السؤال الأول: (عامّ لجميع الطلاب).
استخرج خمس فوائد سلوكية واستدلّ لها من قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}.
- الحق ما قاله الله تبارك وتعالى وتقدس, وما قاله النبي عليه الصلاة والسلام-المبلغ عن ربه, فإن عارض هذا الحق أقوال البشر; ضُرب بها عرض الحائط. قال تعالى:"إنا أرسلناك بالحق".
- الاهتمام بآيات الترغيب وآيات الترهيب على حد سواء, حتى لا يميل القلب مع آيات الترهيب فيقع فيه اليأس, ولا يميل مع آيات الترهيب فقط فيقع فيه الأمن من مكر الله. قال تعالى:"بشيرا ونذيرا".
- عدم الإحجام عن تقديم النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن لا فائدة ترجى من المدعو, بل على العبد أداء واجب النصح ولو لم يمتثل المدعو, فلن يسأل عن امتثاله بل سيسأل عن قيامه بما أوجب الله عليه. قال تعالى:"ولا تسأل عن اصحاب الجحيم".
- الاتعاظ بحال أهل الجحيم, فيبتعد العبد عما وقعوا فيه من إعراض وشرور, ليسلم من أن يكون منهم, أو أن يتخذهم صحبة وبطانة. قال تعالى:"ولا تسأل عن اصحاب الجحيم".
- زيادة الإيمان بزيادة محبة النبي عليه الصلاة والسلام, فهو من صبر على بلاغ الحق وبيانه أوضح بيان, فهدى الله به الناس, وأخرجهم من الظلمات إلى نور الحق المبين, وأنقذهم به من الجحيم. قال تعالى:"إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن اصحاب الجحيم".
المجموعة الثالثة:
1: فسّر قول الله تعالى:
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} البقرة.
جاء في سبب نزول هذه الآية أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى, طلبوا الهدنة من النبي عليه الصلاة والسلام, وأعطوه الوعود بأن يتبعوه إن هو هادنهم وأمهلهم لينظروا في الأمر, فأنزل الله سبحانه هذه الاية ليعلم رسوله بأن هؤلاء القوم لا ينفع معهم هدنة، وكشف له خداعهم, فنهاه اللّه عن الركون إلى مطالبهم.
قال تعالى:"وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ": هذا قطع لأطماع المؤمنين في نيل رضى أهل الكتاب عنهم, فهم لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا إذا تركوا ما هم عليه من الحق واتبعوا سنة ودين أهل الكتاب وطريقتهم.
ثم قال:"إنّ هدى اللّه هو الهدى": فأخبر سبحانه نبيه والمؤمنين بأن ما بعثه به هو الحق الذي يهدي إلى صراط مستقيم, فهو الدين القيم, وشرائعه أكمل الشرائع, وهو الدين المستقيم الصحيح الكامل الشامل, الصالح لكل زمان ومكان.
ثم بعد هذا البيان لحال أهل الكتاب وبيان حال ما أنزل الله من الهدى, قال تعالى:" وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ": فالخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام, ليكون وقع التهديد أبلغ في القلوب, فهو تهديد لجميع الأمة من اتباع اليهود والنصارى بعد بيان فسادهم, وبيان حسدهم للمسلمين, وقطع الأطماع في نيل رضاهم, خاصة بعد ما بين الله ما أنزل من الحق, فالحق واحد يجب اتباعه, أما الضلال فهو سبل متفرقة إن لم يتحصن العبد بالعلم النافع انزلق فيها.
فمن اتبع الهوى وترك الوحي; فليس له من دون الله من مصلح يصلح ما فسد من أمره, وليس له من مساند ومعين ينجيه من عذاب الله.
2: حرّر القول في:
أ: المراد بالكلمات التي ابتلى الله بها إبرهيم.
اختلف المفسرون في المراد بالكلمات على عدة أقوال:
القول الأول: المراد بالكلمات ما تعلق بالأوامر والنواهي الخاصة بالعبادات وسنن الفطرة, قالوا بأن المراد بها ما أمره الله به من العشرة خلال: خمس خلال في الرأس، وخمس خلال في البدن، قاله ابن عباس وقتادة,
فأمّا اللاتي في الرأس: فالفرق, وقص الشارب , والسواك، والمضمضة، والاستنشاق،
وأمّا التي في البدن : فالختان , وحلق العانة , والاستنجاء , وتقليم الأظافر , ونتف الإبط. ذكره الزجاج.
وذكر ابن عطية بأنه قد جاء عن ابن عباس: ست في البدن وأربع في الحج, والتي في الحج: الطواف بالبيت، والسعي، ورمي الجمار، والإفاضة.
وخصها بعضهم بمناسك الحج . وهو قول لابن عباس. ذكره ابن عطية وقال : وهذا أقوى الأقوال في تفسير هذه الآية. وذكره ابن كثير.
وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «الفطرة خمسٌ: الختان، والاستحداد، وقصّ الشّارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط». رواه لمسلمٍ.
القول الثاني: يتعلق بأمور ابتلى الله فيها إبراهيم ليظهر صبره, ويظهر تاييد الله له, ويظهر دينه, فقالوا بأن المراد ما كان من محاججته لقومه بالكواكب والقمر والشمس, كما جاء في قوله تعالى:"فلما جن عليه الليل رأى كوكباً", وما كان من إلقاء قومه له في النار, وما أمره به من ذبح ولده إسماعيل, ذكر هذا القول الزجاج.
وأورد ابن كثير ما رواه ابن أبي حاتمٍ من الحسن البصري في قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال: ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشّمس فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه، وابتلاه بالختان فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه.
القول الثالث: نقل عن ابن عباس قوله في المراد بالكلمات, قال: هي ثلاثون سهما، هي الإسلام كله لم يتمه أحد كاملا إلا إبراهيم صلوات الله عليه، عشرة منها في براءة "التّائبون العابدون"، وعشرة في الأحزاب:"إنّ المسلمين والمسلمات"، وعشرة في "سأل سائل"، رواه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، ذكره ابن عطية وابن كثير.
واختصاص إبراهيم عليه السلام, بهن يرده أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام, إمام المرسلين, وسيد ولد آدم, واتخذه الله خليلا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلا, فإن أتم إبراهيم عليه السلام, ما ذكره ابن عباس; فقد أتمهن النبي عليه الصلاة والسلام, بلا شك.
القول الرابع: إن المراد بالكلمات جميع ما جاء في الآيات التي بعد الآية, وهي أمور سألها إبراهيم ربه, وهي: الإمامة, وجعل البيت مثابة وأمنا، وتعليمهم المناسك والتوبة عليهم, وجعل مكة بلدا, آمنا, وأن يرزق أهله من الثمرات, والمقام, وبعثة النبي عليه الصلاة والسلام. وهو قول لابن عباس, ولمجاهد, وأبو صالحٍ, والربيع بن أنس.
وقال ابن جرير: ولو قال قائلٌ: إنّ الذي قاله مجاهدٌ وأبو صالحٍ والربيع بن أنس أولى بالصّواب من القول الذي قاله غيرهم كان مذهبًا، فإنّ قوله: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} وقوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين} وسائر الآيات التي هي نظير ذلك، كالبيان عن الكلمات التي ذكر اللّه أنّه ابتلى بهنّ إبراهيم.
رجح ابن جرير في أول أقواله جواز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر، ويجوز أن يكون بعض ذلك، وقال: بأنه لا يجوز الجزم بشيءٍ منها أنه المراد على التعيين إلا بحديثٍ أو إجماع, ولم يصحّ في ذلك خبرٌ بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التّسليم له.
ووافق ابن كثير ما ذهب إليه ابن جرير في هذا القول, ولم يوافقه في ترجيحه القول الرابع.
وقال ابن كثير بأن الكلمات هي كلمات الله الشرعية من أوامر نواه قام بها إبراهيم عليه السلام, حيث قال: ...قام بما كلّفه اللّه تعالى به من الأوامر والنّواهي.
والصحيح ما ذهبا إليه, فالأقوال تدخل تحت مسمى(الكلمات) التي أتمهن إبراهيم, سواء كانت كلمات شرعية, مثل: جميع الأوامر والنواهي التي أمره الله بها , سواء كانت متعلقة بالعبادات والشرائع, أو سنن الفطرة التي قام بها, ومنها الختان.
أو قدرية مثل ما حصل من إلقاءه في النار, أو تكذيب قومه وكفر أبيه وقومه, وتعذيبه وطرده.
كذلك ما جاء في قول مجاهد والربيع, لدلالة الآية عليه كما بين ذلك ابن جرير.
وجميع صفات المسلمين التي وردت في سورة التوبة, والأحزاب, والمعارج أتمها إبراهيم عليه السلام, لأن الأنبياء هم أكمل الخلق دينا وخلقا.
ب: معنى الظلم في قوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين}.
القول الأول: المراد بالظلم: الشرك. ذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: المراد بالظلم: المعاصي. وجاء عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال: {لا ينال عهدي الظالمين} قال:
«لا طاعة إلّا في المعروف». رواه أبو بكر بن مردويه, ذكره ابن كثير في تفسيره. وذكر هذا القول ابن عطية.
ولفظ الآية عام يدخل فيها الظلم الأكبر والظلم الأصغر الذي دون الكفر, وقد قال ابن عطية: إذا أولنا العهد الدين أو الأمان أو أن لا طاعة لظالم فالظلم في الآية ظلم الكفر، لأن العاصي المؤمن ينال الدين والأمان من عذاب الله وتلزم طاعته إذا كان ذا أمر، وإذا أولنا العهد النبوءة أو الإمامة في الدين فالظلم ظلم المعاصي فما زاد.
3: بيّن ما يلي:
أ: المراد بمقام إبراهيم، والحكمة من اتّخاذه مصلّى.
جاء في المراد بالمقام عدة اقوال للمفسرين:
القول الأول: أصحاب هذا القول قالوا بأن المقام هو الحجر, ثم جاء في هذا الحجر قولان:
1- قالوا بأنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه. قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما.ذكره ابن عطية, وابن كثير.
2- وقالآخرون بأنه الحجر الذي ناولته إياه امرأته فاغتسل عليه وهو راكب، جاءته به من شق ثم من شق فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه. كما جاء هذا عن الربيع بن أنس, والسدي, وقتادة. ذكره ابن كثير.
القول الثاني: قال أصحابه بأن المقام هو المسجد الحرام، جاء عن ابن عباسٍ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: مقام إبراهيم: الحرم كلّه. رواه عنه مجاهد, رواه ابن أبي حاتم.
ثم خصه البعض بمواقف الحج كلها, كما جاء عن ابن عباس, وجاء عن عطاء: المقام عرفة والمزدلفة والجمار. وهو قول مجاهدٍ وعطاءٍ. ذكره ابن كثير, وذكر هذا القول ابن عطية.
والراجح والذي دلت عليه النصوص هو القول الأول, مثل ما جاء عند البخاري, قال: باب قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} مثابة يثوبون يرجعون.
وساق حديث أنس بن مالكٍ. قال: قال عمر بن الخطّاب وافقت ربّي في ثلاثٍ، أو وافقني ربّي في ثلاثٍ، قلت: يا رسول اللّه، لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلًّى؟ فنزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} ...الحديث.
كذلك روى البخاريّ بسنده، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت ابن عمر يقول: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فطاف بالبيت سبعًا، وصلّى خلف المقام ركعتين.
ورجح ابن كثير هذا القول حيث قال بعد أن ساق الأحاديث الدالة عليه: فهذا كله مما يدل على أنّ المراد بالمقام إنما هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام، يقوم عليه لبناء الكعبة، ...
والحكمة من جعله مصلى هو اتباع أمر الله تعالى في ذلك, كما إن إبراهيم عليه السلام بحسب ما ذكر ابن كثير, كان كلما أتم بناء جدارا من جدر الكعبة نقل الحجر إلى الجدار الذي يليه,هكذا يطوف بالكعبة حتى أتم البناء فوضع الحجر في المكان الذي انتهى إليه, ولعل الصلاة خلف المقام تذكرة للمسلم بإمامة إبراهيم عليه السلام, ووجوب الاقتداء به كما أمر بذلك سبحانه وتعالى بذلك, فنطوف بالكعبة ثم ننتهي حيث انتهى, وقد جاء عن عمر قوله:"أليس نقوم مقام خليل ربّنا".
ب: معنى قوله تعالى: {إذا قضى أمرا فإنما يقول له فكن فيكون}.
جاء في معنى الآية أقوال للمعتزلة والأشاعرة وأهل السنة :
- أما الأشاعرة فقد أثبتت سبع صفات لله, ومنها الكلام, لكن هذا الإثبات كان على وفق أصولها, فعندهم إن كلام الله قديم أزلي كباقي صفاته, بدون تجدد, فهو سبحانه تكلم بالأمر في الأزل لا فيما سبق وقوع الأمر, لامتناع أن يكون الله محلا للحوادث بحسب ما قعدوه من قواعد وأصول باطلة, وهذا منهم تنزيه, بحسب ما زعموا, لأن قيام الحوادث لا يكون إلا في الأجسام, والأجسام حادثة, والله منزه عن هذا, لذلك ذكر ابن عطية: "أن الله عز وجل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها، قادرا مع تأخر المقدورات، عالما مع تأخر وقوع المعلومات، فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال، فهو بحسب المأمورات، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن، وكل ما يستند إلى الله تعالى من قدرة وعلم وأمر فهو قديم لم يزل", اي إنه قدر في الأزل, وتكلم في الأزل.
وكلامهم ترده نصوص الكتاب والسنة.
- أما المعتزلة فهم نفاة لجميع الصفات, ومنها الصفات الاختيارية مثل الكلام, والأسماء عندهم أعلاما محضة لا معاني لها, فلا هي قديمة ولا حادثة, فزعموا بأن إثبات الصفات يلزم منه تعدد القدماء, وذكر ابن عطية قولهم:"على مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد", فهم قد اثبتوا ذاتا مجردة عن الصفات, فكلام الله مخلوق عندهم, فهو نفس الفعل, فليس هناك قول بل مجرد مجاز عن سرعة الأمر.
- وأرجع بعضهم المعنى إلى علمه بما كان وما سيكون, كما ذكر الزجاج فقال:" يقول له, وإن لم يكن حاضرا: كن؛ لأن ما هو معلوم عنده بمنزلة الحاضر".
- أما أهل السنة والجماعة, فقالوا كما قال ابن كثير, فمعنى الآية إن الله إذا اراد أمرا, وقدره كونا , يقول له وقتها: كن, فيحدث على مراد الله كما قدره.
وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الكلام لله تعالى, ويقولون: هي قديمة النوع حادثة الآحاد وفق مشيئته سبحانه, فمازال سبحانه متكلما, يتكلم متى شاء, فإذا أراد حدوث شيئ كونا: أمر في الزمن الذي سبق حدوثه بكلمة: كن, فيحدث.