1. (عامّ لجميع الطلاب)
اذكر ما استفدته من فقه الدعوة من خلال دراستك لتفسير سورة نوح، مع الاستدلال لما تقول.
- ضرورة العلم قبل الدعوة, فيجب أن تكون الدعوة على بصيرة لا عن جهل وغفلة. قال تعالى:"نَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ" وإرسال الله له يقتضي نزول الوحي عليه وتعليمه إياه.
- العمل بما علم, ليكون قدوة متبعة. قال تعالى:"نِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ" وهذا يقتضي عمله بما علم فاستحق منهم الطاعة طاعة لله.
- ترغيب المدعو بمناداته بما يشعره بالقرب والألفة, ويزيل الوحشة. قال تعالى:"قال يا قوم إني لكم نذير مبين".
- فقه الأولويات في الدعوة, فيبدأ الداعي بما هو مهم, فيبدأ بأصل هذ الدين وهو التوحيد. قال تعالى:"أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون".
- استعمال الترغيب والترهيب عند الدعوة, حتى يحصل التوازن. قال تعالى:"يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى" وقال:"مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا".
- تذكير المدعو بفضل الله عليه وعظيم بره ونعمه وإحسانه على العبد, فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها. قال تعالى:"لَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا" إلى قوله:"سبلا فجاجا".
- إخلاص الداعي في دعوته, فيكون غرضه القيام بما أمره الله به, وظهور دينه, ويكون غرضه نجاة الناس من العذاب, ونيل مغفرة الله. قال تعالى:"وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ".
- تنويع اسليب الدعوة, فيدعو سرا, ويدعو جهرا إن احتاج غلى ذلك بأن كان هناك من يجاهر بالمعصية مثلا. قال تعالى:"ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا".
- الولاء والبراء في الدعوة, فيكون الحب في الله والبغض في الله, فيحب المؤمنين, ويكره الكفار الظلمة لكفرهم وجحدهم الخالق. قال تعالى:"رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا".
المجموعة الخامسة:
1. فسّر قوله تعالى:
{كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)}.
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى- حال الكافر وإرادته الهرب من النار ولو بتقديم ابنه وزوجته وأخيه, بل جميع قبيلته فداء له حتى ينجو من النار, قطع الله أطماعه فيما تمناه فقال:"كلا إنها لظى": "كلا" كلمة ردع وزجر, فلا حِيلةَ ولا مهرب له، فنار جهنم تلتهب في انتظار وقوع المجرمين فيها, وهي:
"نزاعة للشوى": فتحرق كل شيء فيه من الأعضاء الظاهرة والباطنة, فلا تبقي عصب ولا طرف, وتنزع حتى جلدة رأسه ومكارم وجهه, من حنقها على الكافرين والعياذ بالله.
وأكمل الايات وصفها فهي كذلك:" تدعو من أدبر وتولى": تنادي على من قدر الله عليهم أن يكونوا من اصحابها ممن كفر وكذب بقلبه، فأعرض عن الحق البين, وترك العمل بجوارحه, كذلك
من صفاته :
"وجمع فأوعى": أي: كان همه جمع المال بعضه على بعضٍ, وتخزينه في أوعية مغلقة من شدة حرصه عليه, ومنع ما أوجبه الله عليه من حقوق للناس فيه: من نفقات واجبة, أو زكاة أو صدقة, وإنما كان هذا بسبب:
"إن الإنسان خلق هلوعا": فهي مجبول على بعض الأخلاق الدنيئة التي إن لم يتخلص منها بالإيمان اشتدت عليه وبرزت وتحكمت به, فهو بطبيعته المجردة حريص شديد الجزع هلع, وفسرنها الايات التي تليها بقوله تعالى:
"إذا مسه الشر جزوعا": فيجزع إذا اصابته مصيبة مما يعترض للعبد في هذه الحياة من ذهاب مال أو ذهاب محبوب, وليس عنده من الإيمان ما يوقع في قلبه الصبر والثبات والرضا, بل هو باق على طبيعته الجزعة, القلقة, التي تقيس الأمور بالماديات, فالسعادة والشقاء تقاس عنده بحسب ما في يد الإنسان من خير ومال, لذلك يجزع عند المصائب, ويكون على النقيض حين حصول الخير له, فهو:
"وإذا مسه الخير منوعا": فإن اصابه خير وسعة في الرزق والمال, يمسك عن الإنفاق والتوسعة على من حوله, يظهر بخله وحرصه الشديد على ماله, فيخزنه ويغلق عليه فلا يؤدي حق الله في من الإنفاق منه في وجوه الخير, حتى لا يذهب عنه ماله الذي يظنه جالبا للسعادة والأمن, فلا يؤدي شكر الله على ما أعطاه من نعم, لذلك استحق أن يكون من اصاب النار.
2: اذكر الأقوال الواردة مع الترجيح:
أ: المراد بالروح في قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه}.
ورد في المراد بالروح عدة اقوال متباينة:
القول الأول: إن المراد بالروح خلق من خلق اللّه, يشبهون الناس، وليسوا منهم. قاله ابو صالح, ذكره ابن كثير.
القول الثاني: المراد به جبريل عليه السلام، فهو من عطف الخاص على العام. ذكره ابن كثير, وذكره الأشقر.
القول الثالث: هو اسم جنسٍ لأرواح بني آدم، برها وفاجرها, فإنها إذا قبضت يصعد بها إلى السماء, كما جاء هذا في حديث البراء. وفي الحديث عن البراء مرفوعا, حيث جاء فيه: "فلا يزال يصعد بها من سماءٍ إلى سماءٍ حتى ينتهي بها إلى السماء الساعة".
ذكر هذا القول ابن كثير وعلق على الحديث بقوله:"اللّه أعلم بصحّته، فقد تكلم في بعض رواته، ولكنّه مشهورٌ، وله شاهدٌ في حديث أبي هريرة فيما تقدّم من رواية الإمام أحمد والتّرمذيّ وابن ماجه، من طريق ابن أبي ذئبٍ، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن سعيد بن يسارٍ، عنه وهذا إسنادٌ رجاله على شرط الجماعة...".
وذكره السعدي ورجحه.
القول الرابع: المراد به ملك عظيم آخر غير جبريل. ذكره الأشقر.
القول الخامس: إنها أرواح صاعدة ونازلة بالتدابير الإلهية, ويكون هذا يوم القيامة إظهارا لعظمة الله وجلاله وكبريائه. ذكره السعدي كتفسيرآخر محتمل للآية.
والراجح والله أعلم- بأن المراد بالروح هو جبريل عليه السلام, كما قال ابن كثير والأشقر, وسياق الآيات وما بعدها في الكلام عن يوم القيامة, حيث قال تعالى فيما بعدها من آيات:"فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا", وقد روى مسلم في صحيحه الحديث الطويل الذي جاء فيه عقاب مانع الزكاة يوم القيامة, وجاء في آخره:"حتّى يحكم اللّه بين عباده، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ", فيكون الكلام عما يحدث يوم القيامة, وقد جاءت النصوص بتسمية جبريل عليه السلام بالروح.
ب: معنى قوله تعالى: {وإنه لحسرة على الكافرين}.
القول الأول: إن الضمير في (إنه) يرجع إلى تكذيب الكفار وكفرهم, فسيكون عليهم حسرة يوم القيامة, حكاه ابن جرير عن قتادة, ذكره ابن كثير. وذكره السعدي.
القول الثاني: إن الضمير يعود على القرآن. ذكره ابن كثير وقال:"أي: وإنّ القرآن والإيمان به لحسرةٌ في نفس الأمر على الكافرين، كما قال: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به} ولهذا قال ها هنا: {وإنّه لحقّ اليقين}. وذكره السعدي والأشقر.
الراجح -والله أعلم- أن لا تعارض بين القولين, فتكذيب الكفار وكفرهم إنما كان بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام- وما أنزل عليه وهو القرآن الكريم, فكذبوا بالنبي وكذبوا بالقرآن.
وسياق الآيات إنما هو في الكلام عن القرآن الكريم, فقد قال تعالى قبل هذه الاية:"إنه لقول رسول كريم", وقال:"تنزيل من رب العالمين", وقال:""وإنه لتذكرة للمتقين", وقال بعدها:"وإنه لحق اليقين".
3: بيّن ما يلي:
أ: معنى المداومة على الصلاة في قوله: {الذين هم على صلاتهم دائمون}.
القول الأول: أي: يحافظون على أوقاتها وواجباتها. قاله ابن مسعودٍ، ومسروق، والنخعي. ذكره ابن كثير, والسعدي, والأشقر, وخصه الأخير بأدائها لوقتها.
القول الثاني: أي: السكون والخشوع، كما قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون الّذين هم في صلاتهم خاشعون}, وكما يقال للماء الدائم: الساكن. قاله عتبة بن عامرٍ. ذكره ابن كثير.
القول الثالث: أي: المداومة والثبات، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "أحب الأعمال إلى اللّه أدومها وإن قلّ.رواه البخاري.
والراجح والله أعلم, بأن المعنى يشمل جميع ما ورد, فالسياق سياق مدح لهم, ويتعين من هذا أنهم قاموا بالصلاة كما أمرهم الله, فداوموا على أدائها في وقتها, وجاؤوا بأركانها وواجباتها ومكملاتها, وهم مع هذا ثبتوا عليها, وحافظوا على وقتها فلم يشغلهم عنها شاغل, وكانوا فيها ساكنين خاشعيت لرب العالمين, وكل هذا يشمله لفظ المداومة.
ب: مناسبة الجمع بين الإيمان بالله والحضّ على الإطعام في قوله تعالى: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم . ولا يحضّ على طعام المسكين}.
هذا من باب الجمع بين حق الله سبحانه وتعالى, وحق العباد, وهذا يأتي كثيرا في القرآن كقوله تعالى:"وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة", فهنا أمران:
فحق الله سبحانه وتعالى: أن يؤمن به العبد ويخلص له العبادة والتوحيد.
وحق العباد: الإحسان إليهم بوجوه الإحسان المختلفة, من الكلمة الطيبة, وبذل الصدقات للمحتاجين, والعناية بالضعفاء من المساكين والأيتام والأرامل, وغيرها من وجوه البر والغحسان.
فمن أداهما حاز السعادة في الدنيا والآخرة, لكن هؤلاء لما قست قلوبهم, وجحدوا حق خالقهم, سهل عليهم جحد حقوق العباد.
ج: فضل الاستغفار.
الاستغفار من اعظم ما يكون لاستجلاب النعم ودفع النقم, فمعاصي العبد تحول بينه وبين استجابة الدعاء.
كما إن المعاصي لها شؤم يمحق بركة الأرزاق, ويمنع نزول القطر على البلاد, لذا قال تعالى:"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس", وأعظمها الشرك, لذا كان الاستغفار والعودة إلى الله بالتوبة والإنابة يمحو الله به السيئات ويبدلها حسنات, وهذا من أعظم الأمور.
كما إن الاستغفار من أسباب نزول رحمة الله على الخلق, فهو من العبادات العظيمة التي أمر الله بها, قيرحمهم الله به, فيرزقهم المطر ويزيل عنهم الجدب, فتكون الجنات والأنهار والثمار, فيكثر الخير والمال, ويكثر الولد, وهذا جامع لخير الدنيا.