَظِيرُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ فِي الْحَنَفِيِّينَ، قَدْ تَأَمَّلْنَا حَدِيثَهُمَا فَوَجَدْنَا فِيهِ الْبَلَاءَ الْبَيِّنَ، وَالْكَذِبَ الْبَحْتَ، وَالْوَضْعَ اللَّائِحَ، وَعَظِيمَ الْفَضَائِحِ، فَإِمَّا تَغَيَّرَ ذِكْرُهُمَا، أَوْ اخْتَلَطَتْ كُتُبُهُمَا، وَإِمَّا تَعَمَّدَا الرِّوَايَةَ عَنْ كُلِّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ مِنْ كَذَّابٍ، وَمُغَفَّلٍ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ - وَهُوَ ثَالِثَةُ الْأَثَافِي: أَنْ يَكُونَ الْبَلَاءُ مِنْ قِبَلِهِمَا - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَالصِّدْقَ، وَصَوَابَ الِاخْتِيَارِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ: رَوَى هَاشِمُ بْنُ نَاصِحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِ» .
هَاشِمٌ، وَعُمَرُ: مَجْهُولَانِ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ عَائِشَةَ، وَحَدِيثٌ لَا نَدْرِي لَهُ طَرِيقًا، إنَّمَا ذَكَرُوهُ هَكَذَا مُطْلَقًا، «أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - نَهَى عَنْ صَوْتَيْنِ مَلْعُونَيْنِ: صَوْتِ نَائِحَةٍ، وَصَوْتِ مُغَنِّيَةٍ» وَهَذَا لَا شَيْءَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّحِ بْنِ يَزِيدَ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6] الْآيَةَ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَطُّ عَقِيرَةَ صَوْتِهِ بِغِنَاءٍ إلَّا ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِهِ عَلَى صَدْرِهِ وَظَهْرِهِ حَتَّى يَسْكُتَ» .
إسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ، وَمُطَرِّحٌ مَجْهُولٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زُحَرَ ضَعِيفٌ، وَالْقَاسِمُ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ دِمَشْقِيٌّ مُطَّرَحٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا بَيْعُهُنَّ، وَلَا اتِّخَاذُهُنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6] وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَفَعَ رَجُلٌ عَقِيرَتَهُ بِالْغِنَاءِ إلَّا ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا صَدْرَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى يَسْكُتَ» .
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا: أَنَا ابْنُ مَعْبَدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ تَعْلِيمَ الْمُغَنِّيَاتِ وَشِرَاءَهُنَّ، وَبَيْعَهُنَّ، وَأَكْلَ أَثْمَانِهِنَّ» .
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَعَبْدُ الْمَلِكِ هَالِكٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ.
وَالثَّانِي: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَالْقَاسِمِ أَيْضًا، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ضَعِيفٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي إبِلٌ، أَفَأَحْدُو فِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَأُغَنِّي فِيهَا؟ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُغَنِّيَ أُذُنَاهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ يُرْغِمُهُ حَتَّى يَسْكُتَ» .
هَذَا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَالْعُمَرِيُّ الصَّغِيرُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو دَاوُد - هُوَ سُلَيْمُ بْنُ سَالِمٍ بَصْرِيٌّ - أَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُمْسَخُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، وَيَحُجُّونَ قَالُوا: فَمَا بَالُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: اتَّخَذُوا الْمَعَازِفَ وَالْقَيْنَاتِ، وَالدُّفُوفَ، وَيَشْرَبُونَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ، فَبَاتُوا عَلَى لَهْوِهِمْ، وَشَرَابِهِمْ، فَأَصْبَحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ» .
هَذَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، وَلَمْ يُدْرَ مَنْ هُوَ؟
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَيْضًا: أَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ أَنَا فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَبِيتُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، يَكُونُ فِيهَا خَسْفٌ، وَقَذْفٌ، وَيُبْعَثُ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَائِهِمْ رِيحٌ فَتَنْسِفُهُمْ، كَمَا نَسَفَتْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِاسْتِحْلَالِهِمْ الْحَرَامَ، وَلُبْسِهِمْ الْحَرِيرَ، وَضَرْبِهِمْ الدُّفُوفَ، وَاِتِّخَاذِهِمْ الْقِيَانَ» .
وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ ضَعِيفٌ، نَعَمْ: وَسُلَيْمُ بْنُ سَالِمٍ، وَحَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو: لَا أَعْرِفُهُمْ - فَسَقَطَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ بِيَقِينٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي بِمَحْوِ الْمَعَازِفِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالْأَوْثَانِ، وَالصُّلُبِ: لَا يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ، وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا تَعْلِيمُهُنَّ، وَلَا التِّجَارَةُ بِهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ» نَعْنِي الضَّوَارِبَ - الْقَاسِمُ ضَعِيفٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: أَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غُنْمٍ الْأَشْعَرِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ - أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ - وَوَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ» .
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَمْ يَتَّصِلْ مَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَصَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ - وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَبَدًا، وَكُلُّ مَا فِيهِ فَمَوْضُوعٌ، وَوَاللَّهِ لَوْ أُسْنِدَ جَمِيعُهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُ فَأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الْأَخْذِ بِهِ.
وَلَوْ كَانَ مَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ حَقًّا مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ لَوَجَبَ أَنْ يُحَدَّ مَنْ وَطِئَهُنَّ بِالشِّرَاءِ، وَأَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِ وَلَدُهُ مِنْهَا.
ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ مِلْكِهِنَّ، وَقَدْ تَكُونُ أَشْيَاءُ يَحْرُمُ بَيْعُهَا وَيَحِلُّ مِلْكُهَا وَتَمْلِيكُهَا كَالْمَاءِ، وَالْهِرِّ، وَالْكَلْبِ -.
هَذَا كُلُّ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِمَّا أُضِيفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا عَمَّنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ صَخْرٍ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] الْآيَةَ، فَقَالَ: الْغِنَاءُ، وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: الْغِنَاءُ، وَشِرَاءُ الْمُغَنِّيَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: الْغِنَاءُ، وَنَحْوُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْكُوفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الدُّفُّ حَرَامٌ، وَالْمَعَازِفُ حَرَامٌ: وَالْمِزْمَارُ حَرَامٌ، وَالْكُوبَةُ حَرَامٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو وَكِيعٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَأْخُذُونَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ يَخْرِقُونَ الدُّفُوفَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] قَالَ: الْغِنَاءُ - وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي هَذَا كُلِّهِ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ نَصَّ الْآيَةِ يُبْطِلُ احْتِجَاجَهُمْ بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] وَهَذِهِ صِفَةٌ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ كَافِرًا، بِلَا خِلَافٍ، إذَا اتَّخَذَ سَبِيلَ اللَّهِ - تَعَالَى - هُزُوًا.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اشْتَرَى مُصْحَفًا لِيُضِلَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا لَكَانَ كَافِرًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَمَا ذَمَّ قَطُّ - عَزَّ وَجَلَّ - مَنْ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيَلْتَهِيَ بِهِ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ، لَا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا.
وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَغَلَ عَامِدًا عَنْ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِقِرَاءَةِ السُّنَنِ، أَوْ بِحَدِيثٍ يَتَحَدَّثُ بِهِ، أَوْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِغِنَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ - تَعَالَى -، وَمَنْ لَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ اشْتِغَالًا بِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُحْسِنٌ.
وَاحْتَجُّوا فَقَالُوا: مِنْ الْحَقِّ الْغِنَاءُ أَمْ مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ؟ فَقَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32]
فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَمَنْ نَوَى بِاسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ عَوْنًا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ فَاسِقٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الْغِنَاءِ، وَمَنْ نَوَى بِهِ تَرْوِيحَ نَفْسِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُنَشِّطَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْبِرِّ فَهُوَ مُطِيعٌ مُحْسِنٌ، وَفِعْلُهُ هَذَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً، فَهُوَ لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَخُرُوجِ الْإِنْسَانِ إلَى بُسْتَانِهِ مُتَنَزِّهًا، وَقُعُودِهِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مُتَفَرِّجًا وَصِبَاغِهِ ثَوْبَهُ لَازَوَرْدِيًّا أَوْ أَخْضَرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَدِّ سَاقِهِ وَقَبْضِهَا وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ بُطْلَانًا مُتَيَقَّنًا - وَلِلَّهِ - تَعَالَى - الْحَمْدُ؛ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. [المحلى بالآثار]
قال علي بن أحمد بن محمد الواحدي (ت: 468هـ)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} {6} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ تَاجِرًا إِلَى فَارِسَ فَيَشْتَرِي أَخْبَارَ الْأَعَاجِمِ فَيَرْوِيهَا وَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ رُسْتُمَ وَإِسْفِنْدِيَارَ وَأَخْبَارِ الْأَكَاسِرَةِ، فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ وَيَتْرُكُونَ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي شِرَاءِ الْقِيَانِ وَالْمُغَنِّيَاتِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خزيمة قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا عَلِيُّ بْنُ حجر قال: أخبرنا مِشْمَعِلُ بْنُ مِلْحَانَ الطَّائِيُّ، عَنْ مُطَّرِحِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زُحَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا بَيْعُهُنَّ وَأَثْمَانُهُنَّ حَرَامٌ"، وَفِي مِثْلِ هَذَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْغِنَاءِ إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ وَالْآخَرُ عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ، فَلَا يَزَالَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْكُتُ". وَقَالَ ثُوَيْرُ بْنُ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ
اشْتَرَى جَارِيَةً تُغَنِّيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا. (إسناده ضعيف بسبب ثوير (تقريب التهذيب: 1/121 - رقم: 54) ويشهد له:
* ما أخرجه ابن جرير (21/ 41) من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه, وإسناده ضعيف.) [أسباب النزول].
قال الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ) ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ الْآيَةَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ، وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ كَانَ يَتَّجِرُ فَيَأْتِي الْحِيْرَةَ وَيَشْتَرِي أَخْبَارَ الْعَجَمِ وَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا، وَيَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ رُسْتُمَ وَاسْفَنْدِيَارَ وَأَخْبَارِ الْأَكَاسِرَةِ، فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ وَيَتْرُكُونَ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ) أسباب النزول للواحدي ص (٤٠٠) . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي شِرَاءَ الْقِيَانِ وَالْمُغَنِّيِّينَ (أسباب النزول للواحدي ص (٤٠٠( ، وَوَجْهُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: مَنْ يَشْتَرِي [ذَاتَ لَهْوِ أَوْ] ذَا لَهْوِ الْحَدِيثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حجر، أخبرنا مشعل بْنُ مِلْحَانِ الطَّائِيُّ، عَنْ مُطَّرِحِ بْنِ يزيد، عن عبد اللَّهِ بْنِ زُحَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُ المغنيات ولا يبعهن وَأَثْمَانُهُنَّ حَرَامٌ"، وَفِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْغِنَاءِ إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ، وَالْآخَرُ عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ، فَلَا يَزَالَانِ يَضْرِبَانِهِ بِأَرْجُلِهِمَا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْكُت ) أخرجه ابن ماجه: التجارات، باب: ما لا يحل بيعه برقم: (٢١٦٨) ٢ / ٧٣٣، والإمام أحمد: ٥ / ٢٥٢، والطبري: ٢١ / ٦٠، وأخرجه بنحوه الترمذي: في التفسير: ٩ / ٥٤-٥٥، وقال: (هذا حديث غريب إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث، قاله محمد بن إسماعيل(.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُرُوجِرْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ تَمَامٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ "نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَكَسْبِ الزَّمَّارَةِ" () أخرجه البيهقي: ٦ / ١٢٦، والخطيب في تاريخ بغداد: ٧ / ٣٦٩، ٨ / ٣٠٤ والمصنف في شرح السنة: ٨ / ٢٣. (
قَالَ مَكْحُولٌ: مَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً ضَرَّابَةً لِيُمْسِكَهَا لِغِنَائِهَا وَضَرْبِهَا مُقِيمًا عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ" الْآيَة (انظر: الدر المنثور: ٦ / ٥٠٥. (
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالُوا: "لَهْوُ الْحَدِيثِ" هُوَ الْغِنَاءُ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِيهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ أَيْ: يَسْتَبْدِلُ وَيَخْتَارُ الْغِنَاءَ وَالْمَزَامِيرَ وَالْمَعَازِفَ عَلَى الْقُرْآنِ، قَالَ أَبُو الصِّبَاءِ الْبَكْرِيُّ سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (أخرجه الطبري: ٢١ / ٦١.(
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ) أخرجه البيهقي: ١٠ / ٢٢٣، وزاد السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٥٠٥ نسبته لابن أبي الدنيا. (
وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَأْخُذُونَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ يَخْرِقُونَ الدُّفُوفَ. وَقِيلَ: الْغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَا () عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٥٠٦ لابن أبي الدنيا والبيهقي). َ
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ الطَّبْلُ (أخرجه الطبري: ٢١ / ٦٣. (
عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: هُوَ الشِّرْكُ وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كُلُّ لَهْوٍ وَلَعب.) وهو ما رجحه الطبري: ٢١ / ٦٣ إذ قال: (عنى به كل ما كان من الحديث ملهبا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله، لأن الله تعالى عم بقوله: (لهو الحديث) ولم يخصص بعضا دون بعض فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدل على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك) .[معالم التنزيل]
قال محمود بن عمر الزمخشري (ت: 538هـ)
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡتَرِی لَهۡوَ ٱلۡحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ ٦ [لقمان 6]
اللهو كل باطل ألهى عن الخير وعما يعنى ولَهْوَ الْحَدِيثِ نحو السمر بالأساطير والأحاديث التي لا أصل لها، والتحدث بالخرافات والمضاحيك وفضول الكلام، وما لا ينبغي من كان وكان، ونحو الغناء وتعلم الموسيقار (يونانية. ومعناه: علم الغناء، وبغير راء: ذات الغناء)، وما أشبه ذلك. وقيل: نزلت في النضر بن الحرث، وكان يتجر إلى فارس، فيشترى كتب الأعاجم فيحدث بها قريشا ويقول: إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بأحاديث رستم وبهرام والأكاسرة وملوك الحيرة، فيستمحلون حديثه ويتركون استماع القرآن. وقيل: كان يشترى المغنيات، فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه، ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه. وفي حديث النبي ﷺ «لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ولا التجارة فيهنّ ولا أثمانهن () أخرجه الطبري وابن أبى حاتم وغيرهما من رواية عبيد الله بن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة بهذا. وهو عند أحمد وابن أبى شيبة والترمذي وأبى يعلى من هذا الوجه وهو ضعيف، ورواه الطبراني من طريق يحيى بن الحارث عن القاسم نحوه. وله طريق آخر عند ابن ماجة من رواية عبيد الله الأفريقي عن أبى أمامة، قال: «نهى رسول الله ﷺ عن بيع المغنيات وعن شرائهن، وعن كسبهن وعن أكل أثمانهن وفي الباب عن عمر. أخرجه الطبراني وابن عدى من رواية يزيد بن عبد الملك النوفلي عن يزيد بن خصيف عن السائب بن يزيد عن عمر نحوه، ويزيد بن عبد المطلب ضعيف وعن على أخرجه أبو يعلى وابن عدى. وفيه الحارث بن نهان وهو ضعيف، وعن عائشة أخرجه البيهقي وفيه ليث بن أبى سليم وهو ضعيف. () «وعنه ﷺ «ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين: أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب، فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت «() أخرجه أبو يعلى وإسحاق والحارث من طريق أبى أمامة وهو عند الطبراني من رواية يحيى بن الحارث عن القاسم في الحديث الذي قبله. ()
وقيل: الغناء منفدة للمال، مسخطة للرب، مفسدة للقلب. فإن قلت: ما معنى إضافة اللهو إلى الحديث؟ قلت:
معناها التبيين، وهي الإضافة بمعنى من، وأن يضاف الشيء إلى ما هو منه، كقولك: صفة خز، وباب ساج( () قوله «كقولك صفة خز وباب ساج» لعله محرف. وأصله جبة خز، ثم رأيت في الصحاح: صفة الدار والسرج: واحدة الصفف اه، فلعل صفة السرج تكون من خز.)، والمعنى: من يشترى اللهو من الحديث، لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره، فبين بالحديث. والمراد بالحديث. الحديث المنكر، كما جاء في الحديث: «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش(٥) » ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى «من» التبعيضية، كأنه قيل: ومن الناس من يشترى بعض الحديث الذي هو اللهو منه. وقوله يَشْتَرِي إما من الشراء، على ما روى عن النضر: من شراء كتب الأعاجم أو من شراء القيان. وإما من قوله اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ أى استبدلوه منه واختاروه عليه. وعن قتادة: اشتراؤه:
استحبابه، يختار حديث الباطل على حديث الحق. وقرئ: لِيُضِلَّ بضم الياء وفتحها.
وسَبِيلِ اللَّهِ دين الإسلام أو القرآن. فإن قلت: القراءة بالضم بينة، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو: أن يصدّ الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت: فيه معنيان، أحدهما: ليثبت على ضلاله الذي كان عليه، ولا يصدف عنه، ويزيد فيه ويمدّه، فإن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين وصدّ الناس عنه.
والثاني: أن يوضع ليضل موضع ليضل، من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة، فدل بالرديف على المردوف. فإن قلت: ما معنى قوله بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ قلت: لما جعله مشتريا لهو الحديث بالقرآن قال: يشترى بغير علم بالتجارة وبغير بصيرة بها، حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق.
ونحوه قوله تعالى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ أى: وما كانوا مهتدين للتجارة بصراء بها: وقرئ وَيَتَّخِذَها بالنصب والرفع عطفا على يشترى. أو ليضل، والضمير للسبيل، لأنها مؤنثة، كقوله تعالى وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً.
وَلَّى مُسْتَكْبِراً زاما (قوله «زاما لا يعبأ بها» في الصحاح: زم بأنفه، أي: تكبر، فهو زام)، لا يعبأ بها ولا يرفع بها رأسا: تشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً أى ثقلا ولا وقر فيهما، وقرئ: بسكون الذال. فإن قلت: ما محل الجملتين المصدرتين بكأن؟ قلت: الأولى حال من مستكبرا والثانية من لم يسمعها: ويجوز أن تكونا استئنافين، والأصل في كأن المخففة: كأنه، والضمير: ضمير الشأن. [الكشاف عن حقائق التنزيل]
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث}، روي أنها نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبه، فنزلت الآية في ذلك، وروي عن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شراء المغنيات وبيعهن حرام"، وقرأ هذه الآية، وقال: "في هذا المعنى أنزلت علي هذه الآية"، وبهذا فسر ابن مسعود، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، ومجاهد، وقال الحسن: لهو الحديث: المعازف والغناء.
وقال بعض الناس: نزلت في النضر بن الحارث لأنه اشترى كتب رستم واسفنديار، وكان يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثهم بتلك الأباطيل، ويقول: أنا أحسن حديثا من محمد، وقال قتادة: الشراء في هذه الآية مستعار، وإنما نزلت في أحاديث قريش، وتلهيهم بأمر الإسلام، وخوضهم في الأباطيل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فكأن ترك ما يجب فعله، وامتثال هذه المنكرات شراء لها، على حد قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى}. وقد قال مطرف: شراء لهو الحديث استحبابه، قال قتادة: ولعله لا ينفق فيه مالا، ولكن سماعه هو شراؤه، وقال الضحاك: لهو الحديث الشرك، وقال مجاهد أيضا: لهو الحديث الطبل، وهذا ضرب من الغناء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو حديث مضاف إلى كفر، فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله: {ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا} والتوعد بالعذاب المهين. وأما لفظة الشراء فمحتملة للحقيقة والمجاز على ما بينا، و"لهو الحديث" كل ما يلهي من غناء وخنا ونحوه، والآية باقية المعنى في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر، ولا ليتخذوا الآيات هزوا، ولا عليهم هذا الوعيد، بل ليعطل عبادة، ويقطعهم زمنا بمكروه، ولكونهم من جملة العصاة، والنفوس الناقصة تروم تتميم ذلك النقص بالأحاديث، وقد جعلوا الحديث من القرى، وقيل لبعضهم: أتمل الحديث؟ فقال: إنما يمل العتيق القديم المعاد; لأن الحديث من الأحاديث فيه الطرافة التي تمنع من الملل.
وقرأ نافع، وعاصم، والحسن: "ليضل" بضم الياء، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بفتحها، وفي حرف أبي: "ليضل الناس عن سبيل الله". وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: "ويتخذها" بالنصب عطفا على "ليضل"، وقرأ الباقون: "ويتخذها" بالرفع عطفا على "يشتري".
والضمير في "ويتخذها" يحتمل أن يعود على "الكتاب الحكيم" المذكور أولا، ويحتمل أن يعود على "السبيل"، ويحتمل أن يعود على "الأحاديث"; لأن "الحديث" اسم جنس بمعنى الأحاديث، وكذلك "سبيل الله" اسم جنس، ولكل وجه من الحديث وجه يليق به من السبيل). [المحرر الوجيز: 7/ 41-42]
قال أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي (ت: 597هـ): قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ مُفْتَتَحِ هَذِهِ السُّورَةِ [البَقَرَةِ: ١-٥] إلى قَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في رَجُلٍ اشْتَرى جارِيَةً مُغَنِّيَةٍ. وقالَ مُجاهِدٌ: نَزَلَتْ في شِراءِ القِيانِ والمُغَنِّياتِ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ ومُقاتِلٌ: نَزَلَتْ في النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ، وذَلِكَ أنَّهُ كانَ تاجِرًا إلى فارِسَ، فَكانَ يَشْتَرِي أخْبارَ الأعاجِمِ فَيُحَدِّثُ بِها قُرَيْشًا ويَقُولُ لَهُمْ: إنَّ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُكم بِحَدِيثِ عادٍ وثَمُودَ، وأنا أُحَدِّثُكم بِحَدِيثِ رُسْتُمَ وإسْفِنْدِيارَ وأخْبارِ الأكاسِرَةِ، فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ ويَتْرُكُونَ اسْتِماعَ القُرْآنِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ.
وَفِي المُرادِ بِلَهْوِ الحَدِيثِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: [أنَّهُ] الغِناءُ. كانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: هو الغِناءُ والَّذِي لا إلَهَ إلّا هُوَ، يُرَدِّدُها ثَلاثَ مَرّاتٍ؛ وبِهَذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ. ورَوى ابْنُ أبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجاهِدٍ، قالَ: اللَّهْوُ: الطَّبْلُ.
والثّانِي: أنَّهُ ما ألْهى عَنِ اللَّهِ، قالَهُ الحَسَنُ، وعَنْهُ مِثْلُ القَوْلِ الأوَّلِ.
والثّالِثُ: أنَّهُ الشِّرْكُ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
والرّابِعُ: الباطِلُ، قالَهُ عَطاءٌ.
وَفِي مَعْنى ﴿يَشْتَرِي﴾ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: يَشْتَرِي بِمالِهِ؛ وحَدِيثُ النَّضْرِ يُعَضِّدُهُ. والثّانِي: يَخْتارُ ويَسْتَحِبُّ، قالَهُ قَتادَةُ، ومَطَرٌ.
وَإنَّما قِيلَ لِهَذِهِ الأشْياءِ: لَهْوُ الحَدِيثِ، لِأنَّها تُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيُضِلَّ﴾ المَعْنى: لِيَصِيرَ أمْرُهُ إلى الضَّلالِ. وقَدْ بَيَّنّا هَذا الحَرْفَ في (الحَجِّ: ٩) .
وَقَرَأ أبُو رَزِينٍ، والحَسَنُ، وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، والأعْمَشُ، وأبُو جَعْفَرٍ: " لِيُضِلَّ " بِضَمِّ الياءِ، والمَعْنى: لِيُضِلَّ غَيْرَهُ، وإذا أضَلَّ غَيْرَهُ فَقَدْ ضَلَّ هو أيْضًا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَتَّخِذَها﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: " ويَتَّخِذُها " بِرَفْعِ الذّالِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: بِنَصْبِ الذّالِ قالَ أبُو عَلِيٍّ: مَن نَصَبَ عَطَفَ عَلى " لِيُضِلَّ " " ويَتَّخِذَ " ومَن رَفَعَ عَطَفَهُ عَلى " مَن يَشْتَرِي " " ويَتَّخِذُ " .
وَفِي المُشارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَتَّخِذَها﴾ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها الآياتُ، والثّانِي: السَّبِيلُ. [زاد المسير في علم التفسير]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير (ت: 606 هـ) في [القينات]: القَيْنَاتُ: جمع قَيْنَة: وهي الأَمَةُ المُغَنْيَةُ.
قال أبو أمامة (رضي الله عنه ) أن رسولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم ) قال: "لا تَبِيعُوا القَيْنَات الْمُغَنِّيَاتِ، ولا تَشْتَرُوهُنَّ، ولا تُعَلِّمُوهُنَّ ، ولا خَيرَ في تِجَارةٍ فيهن، وثَمنُهُنَّ حَرَامٌ، وفي مثلِ هذا أُنْزِلَتْ: {ومن الناس من يشتَري لَهْوَ الحَدِيث ... } [لقمان: الآية 6] الآية» . أخرجه الترمذي (في البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع المغنيات، ورقم (3193) في تفسير القرآن، من سورة لقمان، وأخرجه ابن ماجة رقم (2168) في التجارات، باب ما لا يحل بيعه، وقال الترمذي: حديث أبي أمامة إنما نعرفه مثل هذا الوجه، وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه وهو شامي. وقال أيضاً عند الرواية الثانية في التفسير: هذا حديث غريب إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث، قاله محمد بن إسماعيل (يعني البخاري) .
إسناده ضعيف: أخرجه أحمد (5/252) قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا خالد الصفار، وفي (5/264) قال: حدثنا أبو سلمة، قال: أخبرنا بكر بن مُضر. والترمذي (1282، 3195) قال: حدثنا قتيبة، قال: أخبرنا بكر بن مضر.
كلاهما - خالد الصفار، وبكر بن مُضر- عن عُبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، فذكره.
* أخرجه الحميدي (910) قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا مُطَّرح، أبو المهلب، عن عُبيد الله بن زحر، عن القاسم أبي عبد الرحمن، فذكره. كذا في المطبوع من «مسند الحميدي» ليس فيه (علي بن يزيد) ولفظه: «لا يَحِلُّ ثمنُ المُغَنِّيَةِ ولا بيعها، ولا شراؤها، ولا الاستماع إليها» .
* أخرجه ابن ماجة (2168) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن عاصم، عن أبي المهلب، عن عُبيدالله (بن زَحر) الإفريقي، عن أبي أمامة، فذكره، ليس فيه (علي بن يزيد، ولا القاسم أبي عبد الرحمن).
قلت: والعمدة في الباب فتاوى أهل العلم بعدم الجواز لقواعد الشريعة في التعاون على البر والتقوى وعدم الضرار وغير ذلك. [جامع الأصول في أحاديث الرسول]
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت: 671هـ) في قوله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين .
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث من في موضع رفع بالابتداء . و (لهو الحديث): الغناء ; في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما . النحاس : وهو ممنوع بالكتاب والسنة ; والتقدير : من يشتري ذا لهو أو ذات لهو ; مثل : واسأل القرية . أو يكون التقدير : لما كان إنما اشتراها يشتريها ويبالغ في ثمنها كأنه اشتراها للهو .
قلت : هذه إحدى الآيات الثلاث التي استدل بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه . والآية الثانية قوله تعالى : وأنتم سامدون . قال ابن عباس : هو الغناء بالحميرية ; اسمدي لنا ; أي غني لنا .
والآية الثالثة قوله تعالى : واستفزز من استطعت منهم بصوتك قال مجاهد : الغناء والمزامير . وقد مضى في ( سبحان ) الكلام فيه . وروى الترمذي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله إلى آخر الآية . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة ، والقاسم ثقة وعلي بن يزيد يضعف في الحديث ; قاله محمد بن إسماعيل . قال ابن عطية : وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد ، وذكره أبو الفرج الجوزي عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعي .
[ ص: 49 ] قلت : هذا أعلى ما قيل في هذه الآية ، وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات إنه الغناء . روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال : سئل عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث فقال : الغناء والله الذي لا إله إلا هو ; يرددها ثلاث مرات . وعن ابن عمر أنه الغناء ; وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول . وروى شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال : قال عبد الله بن مسعود : الغناء ينبت النفاق في القلب ; وقاله مجاهد ، وزاد : إن لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل . وقال الحسن : لهو الحديث المعازف والغناء . وقال القاسم بن محمد : الغناء باطل والباطل في النار . وقال ابن القاسم سألت مالكا عنه فقال : قال الله تعالى : فماذا بعد الحق إلا الضلال أفحق هو ؟ ! وترجم البخاري ( باب ) كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله ، ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك ، وقوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا فقوله : إذا شغل عن طاعة الله مأخوذ من قوله تعالى : ليضل عن سبيل الله . وعن الحسن أيضا : هو الكفر والشرك . وتأوله قوم على الأحاديث التي يتلهى بها أهل الباطل واللعب .
وقيل : نزلت في النضر بن الحارث ; لأنه اشترى كتب الأعاجم : رستم ، وإسفنديار ; فكان يجلس بمكة ، فإذا قالت قريش إن محمدا قال كذا ضحك منه ، وحدثهم بأحاديث ملوك الفرس ويقول : حديثي هذا أحسن من حديث محمد ; حكاه الفراء والكلبي وغيرهما . وقيل : كان يشتري المغنيات فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول : أطعميه واسقيه وغنيه ; ويقول : هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه . وهذا القول والأول ظاهر في الشراء . وقالت طائفة : الشراء في هذه الآية مستعار ، وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الباطل . قال ابن عطية : فكان ترك ما يجب فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لها ; على حد قوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ; اشتروا الكفر بالإيمان ، أي استبدلوه منه واختاروه عليه . وقال مطرف : شراء لهو الحديث استحبابه . قتادة : ولعله لا ينفق فيه مالا ، ولكن سماعه شراؤه .
[ ص: 50 ] قلت : القول الأول أولى ما قيل به في هذا الباب ; للحديث المرفوع فيه ، وقول الصحابة والتابعين فيه . وقد زاد الثعلبي والواحدي في حديث أبي أمامة : ( وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت ) . وروى الترمذي وغيره من حديث أنس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما : صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح ، ورنة عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب . وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بكسر المزامير ) خرجه أبو طالب الغيلاني . وخرج ابن بشران عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بعثت بهدم المزامير والطبل ) . وروى الترمذي من حديث علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء - فذكر منها : إذا اتخذت القينات والمعازف . وفي حديث أبي هريرة : وظهرت القيان والمعازف . وروى ابن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جلس إلى قينة يسمع منها صب في أذنه الآنك يوم القيامة . وروى أسد بن موسى عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر قال : بلغنا أن الله تعالى يقول يوم القيامة : " أين [ ص: 51 ] عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان أحلوهم رياض المسك وأخبروهم أني قد أحللت عليهم رضواني " . وروى ابن وهب عن مالك عن محمد بن المنكدر مثله ، وزاد بعد قوله " المسك " : " ثم يقول للملائكة أسمعوهم حمدي وشكري وثنائي ، وأخبروهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون " . وقد روي مرفوعا هذا المعنى من حديث أبي موسى الأشعري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين . فقيل : ومن الروحانيون يا رسول الله ؟ قال : قراء أهل الجنة خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول ، وقد ذكرنا في كتاب التذكرة مع نظائره : فمن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ، ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة . إلى غير ذلك . وكل ذلك صحيح المعنى على ما بيناه هناك . ومن رواية مكحول عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه . ولهذه الآثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء . وهي المسألة : -
الثانية : وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به ، الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل ، والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ; فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات لا يختلف في تحريمه ; لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق . فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح ; كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة ، كما كان في حفر الخندق وحدو أنجشة وسلمة بن الأكوع . فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام . قال ابن العربي : فأما طبل الحرب فلا [ ص: 52 ] حرج فيه ; لأنه يقيم النفوس ويرهب العدو . وفي اليراعة تردد . والدف مباح . الجوهري : وربما سموا قصبة الراعي التي يزمر بها هيرعة ويراعة . قال القشيري : ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة ، فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح ، فكن يضربن ويقلن :
نحن بنات النجار ، حبذا محمد من جار
. وقد قيل : إن الطبل في النكاح كالدف ، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث .
الثالثة : الاشتغال بالغناء على الدوام سفه ترد به الشهادة ، فإن لم يدم لم ترد . وذكر إسحاق بن عيسى الطباع قال : سألت مالك بن أنس عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : إنما يفعله عندنا الفساق . وذكر أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال : أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه ، وقال : إذا اشترى جارية ووجدها مغنية كان له ردها بالعيب ; وهو مذهب سائر أهل المدينة ; إلا إبراهيم بن سعد فإنه حكى عنه زكريا الساجي أنه كان لا يرى به بأسا . وقال ابن خويز منداد : فأما مالك فيقال عنه : إنه كان عالما بالصناعة وكان مذهبه تحريمها . وروي عنه أنه قال : تعلمت هذه الصناعة وأنا غلام شاب ، فقالت لي أمي : أي بني ! إن هذه الصناعة يصلح لها من كان صبيح الوجه ولست كذلك ، فطلب العلوم الدينية ; فصحبت ربيعة فجعل الله في ذلك خيرا . قال أبو الطيب الطبري : وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يكره الغناء مع إباحته شرب النبيذ ، ويجعل سماع الغناء من الذنوب . وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة : إبراهيم والشعبي وحماد والثوري وغيرهم ، لا اختلاف بينهم في ذلك . وكذلك لا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهية ذلك والمنع منه ; إلا ما روي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأسا . قال : وأما مذهب الشافعي فقال : الغناء مكروه يشبه الباطل ، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته .
وذكر أبو الفرج الجوزي عن إمامه أحمد بن حنبل ثلاث روايات قال : وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء ، وإنما أشاروا إلى ما كان في زمانهما من القصائد الزهديات ; قال : وعلى هذا يحمل ما لم يكرهه أحمد ; ويدل عليه أنه سئل عن رجل مات وخلف ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها ، فقال : [ ص: 53 ] تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية . فقيل له : إنها تساوي ثلاثين ألفا ; ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا ؟ فقال : لا تباع إلا على أنها ساذجة . قال أبو الفرج : وإنما قال أحمد هذا لأن هذه الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهد ، بل بالأشعار المطربة المثيرة إلى العشق .
وهذا دليل على أن الغناء محظور ; إذ لو لم يكن محظورا ما جاز تفويت المال على اليتيم . وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم : عندي خمر لأيتام ؟ فقال : أرقها . فلو جاز استصلاحها لما أمر بتضييع مال اليتامى . قال الطبري : فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه . وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري ; وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بالسواد الأعظم . ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية . قال أبو الفرج : وقال القفال من أصحابنا : لا تقبل شهادة المغني والرقاص .
قلت : وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز . وقد ادعى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك . وقد مضى في الأنعام عند قوله : وعنده مفاتح الغيب وحسبك .
الرابعة : قال القاضي أبو بكر ابن العربي : وأما سماع القينات فيجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته ; إذ ليس شيء منها عليه حراما لا من ظاهرها ولا من باطنها ، فكيف يمنع من التلذذ بصوتها . أما إنه لا يجوز انكشاف النساء للرجال ولا هتك الأستار ولا سماع الرفث ، فإذا خرج ذلك إلى ما لا يحل ولا يجوز منع من أوله واجتث من أصله . وقال أبو الطيب الطبري : أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي قالوا لا يجوز ، سواء كانت حرة أو مملوكة . قال : وقال الشافعي : وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ; ثم غلظ القول فيه فقال : فهي دياثة . وإنما جعل صاحبها سفيها لأنه دعا الناس إلى الباطل ، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيها .
[ ص: 54 ] الخامسة : قوله تعالى : ليضل عن سبيل الله قراءة العامة بضم الياء ; أي ليضل غيره عن طريق الهدى ، وإذا أضل غيره فقد ضل . وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وأبو عمرو ورويس وابن أبي إسحاق ( بفتح الياء ) على اللازم ; أي ليضل هو نفسه . ويتخذها هزوا قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم بالرفع عطفا على من يشتري ويجوز أن يكون مستأنفا . وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي : ويتخذها بالنصب عطفا على ليضل . ومن الوجهين جميعا لا يحسن الوقف على قوله : بغير علم والوقف على قوله : هزوا ، والهاء في ويتخذها كناية عن الآيات . ويجوز أن يكون كناية عن السبيل ; لأن السبيل يؤنث ويذكر . أولئك لهم عذاب مهين أي شديد يهينهم قال الشاعر [ جرير ] :
ولقد جزعت إلى النصارى بعد ما لقي الصليب من العذاب مهينا [الجامع لأحكام القرآن]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ ويتّخذها هزوًا أولئك لهم عذابٌ مهينٌ (6) وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبرًا كأن لم يسمعها كأنّ في أذنيه وقرًا فبشّره بعذابٍ أليمٍ (7)}
لـمّا ذكّر تعالى حال السّعداء، وهم الّذين يهتدون بكتاب اللّه وينتفعون بسماعه، كما قال [اللّه] تعالى: {اللّه نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ} [الزّمر: 23]، عطف بذكر حال الأشقياء، الّذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام اللّه، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطّرب، كما قال ابن مسعودٍ في قوله تعالى: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: هو -واللّه- الغناء.
قال ابن جريرٍ: حدّثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء البكريّ، أنّه سمع عبد اللّه بن مسعودٍ -وهو يسأل عن هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه} -فقال عبد اللّه: الغناء، واللّه الّذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.
حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا صفوان بن عيسى، أخبرنا حميد الخرّاط، عن عمّارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء: أنّه سأل ابن مسعودٍ عن قول اللّه: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
وكذا قال ابن عبّاسٍ، وجابرٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهدٌ، ومكحولٌ، وعمرو بن شعيبٍ، وعليّ بن بذيمة.
وقال الحسن البصريّ: أنزلت هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ} في الغناء والمزامير.
وقال قتادة: قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ}: واللّه لعلّه لا ينفق فيه مالًا ولكن شراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضّلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ، وما يضرّ على ما ينفع.
وقيل: عنى بقوله: {يشتري لهو الحديث}: اشتراء المغنّيات من الجواري.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسي: حدّثنا وكيع، عن خلاد الصّفّار، عن عبيد اللّه بن زحر، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم بن عبد الرّحمن عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا يحلّ بيع المغنّيات ولا شراؤهنّ، وأكل أثمانهنّ حرامٌ، وفيهنّ أنزل اللّه عزّ وجلّ عليّ: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث}.
وهكذا رواه التّرمذيّ وابن جريرٍ، من حديث عبيد اللّه بن زحرٍ بنحوه، ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ غريبٌ. وضعف عليّ بن يزيد المذكور.
قلت: عليٌّ، وشيخه، والرّاوي عنه، كلّهم ضعفاء. واللّه أعلم.
وقال الضّحّاك في قوله تعالى: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} يعني: الشّرك. وبه قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم؛ واختار ابن جريرٍ أنّه كلّ كلامٍ يصدّ عن آيات اللّه واتّباع سبيله.
وقوله: {ليضلّ عن سبيل اللّه} أي: إنّما يصنع هذا للتّخالف للإسلام وأهله.
وعلى قراءة فتح الياء، تكون اللّام لام العاقبة، أو تعليلًا للأمر القدريّ، أي: قيضوا لذلك ليكونوا كذلك.
وقوله: {ويتّخذها هزوًا} قال مجاهدٌ: ويتّخذ سبيل اللّه هزوًا، يستهزئ بها.
وقال قتادة: يعني: ويتّخذ آيات اللّه هزّوا. وقول مجاهدٍ أولى.
وقوله تعالى: {أولئك لهم عذابٌ مهينٌ} أي: كما استهانوا بآيات اللّه وسبيله، أهينوا يوم القيامة في العذاب الدّائم المستمر). [تفسير ابن كثير: 6/ 330-331]
قال أبو العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري (ت: 840 هـ):
بَابٌ فِي كَسْبِ الْأَمَةِ وَتَحْرِيمِ بَيْعِ الْمُغَنِّيَاتِ وَشِرَائِهِنَّ وَأَكْلِ أَثْمَانِهِنَّ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِنَّ
قَالَ مُسَدَّدٌ: ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَائِشَةَ "فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث ... " قَالَ: لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ وَلَا أَكْلُ أَثْمَانِهِنَّ وَلَا تعَلْيِمُهُنَّ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَا الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِنَّ ". رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُطَرَّحِ بن يزيد الكناني، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زُحَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ وَلَا بَيْعُهُنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ... - الَآيَةُ- وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بَيَدِهِ، مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَطُّ عَقِيرَتَهُ بِغِنَاءٍ إِلَّا ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِ بَأَرْجُلِهِمَا عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ حَتَّى يَسْكُتَ ".ورَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ.
قُلْتُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، وابن ماجه من طريق عبيد اللَّهِ الْإِفْرِيقِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ فَقَطْ مرفوعًا، ولم يذكرا ما قاله مجاهد.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَذْرَمِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الصَّدَائِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّوَّاحَاتِ، وَعَنْ شِرَائِهِنَّ وَبَيْعِهِنَّ وَالتِّجَارَةِ فِيهِنَّ، قَالَ: وَكَسْبُهُنَّ حَرَامٌ ".
بَابُ مَا جَاءَ فِي ذم الملاهي من المعازف والمزامير وَنَحْوِهَا
قَالَ اللَّهُ- تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهُ}
قَالَ مُسَدَّدٌ: ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْكُوبَةُ حَرَامٌ، وَالدُّفُّ حَرَامٌ، وَالْمَعَازِفُ حَرَامٌ، وَالْمَزَامِيرُ حَرَامٌ ". رَوَاهُ البزار في مسنده: حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح، ثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ قِيسِ بْنِ حَبْتَرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَنَّهُ حَرَّمَ الْمَيْتَةِ وَالْمَيْسِرِ وَالْكُوبَةِ- يَعْنِي: الطَّبْلَ- وَقَالَ: كُلُّ مِسْكَرٍ حَرَامٌ ".
ورواه البيهقي في سننه: أبنا أبو نصر بن قتادة، أبنا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيِّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عن عبد الكريم الجزري، فَذَكَرَهُ.
بَابٌ الرَّجُلُ يَتَّخِذُ الْغُلَامَ وَالْجَارِيَةَ الْمُغَنِّيَيْنِ ويجمح عَلَيْهِمَا وَيُغَنِّيَانِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: فَهَذَا سَفَهٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ فِي الجارية يكثر مِنْ قِبَلِ أَنَّ فِيهَا سَفَهًا وَدِيَاثَةً.
وَقَالَ أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة، حدث رَجُلٌ مِنْ آلِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ عَمَّارٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ ". هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ؛ لِجَهَالَةِ بَعْضِ رُوَاتِهِ، لَكِنَّ الْمَتْنَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَفْظُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ ".تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ النكاح، في باب ما جاءوا الدَّيُّوثِ.
وَقَالَ مُسَدَّدٌ: ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَائِشَةَ "فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث}
قَالَ: لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا أَكْلُ أَثْمَانِهِنَّ، وَلَا تعَلْيِمُهُنَّ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَا الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِنَّ ".
رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُطَرَّحِ بن يزيد الكناني، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زُحَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا بَيْعُهُنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ، وَقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ... } الَآيَةُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بَيَدِهِ مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَطُّ عَقِيرَتَهُ بِغِنَاءٍ إِلَّا ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ، يَضْرِبَانِ بَأَرْجُلِهِمَا عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ حَتَّى يَسْكُتَ ".
رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبَيْهَقِيُّ.
قُلْتُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ، وَابْنُ مَاجَهْ من طريق أعبيد اللَّهِ، الْإِفْرِيقِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ فَقَطْ مرفوعًا، فلم يذكروا ما قال مجاهد. تقدم فِي الْبُيُوعِ فِي بَابِ تَحْرِيمِ بيع الْمُغَنِّيَاتِ.
- وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَذْرَمِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الصَّدَائِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّوَّاحَاتِ وَعَنْ شِرَائِهِنَّ وَبَيْعِهِنَّ وَالتِّجَارَةِ فِيهِنَّ، قَالَ: وَكَسْبُهُنَّ حَرَامٌ ".
وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْمُغَنِّيَاتِ. [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة].
قال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852هـ):
و (قَوْلُهُ بَاب كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ)
إِذَا شَغَلَهُ أَيْ شَغَلَ اللَّاهِيَ بِهِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَي كمن النَّهْي بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا فِي فِعْلِهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَمَنِ اشْتَغَلَ بِصَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ بِتِلَاوَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ تَفَكُّرٍ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ مَثَلًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الضَّابِطِ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا الْمَطْلُوبِ فِعْلُهَا فَكَيْفَ حَالُ مَا دُونَهَا وَأَوَّلُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ احْمَد وَالْأَرْبَعَة وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَفَعَهُ كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتُهَ أَهْلَهُ الْحَدِيثَ وَكَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرط المُصَنّف اسْتَعْملهُ لَفْظَ تَرْجَمَةٍ وَاسْتَنْبَطَ مِنَ الْمَعْنَى مَا قَيَّدَ بِهِ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَى الرَّمْيِ أَنَّهُ لَهْوٌ لِإِمَالَةِ الرَّغَبَاتِ إِلَى تَعْلِيمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صُورَةِ اللَّهْوِ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَعَلُّمِهِ الْإِعَانَةُ عَلَى الْجِهَادِ وَتَأْدِيبُ الْفَرَسِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُسَابَقَةِ عَلَيْهَا وَمُلَاعَبَةُ الْأَهْلِ لِلتَّأْنِيسِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَى مَا عَدَاهَا الْبُطْلَانَ مِنْ طَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ لَا أَنَّ جَمِيعَهَا مِنَ الْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ أَيْ مَا يَكُونُ حُكْمُهُ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث الْآيَةَ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْأَكْثَرُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ الله الْآيَة وَذكر بن بَطَّالٍ أَنَّ الْبُخَارِيَّ اسْتَنْبَطَ تَقْيِيدَ اللَّهْوِ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيل الله فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَاهُ لَا لِيُضِلَّ لَا يَكُونُ مَذْمُومًا وَكَذَا مَفْهُومُ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَشْغَلْهُ اللَّهْوُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَا يَكُونُ بَاطِلًا لَكِنْ عُمُومُ هَذَا الْمَفْهُومِ يُخَصُّ بِالْمَنْطُوقِ فَكُلُّ شَيْءٍ نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ مِمَّا يُلْهِي يَكُونُ بَاطِلًا سَوَاءٌ شَغَلَ أَوْ لَمْ يَشْغَلْ وَكَأَنَّهُ رَمَزَ إِلَى ضَعْفِ مَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ اللَّهْوِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْغِنَاءِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَفِيهِنَّ أَنْزَلَ اللَّهُ وَمِنَ النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث الْآيَة وَسَنَده ضَعِيف واخرج الطَّبَرَانِيّ عَن بن مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا أَنَّهُ فَسَّرَ اللَّهْوَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْغِنَاءِ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ الْحَدِيثَ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْقِمَارَ مِنْ جُمْلَةِ اللَّهْوِ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ دَعَا إِلَى الْمَعْصِيَةِ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالتَّصَدُّقِ لِيُكَفِّرَ عَنْهُ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ لِأَنَّ مَنْ دَعَا إِلَى مَعْصِيَةٍ وَقَعَ بِدُعَائِهِ إِلَيْهَا فِي مَعْصِيَةٍ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَجْهُ تَعَلُّقِ هَذَا الْحَدِيثِ بِالتَّرْجَمَةِ وَالتَّرْجَمَةِ بِالِاسْتِئْذَانِ أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الْقِمَارِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي دُخُولِ الْمَنْزِلِ ثُمَّ لِكَوْنِهِ يَتَضَمَّنُ اجْتِمَاعَ النَّاسِ وَمُنَاسَبَةُ بَقِيَّةِ حَدِيثِ الْبَابِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ الْحَلِفَ بِاللَّاتِ لَهْوٌ يَشْغَلُ عَنِ الْحَقِّ بِالْخَلْقِ فَهُوَ بَاطِلٌ انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا قَدَّمَ تَرْجَمَةَ تَرْكِ السَّلَامِ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا أَشَارَ إِلَى تَرْكِ الْإِذْنِ لِمَنْ يَشْتَغِلُ بِاللَّهْوِ عَنِ الطَّاعَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ وَالنَّجْمِ قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ هَذَا الْحَرْفُ تَعَالَ أُقَامِرْكَ لَا يَرْوِيهِ أَحَدٌ إِلَّا الزُّهْرِيُّ وَلِلزُّهْرِيِّ نَحْوُ تِسْعِينَ حَرْفًا لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ قُلْتُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ التَّفَرُّدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ لِأَنَّ لِبَقِيَّةِ الْحَدِيثِ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يُسْتَفَادُ مِنْهُ سَبَبُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ قَالَ كُنَّا حَدِيثِي عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَحَلَفْتُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِكِ وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ ثُمَّ لَا تَعُدْ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَى آخِرِ الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ إِلَى قَوْلِهِ قَدِيرٌ وَيَحْتَمِلُ الِاكْتِفَاءُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِأَنَّهَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيث سعد تَأْكِيد. [فتح الباري في شرح صحيح البخاري].
قال بدر الدين العيني (ت: 855 هـ):
(بابُ كلُّ لَهْوٍ باطِلٌ إِذا شَغَلَهُ عَنْ طاعَةِ الله)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: كل لَهو بَاطِل، وَهِي لفظ حَدِيث أخرجه أَحْمد وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة من حَدِيث عقبَة بن عَامر رَفعه: (كل مَا يلهو بِهِ الْمَرْء الْمُسلم بَاطِل إلاَّ رمية بقوسه، وتأديب فرسه، وملاعبة أَهله) . وَلما لم يكن هَذَا الحَدِيث على شَرطه جعل مِنْهُ تَرْجَمَة وَلم يُخرجهُ فِي (الْجَامِع) . قَوْله: (كل لَهو) ، كَلَام إضافي مَرْفُوع على الِابْتِدَاء. قَوْله: (بَاطِل) خَبره. قَوْله: (إِذا شغله) الضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى اللَّهْو، والمنصوب إِلَى اللاهي يدل عَلَيْهِ لفظ: اللَّهْو، وَقيد بقوله: إِذا شغله ... الخ، لِأَنَّهُ إِذا لم يشْغلهُ عَن طَاعَة الله يكون مُبَاحا، وَعَلِيهِ أهل الْحجاز. لَا يُرى أَن الشَّارِع أَبَاحَ للجاريتين يَوْم الْعِيد الْغناء فِي بَيت عَائِشَة من أجل الْعِيد، كَمَا مضى فِي كتاب الْعِيدَيْنِ، وأباح لَهَا النّظر إِلَى لعب الْحَبَشَة بالحراب فِي الْمَسْجِد؟ وَوجه ذكر هَذَا الْبَاب فِي كتاب الاسْتِئْذَان من حَيْثُ إِن اللَّهْو لَا يكون إلاَّ فِي الْمنَازل، وَمِنْه الْقمَار فَلَا يكون إلاَّ فِي منزل خَاص وَدخُول الْمنزل يحْتَاج إِلَى الاسْتِئْذَان.
وَمَنْ قَالَ لِصاحِبِهِ: تَعالَ أُقامرْكَ
هَذَا عطف على مَا قبله وَمَعْنَاهُ: من قَالَ هَذَا مَا يكون حكمه. قَوْله: (تعال) أَمر من: تَعَالَى يتعالى تعالياً، تَقول: تعال تعاليا تَعَالَوْا تعالي للْمَرْأَة تعاليا تعالين، وَلَا يتَصَرَّف مِنْهُ غير ذَلِك، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَلَا يجوز أَن يُقَال مِنْهُ: تعاليت، وَلَا ينْهَى مِنْهُ، وَقَالَ غَيره: يجوز تعاليت.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمن النَّاس ... . سَبِيل الله} (لُقْمَان: 6)
هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأكثرين: وَقَوله وَمن النَّاس {من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} . الْآيَة. وَتَمام الْآيَة: { (13) ليضل عَن سَبِيل ... . عَذَاب مهين} (لُقْمَان: 6) وَوجه ذكر هَذِه الْآيَة عقيب التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة أَنه جعل اللَّهْو فِيهَا قائداً إِلَى الضلال صاداً عَن سَبِيل الله فَهُوَ بَاطِل، وَقيل: ذكر هَذِه الْآيَة لاستنباط تَقْيِيد اللَّهْو بالترجمة من مَفْهُوم قَوْله تَعَالَى: {ليضل عَن سَبِيل الله بِغَيْر علم} فَإِن مَفْهُومه أَنه إِذا اشْتَرَاهُ لَا ليضل لَا يكون مذموماً، وَكَذَا مَفْهُوم التَّرْجَمَة أَنه إِذا لم يشْغلهُ اللَّهْو عَن طَاعَة الله لَا يكون مذموماً، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي اللَّهْو فِي الْآيَة، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: الْغناء وَحلف عَلَيْهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب، وَقَالَهُ مُجَاهِد أَيْضا، وَقيل: الِاسْتِمَاع إِلَى الْغناء وَإِلَى مثله من الْبَاطِل، وَقيل: مَا يلهاه من الْغناء وَغَيره، وَعَن ابْن جريج: الطبل، وَقيل: الشّرك، وَعَن ابْن عَبَّاس: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل اشْترى جَارِيَة تغنيه لَيْلًا وَنَهَارًا، وَقيل: نزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث وَكَانَ يتجر إِلَى فَارس فيشتري كتب الْأَعَاجِم فَيحدث بهَا قُريْشًا، وَيَقُول: إِن كَانَ مُحَمَّد يُحَدثكُمْ بِحَدِيث عَاد وَثَمُود فَأَنا أحدثكُم بِحَدِيث رستم وبهرام والأكاسرة وملوك الْحيرَة، فيستملحون حَدِيثه ويتركون اسْتِمَاع الْقُرْآن. قَوْله: {ليضل عَن سَبِيل الله} أَخذ البُخَارِيّ مِنْهُ قَوْله فِي التَّرْجَمَة: إِذا شغله عَن طَاعَة الله، وَالْمرَاد من: {سَبِيل الله} الْقُرْآن، وَقيل: دين الْإِسْلَام، وقرى: ليضل، بِضَم الْيَاء وَفتحهَا. [عمدة القاري]
قال برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي(ت:885هـ)
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡتَرِی لَهۡوَ ٱلۡحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ﴾ [لقمان ٦]
ولَمّا كانَ فَطْمُ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَواتِ. أعْظَمَ هُدًى قائِدٍ إلى حُصُولِ المُراداتِ، وكانَ اتِّباعُها الشَّهَواتِ أعْظَمَ قاطِعٍ عَنِ الكَمالاتِ، وكانَ في خِتامِ الرُّومِ أنَّ مَن وقَفَ مَعَ المَوْهُوماتِ عَنْ طَلَبِ المَعْلُوماتِ مَطْبُوعٌ عَلى قَلْبِهِ، وكانَ ما دَعا إلَيْهِ الكِتابُ هو الحِكْمَةَ الَّتِي نَتِيجَتُها الفَوْزُ، وما دَعا إلَيْهِ اللَّهْوُ هو السَّفَهُ المُضادُّ لِلْحِكْمَةِ، بِوَضْعِ الأشْياءِ في غَيْرِ مَواضِعِها، المُثْمِرُ لِلْعَطَبِ، قالَ تَعالى مُعَجِّبًا مِمَّنْ يَتْرُكُ الجِدَّ إلى اللَّهْوِ، ويَعْدِلُ عَنْ جَوْهَرِ العِلْمِ إلى صِدْقِ السَّهْوِ، عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَمِنَ النّاسِ مَن يَتَحَلّى بِهَذا الحالِ فَيَرْقى إلى حَلَبَةِ أهْلِ الكَمالِ: ﴿ومِنَ﴾ ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ حالًا مِن فاعِلِ الإشارَةِ. أيْ أُشِيرُ إلى آياتِ الكِتابِ الحَكِيمِ حالَ كَوْنِهِ هُدًى لِمَن ذَكَرَ والحالُ أنَّ مِن ﴿النّاسِ﴾ الَّذِينَ هم في أدْنى رُتْبَةِ الإحْساسِ، لَمْ يَصِلُوا إلى رُتْبَةِ أهْلِ الإيمانِ، فَضْلًا عَنْ مَقامِ أُولِي الإحْسانِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: مَن يَسِيرُ بِغَيْرِ هَذا السَّيْرِ، فَيَقْطَعُ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مَن يَشْتَرِي﴾ [أيْ] غَيْرَ مُهْتَدٍ بِالكِتابِ ولا مَرْحُومٍ بِهِ ﴿لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ أيْ ما يُلْهِي مِنَ الأشْياءِ المُتَجَدِّدَةِ الَّتِي تَسْتَلِذُّ فَيَقْطَعُ بِها الزَّمانَ مِنَ الغَناءِ والمُضْحِكاتِ وكُلِّ شَيْءٍ لا اعْتِبارَ فِيهِ، فَيُوصِلُ النَّفْسَ بِما أوْصَلَها إلَيْهِ مِنَ اللَّذَّةِ إلى مُجَرَّدِ الطَّبْعِ البَهِيمِيِّ فَيَدْعُوها إلى العَبَثِ مِنَ اللَّعِبِ كالرَّقْصِ ونَحْوِهِ مُجْتَهِدًا في ذَلِكَ مُعْمِلًا الخَيْلَ في تَحْصِيلِهِ بِاشْتِراءِ سَبَبِهِ، مُعْرِضًا عَنِ اقْتِناصِ العُلُومِ وتَهْذِيبِ النَّفْسِ بِها عَنِ الهُمُومِ والغُمُومِ، فَيَنْزِلُ إلى أسْفَلِ سافِلِينَ كَما عَلا الَّذِي قَبْلَهُ بِالحِكْمَةِ إلى أعْلى عِلِّيِّينَ - قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: نَزَلَتْ في رَجُلٍ اشْتَرى جارِيَةً تُغَنِّيهِ لَيْلًا ونَهارًا، وقالَ مُجاهِدٌ: في شِرى القِيانِ والمُغَنِّينَ والمُغَنَّياتِ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ اللَّهْوُ الغِناءُ، وكَذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ.
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ عاقِبَةَ هَذِهِ المَلاهِي الضَّلالُ، بِانْهِماكِ النَّفْسِ في ذَلِكَ، لِما طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّهْوَةِ لِمُطْلَقِ البِطالَةِ، فَكَيْفَ مَعَ ما يُثِيرُ ذَلِكَ ويَدْعُو إلَيْهِ مِنَ اللَّذاذَةِ، فَتَصِيرُ أسِيرَةَ الغَفْلَةِ عَنِ الذِّكْرِ، وقَبِيلَةَ الإعْراضِ عَنِ الفِكْرِ، وكانَ المُخاطَبُ بِهَذا الكِتابِ قَوْمًا يَدَّعُونَ العُقُولَ الفائِقَةَ، والأذْهانَ الصّافِيَةَ الرّائِقَةَ قالَ تَعالى: ﴿لِيُضِلَّ﴾ مِنَ الضَّلالِ والإضْلالِ عَلى القِراءَتَيْنِ، ضِدَّ ما كانَ عَلَيْهِ المُحْسِنُونَ مِنَ الهُدى ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيِ الطَّرِيقِ الواضِحِ الواسِعِ المُوصِلِ إلى رِضى المَلِكِ الأعْلى المُسْتَجْمِعِ [لِصِفاتِ] الكَمالِ والجَلالِ والجَمالِ الَّتِي هم مُقِرُّونَ بِكَثِيرٍ مِنها، مُنَبِّهًا لَهم عَلى أنَّ هَذا مُضِلٌّ عَنِ السَّبِيلِ ولا بُدَّ، وأنَّ ذَلِكَ بِحَيْثُ لا يَخْفى عَلَيْهِمْ، فَإنْ كانَ مَقْصُودًا لَهم فَهو ما لا يَقْصِدُهُ مَن لَهُ عِدادٌ في البَشَرِ، وإلّا كانُوا مِنَ الغَفْلَةِ وسُوءِ النَّظَرِ وعَمى البَصِيرَةِ بِمَنزِلَةٍ هي دُونَ ذَلِكَ بِمَراحِلَ.
ولَمّا كانَ المُرادُ مِن قَصْدِ الضَّلالِ عَنِ الشَّيْءِ تَرْكَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وكانَ العاقِلُ لا يُقْدِمُ عَلى تَرْكِ شَيْءٍ إلّا وهو عالِمٌ بِأنَّهُ لا خَيْرَ فِيهِ قالَ: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ونَكَّرَهُ لِيُفِيدَ السَّلْبَ العامَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِن أنْواعِ العِلْمِ، أيْ لِأنَّهم لا عِلْمَ لَهم بِشَيْءٍ مِن حالِ السَّبِيلِ ولا حالِ غَيْرِها، عِلْمًا يَسْتَحِقُّ إطْلاقَ العِلْمِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ يُفِيدُ رِبْحًا أوْ يُبْقِي عَلى رَأْسِ مالٍ مِن دِينٍ أوْ دُنْيا، فَإنَّ هَذا حالُ مَنِ اسْتَبْدَلَ الباطِلَ بِالحَقِّ والضَّلالَ بِالهُدى.
ولَمّا كانَ المُسْتَهْزِئُ بِالشَّيْءِ المُحْتَقِرُ لَهُ لا يَتَمَكَّنُ مِن ذَلِكَ إلّا بَعْدَ الخِبْرَةِ التّامَّةِ بِحالِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وأنَّهُ لا يَصْلُحُ لِصالِحِهِ ولا يُرَوَّجُ لَهُ حالٌ بِحالٍ قالَ مُعَجِّبًا تَعْجِيبًا آخَرَ أشَدَّ مِنَ الأوَّلِ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى ”يَضِلُّ“ فِي قِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ وحَفْصٍ عَنْ عاصِمٍ، وبِالرَّفْعِ لِلْباقِينَ عَطْفًا عَلى ﴿يَشْتَرِي﴾ ﴿ويَتَّخِذَها﴾ أيْ يُكَلِّفُ نَفْسَهُ ضِدَّ ما تَدْعُوهُ إلَيْهِ فِطْرَتُهُ [الأُولى] أنْ يَأْخُذَ السَّبِيلَ الَّتِي لا أشْرَفُ مِنها مَعَ ما ثَبَتَ لَهُ مِنَ الجَهْلِ المُطْلَقِ ﴿هُزُوًا﴾
ولَمّا أنْتَجَ لَهُ هَذا الفِعْلُ الشَّقاءَ الدّائِمَ. بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ، جامِعًا حَمْلًا عَلى مَعْنى ”مِن“ بَعْدَ أنْ أفْرَدَ حَمْلًا عَلى لَفْظِها، لِأنَّ الجَمْعَ في مَقامِ الجَزاءِ أهْوَلُ، والتَّعْجِيبُ مِنَ الواحِدِ أبْلَغُ ﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ الأغْبِياءُ البَعِيدُونَ عَنْ رُتْبَةِ الإنْسانِ، وتَهَكَّمَ بِهِمُ التَّعْبِيرُ بِاللّامِ المَوْضُوعَةِ لِما يُلائِمُ فَقالَ: ﴿لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ أيْ يَثْبُتُ لَهُمُ الخِزْيُ الدّائِمُ ضِدَّ ما كانَ لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الرَّحْمَةِ. [نظم الدرر]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الم * تلك آيات الكتاب الحكيم * هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون * ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين.
أخرج البيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} يعني باطل الحديث، وهو النضر بن الحارث بن علقمة، اشترى أحاديث العجم وصنيعهم في دهرهم وكان يكتب الكتب من الحيرة والشام ويكذب بالقرآن فأعرض عنه فلم يؤمن به). [الدر المنثور: 11/613]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: شراؤه استحبابه، وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وفي قوله {ويتخذها هزوا} قال: يستهزئ بها ويكذبها). [الدر المنثور: 11/614]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ويتخذها هزوا} قال: سبيل الله يتخذ السبيل هزوا). [الدر المنثور: 11/614]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: باطل الحديث، وهو الغناء ونحوه {ليضل عن سبيل الله} قال: قراءة القرآن وذكر الله، نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية). [الدر المنثور: 11/614]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج جويبر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: أنزلت في النضر بن الحارث، اشترى قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وان تقاتل بين يديه فنزلت). [الدر المنثور: 11/614]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه والبيهقي عن أبي امامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} إلى آخر الآية). [الدر المنثور: 11/615]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها، ثم قرأ {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} ). [الدر المنثور: 11/615]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء وأشباهه). [الدر المنثور: 11/615]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {ومن الناس من يشتري لهو الحديث}
قال: هو شراء المغنية). [الدر المنثور: 11/615-616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن مكحول رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: الجواري الضاربات). [الدر المنثور: 11/616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الايمان عن أبي الصهباء قال: سألت عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن قوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو - والله - الغناء). [الدر المنثور: 11/616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير عن شعيب بن يسار قال: سألت عكرمة رضي الله عنه عن {لهو الحديث} قال: هو الغناء). [الدر المنثور: 11/616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء وكل لعب لهو). [الدر المنثور: 11/616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم رضي الله عنه {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء وقال مجاهد رضي الله عنه: هو لهو الحديث). [الدر المنثور: 11/616-617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني رضي الله عنه {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء والباطل). [الدر المنثور: 11/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} في الغناء والمزامير). [الدر المنثور: 11/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع والذكر ينبت الايمان في القلب كما ينبت الماء الزرع). [الدر المنثور: 11/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا عن إبراهيم رضي الله عنه قال: كانوا يقولون: الغناء ينبت النفاق في القلب). [الدر المنثور: 11/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل). [الدر المنثور: 11/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إذا ركب الرجل الدابة ولم يسم ردفه شيطان فقال: تغنه فان كان لا يحسن قال له: تمنه). [الدر المنثور: 11/617-618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن مردويه عن أبي امامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان باعقابهما على صدره حتى يمسك). [الدر المنثور: 11/618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الشعبي عن القاسم بن محمد رضي الله عنه أنه سئل عن الغناء فقال: أنهاك عنه وأكرهه لك، قال السائل: احرام هو قال: انظر يا ابن أخي، إذا ميز الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء). [الدر المنثور: 11/618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الشعبي قال: لعن المغني والمغنى له). [الدر المنثور: 11/618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن فضيل بن عياض قال: الغناء رقية الزنا). [الدر المنثور: 11/619]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي عثمان الليثي قال: قال يزيد بن الوليد الناقص: يا بني أمية أياكم والغناء فانه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة وانه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر فان كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء فان الغناء داعية الزنا). [الدر المنثور: 11/619]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي جعفر الأموي عمر بن عبد الله قال: كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى مؤدب ولده: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى سهل مولاه، أما بعد فاني اخترتك على علم مني لتأديب ولدي وصرفتهم إليك عن غيرك من موالي وذوي الخاصة بي فخذهم بالجفاء فهو أمكن لاقدامهم وترك الصحبة فان عادتها تكسب الغفلة وكثرة الضحك فان كثرته تميت القلب وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن فانه بلغني عن الثقات من حملة العلم ان حضور المعازف واستماع الاغاني واللهج بهما ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب ولعمري ولتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذوي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبهن وهو حين يفارقها لا يعتقد مما سمعت أذناه على شيء ينتفع به وليفتح كل غلام منهم بجزئه من القرآن يثبت في قراءته فإذا فرغ منه تناول قوسه وكنانته وخرج إلى الغرض حافيا فرمى سبعة ارشاق ثم انصرف إلى القائلة فان ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول: يا بني قيلوا فان الشياطين لا تقيل والسلام). [الدر المنثور: 11/619-620]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا عن رافع بن حفص المدني قال: أربع لا ينظر الله إليهن يوم القيامة، الساحرة، والنائحة، والمغنية، والمرأة مع المرأة، وقال: من أدرك ذلك الزمان فأولى به طول الحزن). [الدر المنثور: 11/620]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي بن الحسين رضي الله عنه قال: ما قدست أمة فيها البربط). [الدر المنثور: 11/620]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة، خدش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان). [الدر المنثور: 11/620-621]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال: صوتان ملعونان، مزمار عند نغمة، ورنة عند مصيبة). [الدر المنثور: 11/621]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: أخبث الكسب كسب الزمارة). [الدر المنثور: 11/621]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن نافع قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في طريق فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول: يا نافع أتسمع قلت: لا، فأخرج أصبعيه من أذنيه وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع). [الدر المنثور: 11/621]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: في هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} إنما ذلك شراء الرجل اللعب والباطل). [الدر المنثور: 11/621]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم في الكني عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} في الغناء والباطل والمزامير). [الدر المنثور: 11/621-622]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج آدم، وابن جرير والبيهقي في "سننه" عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو اشتراؤه المغني والمغنية بالمال الكثير والاستماع إليه والى مثله من الباطل). [الدر المنثور: 11/622]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو رجل يشتري جارية تغنيه ليلا أو نهارا). [الدر المنثور: 11/622]
قال أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين (المتوفى: 923هـ):
باب كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ
وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6].
هذا (باب) بالتنوين (كل لهو باطل إذا شغله) أي شغل اللاهي به (عن طاعة الله) ولو كان مأذونًا فيه كمن اشتغل بصلاة نافلة أو تلاوة أو ذكر أو تفكّر في معاني القرآن حتى خرج وقت المفروضة عمدًا (و) حكم (من قال لصاحبه: تعال أقامرك) بالجزم (وقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث}) [لقمان: 6].
قال ابن مسعود فيما رواه ابن جرير: هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات. وبه قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير، وقال الحسن: أنزلت في الغناء والمزامير، وعند الإمام أحمد عن وكيع قال: حدّثنا خلاّد الصفار عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن هو أبو عبد الرحمن مرفوعًا: "لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن وأكل أثمانهن حرام". ورواه ابن أبي شيبة بالسند المذكور إلى القاسم عن أبي أمامة مرفوعًا بلفظ أحمد، وزاد وفيه أنزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} ورواه الترمذي من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية". وقال: حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه قال: وسألت البخاري عن إسناد هذا الحديث فقال: علي بن يزيد ذاهب الحديث ووثق عبيد الله والقاسم بن عبد الرحمن، ورواه ابن ماجة في التجارات من حديث عبيد الله الأفريقي عن أبي أمامة قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع المغنيات وعن شرائهن وعن كسبهن وعن أكل أثمانهن. ورواه الطبراني عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ثمن القينة سحت وغناؤها حرام والنظر إليها حرام وثمنها من ثمن الكلب وثمن الكلب سحت ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به". ورواه البيهقي عن أبي أمامة من طريق ابن زحر مثل رواية الإمام أحمد، وفي معجم الطبراني الكبير من حديث أبي أمامة الباهلي أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَم قال: "ما رفع رجل بعقيرته غناء إلا بعث الله شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يسكت متى سكت". وقيل الغناء مفسدة للقلب منفذة للمال مسخطة للرب، وفي ذلك الزجر الشديد للأشقياء المعرضين عن الانتفاع بسماع كلام الله المقبلين على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب وإضافة اللهو إلى الحديث للتبيين بمعنى "من" لأن اللهو يكون من الحديث وغيره فبين بالحديث أو للتبعيض كأنه قيل: ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه
({ليضل}) أي ليصد الناس ({عن سبيل الله}) دين الإِسلام والقرآن وسقط لأبي ذر قوله {ليضل عن سبيل الله} وقال بدلها: الآية. [إرشاد الساري]
قال أبي السعود محمد العمادي الحنفي (ت:982ه): في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡتَرِی لَهۡوَ ٱلۡحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ﴾ [لقمان ٦]
﴿وَمِنَ النّاسِ﴾ مَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلى الِابْتِداءِ بِاعْتِبارِ مَضْمُونِهِ، أوْ بِتَقْدِيرِ المَوْصُوفِ، و(مَن) في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ مَوْصُولَةٌ، أوْ مَوْصُوفَةٌ مَحَلُّها الرَّفْعُ عَلى الخَبَرِيَّةِ، والمَعْنى: وبَعْضُ النّاسِ، أوْ وبَعْضٌ مِنَ النّاسِ الَّذِي يَشْتَرِي، أوْ فَرِيقٌ يَشْتَرِي عَلى أنَّ مَناطَ الإفادَةِ والمَقْصُودَ بِالأصالَةِ هو اتِّصافُهم بِما في حِّيزِ الصِّلَةِ، أوِ الصِّفَةِ، لا كَوْنُهم ذَواتِ أُولَئِكَ المَذْكُورِينَ كَما مَرَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ﴾ ... الآياتِ. ولَهْوُ الحَدِيثِ ما يُلْهِي عَمّا يُعْنى مِنَ المُهِمّاتِ كالأحادِيثِ الَّتِي لا أصْلَ لَها، والأساطِيرِ الَّتِي لا اعْتِدادَ بِها، والمُضاحِكِ، وسائِرِ ما لا خَيْرَ فِيهِ مِن فُضُولِ الكَلامِ، والإضافَةُ بِمَعْنى مِنَ التَّبْيِينِيَّةِ إنْ أُرِيدَ بِالحَدِيثِ المُنْكَرُ، وبِمَعْنى التَّبْعِيضِيَّةِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الأعَمُّ مِن ذَلِكَ. وقِيلَ: نَزَلَتِ الآيَةُ في النَّضْرِ بْنِ الحَرْثِ اشْتَرى كُتُبَ الأعاجِمِ، وكانَ يُحَدِّثُ بِها قُرَيْشًا، ويَقُولُ: إنْ كانَ مُحَمَّدٌ ﷺ يُحَدِّثُكم بِحَدِيثِ عادٍ وثَمُودَ فَأنا أُحَدِّثُكم بِحَدِيثِ رُسْتُمَ وإسْفِنْدِيارَ والأكاسِرَةِ. وقِيلَ: كانَ يَشْتَرِي القِيانَ، ويَحْمِلُهُنَّ عَلى مُعاشَرَةِ مَن أرادَ الإسْلامَ ومَنعِهِ عَنْهُ.
﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ: دِينِهِ الحَقِّ المُوَصِّلِ إلَيْهِ تَعالى: أوْ عَنْ قِراءَةِ كِتابِهِ الهادِي إلَيْهِ تَعالى، وقُرِئَ: (لِيَضِلَّ) بِفَتْحِ الياءِ، أيْ: لِيَثْبُتَ ويَسْتَمِرَّ عَلى ضَلالِهِ، أوْ لِيَزْدادَ فِيهِ.
﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أيْ: بِحالِ ما يَشْتَرِيهِ، أوْ بِالتِّجارَةِ حَيْثُ اسْتَبْدَلَ الشَّرَّ البَحْتَ بِالخَيْرِ المَحْضِ.
﴿وَيَتَّخِذَها﴾ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى يُضِلَّ، والضَّمِيرُ لِلسَّبِيلِ فَإنَّهُ مِمّا يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وهو دِينُ الإسْلامِ، أوِ القرآن، أيْ: ويَتَّخِذَها.
﴿هُزُوًا﴾ مَهْزُوًّا بِهِ، وقُرِئَ: (وَيَتَّخِذُها) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى "يَشْتَرِي". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى مَن، والجَمْعُ بِاعْتِبارِ مَعْناها كَما أنَّ الإفْرادَ في الفِعْلَيْنِ بِاعْتِبارِ لَفْظِها، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ مَعَ قُرْبِ العَهْدِ بِذِكْرِ المُشارِ إلَيْهِ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ في الشَّرارَةِ، أيْ: أُولَئِكَ المَوْصُوفُونَ بِما ذُكِرَ مِنَ الِاشْتِراءِ لِلْإضْلالِ.
﴿لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ لِما اتَّصَفُوا بِهِ مِن إهانَتِهِمُ الحَقَّ بِإيثارِ الباطِلِ عَلَيْهِ، وتَرْغِيبِ النّاسِ فِيهِ. [إرشاد العقل السليم]
قال شهاب الدين أبي الثناء محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (ت::1270ه) في قوله تعالى:﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡتَرِی لَهۡوَ ٱلۡحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ﴾ [لقمان ٦]
﴿ومِنَ النّاسِ﴾ أيْ بَعْضٍ مِنَ النّاسِ، أوْ بَعْضُ النّاسِ ﴿مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ أيِ الَّذِي أوْ فَرِيقٌ يَشْتَرِي عَلى أنَّ مَناطَ الإفادَةِ والمَقْصُودَ بِالأصالَةِ هو اتِّصافُهم بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ أوِ الصِّفَةِ لا كَوْنُهم ذَواتَ أُولَئِكَ المَذْكُورِينَ، والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَها بِحَسَبِ المَعْنى، كَأنَّهُ قِيلَ: مِنَ النّاسِ هادٍ مَهْدِيٌّ، ومِنهم ضالٌّ مُضِلٌّ، أوْ عَطَفَ قِصَّةً عَلى قِصَّةٍ، وقِيلَ: إنَّها حالٌ مِن فاعِلِ الإشارَةِ أيْ أُشِيرَ إلى آياتِ الكِتابِ حالَ كَوْنِها هُدًى ورَحْمَةً والحالُ مِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي إلَخْ، ( ولَهْوَ الحَدِيثِ ) عَلى ما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ كُلُّ ما شَغَلَكَ عَنْ عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى وذِكْرِهِ مِنَ السَّمَرِ والأضاحِيكِ والخُرافاتِ والغِناءِ ونَحْوِها، والإضافَةُ بِمَعْنى مِن، إنْ أُرِيدَ بِالحَدِيثِ المُنْكَرُ، كَما في حَدِيثِ: ««الحَدِيثُ في المَسْجِدِ يَأْكُلُ الحَسَناتِ كَما تَأْكُلُ البَهِيمَةُ الحَشِيشَ»»
بِناءً عَلى أنَّها بَيانِيَّةٌ وتَبْعِيضِيَّةٌ إنْ أُرِيدَ بِهِ ما هو أعَمُّ مِنهُ، بِناءً عَلى مَذْهَبِ بَعْضِ النُّحاةِ كابْنِ كَيْسانَ، والسِّيرافِيِّ قالُوا: إضافَةُ ما هو جُزْءٌ مِنَ المُضافِ إلَيْهِ بِمَعْنى مِنَ التَّبْعِيضِيَّةِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ وُقُوعُ الفَصْلِ بِها في كَلامِهِمْ، والَّذِي عَلَيْهِ أكْثَرُ المُتَأخِّرِينَ، وذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ السِّراجِ، والفارِسِيُّ وهو الأصَحُّ أنَّها عَلى مَعْنى اللّامِ كَما فَصَّلَهُ أبُو حَيّانَ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ وذَكَرَهُ شارِحُ اللُّمَعِ.
وعَنِ الضَّحّاكِ أنَّ ﴿لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ الشِّرْكُ، وقِيلَ: السِّحْرُ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ، عَنْ أبِي الصَّهْباءِ، قالَ: سَألْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ قالَ: هو واللَّهِ الغِناءُ وبِهِ فَسَّرَ كَثِيرٌ، والأحْسَنُ تَفْسِيرُهُ بِما يَعُمُّ كُلَّ ذَلِكَ، كَما ذَكَرْناهُ عَنِ الحَسَنِ، وهو الَّذِي يَقْتَضِيهِ ما أخْرَجَهُ البُخارِيُّ في الأدَبِ المُفْرَدِ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: ( لَهْوُ الحَدِيثِ ) هو الغِناءُ، وأشْباهُهُ، وعَلى جَمِيعِ ذَلِكَ يَكُونُ الِاشْتِراءُ اسْتِعارَةٌ لِاخْتِيارِهِ عَلى القُرْآنِ واسْتِبْدالِهِ بِهِ، وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ مَكْحُولٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ قالَ: الجَوارِي الضّارِباتُ.
وأخْرَجَ آدَمُ، وابْنُ جَرِيرٍ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ فِيهِ: هو اشْتِراؤُهُ المُغَنِّيَ والمُغَنِّيَةَ والِاسْتِماعُ إلَيْهِ، وإلى مِثْلِهِ مِنَ الباطِلِ، وفي رِوايَةٍ ذَكَرَها البَيْهَقِيُّ في السُّنَنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: في الآيَةِ هو رَجُلٌ يَشْتَرِي جارِيَةً تُغَنِّيهِ لَيْلًا أوْ نَهارًا، واشْتُهِرَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ، فَفي رِوايَةِ جُوَيْبِرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّهُ اشْتَرى قَيْنَةً فَكانَ لا يَسْمَعُ بِأحَدٍ يُرِيدُ الإسْلامَ إلّا انْطَلَقَ بِهِ إلى قَيْنَتِهِ، فَيَقُولُ: أطْعِمِيهِ واسْقِيهِ وغَنِّيهِ، ويَقُولُ: هَذا خَيْرٌ مِمّا يَدْعُوكَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الصَّلاةِ والصِّيامِ، وأنْ تُقاتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَزَلَتْ».
وفِي أسْبابِ النُّزُولِ لِلْواحِدِيِّ عَنِ الكَلْبِيِّ، ومُقاتِلٍ: «أنَّهُ كانَ يَخْرُجُ تاجِرًا إلى فارِسَ فَيَشْتَرِي أخْبارَ الأعاجِمِ، وفي بَعْضِ الرِّواياتِ: كُتُبَ الأعاجِمِ، فَيَرْوِيها، ويُحَدِّثُ بِها قُرَيْشًا، ويَقُولُ لَهُمْ: إنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يُحَدِّثُكم بِحَدِيثِ عادٍ، وثَمُودَ، وأنا أُحَدِّثُكم بِحَدِيثِ رُسْتُمَ، وإسْفَنْدَيارَ، وأخْبارِ الأكاسِرَةِ، فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ، ويَتْرُكُونَ اسْتِماعَ القُرْآنِ فَنَزَلَتْ،» وقِيلَ: إنَّها نَزَلَتْ في ابْنِ خَطَلٍ اشْتَرى جارِيَةً تُغَنِّي بِالسَّبِّ، ولا يَأْبى نُزُولَها فِيمَن ذَكَرَ الجَمْعَ في قَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ: ( أُولَئِكَ لَهم ) كَما لا يَخْفى عَلى الفَطِنِ، والِاشْتِراءُ عَلى أكْثَرِ هَذِهِ الرِّواياتِ عَلى حَقِيقَتِهِ، ويَحْتاجُ في بَعْضِها إلى عُمُومِ المَجازِ أوِ الجَمْعِ بَيْنَ الحَقِيقَةِ والمَجازِ، كَما لا يَخْفى عَلى مَن دَقَّقَ النَّظَرَ، وجَعَلَ المُغَنِّيَةَ ونَحْوَها نَفْسَ لَهْوِ الحَدِيثِ مُبالَغَةً كَما جَعَلَ النِّساءَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ﴾ [آلُ عِمْرانَ: 14] نَفْسَ الزِّينَةِ.
وفِي البَحْرِ: إنْ أُرِيدَ بِلَهْوِ الحَدِيثِ ما يَقَعُ عَلَيْهِ الشِّراءُ كالجَوارِي المُغَنِّياتِ وكَكُتُبِ الأعاجِمِ، فالِاشْتِراءُ حَقِيقَةٌ، ويَكُونُ الكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ مَن يَشْتَرِي ذاتَ لَهْوِ الحَدِيثِ.
وقالَ الخَفاجِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ: لا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ ذاتٍ، لِأنَّهُ لَمّا اشْتُرِيَتِ المُغَنِّيَةُ لِغِنائِها، فَكَأنَّ المُشْتَرى هو الغِناءُ نَفْسُهُ، فَتَدَبَّرْهُ، وفي الآيَةِ عِنْدَ الأكْثَرِينَ ذَمٌّ لِلْغِناءِ بِأعْلى صَوْتٍ، وقَدْ تَضافَرَتِ الآثارُ وكَلِماتُ كَثِيرٍ مِنَ العُلَماءِ الأخْيارِ عَلى ذَمِّهِ مُطْلَقًا، لا في مَقامٍ دُونَ مَقامٍ، فَأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، والبَيْهَقِيُّ، في شُعَبِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: إذا رَكِبَ الرَّجُلُ الدّابَّةَ ولَمْ يُسَمِّ رَدِفَهُ شَيْطانٌ، فَقالَ: تَغَنَّهْ، فَإنْ كانَ لا يُحْسِنُ، قالَ: تَمَنَّهْ، وأخْرَجا أيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ قالَ: عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أنَّهُ سَألَ عَنِ الغِناءِ فَقالَ لِلسّائِلِ: أنْهاكَ عَنْهُ وأكْرَهُهُ لَكَ، فَقالَ السّائِلُ: أحَرامٌ هُوَ؟ قالَ: انْظُرْ يا ابْنَ أخِي إذا مَيَّزَ اللَّهُ تَعالى الحَقَّ مِنَ الباطِلِ في أيِّهِما يَجْعَلُ سُبْحانَهُ الغَناءَ؟ وأخْرَجا عَنْهُ أيْضًا أنَّهُ قالَ: «لَعَنَ اللَّهُ تَعالى المُغَنِّيَ والمُغَنّى لَهُ»، وفي السُّنَنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الغِناءُ يُنْبِتُ النِّفاقَ في القَلْبِ كَما يُنْبِتُ الماءُ البَقْلَ»،» وأخْرَجَ عَنْهُ نَحْوَهُ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، ورَواهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، والدَّيْلَمِيُّ عَنْهُ، وعَنْ أنَسٍ وضَعَّفَهُ ابْنُ القَطّانِ، وقالَ النَّوَوِيُّ: لا يَصِحُّ، وقالَ العِراقِيُّ: رَفْعُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأنَّ في إسْنادِهِ مَن لَمْ يُسَمَّ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ وقْفَهُ عَلى ابْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحٌ، وهو في حُكْمِ المَرْفُوعِ، إذْ مِثْلُهُ لا يُقالُ مِن قِبَلِ الرَّأْيِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أبِي أُمامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ««ما رَفَعَ أحَدٌ صَوْتَهُ بِغِناءٍ إلّا بَعَثَ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ شَيْطانَيْنِ يَجْلِسانِ عَلى مَنكِبَيْهِ يَضْرِبانِ بِأعْقابِهِما عَلى صَدْرِهِ حَتّى يُمْسِكَ»»
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، والبَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي عُثْمانَ اللَّيْثِيِّ قالَ: قالَ يَزِيدُ بْنُ الوَلِيدِ النّاقِصُ: (يا بَنِي أُمَيَّةَ، إيّاكم والغِناءَ، فَإنَّهُ يَنْقُصُ الحَياءَ ويَزِيدُ في الشَّهْوَةِ، ويَهْدِمُ المُرُوءَةَ، وإنَّهُ لَيَنُوبُ عَنِ الخَمْرِ، ويَفْعَلُ ما يَفْعَلُ السُّكْرُ، فَإنْ كُنْتُمْ لا بُدَّ فاعِلِينَ فَجَنِّبُوهُ النِّساءَ فَإنَّ الغِناءَ داعِيَةُ الزِّنا)، وقالَ الضَّحّاكُ: الغِناءُ مَنفَدَةٌ لِلْمالِ مَسْخَطَةٌ لِلرَّبِّ، مَفْسَدَةٌ لِلْقَلْبِ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وأحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، وغَيْرُهم عَنْ أبِي أُمامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ««لا تَبِيعُوا القَيْناتِ ولا تَشْتَرُوهُنَّ، ولا تُعَلِّمُوهُنَّ ولا خَيْرَ في تِجارَةٍ فِيهِنَّ، وثَمَنُهُنَّ حَرامٌ في مِثْلِ هَذا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ»»
وفِي رِوايَةِ ابْنِ أبِي الدُّنْيا، وابْنِ مَرْدُوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى حَرَّمَ القَيْنَةَ وبَيْعَها وثَمَنَها وتَعْلِيمَها والِاسْتِماعَ إلَيْها ثُمَّ قَرَأ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾»
ويَعُودُ هَذا ونَحْوُهُ إلى ذَمِّ الغِناءِ.
وقِيلَ: الغِناءُ جاسُوسُ القَلْبِ وسارِقُ المُرُوءَةِ والعُقُولِ، يَتَغَلْغَلُ في سُوَيْداءِ القُلُوبِ ويَطَّلِعُ عَلى سَرائِرِ الأفْئِدَةِ، ويَدِبُّ إلى بَيْتِ التَّخْيِيلِ فَيَنْشُرُ ما غُرِزَ فِيها مِنَ الهَوى، والشَّهْوَةِ، والسَّخافَةِ، والرُّعُونَةِ، فَبَيْنَما تَرى الرَّجُلَ وعَلَيْهِ سَمْتُ الوَقارِ، وبَهاءُ العَقْلِ، وبَهْجَةُ الإيمانِ، ووَقارُ العِلْمِ، كَلامُهُ حِكْمَةٌ، وسُكُوتُهُ عِبْرَةٌ فَإذا سَمِعَ الغِناءَ نَقَصَ عَقْلُهُ وحَياؤُهُ، وذَهَبَتْ مُرُوءَتُهُ وبَهاؤُهُ، فَيَسْتَحْسِنُ ما كانَ قَبْلَ السَّماعِ يَسْتَقْبِحُهُ، ويُبْدِي مِن أسْرارِهِ ما كانَ يَكْتُمُهُ، ويَنْتَقِلُ مِن بَهاءِ السُّكُوتِ والسُّكُونِ إلى كَثْرَةِ الكَلامِ، والهَذَيانِ، والِاهْتِزازِ، كَأنَّهُ جانٌّ، ورُبَّما صَفَّقَ بِيَدَيْهِ ودَقَّ الأرْضَ بِرِجْلَيْهِ، وهَكَذا تَفْعَلُ الخَمْرُ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، واخْتَلَفَ العُلَماءُ في حُكْمِهِ، فَحَكى تَحْرِيمَهُ عَنِ الإمامِ أبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ القاضِي أبُو الطَّيِّبِ، والقُرْطُبِيُّ، والماوَرْدِيُّ، والقاضِي عِياضٌ.
وفِي التّاتارِخانِيَّةِ: اعْلَمْ أنَّ التَّغَنِّيَ حَرامٌ في جَمِيعِ الأدْيانِ، وذُكِرَ في الزِّياداتِ أنَّ الوَصِيَّةَ لِلْمُغَنِّينَ والمُغَنِّياتِ مِمّا هو مَعْصِيَةٌ عِنْدَنا، وعِنْدَ أهْلِ الكِتابِ، وحُكِيَ عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ المِرْغِينانِيِّ: أنَّهُ قالَ: مَن قالَ لِمُقْرِئِ زَمانِنا: أحْسَنْتَ عِنْدَ قِراءَتِهِ كَفَرَ. وصاحِبا الهِدايَةِ والذَّخِيرَةِ سَمَّياهُ كَبِيرَةً.
هَذا في التَّغَنِّي لِلنّاسِ في غَيْرِ الأعْيادِ والأعْراسِ، ويَدْخُلُ فِيهِ تَغَنِّي صُوفِيَّةِ زَمانِنا في المَساجِدِ والدَّعَواتِ بِالأشْعارِ والأذْكارِ مَعَ اخْتِلاطِ أهْلِ الأهْواءِ، والمُرادُ بَلْ هَذا أشَدُّ مِن كُلِّ تَغَنٍّ، لِأنَّهُ مَعَ اعْتِقادِ العِبادَةِ، وأمّا التَّغَنِّي وحْدَهُ بِالأشْعارِ لِدَفْعِ الوَحْشَةِ، أوْ في الأعْيادِ والأعْراسِ فاخْتَلَفُوا فِيهِ، والصَّوابُ مَنعُهُ مُطْلَقًا في هَذا الزَّمانِ انْتَهى.
وفِي الدُّرِّ المُخْتارِ التَّغَنِّي لِنَفْسِهِ لِدَفْعِ الوَحْشَةِ لا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ العامَّةِ عَلى ما في العِنايَةِ، وصَحَّحَهُ العَيْنِيُّ، وغَيْرُهُ. قالَ: ولَوْ فِيهِ وعْظٌ وحِكْمَةٌ فَجائِزٌ اتِّفاقًا، ومِنهم مَن أجازَهُ في العُرْسِ، كَما جازَ ضَرْبُ الدُّفِّ فِيهِ، ومِنهم مَن أباحَهُ مُطْلَقًا، ومِنهم مَن كَرِهَهُ مُطْلَقًا انْتَهى. وفي البَحْرِ: والمَذْهَبُ حُرْمَتُهُ مُطْلَقًا، فانْقَطَعَ الِاخْتِلافُ بَلْ ظاهِرُ الهِدايَةِ أنَّهُ كَبِيرَةٌ، ولَوْ لِنَفْسِهِ، وأقَرَّهُ المُصَنِّفُ، وقالَ: ولا تُقْبَلُ شَهادَةُ مَن يَسْمَعُ الغِناءَ، أوْ يَجْلِسُ مَجْلِسَهُ انْتَهى كَلامُ الدُّرِّ.
وذَكَرَ الإمامُ أبُو بَكْرٍ الطَّرَسُوسِيُّ في كِتابِهِ في تَحْرِيمِ السَّماعِ أنَّ الإمامَ أبا حَنِيفَةَ يَكْرَهُ الغِناءَ ويَجْعَلُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وكَذَلِكَ مَذْهَبُ أهْلِ الكُوفَةِ سُفْيانَ، وحَمّادٍ، وإبْراهِيمَ، والشَّعْبِيِّ، وغَيْرِهِمْ، لا اخْتِلافَ بَيْنَهم في ذَلِكَ، ولا نَعْلَمُ خِلافًا بَيْنَ أهْلِ البَصْرَةِ في كَراهَةِ ذَلِكَ، والمَنعِ مِنهُ انْتَهى، وكَأنَّ مُرادَهُ بِالكَراهَةِ الحُرْمَةُ، والمُتَقَدِّمُونَ كَثِيرًا ما يُرِيدُونَ بِالمَكْرُوهِ الحَرامَ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ [الإسْراءُ: 38]، ونَقَلَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِيهِ أيْضًا عَنِ الإمامِ مالِكٍ أنَّهُ نَهى عَنِ الغِناءِ، وعَنِ اسْتِماعِهِ، وقالَ: إذا اشْتَرى جارِيَةً فَوَجَدَها مُغَنِّيَةً فَلَهُ أنْ يَرُدَّها بِالعَيْبِ، وإنَّهُ سُئِلَ: ما تَرَخَّصَ فِيهِ أهْلُ المَدِينَةِ مِنَ الغِناءِ؟ فَقالَ: إنَّما يَفْعَلُهُ عِنْدَنا الفُسّاقُ؟ ونُقِلَ التَّحْرِيمُ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الحَنابِلَةِ عَلى ما حَكاهُ شارِحُ المُقْنِعِ وغَيْرُهُ، وذَكَرَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في كِتابِ (البُلْغَةِ) أنَّ أكْثَرَ أصْحابِهِمْ عَلى التَّحْرِيمِ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الإمامِ أحْمَدَ أنَّهُ قالَ: سَألْتُ أبِي عَنِ الغِناءِ؟ فَقالَ: يُنْبِتُ النِّفاقَ في القَلْبِ، لا يُعْجِبُنِي، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ مالِكٍ: إنَّما يَفْعَلُهُ عِنْدَنا الفُسّاقُ، وقالَ المُحاسِبِيُّ في رِسالَةِ الإنْشاءِ: الغِناءُ حَرامٌ كالمَيْتَةِ، ونَقَلَ الطَّرَسُوسِيُّ أيْضًا عَنْ كِتابِ أدَبِ القَضاءِ أنَّ الإمامَ الشّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: إنَّ الغِناءَ لَهْوٌ مَكْرُوهٌ يُشْبِهُ الباطِلَ، والمُحالُ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنهُ، فَهو سَفِيهٌ تُرَدُّ شَهادَتُهُ، وفِيهِ: أنَّهُ صَرَّحَ أصْحابُهُ العارِفُونَ بِمَذْهَبِهِ بِتَحْرِيمِهِ، وأنْكَرُوا عَلى مَن نَسَبَ إلَيْهِ حِلَّهُ، كالقاضِي أبِي الطَّيِّبِ، والطَّبَرِيِّ، والشَّيْخِ أبِي إسْحاقَ في التَّنْبِيهِ، وذَكَرَ بَعْضُ تَلامِذَةِ البَغَوِيِّ في كِتابِهِ الَّذِي سَمّاهُ التَّقْرِيبَ: أنَّ الغِناءَ حَرامٌ فِعْلُهُ وسَماعُهُ، وقالَ ابْنُ الصَّلاحِ في فَتاواهُ بَعْدَ كَلامٍ طَوِيلٍ: فَإذَنْ هَذا السَّماعُ حَرامٌ بِإجْماعِ أهْلِ الحِلِّ والعَقْدِ مِنَ المُسْلِمِينَ انْتَهى. والَّذِي رَأيْتُهُ في الشَّرْحِ الكَبِيرِ لِلْجامِعِ الصَّغِيرِ لِلْفاضِلِ المُناوِيِّ: أنَّ مَذْهَبَ الشّافِعِيِّ أنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا عِنْدَ أمْنِ الفِتْنَةِ، وفي المِنهاجِ يُكْرَهُ الغِناءُ بِلا آلَةٍ، قالَ العَلّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ: لِما صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وذَكَرَ الحَدِيثَ السّابِقَ المَوْقُوفَ عَلَيْهِ، وإنَّهُ جاءَ مَرْفُوعًا مِن طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بَيَّنَها في كِتابِهِ (كَفُّ الرِّعاعِ عَنْ مُحَرَّماتِ اللَّهْوِ والسَّماعِ)، ثُمَّ قالَ: وزَعَمَ أنَّهُ لا دِلالَةَ فِيهِ عَلى كَراهَتِهِ، لِأنَّ بَعْضَ المُباحَ كَلُبْسِ الثِّيابِ الجَمِيلَةِ يُنْبِتُ النِّفاقَ في القَلْبِ، ولَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، يُرَدُّ بِأنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ هَذا يُنْبِتُ نِفاقًا أصْلًا، ولَئِنْ سَلَّمْناهُ فالنِّفاقُ مُخْتَلِفٌ، فالنِّفاقُ الَّذِي يُنْبِتُهُ الغِناءُ مِنَ التَّخَنُّثِ، وما يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أقْبَحُ وأشْنَعُ، كَما لا يَخْفى، ثُمَّ قالَ: وقَدْ جَزَمَ الشَّيْخانِ يَعْنِي النَّوَوِيَّ والرّافِعِيَّ في مَوْضِعٍ بِأنَّهُ مَعْصِيَةٌ، ويَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلى ما فِيهِ وصْفٌ نَحْوُ خَمْرٍ، أوْ تَشَبُّبٍ بِأمْرَدَ، أوْ أجْنَبِيَّةٍ، ونَحْوُ ذَلِكَ مِمّا يَحْمِلُ غالِبًا عَلى مَعْصِيَةٍ، قالَ الأذْرُعِيُّ: أمّا ما اعْتِيدَ عِنْدَ مُحاوَلَةِ عَمَلٍ، وحَمْلِ ثَقِيلٍ، كَحُداءِ الأعْرابِ لِإبِلِهِمْ، والنِّساءِ لِتَسْكِينِ صِغارِهِنَّ، فَلا شَكَّ في جَوازِهِ، بَلْ رُبَّما يُنْدَبُ إذا نَشَّطَ عَلى سَيْرٍ، أوْ رَغَّبَ في خَيْرٍ، كَ الحُداءِ في الحَجِّ والغَزْوِ، وعَلى هَذا يُحْمَلُ ما جاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحابَةِ انْتَهى، وقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ: بِلا آلَةٍ، حُرْمَتُهُ مَعَ الآلَةِ، قالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنَّ القِياسَ تَحْرِيمُ الآلَةِ فَقَطْ، وبَقاءُ الغِناءِ عَلى الكَراهَةِ انْتَهى.
ومِثْلُ الِاخْتِلافِ في الغِناءِ الِاخْتِلافُ في السَّماعِ، فَأباحَهُ قَوْمٌ كَما أباحُوا الغِناءَ واسْتَدَلُّوا عَلى ذَلِكَ بِما رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: ««دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وعِنْدِي جارِيَتانِ تُغَنِّيانِ بِغِناءِ بُعاثَ، فاضْطَجَعَ عَلى الفِراشِ، وحَوَّلَ وجْهَهُ» - وفي رِوايَةٍ لِمُسْلِمٍ - «تَسَجّى بِثَوْبِهِ، ودَخَلَ أبُو بَكْرٍ فانْتَهَرَنِي وقالَ: مِزْمارَةُ الشَّيْطانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ؟ فَأقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالَ: دَعْهُما، فَلَمّا غَفَلَ، غَمَزْتُهُما، فَخَرَجَتا، وكانَ يَوْمَ عِيدٍ»» الحَدِيثَ.
ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ أنَّ هُناكَ غِناءً، أوْ سَماعًا، وقَدْ أنْكَرَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إنْكارَ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ أيْضًا عَلى جَوازِ سَماعِ الرَّجُلِ صَوْتَ الجارِيَةِ، ولَوْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً، لِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سَمِعَ ولَمْ يُنْكِرْ عَلى أبِي بَكْرٍ سَماعَهُ، بَلْ أنْكَرَ إنْكارَهُ، وقَدِ اسْتَمَرَّتا تُغَنِّيانِ إلى أنْ أشارَتْ إلَيْهِما عائِشَةُ بِالخُرُوجِ. وإنْكارُ أبِي بَكْرٍ عَلى ابْنَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُودِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ لِظَنِّ أنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِعِلْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِكَوْنِهِ دَخَلَ فَوَجَدَهُ مُغَطًّى بِثَوْبِهِ، فَظَنَّهُ نائِمًا. وفي فَتْحِ البارِي اسْتَدَلَّ جَماعَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ بِهَذا الحَدِيثِ عَلى إباحَةِ الغِناءِ وسَماعِهِ بِآلَةٍ وبِغَيْرِ آلَةٍ. ويَكْفِي في رَدِّ ذَلِكَ ما رَواهُ البُخارِيُّ أيْضًا بُعَيْدَهُ عَنْ عائِشَةَ أيْضًا قالَتْ: ««دَخْلَ عَلَيَّ أبُو بَكْرٍ وعِنْدِي جارِيَتانِ مِن جَوارِي الأنْصارِ تُغَنِّيانِ بِما تَقاوَلَتِ الأنْصارُ يَوْمَ بُعاثَ، قالَتْ: ولَيْسَتا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: أبِمَزامِيرِ الشَّيْطانِ في بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ وذَلِكَ في يَوْمِ عِيدٍ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: يا أبا بَكْرٍ، إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وهَذا عِيدُنا»»
فَنَفَتْ فِيهِ عَنْهُما مِن طَرِيقِ المَعْنى ما أثْبَتَتْهُ لَهُما بِاللَّفْظِ، لِأنَّ الغِناءَ يُطْلَقُ عَلى رَفْعِ الصَّوْتِ، وعَلى التَّرَنُّمِ الَّذِي تُسَمِّيهِ العَرَبُ النَّصْبَ بِفَتْحِ النُّونِ وسُكُونِ المُهْمَلَةِ، وعَلى الحُداءِ، ولا يُسَمّى فاعِلُهُ مُغَنِّيًا، وإنَّما يُسَمّى بِذَلِكَ مَن يُنْشِدُ بِتَمْطِيطٍ، وتَكْسِيرٍ، وتَهْيِيجٍ، وتَشْوِيقٍ بِما فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالفَواحِشِ أوْ تَصْرِيحٌ.
قالَ القُرْطُبِيُّ: قَوْلُها «لَيْسَتا بِمُغَنِّيَتَيْنِ» أيْ لَيْسَتا مِمَّنْ يَعْرِفُ الغِناءَ كَما تَعْرِفُهُ المُغَنِّياتُ المَعْرُوفاتُ بِذَلِكَ، وهَذا مِنهُما تَجَوُّزٌ عَنِ الغِناءِ المُعْتادِ عِنْدَ المُشْتَهِرِينَ بِهِ، وهو الَّذِي يُحَرِّكُ السّاكِنَ، ويَبْعَثُ الكامِنَ، وهَذا النَّوْعُ إذا كانَ في شِعْرٍ فِيهِ وصْفُ مَحاسِنِ النِّساءِ والخَمْرِ وغَيْرِهِما مِنَ الأُمُورِ المُحَرَّمَةِ، لا يُخْتَلَفُ في تَحْرِيمِهِ، وأمّا ما ابْتَدَعَهُ الصُّوفِيَّةُ في ذَلِكَ فَمِن قَبِيلِ ما لا يُخْتَلَفُ في تَحْرِيمِهِ، لَكِنَّ النُّفُوسَ الشَّهْوانِيَّةَ غَلَبَتْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلى الخَيْرِ، حَتّى لَقَدْ ظَهَرَتْ في كَثِيرٍ مِنهم فِعْلاتُ المَجانِينِ والصِّبْيانِ حَتّى رَقَصُوا بِحَرَكاتٍ مُتَطابِقَةٍ، وتَقْطِيعاتٍ مُتَلاحِقَةٍ وانْتَهى التَّواقُحُ بِقَوْمٍ مِنهم إلى أنْ جَعَلُوها مِن بابِ القُرْبِ وصالِحِ الأعْمالِ، وأنَّ ذَلِكَ يُثْمِرُ سِنِي الأحْوالِ، وهَذا عَلى التَّحْقِيقِ مِن آثارِ الزَّنْدَقَةِ، وقَوْلِ أهْلِ المَخْرَقَةِ، واللَّهُ تَعالى المُسْتَعانُ انْتَهى كَلامُ القُرْطُبِيِّ، وكَذا الغَرَضُ مِن كَلامِ فَتْحِ البارِي، وهو كَلامٌ حَسَنٌ بَيْدَ أنَّ قَوْلَهُ: وإنَّما يُسَمّى بِذَلِكَ مَن يُنْشِدُ إلَخْ، لا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ، بِناءً عَلى أنَّ المُتَبادِرَ عُمُومُ ذَلِكَ، لِما يَكُونُ في المُنْشِدِ مِنهُ تَعْرِيضٌ أوْ تَصْرِيحٌ بِالفَواحِشِ، ولِما لا يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ، وقالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: لَيْسَ في الخَبَرِ الإباحَةُ مُطْلَقًا، بَلْ قُصارى ما فِيهِ إباحَتُهُ في سُرُورٍ شَرْعِيٍّ، كَما في الأعْيادِ، والأعْراسِ، فَهو دَلِيلٌ لِمَن أجازَهُ في العُرْسِ، كَما أجازَ ضَرْبَ الدُّفِّ فِيهِ، وأيْضًا إنْكارُ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ظاهِرٌ في أنَّهُ كانَ سَمِعَ مِن رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَمَّ الغِناءِ، والنَّهْيَ عَنْهُ، فَظَنَّ عُمُومَ الحُكْمِ فَأنْكَرَ، وبِإنْكارِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَيْهِ إنْكارَهُ تَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُ العُمُومِ. وفي الخَبَرِ الآخَرِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ أوْضَحَ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ الحالَ مَقْرُونًا بِبَيانِ الحِكْمَةِ، وهو أنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، فَلا يُنْكَرُ فِيهِ مِثْلُ هَذا، كَما لا يُنْكَرُ في الأعْراسِ، ومَعَ هَذا أشارَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالتِفافِهِ بِثَوْبِهِ، وتَحْوِيلِ وجْهِهِ الشَّرِيفِ إلى أنَّ الإعْراضَ عَنْ ذَلِكَ أوْلى، وسَماعَ صَوْتِ الجارِيَةِ الغَيْرِ المَمْلُوكَةِ بِمِثْلِ هَذا الغِناءِ إذا أُمِنَتِ الفِتْنَةُ مِمّا لا بَأْسَ بِهِ، فَلْيَكُنِ الخَبَرُ دَلِيلًا عَلى جَوازِهِ.
واسْتَدَلَّ بَعْضُهم عَلى ذَلِكَ بِما جاءَ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ أنَّهُ دَخَلَ عَلى أخِيهِ البَراءِ بْنِ مالِكٍ، وكانَ مِن دُهاةِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمْ، وكانَ يَتَغَنّى، ولا يَخْفى ما فِيهِ، فَإنَّ هَذا التَّغَنِّيَ لَيْسَ بِالمَعْنى المَشْهُورِ، ونَحْوُهُ التَّغَنِّي في قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ««لَيْسَ مِنّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ»»
وسُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وأبُو عُبَيْدَةَ فَسَّرا التَّغَنِّيَ في هَذا الحَدِيثِ بِالِاسْتِغْناءِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: لَيْسَ مِنّا مَن لَمْ يَسْتَغْنِ بِالقُرْآنِ عَنْ غَيْرِهِ، وهو مَعَ هَذا تَغَنٍّ لِإزالَةِ الوَحْشَةِ عَنْ نَفْسِهِ في عُقْرِ دارِهِ، ومِثْلُهُ ما رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قالَ: أتَيْتُ بابَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، فَسَمِعْتُهُ يُغَنِّي:
فَكَيْفَ ثَوائِي بِالمَدِينَةِ بَعْدَ ما قَضى وطَرًا مِنها جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ
أرادَ بِهِ جَمِيلًا الجُمَحِيَّ، وكانَ خاصًّا بِهِ، فَلَمّا اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، قالَ لِي: أسَمِعْتَ ما قُلْتُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قالَ: إنّا إذا خَلَوْنا قُلْنا ما يَقُولُ النّاسُ في بُيُوتِهِمْ. وحَرَّمَ جَماعَةٌ السَّماعَ مُطْلَقًا، وقالَ الغَزالِيُّ: السَّماعُ إمّا مَحْبُوبٌ بِأنْ غَلَبَ عَلى السّامِعِ حُبُّ اللَّهِ تَعالى، ولِقائِهِ، لِيَسْتَخْرِجَ بِهِ أحْوالًا مِنَ المُكاشَفاتِ والمُلاطَفاتِ، وإمّا مُباحٌ بِأنْ كانَ عِنْدَهُ عِشْقٌ مُباحٌ لِحَلِيلَتِهِ، أوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ حُبُّ اللَّهِ تَعالى ولا الهَوى، وإمّا مُحَرَّمٌ بِأنْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوًى مُحَرَّمٌ.
وسُئِلَ العِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ عَنِ اسْتِماعِ الإنْشادِ في المَحَبَّةِ والرَّقْصِ، فَقالَ: الرَّقْصُ بِدْعَةٌ لا يَتَعاطاهُ إلّا ناقِصُ العَقْلِ، فَلا يَصْلُحُ إلّا لِلنِّساءِ، وأمّا اسْتِماعُ الإنْشادِ المُحَرِّكِ لِلْأحْوالِ السُّنِّيَّةِ وذِكْرِ أُمُورِ الآخِرَةِ، فَلا بَأْسَ بِهِ، بَلْ يُنْدَبُ عِنْدَ الفُتُورِ، وسَآمَةِ القَلْبِ، ولا يَحْضُرُ السَّماعَ مَن في قَلْبِهِ هَوًى خَبِيثٌ، فَإنَّهُ يُحَرِّكُ ما في القَلْبِ، وقالَ أيْضًا: السَّماعُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ السّامِعِينَ والمَسْمُوعِ مِنهُمْ، وهم إمّا عارِفُونَ بِاللَّهِ تَعالى، ويَخْتَلِفُ سَماعُهم بِاخْتِلافِ أحْوالِهِمْ، فَمَن غَلَبَ عَلَيْهِ الخَوْفُ أثَّرَ فِيهِ السَّماعُ عِنْدَ ذِكْرِ المُخَوِّفاتِ نَحْوِ حُزْنٍ وبُكاءٍ، وتَغَيُّرِ لَوْنٍ، وهو إمّا خَوْفُ عِقابٍ، أوْ فَواتِ ثَوابٍ، أوْ أُنْسٍ، وقُرْبٍ، وهو أفْضَلُ الخائِفِينَ والسّامِعِينَ، وتَأْثِيرُ القُرْآنِ فِيهِ أشَدُّ، ومَن غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّجاءُ أثَّرَ فِيهِ السَّماعُ عِنْدَ ذِكْرِ المُطَمِّعاتِ والمُرَجِّياتِ، فَإنْ كانَ رَجاؤُهُ لِلْأُنْسِ والقُرْبِ كانَ سَماعُهُ أفْضَلَ سَماعِ الرّاجِينَ، وإنْ كانَ رَجاؤُهُ لِلثَّوابِ، فَهَذا في المَرْتَبَةِ الثّانِيَةِ، وتَأْثِيرُ السَّماعِ في الأوَّلِ أشَدُّ مِن تَأْثِيرِهِ في الثّانِي، ومَن غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ اللَّهِ تَعالى لِإنْعامِهِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ سَماعُ الإنْعامِ والإكْرامِ، أوْ لِجَمالِهِ سُبْحانَهُ المُطْلَقِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ ذِكْرُ شَرَفِ الذّاتِ وكَمالِ الصِّفاتِ، وهو أفْضَلُ مِمّا قَبْلَهُ، لِأنَّ سَبَبَ حُبِّهِ أفْضَلُ الأسْبابِ، ويَشْتَدُّ التَّأْثِيرُ فِيهِ عِنْدَ ذِكْرِ الإقْصاءِ والإبْعادِ، ومَن غَلَبَ عَلَيْهِ التَّعْظِيمُ والإجْلالُ وهو أفْضَلُ مِن جَمِيعِ ما قَبْلَهُ، وتَخْتَلِفُ أحْوالُ هَؤُلاءِ في المَسْمُوعِ مِنهُ، فالسَّماعُ مِنَ الوَلِيِّ أشَدُّ تَأْثِيرًا مِنَ السَّماعِ مِن عامِّيٍّ، ومِن نَبِيٍّ أشَدُّ تَأْثِيرًا مِنهُ ومِن ولِيٍّ، ومِنَ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ أشَدُّ تَأْثِيرًا مِنَ السَّماعِ مِن نَبِيٍّ، لِأنَّ كَلامَ المَهِيبِ أشَدُّ تَأْثِيرًا في الهائِبِ مِن كَلامِ غَيْرِهِ كَما أنَّ كَلامَ الحَبِيبِ أشَدُّ تَأْثِيرًا في المُحِبِّ مِن كَلامِ غَيْرِهِ، ولِهَذا لَمْ يَشْتَغِلِ النَّبِيُّونَ والصِّدِّيقُونَ وأصْحابُهم بِسَماعِ المَلاهِي والغِناءِ، واقْتَصَرُوا عَلى كَلامِ رَبِّهِمْ جَلَّ شَأْنُهُ، ومَن يَغْلِبُ عَلَيْهِ هَوًى مُحَرَّمٌ يَعْشَقُ حَلِيلَتَهُ فَهو يُؤَثِّرُ فِيهِ آثارُ الشَّوْقِ وخَوْفُ الفِراقِ ورَجاءُ التَّلاقِ، فَسَماعُهُ لا بَأْسَ بِهِ، ومَن يَغْلِبُ عَلَيْهِ هَوًى مُحَرَّمٌ كَعِشْقِ أمْرَدَ، أوْ أجْنَبِيَّةٍ، فَهو يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّعْيُ إلى الحَرامِ، وما أدّى إلى الحَرامِ فَهو حَرامٌ، وأمّا مَن لَمْ يَجِدْ في نَفْسِهِ شَيْئًا مِن هَذِهِ الأقْسامِ السِّتَّةِ، فَيُكْرَهُ سَماعُهُ مِن جِهَةِ أنَّ الغالِبَ عَلى العامَّةِ إنَّما هي الأهْواءُ الفاسِدَةُ، فَرُبَّما هَيَّجَهُ السَّماعُ إلى صُورَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَيَتَعَلَّقُ بِها، ويَمِيلُ إلَيْها، ولا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لِأنّا لا نَتَحَقَّقُ السَّبَبَ المُحَرَّمَ، وقَدْ يَحْضُرُ السَّماعَ قَوْمٌ مِنَ الفَجَرَةِ فَيَبْكُونَ، ويَنْزَعِجُونَ لِأغْراضٍ خَبِيثَةٍ انْطَوَوْا عَلَيْها، ويُراؤُونَ الحاضِرِينَ بِأنَّ سَماعَهم لِشَيْءٍ مَحْبُوبٍ، وهَؤُلاءِ قَدْ جَمَعُوا بَيْنَ المَعْصِيَةِ، وبَيْنَ إيهامِ كَوْنِهِمْ مِنَ الصّالِحِينَ، وقَدْ يَحْضُرُ السَّماعَ قَوْمٌ قَدْ فَقَدُوا أهالِيَهُمْ، ومَن يَعِزُّ عَلَيْهِمْ ويُذَكِّرُهُمُ المُنْشِدُ فِراقَ الأحِبَّةِ وعَدَمَ الأُنْسِ، فَيَبْكِي أحَدُهم ويُوهِمُ الحاضِرِينَ أنَّ بُكاءَهُ لِأجْلِ رَبِّ العالَمِينَ جَلَّ وعَلا، وهَذا مُراءٍ بِأمْرٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ، ثُمَّ قالَ: اعْلَمْ أنَّهُ لا يَحْصُلُ السَّماعُ المَحْمُودُ إلّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفاتِ المُوجِبَةِ لِلْأحْوالِ السُّنِّيَّةِ والأفْعالِ الرَّضِيَّةِ، ولِكُلِّ صِفَةٍ مِنَ الصِّفاتِ حالٌ مُخْتَصٌّ بِها، فَمَن ذَكَرَ صِفَةَ الرَّحْمَةِ أوْ ذُكِّرَ بِها كانَتْ حالُهُ حالَ الرّاجِينَ وسَمْعُهُ سَماعَهُمْ، ومَن ذَكَرَ شِدَّةَ النِّقْمَةِ أوْ ذُكِّرَ بِها كانَتْ حالُهُ حالَ الخائِفِينَ وسَماعُهُ سَماعَهُمْ، وعَلى هَذا القِياسُ، وقَدْ تَغْلِبُ الأحْوالُ عَلى بَعْضِهِمْ بِحَيْثُ لا يُصْغِي إلى ما يَقُولُهُ المُنْشِدُ، ولا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ لِغَلَبَةِ حالِهِ الأُولى عَلَيْهِ انْتَهى، وقَدْ نَقَلَهُ بَعْضُ الأجِلَّةِ، وأقَرَّهُ، وفِيهِ ما يُخالِفُ ما نُقِلَ عَنِ الغَزالِيِّ.
ونَقَلَ القاضِي حُسَيْنٌ عَنِ الجُنَيْدِ قُدِّسَ سِرُّهُ أنَّهُ قالَ: النّاسُ في السَّماعِ إمّا عَوامُّ وهو حَرامٌ عَلَيْهِمْ لِبَقاءِ نُفُوسِهِمْ، وإمّا زُهّادٌ وهو مُباحٌ لَهم لِحُصُولِ مُجاهَدَتِهِمْ، وإمّا عارِفُونَ وهو مُسْتَحَبٌّ لَهم لِحَياةِ قُلُوبِهِمْ، وذَكَرَ نَحْوَهُ أبُو طالِبٍ المَكِّيُّ، وصَحَّحَهُ السَّهْرَوَرْدِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ في عَوارِفِهِ، والظّاهِرُ أنَّ الجُنَيْدَ أرادَ بِالحَرامِ مَعْناهُ الِاصْطِلاحِيَّ.
واسْتَظْهَرَ بَعْضُهم أنَّهُ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ، وإنَّما أرادَ أنَّهُ لا يَنْبَغِي، ونَقَلَ بَعْضُهم عَنِ الجُنَيْدِ قُدِّسَ سِرُّهُ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ السَّماعِ فَقالَ: هو ضَلالٌ لِلْمُبْتَدِي والمُنْتَهِي، لا يُحْتاجُ إلَيْهِ، وفِيهِ مُخالَفَةٌ لِما سَمِعْتَ.
وقالَ القُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: إنَّ لِلسَّماعِ شَرائِطَ مِنها: مَعْرِفَةُ الأسْماءِ والصِّفاتِ لِيَعْلَمَ صِفاتِ الذّاتِ مِن صِفاتِ الأفْعالِ، وما يَمْتَنِعُ في نَعْتِ الحَقِّ سُبْحانَهُ، وما يَجُوزُ وصْفُهُ تَعالى بِهِ، وما يَجِبُ، وما يَصِحُّ إطْلاقُهُ عَلَيْهِ عَزَّ شَأْنُهُ مِنَ الأسْماءِ، وما يَمْتَنِعُ، ثُمَّ قالَ: فَهَذِهِ شَرائِطُ صِحَّةِ السَّماعِ عَلى لِسانِ أهْلِ التَّحْصِيلِ مِن ذَوِي العُقُولِ، وأمّا عِنْدَ أهْلِ الحَقائِقِ فالشَّرْطُ فَناءُ النَّفْسِ بِصِدْقِ المُجاهَدَةِ، ثُمَّ حَياةُ القَلْبِ بِرُوحِ المُشاهَدَةِ، فَمَن لَمْ تَتَقَدَّمْ بِالصِّحَّةِ مُعامَلَتُهُ ولَمْ تَحْصُلْ بِالصِّدْقِ مُنازَلَتُهُ فَسَماعُهُ ضَياعٌ وتَواجُدُهُ طِباعٌ، والسَّماعُ فِتْنَةٌ يَدْعُو إلَيْها اسْتِيلاءُ العِشْقِ إلّا عِنْدَ سُقُوطِ الشَّهْوَةِ وحُصُولِ الصَّفْوَةِ، وأطالَ بِما يَطُولُ ذِكْرُهُ، قِيلَ: وبِهِ يَتَبَيَّنُ تَحْرِيمُ السَّماعِ عَلى أكْثَرِ مُتَصَوِّفَةِ الزَّمانِ لِعَقْدِ شُرُوطِ القِيامِ بِأدائِهِ. ومِنَ العَجَبِ أنَّهم يَنْسُبُونَ السَّماعَ والتَّواجُدَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
ويَرْوُونَ عَنْ عَطِيَّةَ «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ دَخَلَ عَلى أصْحابِ الصُّفَّةِ يَوْمًا فَجَلَسَ بَيْنَهُمْ، وقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والتَّحِيَّةُ: هَلْ فِيكم مَن يُنْشِدُنا أبْياتًا. فَقالَ واحِدٌ:
لَسَعَتْ حَيَّةُ الهَوى كَبِدِي ∗∗∗ ولا طَبِيبَ لَها ولا راقِي
إلّا الحَبِيبُ الَّذِي شُغِفَتْ بِهِ ∗∗∗ فَعِنْدَهُ رُقْيَتِي وتِرْياقِي
فَقامَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتَمايَلَ حَتّى سَقَطَ الرِّداءُ الشَّرِيفُ عَنْ مَنكِبَيْهِ، فَأخَذَهُ أصْحابُ الصُّفَّةِ فَقَسَّمُوهُ فِيما بَيْنَهم بِأرْبَعِمِائَةِ قِطْعَةٍ».
وهُوَ لَعَمْرِي كَذِبٌ صَرِيحٌ، وإفْكٌ قَبِيحٌ، لا أصْلَ لَهُ بِإجْماعِ مُحَدِّثِي أهْلِ السُّنَّةِ، وما أُراهُ إلّا مِن وضْعِ الزَّنادِقَةِ. فَهَذا القُرْآنُ العَظِيمُ يَتْلُوهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ويَتْلُوهُ هو أيْضًا ويَسْمَعُهُ مِن غَيْرِ واحِدٍ، ولا يَعْتَرِيهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ شَيْءٌ مِمّا ذَكَرُوهُ في سَماعِ بَيْتَيْنِ هُما كَما سَمِعْتَ، سُبْحانَكَ هَذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ، وأنا أقُولُ: قَدْ عَمَّتِ البَلْوى بِالغِناءِ والسَّماعِ في سائِرِ البِلادِ والبِقاعِ، ولا يُتَحاشى مِن ذَلِكَ في المَساجِدِ وغَيْرِها، بَلْ قَدْ عُيِّنَ مُغَنُّونَ يُغَنُّونَ عَلى المَنائِرِ في أوْقاتٍ مَخْصُوصَةٍ شَرِيفَةٍ بِأشْعارٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلى وصْفِ الخَمْرِ والخاناتِ، وسائِرِ ما يُعَدُّ مِنَ المَحْظُوراتِ، ومَعَ ذَلِكَ قَدْ وُظِّفَ لَهم مِن غَلَّةِ الوَقْفِ ما وُظِّفَ، ويُسَمُّونَهُمُ المُمَجِّدِينَ، ويَعُدُّونَ خُلُوَّ الجَوامِعِ مِن ذَلِكَ مِن قِلَّةِ الِاكْتِراثِ بِالدِّينِ، وأشْنَعُ مِن ذَلِكَ ما يَفْعَلُهُ أبالِسَةُ المُتَصَوِّفَةِ ومَرَدَتُهُمْ، ثُمَّ إنَّهم قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعالى إذا اعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ نَشِيدُهم مِنَ الباطِلِ يَقُولُونَ: نَعْنِي بِالخَمْرِ المَحَبَّةَ الإلَهِيَّةَ وبِالسُّكْرِ غَلَبَتَها، وبِمَيَّةَ، ولَيْلى، وسُعْدى مَثَلًا المَحْبُوبَ الأعْظَمَ، وهو اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، وفي ذَلِكَ مِن سُوءِ الأدَبِ ما فِيهِ، ﴿ولِلَّهِ الأسْماءُ الحُسْنى فادْعُوهُ بِها وذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في أسْمائِهِ﴾ [الأعْرافُ: 180]، وفي القَواعِدِ الكُبْرى لِلْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ: لَيْسَ مِن أدَبِ السَّماعِ أنْ يُشَبَّهَ غَلَبَةُ المَحَبَّةِ بِالسُّكْرِ مِنَ الخَمْرِ، فَإنَّهُ سُوءُ الأدَبِ، وكَذا تَشْبِيهُ المَحَبَّةِ بِالخَمْرِ أُمِّ الخَبائِثِ، فَلا يُشَبَّهُ ما أحَبَّهُ اللَّهُ تَعالى بِما أبْغَضَهُ، وقَضى بِخُبْثِهِ، ونَجاسَتِهِ، فَإنَّ تَشْبِيهَ النَّفِيسِ بِالخَسِيسِ سُوءُ الأدَبِ بِلا شَكٍّ فِيهِ، وكَذا التَّشْبِيهُ بِالخَصْرِ والرِّدْفِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِنَ التَّشْبِيهاتِ المُسْتَقْبَحاتِ، ولَقَدْ كَرِهَ لِبَعْضِهِمْ قَوْلَهُ: أنْتُمْ رُوحِي ومَعْلَمُ راحَتِي، ولِبَعْضِهِمْ قَوْلَهُ: فَأنْتَ السَّمْعُ والبَصَرُ، لِأنَّهُ لا شَبِيهَ لَهُ بِرُوحِهِ الخَسِيسَةِ، وسَمْعِهِ وبَصَرِهِ اللَّذَيْنِ لا قَدْرَ لَهُما، ثُمَّ إنَّهُ وإنْ أباحَ بَعْضَ أقْسامِ السَّماعِ حَطَّ عَلى مَن يَرْقُصُ ويُصَفِّقُ عِنْدَهُ، فَقالَ: أمّا الرَّقْصُ والتَّصْفِيقُ فَخِفَّةٌ ورُعُونَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِرُعُونَةِ الإناثِ، لا يَفْعَلُها إلّا أرْعَنُ، أوْ مُتَصَنِّعٌ كَذّابٌ، وكَيْفَ يَتَأتّى الرَّقْصُ المُتَّزِنُ بِأوْزانِ الغِناءِ مِمَّنْ طاشَ لُبُّهُ وذَهَبَ قَلْبُهُ.
وقَدْ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ««خَيْرُ القُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»»
ولَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِن هَؤُلاءِ الَّذِينَ يُقْتَدى بِهِمْ يَفْعَلُ شَيْئًا مِن ذَلِكَ، وإنَّما اسْتَحْوَذَ الشَّيْطانُ عَلى قَوْمٍ يَظُنُّونَ أنَّ طَرَبَهم عِنْدَ السَّماعِ إنَّما هو مُتَعَلِّقٌ بِاللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ، ولَقَدْ مانُوا فِيما قالُوا، وكَذَبُوا فِيما ادَّعَوْا مِن جِهَةِ أنَّهم عِنْدَ سَماعِ المُطْرِباتِ وجَدُوا لَذَّتَيْنِ. إحْداهُما لَذَّةُ قَلِيلٍ مِنَ الأحْوالِ المُتَعَلِّقَةِ بِذِي الجَلالِ. والثّانِيَةُ لَذَّةُ الأصْواتِ، والنَّغَماتِ، والكَلِماتِ المَوْزُوناتِ المُوجِباتِ لِلَّذّاتِ، لَيْسَتْ مِن آثارِ الدِّينِ، ولا مُتَعَلِّقَةً بِأُمُورِهِ، فَلَمّا عَظُمَتْ عِنْدَهُمُ اللَّذّاتُ غَلِطُوا فَظَنُّوا أنَّ مَجْمُوعَ ما حَصَلَ لَهم إنَّما حَصَلَ بِسَبَبِ حُصُولِ ذَلِكَ القَلِيلِ مِنَ الأحْوالِ، ولَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الأغْلَبُ عَلَيْهِمْ حُصُولُ لَذّاتِ النُّفُوسِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الدِّينِ في شَيْءٍ. وقَدْ حَرَّمَ بَعْضُ العُلَماءِ التَّصْفِيقَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ««إنَّما التَّصْفِيقُ لِلنِّساءِ»»
«ولَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المُتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّساءِ بِالرِّجالِ والمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجالِ بِالنِّساءِ،» ومَن هابَ الإلَهَ أدْرَكَ شَيْئًا مِن تَعْظِيمِهِ، لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنهُ رَقْصٌ ولا تَصْفِيقٌ ولا يَصْدُرانِ إلّا مِن جاهِلٍ، ويَدُلُّ عَلى جَهالَةِ فاعِلِهِما أنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَرِدْ بِهِما في كِتابٍ ولا سُنَّةٍ، ولَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أحَدٌ مِنَ الأنْبِياءِ، ولا مُعْتَبِرٌ مِن أتْباعِهِمْ، وإنَّما يَفْعَلُ ذَلِكَ الجَهَلَةُ السُّفَهاءُ الَّذِينَ التَبَسَتْ عَلَيْهِمُ الحَقائِقُ بِالأهْواءِ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النَّحْلُ: 89]، ولَقَدْ مَضى السَّلَفُ وأفاضِلُ الخَلَفِ، ولَمْ يُلابِسُوا شَيْئًا مِن ذَلِكَ، فَما ذاكَ إلّا غَرَضٌ مِن أغْراضِ النَّفْسِ، ولَيْسَ بِقُرْبَةٍ إلى الرَّبِّ جَلَّ وعَلا، وفاعِلُهُ إنْ كانَ مِمَّنْ يُقْتَدى بِهِ، ويُعْتَقَدُ أنَّهُ ما فَعَلَهُ إلّا لِكَوْنِهِ قُرْبَةً فَبِئْسَ ما صَنَعَ لِإيهامِهِ أنَّ هَذا مِنَ الطّاعاتِ، وإنَّما هو مِن أقْبَحِ الرُّعُوناتِ. وأمّا الصِّياحُ والتَّغاشِي ونَحْوُهُما فَتَصَنُّعٌ ورِياءٌ، فَإنْ كانَ ذَلِكَ عَنْ حالٍ لا يَقْتَضِيهِما فَإثْمُ الفاعِلِ مِن جِهَتَيْنِ. إحْداهُما إيهامُهُ الحالَ الثّابِتَةَ المُوجِبَةَ لَهُما. والثّانِيَةُ تَصَنُّعُهُ ورِياؤُهُ، وإنْ كانَ عَنْ مُقْتَضٍ أثِمَ إثْمَ رِياءٍ لا غَيْرَ. وكَذَلِكَ نَتْفُ الشُّعُورِ وضَرْبُ الصُّدُورِ، وتَمْزِيقُ الثِّيابِ مُحَرَّمٌ لِما فِيهِ مِن إضاعَةِ المالِ، وأيُّ ثَمَرَةٍ لِضَرْبِ الصُّدُورِ ونَتْفِ الشُّعُورِ وشَقِّ الجُيُوبِ إلّا رُعُوناتٌ صادِرَةٌ عَنِ النُّفُوسِ اهـ كَلامُهُ، ومِنهُ يُعْلَمُ ما في نَقْلِ الأسْنَوِيِّ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ كانَ يَرْقُصُ في السَّماعِ، والعَلّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ قالَ: يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلى مُجَرَّدِ القِيامِ والتَّحَرُّكِ لِغَلَبَةِ وجْدٍ وشُهُودٍ وتَجَلٍّ لا يَعْرِفُهُ إلّا أهْلُهُ، ومِن ثَمَّ قالَ الإمامُ إسْماعِيلُ الحَضْرَمِيُّ: مَوْقِفُ الشَّمْسِ عَنْ قَوْمٍ يَتَحَرَّكُونَ في السَّماعِ هَؤُلاءِ قَوْمٌ يُرَوِّحُونَ قُلُوبَهم بِالأصْواتِ الحَسَنَةِ حَتّى يَصِيرُوا رُوحانِيِّينَ، فَهم بِالقُلُوبِ مَعَ الحَقِّ، وبِالأجْسادِ مَعَ الخَلْقِ، ومَعَ هَذا فَلا يُؤْمَنُ عَلَيْهِمُ العَدُوُّ، ولا يُعَوَّلُ عَلَيْهِمْ فِيما فَعَلُوا، ولا يُقْتَدى بِهِمْ فِيما قالُوا اهـ، وما ذَكَرَهُ فِيمَن يَصْدُرُ عَنْهُ نَحْوُ الصِّياحِ والتَّغاشِي عَنْ حالٍ يَقْتَضِيهِ لا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ، فَقَدْ قالَ البُلْقِينِيُّ فِيما يَصْدُرُ عَنْهم مِنَ الرَّقْصِ الَّذِي هو عِنْدَ جَمْعٍ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، ولا مَكْرُوهٍ لِأنَّهُ مُجَرَّدُ حَرَكاتٍ عَلى اسْتِقامَةٍ، أوِ اعْوِجاجٍ، ولِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أقَرَّ الحَبَشَةَ عَلَيْهِ في مَسْجِدِهِ يَوْمَ عِيدٍ، وعِنْدَ آخَرِينَ مَكْرُوهٌ، وعِنْدَ هَذا القائِلِ حَرامٌ إذا كَثُرَ بِحَيْثُ أسْقَطَ المُرُوءَةَ إنْ كانَ بِاخْتِيارِهِمْ، فَهم كَغَيْرِهِمْ، وإلّا فَلَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ، واسْتَوْضَحَهُ بَعْضُ الأجِلَّةِ، وقالَ: يَجِبُ اطِّرادُهُ في سائِرِ ما يُحْكى عَنِ الصُّوفِيَّةِ، مِمّا يُخالِفُ ظَواهِرَ الشَّرْعِ، فَلا يُحْتَجُّ بِهِ، لِأنَّهُ إنْ صَدَرَ عَنْهم في حالِ تَكْلِيفِهِمْ فَهم كَغَيْرِهِمْ، أوْ مَعَ غَيْبَتِهِمْ لَمْ يَكُونُوا مُكَلَّفِينَ بِهِ، والَّذِي يَظْهَرُ لِي أنَّ غِناءَ الرَّجُلِ بِمِثْلِ هَذِهِ الألْحانِ إنْ كانَ لِدَفْعِ الوَحْشَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَمُباحٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، كَما ذَهَبَ إلَيْهِ شَمْسُ الأئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لَكِنْ بِشَرْطِ أنْ لا يَسْمَعَهُ مَن يُخْشى عَلَيْهِ الفِتْنَةُ مِنِ امْرَأةٍ أوْ غَيْرِها، ولا مَن يَسْتَخِفُّ بِهِ ويَسْتَرْذِلُهُ، وبِشَرْطِ أنْ لا يُغَيِّرَ اسْمَ مُعْظَّمٍ بِنَحْوِ زِيادَةٍ لَيْسَتْ فِيهِ في أصْلِ وضْعِهِ لِأجْلِ أنْ لا يَخْرُجَ عَنْ مُقْتَضى الصَّنْعَةِ مِثْلَ أنْ يَقُولَ في اللَّهِ: إيلّاهُ، وفي مُحَمَّدٍ: مُوحامَّدٌ، هَذا مَعَ كَوْنِ ما يُتَغَنّى بِهِ مِمّا لا بَأْسَ بِإنْشادِهِ، وإنْ كانَ لِلنّاسِ لِلَّهْوِ في غَيْرِ حادِثِ سُرُورٍ كَعُرْسٍ بِأُجْرَةٍ، أوْ بِدُونِها ازْدَرى بِهِ لِذَلِكَ أوْ لَمْ يَزْدَرِ كانَ ما يُتَغَنّى بِهِ مُباحُ الإنْشادِ، أوْ لَمْ يَكُنْ فَحَرامٌ، وإنْ أُمِنَتِ الفِتْنَةُ، وأُراهُ مِنَ الصَّغائِرِ كَما يَقْتَضِيهِ كَلامُ الماوَرْدِيُّ حَيْثُ قالَ: وإذا قُلْنا بِتَحْرِيمِ الأغانِي والمَلاهِي فَهي مِنَ الصَّغائِرِ دُونَ الكَبائِرِ، وإنْ كانَ في حادِثِ سُرُورٍ فَهو مُباحٌ، إنْ أُمِنَتِ الفِتْنَةُ، وكانَ ما يُتَغَنّى بِهِ جائِزُ الإنْشادِ، ولَمْ يُغَيَّرْ فِيهِ اسْمُ مُعْظَّمٍ، ولَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِلِازْدِراءِ بِهِ، وهَتْكِ مُرُوءَتِهِ، ولا لِاجْتِماعِ الرِّجالِ والنِّساءِ عَلى وجْهٍ مَحْظُورٍ، وإنْ كانَ سَبَبًا لِمُحَرَّمٍ فَهو حَرامٌ، وتَتَفاوَتُ مَراتِبُ حُرْمَتِهِ حَسَبَ تَفاوُتِ حُرْمَةِ ما كانَ هو سَبَبًا لَهُ، وإنْ كانَ لِلنّاسِ لا لِلَّهْوِ بَلْ لِتَنْشِيطِهِمْ عَلى ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى كَما يُفْعَلُ في بَعْضِ حِلَقِ التَّهْلِيلِ في بِلادِنا فَمُحْتَمَلُ الإباحَةِ، إنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ مَفْسَدَةً ولَعَلَّهُ إلى الكَراهَةِ أقْرَبُ. ورُبَّما يُقالُ: إنَّهُ حِينَئِذٍ قُرْبَةٌ كالحُداءِ، وهو ما يُقالُ خَلْفَ الإبِلِ مِن زَجْرٍ وغَيْرِهِ، إذا كانَ مُنَشِّطًا لِسَيْرٍ هو قُرْبَةٌ، لِأنَّ وسِيلَةَ القُرْبَةِ بِهِ اتِّفاقًا، فَيُقالُ: لَمْ نَقِفْ عَلى خَبَرٍ في اشْتِمالِ حِلَقِ الذِّكْرِ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكَذا عَلى عَهْدِ خُلَفائِهِ وأصْحابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمْ، وهم أحْرَصُ النّاسِ عَلى القُرْبِ عَلى هَذا الغِناءِ، ولا عَلى سائِرِ أنْواعِهِ، وصَحَّتْ أحادِيثُ في الحُداءِ، ولِذا أطْلَقَ جَمْعٌ القَوْلَ بِنَدْبِهِ، وكَوْنُهم نَشِطِينَ بِدُونِ ذَلِكَ لا يَمْنَعُ أنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَن يَزِيدُهُ ذَلِكَ نَشاطًا، فَلَوْ كانَ لِذَلِكَ قُرْبَةً لَفَعَلُوهُ، ولَوْ مَرَّةً، ولَمْ يُنْقَلْ أنَّهم فَعَلُوهُ أصْلًا، عَلى أنَّهُ لا يَبْعُدُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ يُشَوِّشُ عَلى الذّاكِرِينَ، ولا يَتِمُّ لَهم مَعَهُ مَعْنى الذِّكْرِ وتَصَوُّرُهُ، وهو بِدُونِ ذَلِكَ لا ثَوابَ فِيهِ بِالإجْماعِ، ولَعَلَّ ما يُفْعَلُ عَلى المَنائِرِ مِمّا يُسَمُّونَهُ تَمْجِيدًا مُنْتَظِمٌ عِنْدَ الجَهَلَةِ في سِلْكِ وسائِلِ القُرْبِ بَلْ يَعُدُّهُ أكْثَرُهم قُرْبَةً مِن حَيْثُ ذاتُهُ، وهو لَعَمْرِي عِنْدَ العالِمِ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ، وإنْ كانَ لِحاجَةِ مَرَضٍ تَعَيَّنَ شِفاؤُهُ بِهِ فَلا شَكَّ في جَوازِهِ، والإكْبابُ عَلى المُباحِ مِنهُ يَخْرِمُ المُرُوءَةَ كاتِّخاذِهِ حِرْفَةً، وقَوْلُ الرّافِعِيِّ: لا يَخْرِمُها إذا لاقَ بِهِ رَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأنَّ الشّافِعِيَّ نَصَّ عَلى رَدِّ شَهادَتِهِ، وجَرى عَلَيْهِ أصْحابُهُ، لِأنَّها حِرْفَةٌ دَنِيَّةٌ، ويُعَدُّ فاعِلُها في العُرْفِ مِمَّنْ لا حَياءَ لَهُ، وعَنِ الحَسَنِ أنَّ رَجُلًا قالَ لَهُ: ما تَقُولُ في الغِناءِ؟ قالَ: نِعْمَ الشَّيْءُ الغِناءُ يُوصَلُ بِهِ الرَّحِمُ ويُنَفَّسُ بِهِ عَنِ المَكْرُوبِ، ويُفْعَلُ فِيهِ المَعْرُوفُ، قالَ: إنَّما أعْنِي الشَّدَّ؟ قالَ: وما الشَّدُّ، أتَعْرِفُ مِنهُ شَيْئًا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَما هُوَ؟ فانْدَفَعَ الرَّجُلُ يُغَنِّي ويَلْوِي شِدْقَيْهِ، ومُنْخَرَيْهِ، ويَكْسِرُ عَيْنَيْهِ، فَقالَ الحَسَنُ: ما كُنْتُ أرى أنَّ عاقِلًا يَبْلُغُ مِن نَفْسِهِ ما أرى، واخْتَلَفُوا في تَعاطِي خارِمِ المُرُوءَةِ عَلى أوْجُهٍ. ثالِثُها إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ شَهادَةٌ حَرُمَ وإلّا فَلا.
قالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: وهو الأوْجَهُ، لِأنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّسَبُّبُ في إسْقاطِ ما تَحَمَّلَهُ وصارَ أمانَةً عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ، ويَظْهَرُ لِي أنَّهُ إنْ كانَ ذَلِكَ مِن عالِمٍ يُقْتَدى بِهِ، أوْ كانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلِازْدِراءِ حَرُمَ أيْضًا، وإنَّ سَماعَهُ أيِ اسْتِماعَهُ لا مُجَرَّدَ سَماعِهِ بِلا قَصْدٍ عِنْدَ أمْنِ الفِتْنَةِ، وكَوْنُ ما يُتَغَنّى بِهِ جائِزَ الإنْشادِ، وعَدَمُ تَسَبُّبِهِ لِمَعْصِيَةٍ كاسْتِدامَةِ مُغَنٍّ لِغَناءٍ آثِمٌ بِهِ مُباحٌ والإكْبابُ عَلَيْهِ كَما قالَ النَّوَوِيُّ: يُسْقِطُ المُرُوءَةَ كالإكْبابِ عَلى الغِناءِ المُباحِ، والِاخْتِلافُ في تَعاطِي مُسْقِطِها قَدْ ذَكَرْناهُ آنِفًا، وأمّا سَماعُهُ عِنْدَ عَدَمِ أمْنِ الفِتْنَةِ، وكَوْنُ ما يُتَغَنّى بِهِ غَيْرَ جائِزِ الإنْشادِ، وكَوْنُهُ مُتَسَبِّبًا لِمَعْصِيَةٍ فَحَرامٌ، وتَتَفاوَتُ مَراتِبُ حُرْمَتِهِ، ولَعَلَّها تَصِلُ إلى حُرْمَةٍ كَبِيرَةٍ، ومِنَ السَّماعِ المُحَرَّمِ سَماعُ مُتَصَوِّفَةِ زَمانِنا، وإنْ خَلا عَنْ رَقْصٍ، فَإنَّ مَفاسِدَهُ أكْثَرُ مِن أنْ تُحْصى، وكَثِيرٌ مِمّا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الأشْعارِ مِن أشْنَعِ ما يُتْلى، ومَعَ هَذا يَعْتَقِدُونَهُ قُرْبَةً، ويَزْعُمُونَ أنَّ أكْثَرَهم رَغْبَةً فِيهِ أشَدُّهم رَغْبَةً أوْ رَهْبَةً، قاتَلَهُمُ اللَّهُ تَعالى أنّى يُؤْفَكُونَ.
ولا يَخْفى عَلى مَن أحاطَ خُبْرًا بِما تَقَدَّمَ عَنِ القُشَيْرِيِّ وغَيْرِهِ أنَّ سَماعَهم مَذْمُومٌ عِنْدَ مَن يَعْتَقِدُونَ انْتِصارَهُ لَهُمْ، ويَحْسَبُونَ أنَّهم وإيّاهُ مِن حِزْبٍ واحِدٍ، فَوَيْلٌ لِمَن شُفَعاؤُهُ خُصَماؤُهُ، وأحِبّاؤُهُ أعْداؤُهُ، وأمّا رَقْصُهم عَلَيْهِ فَقَدْ زادُوا بِهِ في الطُّنْبُورِ رَنَّةً، وضَمُّوا كَسَرَ اللَّهُ تَعالى شَوْكَتَهم بِذَلِكَ إلى السَّفَهِ جِنَّةً. وقَدْ أفادَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: أنَّهُ لا تُقْبَلُ شَهادَةُ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يَرْقُصُونَ عَلى الدُّفِّ الَّذِي قِيلَ يُباحُ، أوْ يُسَنُّ ضَرْبُهُ لِعُرْسٍ وخِتانٍ وغَيْرِهِما مِن كُلِّ سُرُورٍ، ومِنهُ قُدُومُ عالِمٍ يَنْفَعُ المُسْلِمِينَ رادًّا عَلى مَن زَعَمَ القَبُولَ، فَقالَ: وعَنْ بَعْضِهِمْ تُقْبَلُ شَهادَةُ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يَرْقُصُونَ عَلى الدُّفِّ لِاعْتِقادِهِمْ أنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ كَما تُقْبَلُ شَهادَةُ حَنَفِيٍّ شَرِبَ النَّبِيذَ لِاعْتِقادِهِ إباحَتَهُ، وكَذا كُلُّ مَن فَعَلَ ما اعْتَقَدَ إباحَتَهُ اهـ، ورُدَّ بِأنَّهُ خَطَأٌ قَبِيحٌ لِأنَّ اعْتِقادَ الحَنَفِيِّ نَشَأ عَنْ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ، ولا كَذَلِكَ غَيْرُهُ، وإنَّما مَنشَؤُهُ الجَهْلُ والتَّقْصِيرُ فَكانَ خَيالًا باطِلًا، لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ.
ثُمَّ إنِّي أقُولُ: لا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ صاحِبُ حالٍ يُحَرِّكُهُ السَّماعُ ويُثِيرُ مِنهُ ما يُلْجِئُهُ إلى الرَّقْصِ، أوِ التَّصْفِيقِ، أوِ الصَّعْقِ والصِّياحِ، وتَمْزِيقِ الثِّيابِ، أوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمّا هو مَكْرُوهٌ، أوْ حَرامٌ، فالَّذِي يَظْهَرُ لِي في ذَلِكَ أنَّهُ إنْ عَلِمَ مِن نَفْسِهِ صُدُورَ ما ذُكِرَ كانَ حُكْمُ الِاسْتِماعِ في حَقِّهِ حُكْمَ ما يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وإنْ تَرَدَّدَ فِيهِ، فالأحْوَطُ في حَقِّهِ إنْ لَمْ نَقُلْ بِالكَراهَةِ عَدَمُ الِاسْتِماعِ.
فَفِي الخَبَرِ: ««دَعْ ما يُرِيبُكَ إلى ما لا يُرِيبُكَ»»
ثُمَّ إنَّ ما حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ السَّماعِ مِن غَيْرِ قَصْدٍ، ولَمْ يَقْدِرْ عَلى دَفْعِهِ أصْلًا، فَلا لَوْمَ، ولا عِتابَ فِيهِ عَلَيْهِ، وحُكْمُهُ في ذَلِكَ حُكْمُ مَنِ اعْتَراهُ نَحْوُ عُطاسٍ وسُعالٍ قَهْرِيَّيْنِ، ولا يُشْتَرَطُ في دَفْعِ اللَّوْمِ والعِتابِ عَنْهُ كَوْنُ ذَلِكَ مَعَ غَيْبَتِهِ، فَلا يَجِبُ عَلى مَن صَدَرَ مِنهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَغِبْ إعادَةُ الوُضُوءِ لِلصَّلاةِ مَثَلًا، ولْيُنْظَرْ فِيما لَوِ اعْتَراهُ وهو في الصَّلاةِ بِدُونِ غَيْبَةٍ، هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ نَحْوِ العُطاسِ، والسُّعالِ إذا اعْتَراهُ فِيها أمْ لا؟ والَّذِي سَمِعْتُهُ عَنْ بَعْضِ الكِبارِ الثّانِي، فَتَدَبَّرْ. ومِنَ النّاسِ مَن يَعْتَرِيهِ شَيْءٌ مِمّا ذُكِرَ عِنْدَ سَماعِ القُرْآنِ، إمّا مُطْلَقًا، أوْ إذا كانَ بِصَوْتٍ حَسَنٍ، وقَلَّما يَقَعُ ذَلِكَ مِن سَماعِ القُرْآنِ، أوْ غَيْرِهِ لِكامِلٍ.
وعَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها أنَّهُ قِيلَ لَها: إنَّ قَوْمًا إذا سَمِعُوا القُرْآنَ صُعِقُوا، فَقالَتِ: القُرْآنُ أكْرَمُ مِن أنْ يُسْرَقَ مِنهُ عُقُولُ الرِّجالِ، ولَكِنَّهُ كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهم وقُلُوبُهم إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزُّمَرُ: 23]، وكَثِيرًا ما يَكُونُ لِضَعْفِ تَحَمُّلِ الوارِدِ، وبَعْضُ المُتَصَنِّعِينَ يَفْعَلُهُ رِياءً، وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَسْمَعُ القُرْآنَ فَيُصْعَقُ فَقالَ: مِيعادُ ما بَيْنَنا وبَيْنَهم أنْ يَجْلِسُوا عَلى حائِطٍ فَيُقْرَأُ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ فَإنْ صُعِقُوا، فَهو كَما قالُوا، ولا يَرُدُّ عَلى إباحَةِ الغِناءِ وسَماعِهِ في بَعْضِ الصُّوَرِ خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ: ««الغِناءُ يُنْبِتُ النِّفاقَ في القَلْبِ كَما يُنْبِتُ الماءُ البَقْلَ»»
لا، لِأنَّ الغِناءَ فِيهِ مَقْصُورٌ، وأنَّ المُرادَ بِهِ غِنى المالِ الَّذِي هو ضِدُّ الفَقْرِ، إذْ يَرُدُّ ذَلِكَ أنَّ الخَبَرَ رُوِيَ مِن وجْهٍ آخَرَ بِزِيادَةٍ: «(والذِّكْرُ يُنْبِتُ الإيمانَ في القَلْبِ كَما يُنْبِتُ الماءُ الزَّرْعَ)،» ومُقابَلَةُ الغِناءِ بِالذِّكْرِ ظاهِرٌ في المُرادِ بِهِ التَّغَنِّي، عَلى أنَّ الرِّوايَةَ كَما قالَ بَعْضُ الحُفّاظِ بِالمَدِّ بَلْ لِأنَّ المُرادَ أنَّ الغِناءَ مِن شَأْنِهِ أنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ النِّفاقُ أيِ العَمَلِيُّ بِأنْ يُحَرِّكَ إلى غَدْرٍ وخُلْفِ وعْدٍ وكَذِبٍ ونَحْوِها، ولا يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ اطِّرادُ التَّرَتُّبِ.
ورُبَّما يُشِيرُ إلى ذَلِكَ التَّشْبِيهُ في قَوْلِهِ: (كَما يُنْبِتُ الماءُ البَقْلَ) فَإنَّ إنْباتَ الماءِ البَقْلَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، ونَظِيرُ ذَلِكَ في الكَلامِ كَثِيرٌ، والقائِلُ بِإباحَتِهِ في بَعْضِ الصُّوَرِ إنَّما يُبِيحُهُ حَيْثُ لا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. نَعَمْ لا شَكَّ أنَّ ما هَذا شَأْنُهُ الأحْوَطُ بَعْدَ كُلِّ قِيلٍ وقالَ عَدَمُ الرَّغْبَةِ فِيهِ، كَذا قِيلَ.
وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِالنِّفاقِ الإيمانِيَّ، ويُؤَيِّدُهُ مُقابَلَتُهُ في بَعْضِ الرِّواياتِ بِالإيمانِ، ويَكُونُ مَساقُ الخَبَرِ لِلتَّنْفِيرِ عَنِ الغِناءِ، إذْ كانَ النّاسُ حَدِيثِي عَهْدٍ بِجاهِلِيَّةٍ كانَ يُسْتَعْمَلُ فِيها الغِناءُ لِلَّهْوِ، ويُجْتَمَعُ عَلَيْهِ في مَجالِسِ الشُّرْبِ، ووَجْهُ إنْباتِهِ لِلنِّفاقِ إذْ ذاكَ أنَّ كَثِيرًا مِنهم لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِلَذَّةِ الغِناءِ وما يَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ اللَّهْوِ والشُّرْبِ وغَيْرِهِ مِن أنْواعِ الفِسْقِ يَتَحَرَّكُ قَلْبُهُ لِما كانَ عَلَيْهِ، ويَحِنُّ حَنِينَ العِشارِ إلَيْهِ، ويَكْرَهُ لِذَلِكَ الإيمانَ الَّذِي صَدَّهُ عَمّا هُنالِكَ، ولا يَسْتَطِيعُ لِقُوَّةِ شَوْكَةِ الإسْلامِ أنْ يُظْهِرَ ما أضْمَرَ، ويَنْبِذَ الإيمانَ وراءَ ظَهْرِهِ، ويَتَقَدَّمَ إلى ما عَنْهُ تَأخَّرَ، فَلَمْ يَسَعْهُ إلّا النِّفاقُ لِما اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَخافَةَ الرِّدَّةِ، والِاشْتِياقِ، فَتَأمَّلْ ذاكَ واللَّهُ تَعالى يَتَوَلّى هُداكَ، وأمّا الآيَةُ فَإنْ كانَ وجْهُ الِاسْتِدْلالِ بِها تَسْمِيَةُ الغِناءِ لَهْوًا، فَكَمْ لَهْوٍ هو حَلالٌ، وإنْ كانَ الوَعِيدُ عَلى اشْتِرائِهِ واخْتِيارِهِ فَلا نُسَلِّمُ أنَّ ذَلِكَ عَلى مُجَرَّدِ الِاشْتِراءِ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ عَلى الِاشْتِراءِ لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى، ولا شَكَّ أنَّ ذَلِكَ مِنَ الكَبائِرِ، ولا نِزاعَ لَنا فِيهِ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الَّذِي يَتَرَجَّحُ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في لَهْوِ الحَدِيثِ مُضافًا إلى الكُفْرِ، فَلِذَلِكَ اشْتَدَّتْ ألْفاظُ الآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ( لِيُضِلَّ ) إلَخْ اهـ.
ومِمّا ذَكَّرْنا يُعْلَمُ ما في الِاسْتِدْلالِ بِها عَلى حُرْمَةِ المَلاهِي كالرَّبابِ، والجَنْكِ، والسِّنْطِيرِ، والكَمَنجَةِ، والمِزْمارِ وغَيْرِها مِنَ الآلاتِ المُطْرِبَةِ بِناءً عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والحَسَنِ أنَّهُما فَسَّرا( لَهْوَ الحَدِيثِ ) بِها، نَعَمْ، إنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمالُها واسْتِماعُها لِغَيْرِ ما ذُكِرَ، فَقَدْ صَحَّ مِن طُرُقٍ خِلافًا لِما وهِمَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ الضّالُّ المُضِلُّ فَقَدْ عَلَّقَهُ البُخارِيُّ، ووَصَلَهُ الإسْماعِيلِيُّ، وأحْمَدُ، وابْنُ ماجَهْ، وأبُو نُعَيْمٍ، وأبُو داوُدَ بِأسانِيدَ صَحِيحَةٍ، لا مَطْعَنَ فِيها، وصَحَّحَهُ جَماعَةٌ آخَرُونَ مِنَ الأئِمَّةِ كَما قالَهُ بَعْضُ الحُفّاظِ أنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ««لَيَكُونَنَّ في أُمَّتِي قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الخَزَّ والخَمْرَ والمَعازِفَ»»
وهُوَ صَرِيحٌ في تَحْرِيمِ جَمِيعِ آلاتِ اللَّهْوِ المُطْرِبَةِ، ومِمّا يُشْبِهُ الصَّرِيحَ في ذَلِكَ ما رَواهُ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ (ذَمِّ المَلاهِي) عَنْ أنَسٍ، وأحْمَدَ، والطَّبَرانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأبِي أُمامَةَ مَرْفُوعًا: ««لَيَكُونَنَّ في هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وقَذْفٌ ومَسْخٌ، وذَلِكَ إذا شَرِبُوا الخُمُورَ، واتَّخَذُوا القَيْناتِ وضَرَبُوا بِالمَعازِفِ»»
وهِيَ المَلاهِي الَّتِي سَمِعْتَها، ومِنها الصَّنْجُ العَجَمِيُّ وهو صُفْرٌ يُجْعَلُ عَلَيْهِ أوْتارٌ يُضْرَبُ بِها عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ واحِدٍ خِلافًا لِلْماوَرْدِيِّ حَيْثُ قالَ: إنَّ الصَّنْجَ يُكْرَهُ مَعَ الغِناءِ، ولا يُكْرَهُ مُنْفَرِدًا لِأنَّهُ بِانْفِرادِهِ غَيْرُ مُطْرِبٍ، ولَعَلَّهُ أرادَ بِهِ العَرَبِيَّ، وهو قِطْعَتانِ مِن صُفْرٍ تُضْرَبُ إحْداهُما بِالأُخْرى، فَإنَّهُ بِحَسَبِ الظّاهِرِ هو الَّذِي لا يُطْرِبُ مُنْفَرِدًا، لَكِنْ يَزِيدُ الغِناءَ طَرَبًا، وذُكِرَ أنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ المُخَنَّثُونَ في بَعْضِ البِلادِ، ولا يَبْعُدُ عَلَيْهِ القَوْلُ بِالحُرْمَةِ، ومِنها اليَراعُ، وهو الشَّبّابَةُ، فَإنَّهُ مُطْرِبٌ بِانْفِرادِهِ، بَلْ قالَ بَعْضُ أهْلِ المُوسِيقى: إنَّهُ آلَةٌ كامِلَةٌ جامِعَةٌ لِجَمِيعِ النَّغَماتِ إلّا يَسِيرًا، وقَدْ أطْنَبَ الإمامُ الدَّوْلَقِيُّ، وهو مِن أجِلَّةِ العُلَماءِ في دَلائِلِ تَحْرِيمِهِ، ومِنها القِياسُ، وهو إمّا أوْلى أوْ مُساوٍ، وقالَ: العَجَبُ كُلُّ العَجَبِ مِمَّنْ هو مِن أهْلِ العِلْمِ يَزْعُمُ أنَّ الشَّبّابَةَ حَلالٌ اهـ، ومِنهُ يُعْلَمُ ما في قَوْلِ التّاجِ السُّبْكِيِّ في تَوْشِيحِهِ: لَمْ يُقَرَّ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلى تَحْرِيمِ اليَراعِ مَعَ كَثْرَةِ التَّتَبُّعِ، والَّذِي أُراهُ الحِلَّ، فَإنِ انْضَمَّ إلَيْهِ مُحَرَّمٌ فَلِكُلٍّ مِنهُما حِكْمَةٌ، ثُمَّ الأوْلى عِنْدِي لِمَن لَيْسَ مِن أهْلِ الذَّوْقِ الإعْراضُ عَنْهُ مُطْلَقًا، لِأنَّ غايَةَ ما فِيهِ حُصُولُ لَذَّةٍ نَفْسانِيَّةٍ، وهي لَيْسَتْ مِنَ المَطالِبِ الشَّرْعِيَّةِ، وأمّا أهْلُ الذَّوْقِ فَحالُهم مُسَلَّمٌ إلَيْهِمْ، وهم عَلى حَسَبِ ما يَجِدُونَهُ مِن أنْفُسِهِمْ اهـ.
وحُكِيَ عَنِ العِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ، وابْنِ دَقِيقِ العِيدِ أنَّهُما كانا يَسْمَعانِ ذَلِكَ، والظّاهِرُ أنَّهُ كَذِبٌ لا أصْلَ لَهُ، وبِذَلِكَ جَزَمَ بَعْضُ الأجِلَّةِ، ولا يَبْعُدُ حِلُّها إذا صَفَّرَ فِيها كالأطْفالِ والرِّعاءِ عَلى غَيْرِ القانُونِ المَعْرُوفِ مِنَ الإطْرابِ.
ومِنها العُودُ، وهو آلَةٌ لِلَّهْوِ غَيْرُ الطُّنْبُورِ، وأطْلَقَهُ بَعْضُهم عَلَيْهِ، وحِكايَةُ النَّجِسِ ابْنِ طاهِرٍ عَنِ الشَّيْخِ أبِي إسْحاقَ الشِّيرازِيِّ أنَّهُ كانَ يَسْمَعُ العُودَ مِن جُمْلَةِ كَذِبِهِ وتَهَوُّرِهِ، كَدَعْواهُ إجْماعَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ عَلى إباحَةِ الغِناءِ واللَّهْوِ، ومِثْلُهُ في المُجازَفَةِ وارْتِكابِ الأباطِيلِ عَلى الجَزْمِ ابْنُ حَزْمٍ، لا الدُّفَّ، فَيَجُوزُ ضَرْبُهُ مِن رَجُلٍ وامْرَأةٍ، لا مِنِ امْرَأةٍ فَقَطْ خِلافًا لِلْحَلِيمِيِّ، واسْتِماعُهُ لِعُرْسٍ ونِكاحٍ وكَذا غَيْرِهِما مِن كُلِّ سُرُورٍ في الأصَحِّ، وبِحِلِّ ذِي الجَلاجِلِ مِنهُ، وهي إمّا نَحْوُ حِلَقٍ يُجْعَلُ داخِلَهُ كَدُفِّ العَرَبِ، أوْ صُنُوجٍ عِراضٍ مِن صُفْرٍ تُجْعَلُ في حُرُوفِ دائِرَتِهِ كَدُفِّ العَجَمِ، جَزَمَ جَماعَةٌ وجَزَمَ آخَرُونَ بِحُرْمَتِهِ، وبِها أقُولُ، لِأنَّهُ كَما قالَ الأذْرُعِيُّ أشَدُّ إطْرابًا مِنَ أكْثَرِ المَلاهِي المُتَّفَقِ عَلى تَحْرِيمِها، وبَعْضُ المُتَصَوِّفَةِ ألَّفُوا رَسائِلَ في حِلِّ الأوْتارِ والمَزامِيرِ وغَيْرِها مِن آلاتِ اللَّهْوِ وأتَوْا فِيها بِكَذِبٍ عَجِيبٍ عَلى اللَّهِ تَعالى، وعَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وعَلى أصْحابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمْ، والتّابِعِينَ والعُلَماءِ العامِلِينَ، وقَلَّدَهم في ذَلِكَ مَن لَعِبَ بِهِ الشَّيْطانُ وهَوى بِهِ الهَوى إلى هُوَّةِ الحِرْمانِ، فَهو عَنِ الحَقِّ بِمَعْزِلٍ، وبَيْنَهُ وبَيْنَ حَقِيقَةِ التَّصَوُّفِ ألْفُ ألْفُ مَنزِلٍ، وإذا تَحَقَّقَ لَدَيْكَ قَوْلُ بَعْضِ الكِبارِ بِحِلِّ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، فَلا تَغْتَرَّ بِهِ، لِأنَّهُ مُخالِفٌ لِما عَلَيْهِ أئِمَّةُ المَذاهِبِ الأرْبَعَةِ وغَيْرُهم مِنَ الأكابِرِ المُؤَيَّدِ بِالأدِلَّةِ القَوِيَّةِ الَّتِي لا يَأْتِيها الباطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْها، ولا مِن خَلْفِها، وكُلُّ أحَدٍ يُؤْخَذُ مِن قَوْلِهِ ويُتْرَكُ ما عَدا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ومَن رُزِقَ عَقْلًا مُسْتَقِيمًا وقَلْبًا مِنَ الأهْواءِ الفاسِدَةِ سَلِيمًا لا يَشُكُّ في أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ، وأنَّهُ بَعِيدٌ بِمَراحِلَ عَنْ مَقاصِدِ شَرِيعَةِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ، واسْتَدَلَّ بَعْضُ أهْلِ الإباحَةِ عَلى حِلِّ الشَّبّابَةِ بِما أخْرَجَهُ ابْنُ حِبّانَ في صَحِيحِهِ، عَنْ نافِعٍ، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: (أنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ زُمّارَةِ راعٍ، فَجَعَلَ إصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ، وعَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ وجَعَلَ يَقُولُ: يا نافِعُ أتَسْمَعُ، فَأقُولُ: نَعَمْ، فَلَمّا قُلْتُ: لا، رَجَعَ إلى الطَّرِيقِ، ثُمَّ قالَ: هَكَذا رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَفْعَلُهُ)،» وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، والبَيْهَقِيُّ عَنْ نافِعٍ أيْضًا، وسَألَ عَنْهُ الحافِظَ مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ السَّلامِيَّ فَقالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ بِهِ أنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرِ ابْنَ عُمَرَ وكانَ عُمْرُهُ إذْ ذاكَ كَما قالَ الحافِظُ المَذْكُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً بِسَدِّ أُذُنَيْهِ، ولا نَهى الفاعِلَ فَلَوْ كانَ ذَلِكَ حَرامًا لَأمَرَ ونَهى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وسَدَّ أُذُنَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إذْ ذاكَ في حالِ ذِكْرٍ، أوْ فِكْرٍ، وكانَ السَّماعُ يَشْغَلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والتَّحِيَّةُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إنَّما فَعَلَهُ ﷺ تَنْزِيهًا، وقالَ الأذْرُعِيُّ: بِهَذا الحَدِيثِ اسْتَدَلَّ أصْحابُنا عَلى تَحْرِيمِ المَزامِيرِ، وعَلَيْهِ بَنَوُا التَّحْرِيمَ في الشَّبّابَةِ اهـ.
والحَقُّ عِنْدِي أنَّهُ لَيْسَ نَصًّا في حُرْمَتِها لِأنَّ سَدَّ الأُذُنَيْنِ عِنْدَ السَّماعِ مِن بابِ فِعْلِهِ ﷺ، ولَيْسَ مِمّا وضُحَ فِيهِ أمْرُ الجِبِلَّةِ ولا ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولا مِمّا وضَحَ أنَّهُ بَيانٌ لِنَصِّ عِلْمِ جِهَتِهِ مِنَ الوُجُوبِ والنَّدْبِ والإباحَةِ، فَإنْ كانَ مِمّا عُلِمَتْ صِفَتُهُ، فَلا يَخْلُو مِن أنْ تَكُونَ الوُجُوبَ أوِ النَّدْبَ، أوِ الإباحَةَ، لا جائِزَ أنْ تَكُونَ الوُجُوبَ المُسْتَلْزِمَ لِحُرْمَةِ سَماعِ اليَراعِ إذْ لا قائِلَ بِأنَّهُ يَجِبُ عَلى أحَدٍ سَدُّ الأُذُنَيْنِ عِنْدَ سَماعٍ مُحَرَّمٍ، إذْ يَأْمَنُ الإثْمَ بِعَدَمِ القَصْدِ، فَقَدْ قالُوا:
إنَّ الحَرامَ الِاسْتِماعُ لا مُجَرَّدُ السَّماعِ بِلا قَصْدٍ، وفي الزَّواجِرِ: المَمْنُوعُ هو الِاسْتِماعُ لا السَّماعُ لا عَنْ قَصْدٍ اتِّفاقًا، ومِن ثَمَّ صَرَّحَ أصْحابُنا - يَعْنِي الشّافِعِيَّةَ - أنَّ مَن بِجِوارِهِ آلاتٌ مُحَرَّمَةٌ ولا يُمْكِنُهُ إزالَتُها لا يَلْزَمُهُ النُّقْلَةُ، ولا يَأْثَمُ بِسَماعِها لا عَنْ قَصْدٍ وإصْغاءٍ اهـ، والظّاهِرُ أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ عِنْدَ سائِرِ الأئِمَّةِ، نَعَمْ لَهم تَفْصِيلٌ في القُعُودِ في مَكانٍ فِيهِ نَحْوُ ذَلِكَ، قالَ في تَنْوِيرِ الأبْصارِ وشَرْحِهِ الدُّرِّ المُخْتارِ: دُعِيَ إلى ولِيمَةٍ وثَمَّةَ لَعِبٍ وغِناءٍ قَعَدَ، وأكَلَ، ولَوْ عَلى المائِدَةِ، لا يَنْبَغِي أنْ يَقْعُدَ بَلْ يَخْرُجَ مُعْرِضًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [الأنْعامِ: 68]، فَإنْ قَدَرَ عَلى المَنعِ فَعَلَ وإلّا يَقْدِرُ صَبَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُقْتَدى بِهِ، فَإنْ كانَ مُقْتَدًى بِهِ، ولَمْ يَقْدِرْ عَلى المَنعِ خَرَجَ، ولا يَقْعُدُ، لِأنَّ فِيهِ شَيْنُ الدِّينِ، والمَحْكِيُّ عَنِ الإمامِ أبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ كانَ قَبْلَ أنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ، وإنْ عَلِمَ أوَّلًا لا يَحْضُرُ أصْلًا، سَواءٌ كانَ مِمَّنْ يُقْتَدى بِهِ أوْ لا اهـ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُها النَّدْبَ أوِ الإباحَةَ وكِلا الأمْرَيْنِ لا يَسْتَلْزِمانِ الحُرْمَةَ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَرامًا أوْ مَكْرُوهًا يُنْدَبُ سَدُّ الأُذُنَيْنِ عِنْدَ سَماعِهِ احْتِياطًا مِن أنْ يَدْعُوَ إلى الِاسْتِماعِ المُحَرَّمِ أوِ المَكْرُوهِ، وإنْ كانَ مِمّا لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ فَقَدْ قالُوا فِيما كانَ كَذَلِكَ المَذاهِبُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلى الأُمَّةِ خَمْسَةٌ، الوُجُوبُ والنَّدْبُ والإباحَةُ والوَقْفُ والتَّفْصِيلُ، وهو أنَّهُ إنْ ظَهَرَ قَصْدُ القُرْبَةِ فالنَّدْبُ، وإلّا فالإباحَةُ، ويُعْلَمُ مِمّا ذَكَرْنا الحالُ عَلى كُلِّ مَذْهَبٍ، والَّذِي يَغْلِبُ عَلى الظَّنِّ أنَّ ما أشارَ إلَيْهِ الخَبَرُ إنْ كانَ الزَّمْرُ بِزُمّارَةِ الرّاعِي عَلى وجْهِ التَّأنُّقِ وإجْراءِ النَّغَماتِ الَّتِي تُحَرِّكُ الشَّهَواتِ كَما يَفْعَلُهُ مَن جَعَلَ ذَلِكَ صَنْعَتَهُ اليَوْمَ، فاسْتِماعُهُ حَرامٌ، وسَدُّ الأُذُنَيْنِ المُشارُ إلَيْهِ فِيهِ لَعَلَّهُ كانَ مِنهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ أحَدَ طُرُقِ الِاحْتِياطِ المَعْلُومِ حالُهُ لِئَلّا يَجُرَّهم ذَلِكَ إلى الِاسْتِماعِ، وإلّا فالِاسْتِماعُ لِمَكانِ العِصْمَةِ مِمّا لا يُتَصَوَّرُ في حَقِّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ومَن عَرَفَ قَدْرَ الصَّحابَةِ، واطَّلَعَ عَلى سَبِيلِهِمْ وحِرْصِهِمْ عَلى التَّأسِّي بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يَشُكَّ في أنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ سَدَّ أُذُنَيْهِ أيْضًا تَأسِّيًا، ويَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ الخَبَرُ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: أتَسْمَعُ؟ عَلى مَعْنى تَسَمَّعْ، أتَسْمَعُ، وإنَّما أسْقَطَ تَسَمَّعْ، لِدِلالَةِ الحالِ عَلَيْهِ، إذْ مَن سَدَّ أُذُنَيْهِ لا يَسْمَعُ، وإنَّما أذِنَ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِذَلِكَ لِمَوْضِعِ الحاجَةِ، وهَذا أقْرَبُ مِنَ احْتِمالِ كَوْنِ سَدِّ الأُذُنَيْنِ مِنهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأنَّهُ كانَ في حالِ ذِكْرٍ، أوْ فِكْرٍ، وكانَ يَشْغَلُهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عِنْدَ السَّماعِ.
وأمّا عَدَمُ نَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَن كانَ يُزَمِّرُ عَنِ الزَّمْرِ، والإنْكارِ عَلَيْهِ، فَلا يُسَلَّمُ دِلالَتُهُ عَلى الجَوازِ، فَإنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الصَّوْتُ جاءَ مِن بَعِيدٍ، وبَيْنَ الزّامِرِ وبَيْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ما يَمْنَعُ مِنَ الوُصُولِ إلَيْهِ، أوْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُ ﷺ لِأنَّ الصَّوْتَ قَدْ جاءَ مِن وراءِ حِجابٍ، ولا تَتَحَقَّقُ القُدْرَةُ مَعَهُ عَلى الإنْكارِ، ويَجُوزُ أيْضًا أنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ مَعْلُومًا مِن قَبْلُ، وعُلِمَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ الإصْرارُ عَلَيْهِ، وأنْ يَكُونَ قَدْ عُلِمَ إصْرارُ ذَلِكَ الفاعِلِ عَلى فِعْلِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ كاخْتِلافِ أهْلِ الذِّمَّةِ إلى كَنائِسِهِمْ، وفي مِثْلِ ذَلِكَ لا يَدُلُّ السُّكُوتُ وعَدَمُ الإنْكارِ عَلى الجَوازِ إجْماعًا، ومَن قالَ بِأنَّ الكافِرَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالفُرُوعِ قالَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الزّامِرُ كافِرًا، وأنَّ السُّكُوتَ في حَقِّهِ لَيْسَ دَلِيلَ الجَوازِ، وإنْ كانَ الزَّمْرُ بِها لا عَلى وجْهِ التَّأنُّقِ وإجْراءِ النَّغَماتِ الَّتِي تُحَرِّكُ الشَّهَواتِ فَلا بُعْدَ في أنْ يُقالَ بِالجَوازِ والإباحَةِ فِعْلًا واسْتِماعًا، وسَدُّ الأُذُنَيْنِ عَلَيْهِ لِغايَةِ التَّنَزُّهِ اللّائِقِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقَوْلُ الأذْرُعِيِّ في الجَوابِ: إنَّ قَوْلَهُ في الخَبَرِ: زَمّارَةُ راعٍ لا يُعَيِّنُ أنَّها الشَّبّابَةُ، فَإنَّ الرُّعاةَ يَضْرِبُونَ بِالشُّعَيْبِيَّةِ وغَيْرِها يُوهِمُ أنَّ ما يُسَمّى شُعَيْبِيَّةً مُباحٌ مَفْرُوغٌ مِنهُ، وفِيهِ نَظَرٌ، فَإنَّها عِبارَةٌ عَنْ عِدَّةِ قَصَباتٍ صِغارٍ، ولَها إطْرابٌ بِحَسَبِ حِذْقِ مُتَعاطِيها، فَهي شَبّابَةٌ، أوْ مِزْمارٌ لا مَحالَةَ، وفي إباحَةِ ذَلِكَ كَلامٌ، وبَعْدَ هَذا كُلِّهِ نَقُولُ:
إنَّ الخَبَرَ المَذْكُورَ رَواهُ أبُو داوُدَ، وقالَ: إنَّهُ مُنْكَرٌ، وعَلَيْهِ لا حُجَّةَ فِيهِ لِلطَّرَفَيْنِ، وكَفى اللَّهُ تَعالى المُؤْمِنِينَ القِتالَ، ثُمَّ إنَّكَ إذا ابْتُلِيتَ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ، فَإيّاكَ ثُمَّ إيّاكَ أنْ تَعْتَقِدَ أنَّ فِعْلَهُ أوِ اسْتِماعَهُ قُرْبَةٌ كَما يَعْتَقِدُ ذَلِكَ مَن لا خَلاقَ لَهُ مِنَ المُتَصَوِّفَةِ، فَلَوْ كانَ الأمْرُ كَما زَعَمُوا لَما أهْمَلَ الأنْبِياءُ أنْ يَفْعَلُوهُ، ويَأْمُرُوا أتْباعَهم بِهِ، ولَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أحَدٍ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولا أشارَ إلَيْهِ كِتابٌ مِنَ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ مِنَ السَّماءِ، وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ ولَوْ كانَ اسْتِعْمالُ المَلاهِي المُطْرِباتِ أوِ اسْتِماعُها مِنَ الدِّينِ، ومِمّا يُقَرِّبُ إلى حَضْرَةِ رَبِّ العالَمِينَ لَبَيَّنَهُ ﷺ وأوْضَحَهُ كَمالَ الإيضاحِ لِأُمَّتِهِ، وقَدْ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ««والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، ما تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكم مِنَ الجَنَّةِ ويُباعِدُكم عَنِ النّارِ إلّا أمَرْتُكم بِهِ، وما تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكم مِنَ النّارِ ويُباعِدُكم عَنِ الجَنَّةِ إلّا نَهَيْتُكم عَنْهُ»»
وما ذُكِرَ داخِلٌ في الشِّقِّ الثّانِي كَما لا يَخْفى عَلى مَن لَهُ قَلْبٌ سَلِيمٌ، وعَقْلٌ مُسْتَقِيمٌ، فَتَأمَّلْ، وأنْصِفْ، وإيّاكَ مِنَ الِاعْتِراضِ قَبْلَ أنْ تُراجِعَ تَعَرَّفْ، ولَنا عَوْدَةٌ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى لِلْكَلامِ في هَذا المَطْلَبِ، يَسَّرَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ لَنا بِحُرْمَةِ حَبِيبِهِ الأعْظَمِ ﷺ.
واسْتَدَلَّ بَعْضُهم بِالآيَةِ عَلى القَوْلِ بِأنَّ لَهْوَ الحَدِيثِ الكُتُبُ الَّتِي اشْتَراها النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ عَلى حُرْمَةِ مُطالَعَةِ كُتُبِ تَوارِيخِ الفُرْسِ القَدِيمَةِ، وسَماعِ ما فِيها وقِراءَتِهِ، وفِيهِ بَحْثٌ، ولا يَخْفى أنَّ فِيها مِنَ الكَذِبِ ما فِيها، فالِاشْتِغالُ بِها لِغَيْرِ غَرَضٍ دِينِيٍّ خَوْضٌ في الباطِلِ، وعَدَّهُ ابْنُ نُجَيْمٍ في رِسالَتِهِ في بَيانِ المَعاصِي مِنَ الصَّغائِرِ، ومَثَّلَ لَهُ بِذِكْرِ تَنَعُّمِ المُلُوكِ والأغْنِياءِ فافْهَمْ هَذا، ومِنَ الغَرِيبِ البَعِيدِ وفِيهِ جَعْلُ الِاشْتِراءِ بِمَعْنى البَيْعِ ما ذَهَبَ إلَيْهِ صاحِبُ التَّحْرِيرِ قالَ:
يَظْهَرُ لِي أنَّهُ أرادَ سُبْحانَهُ بِلَهْوِ الحَدِيثِ ما كانُوا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الأحادِيثِ في تَقْوِيَةِ دِينِهِمْ، والأمْرِ بِالدَّوامِ عَلَيْهِ، وتَغْيِيرِ صِفَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأنَّ التَّوْراةَ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ مِن ولَدِ إسْحاقَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقْصِدُونَ صَدَّ أتْباعِهِمْ عَنِ الإيمانِ، وأُطْلِقَ اسْمُ الِاشْتِراءِ لِكَوْنِهِمْ يَأْخُذُونَ عَلى ذَلِكَ الرِّشا والجَعائِلَ مِن مُلُوكِهِمْ، وقالَ: يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وهو كَما تَرى، والمُرادُ بِسَبِيلِهِ تَعالى دِينُهُ عَزَّ وجَلَّ، أوْ قِراءَةُ كِتابِهِ سُبْحانَهُ، أوْ ما يَعُمُّهُما، واللّامُ في ( لِيُضِلَّ ) لِلتَّعْلِيلِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو «لِيَضِلَّ» بِفَتْحِ الياءِ، والمُرادُ لِيَثْبُتَ عَلى ضَلالِهِ ويَزِيدَ فِيهِ، فَإنَّ المُخْبَرَ عَنْهُ ضالٌّ قَبْلُ، واللّامُ لِلْعاقِبَةِ، وكَوْنُها عَلى أصْلِها كَما قِيلَ بَعِيدٌ، وجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنْ يَكُونَ قَدْ وضَعَ «لِيَضِلَّ» عَلى هَذِهِ القِراءَةِ مَوْضِعَ (لِيُضِلَّ) مِن قِبَلِ أنَّ مَن أضَلَّ كانَ ضالًّا لا مَحالَةَ، فَدَلَّ بِالرَّدِيفِ، وهو الضَّلالُ عَلى المَرْدُوفِ وهو الإضْلالُ، ووَجْهُ الدِّلالَةِ أنَّهُ أُرِيدَ بِالضَّلالِ الضَّلالُ المُضاعَفُ في شَأْنِ مَن جانَبَ سَبِيلَ اللَّهِ تَعالى، وتَرَكَهُ رَأْسًا، وهَذا الضَّلالُ لا يَنْفَكُّ عَنِ الإضْلالِ، وبِالعَكْسِ، وبِهِ يَنْدَفِعُ نَظَرُ صاحِبِ الفَرائِدِ بِأنَّ الضَّلالَ لا يَلْزَمُهُ إلّا ضَلالٌ، وفِيهِ تَوافُقُ القِراءَتَيْنِ، وبَقاءُ اللّامِ عَلى حَقِيقَتِها، وهي عَلى الوَجْهَيْنِ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿يَشْتَرِي )،﴾ وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ أيْضًا أيْ يَشْتَرِي ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِحالِ ما يَشْتَرِيهِ، أوْ بِالتِّجارَةِ حَيْثُ اسْتَبْدَلَ الضَّلالَ بِالهُدى والباطِلَ بِالحَقِّ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا (بِيُضِلَّ) أيْ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ تَعالى جاهِلًا أنَّها سَبِيلُهُ عَزَّ وجَلَّ، أوْ جاهِلًا أنَّهُ يُضِلُّ، أوْ جاهِلًا الحَقَّ، ﴿ويَتَّخِذَها﴾ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى «يُضِلَّ» والضَّمِيرُ لِلسَّبِيلِ، فَإنَّهُ مِمّا يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ لِلْآياتِ، وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِلْأحادِيثِ، لِأنَّ الحَدِيثَ اسْمُ جِنْسٍ بِمَعْنى الأحادِيثِ، وهو كَما تَرى، ﴿هُزُوًا﴾ أيْ مَهْزُوءًا بِهِ. وقَرَأ جَمْعٌ مِنَ السَّبْعَةِ ( يَتَّخِذُها ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى ( يَشْتَرِي )، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ عَلى إضْمارِ هُوَ، ﴿أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ لِما اتَّصَفُوا بِهِ مِن إهانَتِهِمُ الحَقَّ بِإيثارِ الباطِلِ عَلَيْهِ، وتَرْغِيبِ النّاسِ فِيهِ، والجَزاءُ مِن جِنْسِ العَمَلِ، ( وأُولَئِكَ ) إشارَةٌ إلى ( مَن )، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإشارَةِ إلى بُعْدِ المَنزِلَةِ في الشَّرارَةِ، والجَمْعُ في اسْمِ الإشارَةِ والضَّمِيرِ بِاعْتِبارِ مَعْناها، كَما أنَّ الإفْرادَ في الفِعْلَيْنِ بِاعْتِبارِ لَفْظِها. [روح المعاني]
قال عبد الرحمن المباركفوري (ت: 1353هـ): (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْمُغَنِّيَاتِ)
قَوْلُه حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وسكون المهملة صدوق يخطىء.
عن عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ الدِّمَشْقِيِّ صَاحِبِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ عَنِ الْقَاسِمِ هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ أَبِي أُمَامَةَ صَدُوقٌ يُرْسِلُ كَثِيرًا.
قَوْلُهُ لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فِي الصِّحَاحِ.
الْقَيْنُ الْأَمَةُ مُغَنِّيَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا.
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وفِي الْحَدِيثِ يُرَادُ بِهَا الْمُغَنِّيَةُ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُغَنِّيَةً فَلَا وَجْهَ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا (وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ) أَيْ الغناء فإنها رقية الزنى (وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ) قَالَ الْقَاضِي النَّهْيُ مَقْصُورٌ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِأَجْلِ التَّغَنِّي وَحُرْمَةُ ثَمَنِهَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهَا وَالْجُمْهُورُ صَحَّحَ بَيْعَهَا.
والْحَدِيثُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ لِلطَّعْنِ فِي رِوَايَتِهِ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ أَخْذَ الثَّمَنِ عَلَيْهِنَّ حَرَامٌ كَأَخْذِ ثَمَنِ الْعِنَبِ مِنَ النَّبَّاذِ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ وَتَوَصُّلٌ إِلَى حُصُولِ مُحَرَّمٍ لَا لِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لهو الحديث أَيْ يَشْتَرِي الْغِنَاءَ وَالْأَصْوَاتَ الْمُحَرَّمَةَ الَّتِي تُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الإضافة فيه بمعنى من البيان نَحْوَ جُبَّةِ خَزٍّ وَبَابِ سَاجٍ أَيْ يَشْتَرِي اللَّهْوَ مِنَ الْحَدِيثِ
لِأَنَّ اللَّهْوَ يَكُونُ مِنَ الْحَدِيثِ وَمِنْ غَيْرِهِ.
والْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُنْكَرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ السَّمَرِ بِالْأَسَاطِيرِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَالتَّحَدُّثُ بِالْخُرَافَاتِ وَالْمَضَاحِيكِ وَالْغِنَاءُ وَتَعَلُّمُ الْمُوسِيقَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. كَذَا فِي المرقاة.
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يشتري لهو الحديث قال الغناء والذي لا إله غيره، وأخرجه الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ.
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ.
قَوْلُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا من هذا لوجه وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ إِلَخْ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ، كَذَا فِي الْمِيزَانِ. [تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي].
قال محمد الطاهر بن عاشور (ت: 1393هـ):
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡتَرِی لَهۡوَ ٱلۡحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ ٦﴾ [لقمان 6]
﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ويَتَّخِذُها هُزُؤًا أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا ولّى مُسْتَكْبِرًا كَأنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأنَّ في أُذْنَيْهِ وقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ .
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ﴾ [لقمان: ٢] . والمَعْنى: أنَّ حالَ الكِتابِ الحَكِيمِ هُدًى ورَحْمَةٌ لِلْمُحْسِنِينَ، وأنَّ مِنَ النّاسِ مُعْرِضِينَ عَنْهُ يُؤْثِرُونَ لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِي يَهْدِي إلَيْهِ الكِتابُ. وهَذا مِن مُقابَلَةِ الثَّناءِ عَلى آياتِ الكِتابِ الحَكِيمِ بِضِدِّ ذَلِكَ في ذَمِّ ما يَأْتِي بِهِ بَعْضُ النّاسِ، وهَذا تَخَلُّصٌ مِنَ المُقَدِّمَةِ إلى مَدْخَلٍ لِلْمَقْصُودِ وهو تَفْظِيعُ ما يَدْعُو إلَيْهِ النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ ومُشايِعُوهُ مِنَ اللَّهْوِ بِأخْبارِ المُلُوكِ الَّتِي لا تُكْسِبُ صاحِبَها كَمالًا ولا حِكْمَةً.
وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ في قَوْلِهِ ﴿ومِنَ النّاسِ﴾ لِلتَّشْوِيقِ إلى تَلَقِّي خَبَرِهِ العَجِيبِ.
والِاشْتِراءُ كِنايَةٌ عَنِ العِنايَةِ بِالشَّيْءِ والِاغْتِباطِ بِهِ، ولَيْسَ هُنا اسْتِعارَةً بِخِلافِ قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى﴾ [البقرة: ١٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ؛ فالِاشْتِراءُ هُنا مُسْتَعْمَلٌ في صَرِيحِهِ وكِنايَتِهِ: فالصَّرِيحُ تَشْوِيهٌ لِاقْتِناءِ النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ قِصَصَ رُسْتَمَ وإسْفِنْدِيارَ وبَهْرامَ، والكِنايَةُ تَقْبِيحٌ لِلَّذِينَ التَفُّوا حَوْلَهُ وتَلَقَّوْا أخْبارَهُ، أيْ مِنَ النّاسِ مَن يَشْغَلُهُ لَهْوُ الحَدِيثِ والوَلَعُ بِهِ عَنِ الِاهْتِداءِ بِآياتِ الكِتابِ الحَكِيمِ.
واللَّهْوُ: ما يُقْصَدُ مِنهُ تَشْغِيلُ البالِ وتَقْصِيرُ طُولِ وقْتِ البِطالَةِ دُونَ نَفْعٍ، لِأنَّهُ إذا كانَتْ في ذَلِكَ مَنفَعَةٌ لَمْ يَكُنِ المَقْصُودُ مِنهُ اللَّهْوَ بَلْ تِلْكَ المَنفَعَةُ، ولَهْوُ الحَدِيثِ ما كانَ مِنَ الحَدِيثِ مُرادًا لِلَّهْوِ فَإضافَةُ لَهْوَ إلى الحَدِيثِ عَلى مَعْنى (مِنَ) التَّبْعِيضِيَّةِ عَلى رَأْيِ بَعْضِ النُّحاةِ، وبَعْضُهم لا يُثْبِتُ الإضافَةَ عَلى مَعْنى (مِنَ) التَّبْعِيضِيَّةِ فَيَرُدُّها إلى مَعْنى اللّامِ.
وتَقَدَّمَ اللَّهْوُ في قَوْلِهِ ﴿وما الحَياةُ الدُّنْيا إلّا لَعِبٌ ولَهْوٌ﴾ [الأنعام: ٣٢] في سُورَةِ الأنْعامِ.
والأصَحُّ في المُرادِ بِقَوْلِهِ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ أنَّهُ النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ فَإنَّهُ كانَ يُسافِرُ في تِجارَةٍ إلى بِلادِ فارِسَ فَيَتَلَقّى أكاذِيبَ الأخْبارِ عَنْ أبْطالِهِمْ في الحُرُوبِ المَمْلُوءَةِ أُكْذُوباتٍ فَيَقُصُّها عَلى قُرَيْشٍ في أسْمارِهِمْ ويَقُولُ: إنْ كانَ مُحَمَّدٌ يُحَدِّثُكم بِأحادِيثِ عادٍ وثَمُودَ فَأنا أُحَدِّثُكم بِأحادِيثِ رُسْتَمَ وإسْفِنْدِيارَ وبَهْرامَ. ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن قالَ: إنَّ النَّضْرَ كانَ يَشْتَرِي مِن بِلادِ فارِسَ كُتُبَ أخْبارِ مُلُوكِهِمْ فَيُحَدِّثُ بِها قُرَيْشًا، أيْ بِواسِطَةِ مَن يُتَرْجِمُها لَهم. ويَشْمَلُ لَفْظُ النّاسِ أهْلَ سامِرِهِ الَّذِينَ يُنْصِتُونَ لِما يَقُصُّهُ عَلَيْهِمْ كَما يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ تَعالى إثْرَهُ ﴿أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ .
وقِيلَ المُرادُ بِـ ﴿مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ مَن يَقْتَنِي القَيْناتِ المُغَنِّياتِ، رَوى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ القاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِمَنِ، عَنْ أبِي أُمامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَ: «لا تَبِيعُوا القَيْناتِ ولا تَشْتَرُوهُنَّ ولا خَيْرَ في تِجارَةٍ فِيهِنَّ وثَمَنُهُنَّ حَرامٌ» في مِثْلِ ذَلِكَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ إلى آخَرِ الآيَةِ. قالَ أبُو عِيسى: هَذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إنَّما يُرْوى مِن حَدِيثِ القاسِمِ، عَنْ أبِي أُمامَةَ، وعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ يَضْعُفُ في الحَدِيثِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدًا (يَعْنِي البُخارِيَّ) يَقُولُ: عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ يَضْعُفُ اهــ.
وقالَ ابْنُ العَرَبِيِّ في العارِضَةِ: في سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ: أحَدُهُما أنَّها نَزَلَتْ في النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ. الثّانِي أنَّها نَزَلَتْ في رَجُلٍ مِن قُرَيْشٍ (قِيلَ هو ابْنُ خَطَلٍ) اشْتَرى جارِيَةً مُغَنِّيَةً فَشُغِلَ النّاسُ بِها عَنِ اسْتِماعِ النَّبِيءِ ﷺ اهــ. وألْفاظُ الآيَةِ أنْسَبُ انْطِباقًا عَلى قِصَّةِ النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ.
ومَعْنى ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُلْهِيَ قُرَيْشًا عَنْ سَماعِ القُرْآنِ فَإنَّ القُرْآنَ سَبِيلٌ مُوَصِّلٌ إلى اللَّهِ تَعالى، أيْ إلى الدِّينِ الَّذِي أرادَهُ، فَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ مُجَرَّدَ اللَّهْوِ بَلْ تَجاوَزَهُ إلى الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وهَذا زِيادَةٌ في تَفْظِيعِ عَمَلِهِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (يُضِلُّ) بِضَمِّ الياءِ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ الياءِ، أيْ لِيَزْدادَ ضَلالًا عَلى ضَلالَةٍ إذْ لَمْ يَكْتَفِ لِنَفْسِهِ بِالكُفْرِ حَتّى أخَذَ يَبُثُّ ضَلالَهُ لِلنّاسِ، وبِذَلِكَ يَكُونُ مَآلُ القِراءَتَيْنِ مُتَّحِدَ المَعْنى.
ويَتَعَلَّقُ ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ بِفِعْلِ يَشْتَرِي ويَتَعَلَّقُ بِهِ أيْضًا قَوْلُهُ ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ لِأنَّ أصْلَ تَعَلُّقِ المَجْرُوراتِ أنْ يَرْجِعَ إلى المُتَعَلِّقِ المَبْنِيِّ عَلَيْهِ الكَلامُ، فالمَعْنى: يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أيْ عَنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ في صالِحِ نَفْسِهِ حَيْثُ يَسْتَبْدِلُ الباطِلَ بِالحَقِّ.
والضَّمِيرُ المَنصُوبُ في (يَتَّخِذُها) عائِدٌ إلى سَبِيلِ اللَّهِ فَإنَّ السَّبِيلَ تُؤَنَّثُ.
وقَرأ الجُمْهُورُ (ويَتَّخِذُها) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى (يَشْتَرِي) أيْ يَشْغَلُ النّاسَ بِلَهْوِ الحَدِيثِ لِيَصْرِفَهم عَنِ القُرْآنِ ويَتَّخِذُ سَبِيلَ اللَّهِ هُزُؤًا. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ ويَعْقُوبَ وخَلَفٍ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى (لِيُضِلَّ) أيْ يُلْهِيهِمْ بِلَهْوِ الحَدِيثِ لِيُضِلَّهم ولِيَتَّخِذَ دِينَ الإسْلامِ هُزْءًا.
ومَآلُ المَعْنى مُتَّحِدٌ في القِراءَتَيْنِ لِأنَّ كِلا الأمْرَيْنِ مِن فِعْلِهِ ومِن غَرَضِهِ، وأمّا الإضْلالُ فَقَدْ رُجِّحَ فِيهِ جانِبُ التَّعْلِيلِ لِأنَّهُ العِلَّةُ الباعِثَةُ لَهُ عَلى ما يَفْعَلُ.
والهُزْؤُ: مَصْدَرُ هَزَأ بِهِ إذا سَخِرَ بِهِ كَقَوْلِهِ (اتَّخَذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُؤًا) .
ولَمّا كانَ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثَ صادِقًا عَلى النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ والَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ إلى قِصَصِهِ مِنَ المُشْرِكِينَ جِيءَ في وعِيدِهِمْ بِصِيغَةِ الجَمْعِ ﴿أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ .
واخْتِيرَ اسْمُ الإشارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ ما يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مِنَ الخَبَرِ إنَّما اسْتَحَقَّهُ لِأجْلِ ما سَبَقَ اسْمَ الإشارَةِ مِنَ الوَصْفِ.
وجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ جُمْلَةِ ﴿مَن يَشْتَرِي﴾ وجُمْلَةِ ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا﴾ فَهَذا عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ يَشْتَرِي إلَخْ. والتَّقْدِيرُ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي﴾ إلَخْ ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا ولّى مُسْتَكْبِرًا﴾ فالمَوْصُولُ واحِدٌ ولَهُ صِلَتانِ: اشْتِراءُ لَهْوِ الحَدِيثِ لِلضَّلالِ، والِاسْتِكْبارُ عِنْدَما تُتْلى عَلَيْهِ آياتُ القُرْآنِ. [التحرير والتنوير]
قال حكمت بشير ياسين (ت: 1420 هـ): وقوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم) والله لعله أن لا ينفق فيه ماله، ولكن اشتراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع.
أخرج الطبري بأسانيد بقوي بعضها بعضاً، عن جابر وغيره، في قوله: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: هو الغناء والاستماع له. وذكره ابن كثير عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: اشتراء المغني والمغنية بالمال الكثير، أو استماع إليهم، وإلى مثله من الباطل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ويتخذها هزوا) ، قال: سبيل الله. ا. هـ. أي ذكر سبيل الله كما ذكر الطبري. [الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور]
قال سليم الهلالي ومحمد آل نصر:
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-؛ قال: أنزلت سورة لقمان بمكة. (ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 503) ونسبه لابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في "الدلائل".).
* {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)}.
* عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-؛ قال: هو النضر بن الحارث بن علقمة، يشتري أحاديث الأعاجم وصنيعهم في دهرهم . [موضوع () أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 305 رقم 5194) من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس به. قلنا: وهذا حديث موضوع؛ من دون ابن عباس ثلاثتهم متهمون بالكذب.
* وعنه -رضي الله عنه- في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}؛ قال: باطل الحديث هو الغناء ونحوه . [ضيف جداً] (أخرجه الطبري في "جامع البيان" (21/ 40، 41) بالسند المسلسل بالعوفيين الضعفاء. قلنا: وهذا سند ضعيف جداً. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 504) وزاد نسبته للفريابي وابن مردويه.)
* وعنه -أيضاً-رضي الله عنه- في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}؛ قال: أنزلت في النضر بن الحارث، اشترى قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإِسلام إلا انطلق به إلى قينة، فيقول: أطعميه واسقيه
وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه؛ فنزلت . [ضعيف جداً] ((1) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 504) وقال: أخرج جويبر عن ابن عباس به. قلنا: وهذا إسناد ضعيف جداً من أجل جويبر.
قال شيخنا العلّامة الألباني -رحمه الله- في "تحريم آلات الطرب" (ص 142): "وهو ضعيف جداً، جويبر؛ قال الدارقطني وغيره: "متروك". ).
* قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث، وذلك أنه كان يخرج تاجراً إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً، ويقول لهم: إن محمداً يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستمعون حديثه ويتركون استماع القرآن؛ فنزلت فيه هذه الآية . [موضوع] (ذكره الواحدي في "أسباب النزول" (ص 232) معلقاً.) قال شيخنا: "والكلبي ومقاتل متروكان -أيضاً- ومتهمان بالكذب، مع ما في روايتهما من المخالفة لرواية جويبر".).
* عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام؛ وفي مثل ذلك أنزلت هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إلى آخر الآية" . [ضعيف جداً] (أخرجه الترمذي (رقم 1282، 3195)، والحميدي في "المسند" (رقم 910)، وأحمد (5/ 252، 264)، والطبري في "جامع البيان" (21/ 39)، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ رقم 7805، 7825، 7855، 7861، 7862)، وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" (ق 156/ أ)، والحكيم الترمذي في "المنهيات" (ص 58)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"؛ كما في "تفسير القرآن العظيم" (3/ 451)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص 232، 233)، وفي "الوسيط" (3/ 441)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 14، 15)، والثعلبي في "تفسيره" (3/ 75/ أ) -وعنه البغوي في "معالم التنزيل" (6/ 284) -، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 232)، و"العلل المتناهية" (2/ 784 رقم 1307)، وابن أبي شيبة وأبو يعلى الموصلي في "مسنديهما"، وابن مردويه في "تفسيره"؛ كما في "تخريج الكشاف" (3/ 67) جميعهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد الألهاني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة به مرفوعاً. قلنا: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ فيه علتان: الأولى: علي بن يزيد؛ متروك الحديث. الثانية: عبيد الله بن زحر؛ ضعيف.
قال الترمذي في "الموضع الأول": "حديث أبي أمامة إنما نعرفه مثل هذا من هذا الوجه، وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه، وهو شامي".
وقال في "الموضع الثاني": "هذا حديث غريب، إنما يُروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث، وقال: سمعت محمداً؛ يعني: البخاري، يقول: القاسم ثقة، وعلي بن يزيد يضعف".
ونقل البيهقي في "سننه" عن الترمذي أنه قال: "سألت البخاري عن إسناد هذا الحديث؟ فقال: علي بن يزيد ذاهب الحديث، ووثق عبيد الله بن زحر، والقاسم بن عبد الرحمن".
وضعفه ابن حزم في "المحلى" (9/ 58) بابن زحر وعلي بن يزيد والقاسم وبغيرهم، وفي كلامه مجازفات لا تخفى على أهل العلم بالحديث.
وأعله أيضاً بهم ابن طاهر في "مسألة السماع" (ص 79 - 81).
وقال ابن الجوزي في "العلل" (2/ 785): "هذه الأحاديث ليس فيها شيء يصح"، وأعله بعلي بن يزيد والقاسم وعبيد الله.
وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (3/ 451): "علي وشيخه والراوي عنه كلهم ضعفاء".
وضعفه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" (3/ 249، 250) بعلي بن يزيد.
وقال ابن قيم الجوزية في "إغاثة اللهفان" (1/ 258): "هذا الحديث وإن كان مداره على عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد الألهاني عن القاسم؛ فعبيد الله بن زحر ثقة، والقاسم ثقة، وعلي ضعيف؛ إلا أن للحديث شواهد ومتابعات"
وأعله شيخنا الألباني -رحمه الله- في "الصحيحة" (6/ 1016) بما ذكرنا وهو الصواب.
وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 257، 268) -ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 784 رقم 1308) -، والطيالسي (رقم 1134)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/ 255)، والطبراني في "الكبير" (8/ رقم 7803)، والحكيم الترمذي في "المنهيات" (ص 44، 58) من طريق الفرج بن فضالة عن علي به.
قلنا: الفرج ضعيف؛ كما في "التقريب"، وهو متابع جيد لعبيد الله بن زحر؛ لكن رجع مدار الحديث على علي بن يزيد الألهاني، وهو متروك.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 69): "فيه علي بن يزيد وهو ضعيف"، وضعفه الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (2/ 272).
وأخرج ابن ماجه في "سننه" (رقم 2168)، وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" (ق 159/ أ)، وابن عساكر (2/ 425/ 1) من طريق أبي جعفر الرازي عن عاصم الأحول عن أبي المهلب عن عبيد الله الإفريقي عن أبي أمامة به مرفوعاً.
قال شيخنا -رحمه الله-: "والإفريقي هو عبيد الله بن زحر نفسه، فكان أبا المهلب أسقط شيخه علي بن يزيد الألهاني، وهذا يدل على ضعفه".
قلنا: أبو المهلب هو مطرح بن يزيد؛ متروك الحديث، وقد أسقط من الإسناد علياً.
وأخرجه ابن أبي الدنيا -ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 183 رقم 1306) - من طريق جرير بن عبد الحميد عن رقبة بن مصقلة عن عبيد الله الإفريقي عن القاسم به. قلنا: وسنده صحيح إلى الإفريقي وهو أصح من سابقه؛ فإن رقبة ثقة وهو أوثق بكثير من أبي جعفر الرازي الضعيف، لكن عبيد الله بن زحر لا يروي عن القاسم إلا بواسطة علي بن يزيد؛ فعاد مدار الحديث على علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (8/ رقم 7749) من طريق الوليد بن الوليد القلانسي الدمشقي ثنا ابن ثوبان عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن أبي أمامة به. قلنا: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ فيه الوليد بن الوليد متروك الحديث.
وعليه؛ فالحديث ضعيف جداً لا يصح، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 504) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن المنذر، لكن للحديث شواهد فانظر ما بعده.)
* عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-؛ قال: هو الغناء والذي لا إله إلا هو -يرددها ثلاث مرات- . [حسن] (أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/ 309 رقم 1171)، والطبري في "جامع البيان" (21/ 39، 39، 40)، وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" (ق 155/ أ) -ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 278 رقم 5096) -، والحاكم في "المستدرك" (2/ 411) -وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 223) -، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص231) من طريق حميد الخراط عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري: أنه سمع ابن مسعود وهو يُسأل عن هذه الآية، فقال: (فذكره). قلنا: وهذا إسناد حسن. قال الحاكم: "وهذا حديث صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. ووافقهما شيخنا أبو عبد الرحمن الألباني -رحمه الله- في "الصحيحة" (6/ 1017)، و"تحريم آلات الطرب" (ص 143). وصححه ابن قيم الجوزية في "إغاثة اللهفان". والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 505) وزاد نسبته لابن المنذر.)
* عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-؛ قال: هو الغناء وأشباهه . [حسن لغيره ( أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/ 310 رقم 1178)، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم 786، 1265)، وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" (ق 155/ أ، ب)، والطبري في "جامع البيان" (21/ 40)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 221، 223)، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 231)، وابن حزم في "المحلى" (9/ 73) من طرق عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
قلنا: وهذا إسناد ضعيف؛ عطاء بن السائب اختلط، ولم نجد أحداً من رواة هذا الحديث روى عنه قبل الاختلاط.
قال شيخنا في "الصحيحة" (6/ 1017): "ورجاله ثقات، وهو صحيح الإسناد، لولا أن ابن السائب كان اختلط، وهو شاهد جيد على الأقل". والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 504) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وابن مردويه).
* عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-؛ قال: نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية . [ضعيف جداً] ( (1) أخرجه الطبري في "جامع البيان" (21/ 41) بالسند المسلسل بالعوفيين عنه به. قلنا: وسنده ضعيف جداً؛ مسلسل بالعوفيين الضعفاء. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 504) وزاد نسبته للفريابي وابن مردويه. وذكر الواحدي في "أسباب النزول" (ص 233) ما نصه: "وقال ثوير -الأصل ثور وهو تصحيف- ابن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلاً ونهاراً. قلنا: وثوير؛ هذا ضعيف جداً. وقد أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 279 رقم 5104) من طريق إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن مسعود؛ قال: رجل اشترى جارية تغنيه ليلاً أو نهاراً. قلنا: فجعله ثوير من قول ابن مسعود، وقد بيّنّا أنه واه، ضعيف الحديث جداً. * ملاحظة: سقط من مطبوع "الشعب": (عن ثوير)، واستدركناه من المخطوط (2/ 191/ ب)، فاقتضى التنويه).
* عن الحسن؛ قال: نزلت في الغناء والمزامير . [ضعيف] () ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 505) ونسبه لابن أبي حاتم).
* عن عطاء الخراساني؛ قال: نزلت في الغناء والباطل والمزامير . [ضعيف] (() ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 507) ونسبه لأبي أحمد الحاكم في "الكنى". قلنا: وسنده ضعيف؛ لإعضاله). [الاستيعاب في بيان الأسباب]
التعليقات:
1. تصنيف هذه المسألة:
هذه المسألة تفسيرية بيانية (لبديع استعمال اللفظ "لهو" ليتضمن عدة معاني يحتملها اللفظ)، ولها صلة أيضا بأحكام القرآن الفقهية (لتعلقها بالحكم الشرعي في سماع الغناء والضرب بآلات المعازف)، كما لها صلة ببعض علوم القرآن كأسباب النزول هنا والتي على أساسها يتحدد المراد ب "لهو الحديث".
المراجع الأولية:
- من كتب التفسير: تفسير ابن جرير، وابن أبي حاتم، والزجاج، وابن عطية، وابن الجوزي، وابن كثير، وغيرها.
- من كتاب البلاغة: الكشاف للزمخشري، نظم الدرر للبقاعي، تفسير أبي السعود، روح المعاني للألوسي، التحرير والتنوير لابن عاشور.
- من كتب مسائل أحكام القرآن (الفقه): مصنف عبد الرزاق الصنعاني، مصنف ابن أبي شيبة، وغيرها.
- من كتب أسباب النزول: أسباب النزول للواحدي، وجامع الأصول لابن الأثير، والاستيعاب لسليم الهلالي ومحمد آل نصر.
2. النقول التي باللون الأزرق من جمهرة التفاسير، والنقول المضافة إليها بالبرتقالي هي من خارج الجمهرة.
3. الذي تحصل لي من النقول في هذه المسألة على أصناف:
- فمن دواوين السنة: نقول من كتب التفسير من جامع بن وهب المصري، ومن صحيح البخاري، وجامع الترمذي، ومصنف ابن أبي شيبة.
- ومن التفاسير المسندة: نقول من تفسير عبد الرزاق الصنعاني، وتفسير ابن جرير، وتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير الثعلبي، والبغوي، وابن كثير.
- ومن جوامع الأحاديث والزوائد: نقول من جامع الأصول لابن الأثير، إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري، الدر المنثور للسيوطي.
- ومن شروح الأحاديث: نقول من شروح صحيح البخاري لابن بطال، وفتح الباري لابن حجر، ومن شروح جامع الترمذي تحفة الأحوذي للمباركفوري.
- ومن التفاسير التي تنقل عن السلف: الهداية للقيسي، النكت والعيون الماوردي، المحرر الوجيز لابن عطية، زاد المسير لابن الجوزي، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، تفسير القرآن لابن كثير.
- وبحثت في كتب جماعة من المحققين: فوجدت في تفسير الطبري، والمحلى لابن حزم الأندلسي، وابن كثير، وابن حجر.
- وبحثت في كتب الحديث: فوجدت في صحيح البخاري، وجامع الترمذي.
- رتبت النقول على التسلسل التاريخي تمهيدا لدراستها في مرحلة التحرير العلمي إن شاء الله تعالى.
- هذا الجمع يعد جمعا أوليا، فقد يظهر بعد تأمل أقوال المفسرين إشارة إلى مراجع أخرى فأضيفها إلى ما تحصلت عليه.
- كما قد قمت بجمع أقوال عدة من موقع جمهرة العلوم وهو كل ما تيسر جمعه للاستزادة.
• وبترتيب المراجع التي يرجع إليها لجمع الأحاديث والآثار وأقوال السلف في التفسير:
المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنة.
- الكتب التي وجدت فيها: كتاب تفسير القرآن من صحيح البخاري، أبواب التفسير من جامع الترمذي، كتاب تفسير القرآن من جامع عبد الله بن وهب المصري، كتاب التفسير من مستدرك أبي عبد الله الحاكم النيسابوري.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: كتاب التفسير من صحيح مسلم، كتاب التفسير من سنن سعيد بن منصور الخراساني،
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: لا يوجد.
المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث.
- الكتب التي وجدت فيها: جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير، إتحاف الخيرة للبوصيري، الدر المنثور للسيوطي.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: مجمع الزوائد للهيثمي، المطالب العالية لابن حجر، الفتح الرباني للساعاتي.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: لا يوجد.
المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة.
- الكتب التي وجدت فيها: تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني، جامع البيان للطبري، تفسير القرآن لابن أبي حاتم، الكشف والبيان للثعلبي، معالم التنزيل للبغوي.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: لا يوجد.
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها: لا يوجد.
المرتبة الرابعة: التفاسير المسندة التي طبع منها شيء.
- الكتب التي وجدت فيها: تفسير الثوري برواية النهدي.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: تفسير عبد بن حميد، أحكام القرآن للجهضمي، تفسير ابن المنذر النيسابوري.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: تفسير الضحاك، تفسير السدي الكبير، تفسير ابن جريج، وتفسير وكيع ابن الجراح، تفسير سفيان بن عيينة، تفسير الفريابي، تفسير سنيد المصيصي، وتفسير إسحاق بن راهويه، تفسير ابن أبي شيبة، تفسير ابن ماجه، تفسير الحسين البجلي، تفسير دحيم، تفسير بقي بن مخلد، تفسير ابن أبي داوود السجستاني، وتفسير النقاش، وتفسير ابن شاهين، تفسير ابن مردويه.
المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة.
- الكتب التي وجدت فيها: الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (يضم: تفسير عطاء الخراساني، نافع بن أبي نعيم، تفسير مسلم الزنجي، تفسير يحيى بن اليمان)
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: تفسير آدم بن أبي إياس العسقلاني.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: لا يوجد.
المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير.
- الكتب التي وجدت فيها: الهداية للقيسي، النكت والعيون للماوردي، المحرر الوجيز لابن عطية، زاد المسير لابن الجوزي، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، تفسير القرآن لابن كثير.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: لا يوجد.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: لا يوجد.
المرتبة السابعة: كتب تخريج أحاديث التفسير.
- الكتب التي وجدت فيها: لا يوجد.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: لا يوجد.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: تخريج الأحاديث للزيلعي، الكاف الشاف لابن حجر، الفتح السماوي للمناوي، تحفة الراوي للدمشقي، فيض الباري للمدارسي.
المرتبة الثامنة: التفاسير المجموعة.
- الكتب التي وجدت فيها: تفسير ابن أبي شيبة.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: لا يوجد.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: تفسير الضحاك، تفسير السدي، صحيفة بن أبي طلحة، تفسير ابن جريج، معاني القرآن للكسائي، تفسير وكيع بن الجراح، تفسير سفيان بن عيينة، تفسير المصيصي، تفسير ابن راهويه، تفسير ابن مردويه.
المرتبة التاسعة: شروح الأحاديث.
- الكتب التي وجدت فيها: في بعض شروح البخاري لابن بطال، وفتح لابن حجر، في بعض شروح الترمذي كتحفة الأحوذي للمباركفوري، عمدة القاري للعيني، إرشاد الساري للقسطلاني.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: بعض شروح البخاري: كأعلام الحديث للخطابي، شرح ابن الملقن، بعض شروح مسلم: كالمعلم للمازري، وإكمال المعلم للقاضي عياض، والمفهم للقرطبي، والمنهاج للنووي، وشرح الترمذي: كوقوت المغتذي للسيوطي.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: النظر الفسيح لابن عاشور، عارضة الأحوذي لابن العربي، النفخ الشذي لابن سيد الناس.