مجلس مذاكرة القسم الرابع من الحزب 60.
تفسير سور: العاديات وحتى قريش.
السؤال العام
اذكر خمس فوائد سلوكية من دراستك لتفسير سورة العصر، وبيّن وجه دلالة السورة عليها.
1 –على المؤمن أن يُعظِّم الوقت و يستثمره فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا و الأخرة ، و هذا مستفادٌ من قوله تعالى ( و العصر ) و وجه الدلالة ، أنَّ قَسَم اللهِ سبحانه بالعصر الذي يحمل معنى مطلق الزمن و الوقت يعني أنَّ الله سبحانه و تعالى يُعظِّم شأن الوقت و الزمن ، و ما عظمه الله سبحانه حريٌ بالمؤمن أن يعظمه و يتتبع مواطن الحكمة في تعظيمه ، و قد وقف على هذه الفائدة سلفنا الصالح فمما رُويَ عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال ( لا يعرف المؤمن حقيقة الإيمان حتى يكون وقته أغلى عليه من ماله )
2 – على المؤمن أن يَنظُر و يتأمَّل و يتفكَّر في بديع و عظيم صنع الله ، فإذا ما استشعر ذلك و وقف عليه ، آلَ به الحال إلى تعظيم الصانع و المبدع ، و خرَّ له ساجدً عابداً معظماً ، و وجه الدلالة على هذا المعنى و ما يترتب عليه من سلوك ، قوله تعالى ( و العصر ) ، و ذلك أنَّ الله سبحانه و تعالى أقسم بالعصر الذي يحمل معنى تعاقب الليل و النهار ليلفت أنظار عباده إلى ما في تعاقب الليل و النهار من أيات باهرات تدل على عظمة الخالق و بديه صنعه
3 – على المؤمن أن يَعلم أنَّ الإنسان في خسارة محققة لا محالة ، و هذه الخسارة تبدأ من لحظة ولادته و وجوده ، و ذلك لأنه يخسر رأس ماله الحقيقي خسارة لا يمكن أن تعوَّض بأي حال من الأحوال ، أَلا و هي عمره ، فاللحظة التي تنقضي من عمره لا يمكن أن يستردَّها أبداً ، و هذا مستفادٌ من قوله تعالى ( إنَّ الإنسان لفي خسر ) و وجه الدلالة العموم في لفظة ( الإنسان ) و الإطلاق في لفظة ( خسر ) و ذلك باعتبار أنَّ الخسران هو نقص قيمة المحصَّل عما يتاح تحصيله فيما بُذِلَ له ، و لا يوجد في الدنيا مُحصَّلٌ يُعادل ما يمكن فواته بالأخرة فضلاً عن أن يفوقه ، فالمؤمن الذي علم هذا و تدبره ؛ يُبادر و يُسارع و يُسابق إلى إعمار أخرته لكي يكون من الفائزين الرابحين ، و من لطيف أسلوب القرأن استعمال كلمة ( خسر ) التي تنفر منها نفس الإنسان بطبيعته فكل إنسان يطلب الربح و يبتعد عن الخسارة و في استعمال هذه الكلمة حثٌ على الخير بما يوافق الطبيعة البشرية
4 – الطريقة الوحيدة التي يتجنب بها الإنسان الخسارة ، تشمل أربعة أعمال أو مراحل و هي
• الإيمان بما يجب الإيمان به متمثلاً بأركان الإيمان الستة و ما تقتضيه
• العمل الصالح وهذا شاملٌ لأفعالِ الخيرِ كلِّها، الظاهرةِ والباطنةِ، المتعلقةِ بحقِّ اللهِ وحقِّ عبادهِ، الواجبةِ والمستحبةِ .
• التواصي بالحقِّ و هو حملُ النفس و الغير على فعل المأمور و ترك المحظور
• التواصي بالصبر و هو حمل النفس و الغير على الصبر على فعل الطاعة و اجتناب المعصية و الصبر على أقدار الله
و هذا مستفادٌ من قوله تعالى ( إلا الذين أمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ) و وجه الدلالة الإستثناء من عموم الخسارة و إطلاقها
5 – الدعوة إلى الله واجبة لأنها من شروط أو أسباب النجاة من الخسران و هذا مستفادٌ من قوله تعالى ( .........و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ) و وجه الدلالة التفاعل و المفاعلة في صياغة ( و تواصوا ) في الموضعين و ذلك لأنَّ التواصي يقتضي مما يقتضيه أن يوصي المؤمن نفسه و غيره بالحق على عمومه و الذي هو فعل المأمور و ترك المحظور و بالصبر على عمومه و من جملته الصبر على الأذى الذي يلاقيه الداعية إلى الله مما يُكيده له أعداء الله
المجموعة الأولى:
السؤال الأول:
فسّر قول الله تعالى:-
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)} العاديات.
يقسم الله سبحانه و تعالى بالخيل لعظيم شأنها في خِلْقتها و في نفعها للإنسان ، مشيراً إليها بمجموعة من صفاتها ، و هي أنها تعْدو بفرسانها عدْواً شديداً لدرجة أنها تضْبَح من شدة عدْوها – و الضبح صوت النَفَس عند شدة العْدو – و أنها توري النار بقدح الشرر الناتج من اصطكاك حوافرها بالحجارة الصلبة ، و هذا أيضاً من شدة عدْوها ، و من صفاتها أيضاً أنَّ فرسانها يُغِيرون بها على أعدائهم في الصباح - إشارة إلى غالب سنة النبي صلى الله عليه و سلَّم في الغزو - فهي من العُدَّة المهمة في الحرب . و أنها تثير النقع – و هو الغبار المتصاعد من كرِّ و فرِّ الخيل حين إقبالها و إدبارها في ساحات الوغى – و أنها من شدة قوتها و طاعتها لفارسها لا تُحْجِم عن الدخول في صفوف الأعداء حين يُقْدِم بها فارسها لتتوسَّط صفوفهم و تفرِّق جمعهم . و تأويل العاديات بالخيل هو قول ابن عباس و أخرون منهم مجاهدٌ وعكرمة وعطاءٌ وقتادة والضّحّاك، و هو اختيار ابن جريرٍ . و من المفسرين من أوَّل العاديات بالإبل ، و هو قول علي بن أبي طالب و جماعةٌ، منهم إبراهيم وعبيد بن عميرٍ ، و هؤلاء تأوَّلوا باقي الصفات الواردة في الأيات بما يتناسب مع الإبل. و الراجح عند أغلب المفسرين أنَّ المراد بالعاديات هو الخيل لدلالة السياق عليه . و يستفاد من قسم الله بمخلوقاته أمران
الأول : التنبيه على أهمية و خطر المقسوم عليه و التأكيد على توجيه العناية له و الإهتمام به
الثاني : لفت النظر إلى عظمة المقسوم به و ما فيه من أيات ظاهرة و نعم باهرة ليقف الإنسان عليها فيُعظِّم خالقها و مسخرها فيشكره و يعبده وحده
السؤال الثاني:
حرر القول في المسائل التالية:
1: معنى قوله تعالى: {فأمه هاوية} القارعة.
المفسرون متفقون على أنَّ المراد بالهاوية هو نار جهنم و لكن اختلفوا في المراد بـ ( أمه ) على أقوال متعددة ترجع إلى معنيين اثنين
• الأول : أنَّ المراد بـ ( أمه ) مقدمة رأسه أو دماغه - أي أنَّ الكافر الذي خفَّت موازينه ساقطٌ هاوٍ بأمّ رأسه في نار جهنّم، وعبّر عنه بأمّه، يعني دماغه. قاله ابن كثير و ذكر أنه رُوي نحوه عن ابن عبّاسٍ وعكرمة وأبي صالحٍ وقتادة . ذكره ابن كثير و السعدي
• الثاني : أنَّ المراد بـ ( أمه ) هو مصيره و معاده و مرجعه و مأواه الذي يأوي إلية - أي أنَّ الكافر الذي خفَّت موازينه مصيره و معاده و مرجعه و مأواه الذي يأوي إلية هو نار جهنم و هذا المعنى مستعار من ملازمة الطفل لأمه . ذكره ابن كثير و السعدي و الأشقر
2: معنى اللام في قوله تعالى: {لإيلاف قريش}.
يتضح معنى اللام من خلال متعلق الجار و المجرور ( لإيلاف ) و في متعلق الجار و المجرور ثلاثة أقوال
• الأول: أنَّ الجار و المجرور متعلقان بفعل ( يعبدوا ) و على هذا تأخذ اللام معنى التعليل و السبب و يكون المعنى أنَّ على قريش أن تعبد الله سبحانه لأنه المنعم عليهم بنعم كثيرة منها إيلافهم فيما بينهم و إيلافهم رحلة الشتاء و الصيف ذكره ابن كثير و السعدي
• الثاني : أنَّ الجار و المجرور متعلق بفعل مقدر محذوف تقديره ( اعْجَبوا ) و على هذا تكون اللام للتعجب و يكون المعنى أي اعجبوا لإيلاف قريشٍ ونعمتي عليهم في ذلك . ذكره ابن كثير و قال أنَّ ابن جرير اعتبره هو الصواب لإجماع المسلمين على انفصال السورتين
• الثالث : أنَّ الجارَّ والمجرور متعلق بالسورةِ التي قبلها و على هذا تكون اللام للتعليل و يكون المعنى أي فعلنا ما فعلنا بأصحابِ الفيلِ لأجلِ قريشٍ وأمنهمْ، واستقامةِ مصالحهمْ، وانتظامِ رحلتهمْ في الشتاءِ لليمنِ، والصيفِ للشامِ، لأجلِ التجارةِ والمكاسبِ. و هذا المعنى قاله محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . ذكره ابن كثير و السعدي و الأشقر