المجموعة الأولى:
س1: بيّن أهميّة معرفة طرق التفسير.
طرق التفسير لها أهمية بالغة:
1- أنها طرق تيسَّر على المتعلمين والدارسين تعلم التفسير ودراسته.
2- هذه الطرق تعين المفسر على التمييز بين الخطأ والصواب، والراجح والمرجوح.
3- اتباع الأئمة في طرق التفسير، يكاد يبلغ بالمفسر منزلتهم،وعدم اتباع سبيلهم، يقود إلى الزلل والضلال.
س2: هل ما يذكر من تفسير القرآن بالقرآن يفيد اليقين؟
إذا كان تفسير القرآن بالقرآن مستنده النصّ الصريح في القرآن، فليس لأحد قول في مخالفته، فهو يفيد اليقين.
أما إذا كان من التفسير الاجتهادي، فهو على مراتب:
- قد يُقيم عليه المفسّر دلائل صحيحة تُفيد العلم اليقيني،
- وقد يقصر بيانه عن بلوغ هذه المرتبة فيفيد الظنّ الغالب، أو يفيد وجهاً معتبراً في التفسير،
- وقد يُخطئ المجتهد في اجتهاده.
فليس كلّ ما يُذكر من تفسير للقرآن بالقرآن يكون صحيحاً لا خطأ فيه؛ بل منه ما يدخله اجتهاد المجتهدين من المفسّرين؛ (وقد يخطئ المجتهد وقد يصيب، وقد يصيب بعض المعنى دون بعض، أو يذكر وجها من أوجه التفسير ويغفل ما سواه، وقد يكون في تفسيره ما هو محلّ نظر).
س3: بيّن عناية العلماء بتفسير القرآن بالقرآن.
اعتني كبار المفسرين بتفسير القرآن بالقرآن وبالاجتهاد فيه؛ فهو أجلّ طرق التفسير وأحسنها، ومنهم ابن جرير الطبري، وابن كثير، والشنقيطي في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، فرووا عن كبار الصحابة والتابعين مثل ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ما اجتهدوا فيه لإصابة المعنى المراد، وكانوا يستدلون لذلك بالقرآن، ويقدمون تفسير القرآن بالقرآن على غيره من أنواع التفسير، ومن مصنفاتهم فيه:
1-مفاتيح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن؛ لمحمد الصنعاني.
2-تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان، لعبد الحميد الفراهي الهندي.
3-تفسير القرآن بكلام الرحمن، لأبي الوفاء ثناء الله الآمرتسري الهندي.
4-أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الجكني الشنقيطي.
س4: بيّن خطر توسّع أهل الأهواء في تفسير القرآن بالقرآن.
ينبغي عدم التوسع في تفسير القرآن بالقرآن حتى لا يصير فيه تكلّف ظاهر.
وذلك أن بعض أهل الأهواء استعمله لمحاولة الاستدلال به على بِدَعِهم وأهوائهم؛ فالقرآن حمّالٌ ذو وجوه؛ كما قال عليّ بن أبي طالب، ومنه محكم ومتشابه فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله:
ومن ذلك: استدلال نفاة الصفات على تأويل ما ثبت من الصفات الواردة في القرآن بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}
ومن ذلك: استدلال نفاة الحكمة والتعليل من الجبرية بقوله تعالى: {لا يُسأل عمّا يفعل}على ردّ ما يثبت خلاف معتقدهم؛ فيذكرون أموراً لا تليق بحكمة الله من لوازم أقوالهم الباطلة، وإذا اعتُرض عليهم استدلوا بقوله تعالى: {لا يُسأل عما يفعل}
لذلك هناك شرطان لصحّة قول المفسّر المجتهد في تفسير القرآن بالقرآن:
الشرط الأول:صحّة المستدلّ عليه.( أن يكون التفسير في نفسه صحيحا وأن لا يخالف أصلا صحيحا من الكتاب والسنة والإجماع)
والشرط الثاني:صحّة وجه الدلالة.
- كلّ تفسير اقتضى معنى باطلاً دلّت الأدلّة الصحيحة على بطلانه فهو تفسير باطل يدلّ على خطأ المفسِّر أو وَهْمِه أو تمحُّله (احتياله لبلوغ هدفه) واتباعه لهواه أو معتقده.
- وقد يكون وجه الدلالة ظاهراً مقبولاً ، وقد يكون خفيّا صحيحاً ، وقد يكون فيه خفاء والتباس فيكون محلّ نظر واجتهاد، وقد يدلّ على بعض المعنى.
- والتفسير الذي يخالف صاحبه منهج أهل السنة في التلقي والاستدلال تفسير بدعي خاطئ.
س5: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في التفسير؟
النبي هو إمام المجتهدين، واجتهاده في التفسير كاجتهاده في غيره من مسائل الدين، فيجتهد في فهم النص، وفيما لا نصّ فيه، لكنه معصوم من أن يُقَرَّ على خطأ.
فإن أصاب في اجتهاده أقرّه الله:
- كما أقرّه الله على اجتهاده إذ شرب اللبن لمّا خيره جبريل بين اللبن والخمر،
- واجتهاده في قتال الكفار يوم أحد خارج المدينة،
- واجتهاده في ترك هدم البيت وإعادة بنائه على قواعد إبراهيم.
وما أخطأ فيه فإنّ الله تعالى يبيّن له ولا يقرّه على خطئه:
- وذلك كاجتهاده في أخذه الغنائم يوم بدر قبل الإثخان في قتل الكفار،
- واجتهاده في التصدي لأكابر الكفار وإعراضه عن الأعمى،
- واجتهاده في إذنه لبعض المنافقين في التخلف عن غزوة العسرة.
س6: من هم القرآنيون؟ وما خطر فتنتهم؟
القرآنيون: هم طائفة زعموا الاكتفاء بالقرآن، وأنّ الأخذ بالسنة غير لازم، فأحدثوا في صفة الصلاة وسائر العبادات بدعاً شنيعة زعموا أنهم استدلوا على كيفيتها بالقرآن من غير حاجة إلى السنة:
- أنّ بعضهم يسجد على ذقنه لا على جبهته احتجاجاً بقوله تعالى: {يخرون للأذقان سجدا}ولهم في هذا الباب ضلالات كثيرة.
- وزعموا أنه لا حاجة إلى البحث في صحيح الأحاديث وضعيفها؛ لأن الأخذ بالسنة غير لازم مع وجود القرآن.
وهذه الطائفة من صنائع الإنجليز بأرض الهند في القرن 19 الميلادي،
زعيمها: أحمد خان؛ بدأ توجهه بالتفسير العقلي للقرآن، والإعراض عن الاحتجاج بالسنة، ثم تلاه: عبد الله جكرالوي في الباكستان، وأسس جماعة أهل الذكر والقرآن ودعا إلى اعتبار القرآن المصدر الوحيد لأحكام الشريعة.
وتتابع لهذه الطائفة رموز وجمعيات أسّست لخدمتهم، ونشر أفكارهم، وغرضها محاولة هدم الدين الإسلامي بأيدي المنتسبين إليه.
وفي مصر تزعَّم هذه الطائفةَ: أحمد صبحي منصور، وكان مدرّساً في الأزهر ففُصِل منه بسبب إنكاره للسنة، ثم انتقل إلى أمريكا وأسس المركز العالمي للقرآن الكريم، وبثَّ أفكاره من هناك، وله أتباع ومناصرون في مصر وخارجها.
خطر هذه الطائفة:
أن لها شبهات وطرق في محاولة التشكيك في السنة، تلقفوا كثيراً منها عن المستشرقين، وأنهمينكرون الاستدلال بها وحجيتها ومشروعية اتباعها، كما إنهم أدخلوا في الدين بدعا نتيجة إنكارهم للسنة.
س7: هل كان الصحابة يتفاضلون في العلم بالتفسير؟ بيّن ذلك.
كان الصحابة يتفاضلون في العلم بالتفسير؛ فلعلماء الصحابة وقرّائهم وكبرائهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن؛ كالخلفاء الأربعة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وابن مسعود وأبي الدرداء وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس وأبي موسى الأشعري، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك.
قال مسروق بن الأجدع:"لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ، فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ"، (الإخاذ بغير هاء وهو مجتمع الماء، شبيه بالغدير.
وذلك بتفاوتهم في:
1- مصاحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وحضورهم لوقائع وأحوال التنزيل.
2- تفاوت معرفتهم للغة العربية التي لا يستطيع أحد أن يحيط بها.
س8: ما هي طرق التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم.
كان الصحابة رضي الله عنهم يفسّرون القرآن بالقرآن، ويفسرون القرآن بالسنة، ويفسّرون القرآن بما يعرفون من وقائع التنزيل، ويفسّرون القرآن بلغة العرب، وكانوا يجتهدون رأيهم في فهم النص، وفيما لا نصّ فيه على التفسير، واجتهاد الصحابة أسلم وأقرب إلى الصواب من اجتهاد من بعدهم.
1- فأمّا تفسيرهم القرآن بالقرآن، كما ورد أن عثمان بن عفان رضي الله عنه، صلى الصلاة، ثم جلس على المنبر فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أتى هاهنا امرأة إخالها قد عادت بشرّ، ولدت لستة أشهر، فما ترون فيها؟"فناداه ابن عباس؛ فقال: إن الله قال: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}، وقال:{والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمنأراد أن يتم الرضاعة}، فإذا تمت رضاعته فإنما الحمل ستة أشهر، فتركها عثمان رضي الله عنه فلم يرجمها".
2-وأما تفسيرهم القرآن بالسنة فهو على نوعين:
النوع الأول:تفسير نصّي صريح إما مما سألوا عنه النبي فأجابهم، أو من معرفتهم بسبب نزول الآية، أو يكون الحديث صريحاً في بيان معنى الآية.
- قيل لعائشة: يا أم المؤمنين، أرأيت قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار}أين الناس يومئذ؟ قالت: سألت رسول الله عن ذلك فقال: ((على الصراط))
والنوع الآخر: أحاديث يستدلّ بها على التفسير من غير نصّ عليه.
- عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي : ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه))
3-تفسير الصحابة بما يعرفون من وقائع التنزيل:
وهو مما يعين على معرفة المعنى وإدراك المقصد وبيان المشكل:
-سئل عبد الله بن عمر، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة، ولاينفقونها في سبيل الله}قال ابن عمر : "من كنزها، فلم يؤد زكاتها، فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طُهراً للأموال".
4-تفسير الصحابة بلغة العرب: كان من أكثرهم استعمالاً لهذا الطريق ابن عباس؛ فكان إذا سئل عن شيء من القرآن أنشد شعراً من أشعارهم.
مثال ذلك:
- كان ابن عباس لا يدري ما{فاطر السموات}حتى جاءه أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: يا أبا عباس بئري أنا فطرتها، فقال: خذها يا مجاهد {فاطر السموات}
- عن ابن عباس (وما وسق): وما جمع، ألم تسمع قول الشاعر: مستوسقات لو يجدن سائقا).
5-اجتهاد الصحابة في التفسير:
والصحابة يجتهدون رأيهم في التفسير عند الحاجة من غير تكلّف، ولا ادّعاء للعصمة، واجتهادهم أقرب إلى التوفيق للصواب ممن بعدهم، لامتلاكهم من أدوات الاجتهاد ما لا يقاربهم فيه غيرهم.
ومن أمثلة اجتهادهم في التفسير:
- اجتهاد أبي بكر في تفسير الكلالة؛ فيما روي عنه من طرق أنه قال: "إني قد رأيت في الكلالة رأيا، فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن خطأ فمني والشيطان، والله منه بريء؛ إن الكلالة ما خلا الولد والوالد".
- فلما استخلف عمر، قال: إني لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر في رأي رآه.
س9: بيّن مراتب حجيّة أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير.
أقوال الصحابة في التفسير على مراتب:
المرتبة الأولى: ما له حكم الرفع إلى النبي ، وهو على أنواع:
منها:ما يصرّح فيه بأخذه عن النبي.
ومنها: مراسيل الصحابة.
ومنها:ما لا يقال بالرأي والاجتهاد، ولم يأخذه الصحابي عمن يروي عن بني إسرائيل فهذا مع ضميمة الجزم بتورّع الصحابة وتثبّتهم في القول عن الله وعن رسوله يدلّ على أنّهم إنما أخذوه عن الرسول.
ومنها:قول الصحابي الصريح في سبب النزول.
فحكم هذه المرتبة: ما صحّ منها فهو حجّة في التفسير.
والمرتبة الثانية:أقوالٌ صحّت عنهم في التفسير، اتّفقوا عليها ولم يختلفوا فيها،
فحكم هذه المرتبة: حجّة أيضاً لحجيّة الإجماع، وأرفعه إجماع الصحابة.
والمرتبة الثالثة:ما اختلف فيه الصحابة، وهذا الاختلاف على نوعين:
النوع الأول:اختلاف تنوّع، وهو ما يمكن جمع الأقوال الصحيحة فيه من غير تعارض؛
فهذه الأقوال بمجموعها حجّة على ما يعارضها.
والنوع الثاني: اختلاف تضادّ لا بدّ فيه من الترجيح؛
فهذا مما يجتهد العلماء المفسّرون فيه لاستخراج القول الراجح بدليله.
وهذا النوع لا بدّ أن يكون أحد القولين فيه مأخذه الاجتهاد؛ لأنه لا يقع تعارض بين نصين، وإذا تعارض النص والاجتهاد قُدّم النص.
س10: بيّن فضل التابعين مع الاستدلال.
فضل التابعين:
1- أن الله تعالى قد أثنى الصحابة والتابعين الذين اتبعوهم بإحسان، وبيّن ما أعدّ لهم من الثواب العظيم الذي يدلّ دلالة بيّنة على هدايتهم ورضا الله عنهم، كما بيّنه قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
ومن إحسان الاتباع: أن يصدّق التابعون بما صدّق به الصحابة، وأن يقبلوا ما قبلوه، وأن يردّوا ما يردّوه، وأن يسيروا على منهاجهم، ويأخذوا دينهم بالاتباع لا بالابتداع.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على فضل التابعين في أكثر من حديث حتى استقرّ ذلك في نفوس السلف الصالح رحمهم الله، وعرفوا شرط أفضليتهم فاعتنوا به واجتهدوا فيه، فعن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))
3- أن الصحابة شهدوا لهم بإحسان الاتّباع، وأثنوا عليهم، وائتمنوهم على تعليم الناس وإفتائهم، وأمروا بالأخذ عنهم.
4- ثناء الأئمة عليهم بما يدلّ على صدقهم وعلمهم وفضلهم، وقد ورد في ذلك جملة من الآثار.
وسمّوا بالتّابعين لقول الله تعالى:{والذين اتّبعوهم بإحسان}..، فهذه التسمية دلت على أنّهم إنما نالوا أفضليتهم بإحسانهم اتّباع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فمن شُهد له بإحسان الاتباع فهو إمام من أئمة الدين، يعتبر تفسيره للقرآن، ويُحتجّ بروايته، ويُؤتسى به بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث، وهي أن لا يخالف قوله نصّاً ولا قول صحابيّ ولا يخالفه أهل العلم من التابعين.
-فأمّا الاحتجاج بروايته فلأجل ما عُرف من عدالته وضبطه إلا أن يظهر في روايته علّة من العلل التي توجب الرد بما يعرفه أهل الحديث.
-وأما اعتبار قوله في التفسير؛ فالمراد به أنه له حظ من النظر، ويقبل بالشروط التي يأتي بيانها في أحكام تفسير التابعين.
-وأما الاتّساء بفعله فلأجل ما عرف من تأسّيه بصحابة رسول الله، واهتدائه بهديهم، ولذلك يُشترط في التأسي به أن لا يُخالف هديَ النبي ولا هديَ أصحابه.