اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفاء الكنيدري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله إليكم
ممكن توضيح لمعنى الباء في قوله تعالى:{وامسحوا برؤوسكم}،وهل تأتي الباء للتبعيض في اللغة؟
وجزاكم الله عنّا خير الجزاء.
|
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأصل في معنى الباء هو الإلصاق، قال سيبويه: (باء الجر إنما هي للإلزاق)
لكن الإلزاق يكون منه حسيٌّ كقول القائل: "أمسكت بالعصا".
ويكون منه معنويٌّ كقول القائل: قرأتُ بنَهَم.
ثم يتفرع على هذا المعنى معان أخرى؛ فقد تكون للاستعانة أو السببية أو الظرفية أو التعدية أو المصاحبة أو القسم أو غيرها من المعاني.
وقد تجتمع بعض المعاني في مثال واحد؛ كما في البسملة اجتمع فيها الاستعانة والتبرك والمصاحبة والابتداء.
وأما قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} فالراجح من أقوال العلماء فيها أنها للإلصاق على بابها.
لكن هذا الإلصاق هل يُشترط فيه أن يشمل جميع الرأس أو بعضه؟ قولان لأهل العلم، لا أنّ الباء تدل على التبعيض.
قال ابن تيمية: (ادعاء أن الباء إذا دخلت على فعل يتعدى بنفسه تفيد التبعيض لا أصل له؛ فإنه لم ينقله موثوق به، والاستعمال لا يدل عليه بل قد أنكره المعتمدون من علماء اللسان).
وجواب هذا السؤال يُرجع فيه إلى السنة؛ فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمّ رأسه بالمسح في الضوء أو كان يكتفي بمسح بعضه؟
وأصحّ ما روي في هذا الباب ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه.
وهذا هو الأكمل في مسح الرأس، أن يعمّه بالمسح بيديه يقبل بهما ويدبر.
وصحّ عن ابن عمر أنه كان يمسح مقدّم رأسه مرة واحدة. رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر وغيرهما.
وروى ابن أبي شيبة عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه.
ولذلك اختلف العلماء في القدر الواجب من مسح الرأس:
- فذهب مالك وأحمد وأبو عبيد والبخاري إلى وجوب مسح الرأس كله أخذاً بظاهر الآية وبيان النبي صلى الله عليه وسلم بفعله.
- وعن الإمام أحمد رواية أخرى ذكرها أبو الخطاب: يجزئ مسح أكثر الرأس، ورواية ثالثة: قدر الناصية، ذكرها أبو الوفاء ابن عقيل في التذكرة.
- وقال الأوزاعيّ: (يجزي أن تمسح مقدّم رأسك، وتعمّ رأسك بالمسح إلى القفا أحبّ إليّ).
- وقال اللّيث بن سعد: (يمسح مقدم الرّأس).
- وقال الشافعي: (قال الله تعالى {وامسحوا برءوسكم} وكان معقولا في الآية أن من مسح من رأسه شيئا؛ فقد مسح برأسه، ولم تحتمل الآية إلا هذا، وهو أظهر معانيها، أو مسح الرأس كله، ودلت السنة على أن ليس على المرء مسح الرأس كله، وإذا دلت السنة على ذلك؛ فمعنى الآية أن من مسح شيئاً من رأسه أجزأه).
- وبوّب البخاري في صحيحه : ( باب مسح الرأس كله ) كأنه يذهب إلى وجوب مسح جميع الرأس.
- وعن أبي حنيفة رواياتٍ: أشهرها ربع الرّأس، وعليها المذهب، والثانية: يجزئه أنه يمسح الناصية، والثالثة: قدر ثلاث أصابع.
- قال النووي: (والواجب منه أن يمسح منه ما يقع عليه اسم المسح وإن قلَّ، والمستحب أن يمسح جميع الرأس).