المجموعةالأولى:
1.فسّر الآيات التالية بإيجازواستخلص الفوائد السلوكية التي دلّت عليها:
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
نزلت هذه السورة في حادثة جرت للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة ، فقد كان يعرض الإسلام على عظماء قريش رجاء إسلامهم و إعزاز هذا الدين ، وفي هذه الأثناء جاء رجلمن قدماء الصحابة إسلاما، ليسأل النبي عن بعض أمور الدين ويكرر على النبي مسألته فكلح النبي و اعرض في وجهه وتولى في بدنه عنه , و اصغى لهؤلاء القوم طمعا في إسلامهم حرصا منه على هدايتهم ،فنزلت هذه الآية فيها عتاب لطيف من الله لنبيه ونلاحظ هنا استخدم اسلوب الغيبة ( عبس و تولى ) ولم يقل عبست و توليت مما يدل على التلطف ، و هذا العبوس ينبئ عما قام في نفسه عليه الصلاة و السلام من الكراهة، وأما الأمر الظاهري: فهو الإعراض عن ذلك السائل .
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)
الأعمى : هو عبدالله بن أم مكتوم، صحابي جليل، وهو الفقير الذي عبس النبي في وجهه عندما جاءه مقاطعا لحديثه صل الله عليه وسلم مع القوم ليسأله في امور الدين ونزلت فيه هذه السورة العظيمة . وقوله ( الاعمى ) هو وصف لحال هذا السائل و لا بأس فيه ، و فيه نوع من اعطاء العذر له ، بأنه ما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مشغول بهذا الحال، إلا بسبب كونه أعمى , وربما لو كان بصيرا، ورأى اشتغال النبي بمن بين يديه، لتريث إلى أن يفرغ .
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
أي ما يعلمك يا محمد أنه قد يتزكى بسؤاله هذا , ومعنى ( يزكى ) التزكية هي التطهر من الآثام، والذنوب، والكفر، والفسوق، والاخلاق الرذيلة وغير ذلك . وهنا تحول الاسلوب من الغيبة إلى الخطاب لتقرب من المخاطب و اعطاء الامر أهميته ولفت الانتباه و التنوع .
أَوْيَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
إن المقصود من بعث الرسل الوعظ والارشاد و التعليم و التذكير ، فأقبالك على من جاء بنفسه مفتقرا ليتعلم منك امور دينه هو الواجب فقد يحصل له اتعاظ و انزجار عن المحارم ، اما تعرضك للغني الذي لا يستفتي لعدم رغبته في الخير مع ترك من هم اهم منه لا ينبغي فانه ليس عليك ان لا يزكى فلو لم يترك فليس بمحاسب على ما عمله من الشر ، وهنافائدة و قاعدة مهمه : ( لا يترك امر معلوم لأمر موهوم ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة ) . ولا يخفى أن الذكرى تنفع المؤمنين، كما قال الله عز وجل: ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ). ومعنى الآية، مع التي قبلها، أنه لم يخله من حالين إحداهما " أن يزكى " والأخرى " أن يتذكر ".
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)
المقصود هنا من كان يعرض عليه النبي الاسلام ، و إما أن يكون المراد باستغنائه أنه استغنى عنك و عن الايمان و عن ما عندك من العلم وزهد فيك وبدعوتك وأظهر الإعراض عنك, وإما أن يكون استغنى أي بماله ودنياه، لكونه من أهل الثراء، والجاه ، و لا مانع من اجتماع الأمرين ، بل الغالب أنهما متلازمان فإن أهل الثراء غالبا ما يزدرون غيرهم لما يقع في قلوبهم من الاستغناء عن الآخرين ، ولعل هذا هو الواقع , فإن الذين تعرض لهم النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا من صناديد قريش وعظمائها و اغنيائها .
فَأَنْتَ لَهُتَصَدَّى (6)
أماالغني المعرض عن كلامك وتذكرتك، والإيمان بما عندك (فأنت له تصدى) أي تقبل عليهبوجهك وحديثك وعلمك وتبذل له نفسك، وتتعرض له بما عندك، وهو يظهر استغناءه وعدم إقبالهعليك. ونبينا صلى الله عليه وسلم، إنما فعل ذلك رغبة في إسلامهم لا يريد عرضا من الدنيا , بل حرصا ليسلم بإسلامهم من خلفهم . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعاني من ذلك حتى إن الله قال له : ( فلعلك باخع نفسك على اثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) .
وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)
اي لست مطالب او محاسب به او ملام عليه إذا لم يحصل له زكاه ، فمهمتك هي البلاغ كما قال تعالى: ( إن عليك إلا البلاغ ) فلا تهتم في أمر من لا يسلم و لا يهتدي من الكفار . قال تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت) .
وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)
أي من جاء بذاته راغبا فيما عندك من العلم ليهتدي به ، طالبا منك ارشاده للخير ، وقد وصل اليك مسرعا لذلك قال ( يسعى ) ولم يقل يمشي وهذا ما يصنعه الايمان بصاحبه ، فهو الاولى في الهداية و الارشاد و الاقبال عليه .
وَهُوَ يَخْشَى (9)
يخاف الله ويحذره لما قام في قلبه من الايمان ما حمله على قصد نبيه صلى الله عليه وسلم والسؤال عن أمر دينه. و الخشية : هي مخافة الله تعالى أملا في الثواب و خوفا من العقاب. وهذه الآية تدل ان ابن أم مكتوب كان مسلما آنذاك.
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
أي تتشاغل و تعرض و تتغافل عنه ، امر الله نبيه ان لا يخص بالدعوة و الارشاد والانذار احد بل يساوي بين القوي والضعيف والسيد و العبد والفقير و الغني فيكون التبليغ للناس كافة والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم .
الفوائد السلوكية:
1. ينبغي لمن أراد المعاتبة، أو النصيحة، أن يتلطف ولا يعنف, فإن التعنيف قد يكون مدعاة لرد الموعظة، والنصيحة.
2. لا بأس بوصف الإنسان بما فيه على سبيل التعريف، لا على سبيل التعيير مثل: الأعمش و الأعرج والطويل وغير ذلك , وذلك مما استثنى من الغيبة.
3. لا يترك الأمرالمعلوم لأمر موهوم غير معلوم.
4. الحرص على طلب العلم من اهل العلم الثقات و السعي في تحصيله .
5. الحرص على التزكية، والتطهر، من الشرك، والمعصية ، و على التذكرة لما لهما من فضل .
6. على الدعاة الى الله والواعظين، أن يجعلوا همهم، وجهدهم، في بيان الحق، وإيضاحه، وألا يهتموا كثيرا بالنتائج, فوظيفة الداعية هي البلاغ، وليس عليه الهدى ، فإن النتائج إلى الله تعالى .
7. الحرصعلى كل ما يرقق القلب ، ويعينه على الخوف من الله والخشية منه، فالخشية ثمرة الإيمان الصادق في القلب ان وجدت انطلقت الجوارح وزال الكسل والوهن ، وصار الإنسان يسعى سعيا لطلب العلم .
8. تعليم أهل الإسلامأولى من إقناع الكفار بالإسلام .
9. التلطف بالناس عامة وبطلاب العلم خاصة و الصبر عليهم ، و اهتمام المعلم بتلاميذه.
10. الدعوة و الارشاد لا يقتصران على فئة دون فئة فالناس فيهما سواسية لا نفرق بينهم .
2.حرّر القول في:
المراد بـالنازعات في قوله تعالى: (والنازعات غرقا) :
- القول الاول : الملائكة ، قول ابن مسعود و ابن عباس و مسروق و سعيد بن جبير و أبو صالح و أبو الضحى و السدي ، ذكرهابن كثيرو رجحه، وذكر هذا القول كذلك السعدي والاشقر .
- القول الثاني : انفس الكفارتنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار، قول ابن عباس ، رواه ابن أبي حاتم، ذكرهابن كثير .
- القول الثالث : الموت ، قول مجاهد ، ذكره ابن كثير.
- القول الرابع : النجوم ، قول الحسن ، قتادة ، ذكره ابن كثير.
- القول الخامس : القسي في القتال ، قول عطاء بن أبي رباح ، ذكره ابن كثير.
والصحيح الأول ( الملائكة ) وعليه الأكثرون كما قال ابن كثير.
3. بيّن ما يلي:
أ: صفات الملائكة التي أقسم الله بها في أول سورة النازعات.
اقسم الله بالملائكة بذكر بعض اعمالهم التي تدل على بعض صفاتهم مثل انقيادهم لأمر الله وسرعة استجابتهم و تنفيذهم لأمره وقوتهم و شدتهم و قدرتهم وعظمة خلقهم لما كلفهم الله به من اعمال فأقسم تعالى بهم وقال :
1. ( و النازعات غرقا ) : الملائكة التي تنزع أرواحبني آدم، مؤمنهم وكافرهم، وقيل: النزع خاص بروح الكافر ويكون بقوة وشدة .
2. ( و الناشطات نشطا ) : الملائكة تجتذب الأرواح بقوة ونشاط، وقيل: النشط يكون لروح المؤمن.
3. ( و السابحاتسبحا ) : الملائكة المترددة في الهواء نزولا وصعودا، مسرعين لأمر الله.
4. ( و السابقات سبقا ) : الملائكة المبادرة لأمر الله فتسبق الشياطين في إيصال الوحي إلىالرسل قبل استراق الشياطين له، وقيل: التي تسبق بأرواح المؤمنين ، وقيل: الملائكةسبقت الإيمان والتصديق.
5. ( و المدبرات أمرا ) : الملائكة التي تدبر أمر السماواتوالأرض بأمر الله، من الامطار و الرياح و الاشجار و البحار و الجنة و النار ....الخ.
و قيل تدبير أمر الدنيا إلى أربعة من الملائكة :
1) جبريل : الموكل بالوحيو الرياح و الجنود .
2) ميكائيل : بالقطر والنبات .
3) عزرائيل : الموكل بقبض الأرواح .
4) إسرافيل : ينزل بالأمر عليهم .
ب: المراد بالسبيل فيقوله تعالى: ( ثم السبيل يسّره )
للمفسرين اقوال بالمراد بالسبيل في قولة تعالى ( ثم السبيل يسره ) وهي :
-القول الاول :سبيل خروج الانسان من بطن امه ، قول ابن عباس و عكرمة و الضحاك و ابو صالح و قتادة و السدي واختاره جرير ، ذكره ابن كثير .
-القول الثاني : سبيل الدين ومعرفة الله والوصول إليه و الصراط المستقيم و معرفة طريق الخير من الشر ، قول الحسن و ابن زيد ومجاهد واستدل بقول الله تعالى : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا ) ، ذكره ابن كثير و رجحه ، وذكر هذا القول كذلك الاشقر.
-القول الثالث : أعم واشمل مما سبق فيشمل اسباب الدنيا و الاخرة ، قول السعدي.
ج: المراد بالراجفةوالرادفة.
قيل هما : النفختان الأولى و الثانية ، قول ابن عباس ، مجاهد ، الحسن ، قتادة ، الضحاك ، قال مجاهد ( النفخة الأولى ) وهي الراجفة كقولة تعالى : ( يوم ترجف الأرض والجبال ( ، و ( النفخة الثانية ) وهي الرادفة ، كقولة ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكةواحدة ) . ذكر ابن كثير عن الامام احمد قال : قال رسول الله صل الله عليهوسلم : ( جاءتالرجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه( فقال رجل : يا رسول الله ، أرأيت إنجعلت صلاتي كلها عليك ؟ قال ) : إذن يكفيك الله ما أهمك من دنياكو اخرتك ) رواه الترميذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري بإسناده مثله. ذكره ابن كثير. قال السعدي ( الراجفة ): قيام الساعة ، وقال ( الرادفة ): الرجفة الأخرى التي تردفها و تأتي تلوها . قال الاشقر : ( الراجفة ): هي النفخة الاولى التي يموت فيها جميع الخلق ، وقال ( الرادفة ) : هي النفخة الثانية التي يكون عندها البعث.