1: معنى "المسوّمة" في قوله تعالى: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}.
بسم الله الرحمن الرحيم, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, وبعد:
ففي المراد بمعنى المسومة في قوله :(والخيل المسومة) اختلف العلماء, نذكر هنا ما أوردوه من أقوال, مع العزو للمراجع, والتوضيح للأقوال, والتوجيه لها, ثم تبيين الراجح منها, سائلين المولى التوفيق والسداد..
أولا: المراجع:
- الجامع في علوم القرآن لابن وهب.
- تفسير عبدالرزاق.
- تفسير الثوري.
- تفسير الطبري.
- تفسير ابن أبي حاتم.
- تفسير الزجاج.
- تفسير ابن عطية.
- تفسير ابن كثير.
ثانيا: الأقوال في المراد بالمسومة متبوعة بالتخريج:
القول الأول: أن لفظة المسومة مأخوذة من السيماء, أي: العلامة. فيكون بناء هذا القول على أصل المفردة اللغوي, ويشهد لهذا القول بيت لبيد:
وغداة قاع القرنتين أتينهم ....... زجلا يلوح خلالها التّسويم.
وقد قال به ابن عباس وقتادة وذكره الطبري والزجاج وابن عطية.
تخريج الأقوال:
- قول ابن عباس: رواه الطبري عن عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ, وذكر قوله.
- قول قتادة: رواه الطبري عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة, وذكر قوله.
ورواه ابن أبي حاتم عن الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ، أنبأ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ, وذكر قوله.
القول الثاني: أن تكون بمعنى السائمة, أي: الراعية. ومنه قوله تعالى :(فيه تسيمون), وفي هذا المعنى دلالة على رعيها دون أن يردها عن الرعي أي مانع, مما يدل على حسن مأكلها الذي يؤوول لحسن صحتها ولياقتها. وهذا القول قال به سعيد بن جبير وابن عباس وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى والحسن ومجاهد والسّدّي والرّبيع بن أنسٍ وغيرهم وذكره الطبري وابن عطية وابن كثير والزجاج واستحسنه.
تخريج الأقوال:
- قول سعيد بن جبير: رواه عبدالرزاق وأبو حذيفة النهدي والطبري عن الثوري عن حبيب عن أبي ثابت عن مجاهد عن سعيد بن جبير, وذكر قوله.
- قول عبدالله بن عبدالرحمن بن أبزى: رواه الطبري عن ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن طلحة القنّاد، قال: سمعت عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبزى, وذكر قوله.
- قول ابن عباس: رواه الطبري عن محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ, وذكر قوله.
ورواه ابن أبي حاتم عن حَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ، ثنا الْوَلِيدُ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وذكر قوله.
- قول الحسن: رواه الطبري عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن, وذكر قوله.
- قول الربيع: رواه الطبري عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع, وذكر قوله.
- قول مجاهد: رواه الطبري عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ, وذكر قوله.
- قول السدي: رواه الطبري عن موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ, وذكر قوله.
القول الثالث: المطهمة الحسان, أي بمعنى: أن الحسن سومها. قاله بذلك ابن عباس ومجاهد وعكرمة وذكره الطبري وابن عطية وابن كثير.
تخريج الأقوال:
-قول عكرمة: رواه ابن وهب المصري والطبري عن سعيد عن بشير بن أبي عمرو الخولاني قال: سمعت عكرمة, وذكر قوله.
-قول مجاهد: رواه عبدالرزاق وأبو حذيفة النهدي والطبري وابن أبي حاتم عن الثوري عن حبيب عن أبي ثابت عن مجاهد, وذكر قوله.
- قول ابن عباس: رواه ابن أبي حاتم عن حَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ، ثنا الْوَلِيدُ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وذكر قوله.
القول الرابع: المعدة والمجهزة, وقد ذكر ابن زيد أنها المعدة للجهاد كما أورد ذلك الطبري, ولكن هذا ليس من تفسير اللفظة كما ذكر ذلك ابن عطية.
تخريج الأقوال:
- قول ابن زيد: رواه الطبري عن يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ, وذكر قوله.
القول الخامس: الغرة والتحجيل. قال به مكحول وذكره ابن كثير.
تخريج الأقوال:
- قول مكحول: رواه ابن أبي حاتم عن أَبِي، ثنا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا الْوَلِيدُ، ثنا بَعْضُ شُيُوخِنَا، عَنْ مَكْحُولٍ, وذكر قوله.
ثالثا: توجيه الأقوال وتمحيصها والترجيح بينها:
هذه المسألة من المسائل اليسيرة بحمد الله, إذ كما يلاحظ في الأقوال أنها مختلفة اختلاف تنوع لا تضاد, وسيتبين لنا القول النهائي حولها عبر توجيه الأقوال بإذن الله.
نلاحظ أولا أن القول الأول والخامس تقريبا شبه قول واحد, إذ الأول بمعنى العلامة, والثاني بمعنى الغرة والتحجيل, والتي هي بمعنى البياض في وجه الفرس ونحو ذلك, وإذا فسرنا العلامة بأنها هذا البياض فإن هذين القولين يجتمعان تحت قول واحد, وبالنسبة للقول الثالث فهو كذلك ينضم إليهما إذ يكون المعنى أنها معلمة بالحسن الذي من أحد علاماته الغرة والتحجيل, فنلاحظ هنا أن المعنى أصبح واحدا واجتمعت الأقوال تحته, ويؤيد ذلك ما قاله الطبري تعقيبا على الأقوال :"فمعنى تأويل من تأوّل ذلك: المطهّمة والمعلّمة، والرّائعة واحدٌ".
يتبقى إذن القول الرابع وأجده من أبعد الأقوال وإن كان لا يصل لحد بطلانه, لكن السياق القرآني وكثرة الأقوال المرجحة للمعنى السابق تجعلنا نقدمه على هذا القول, إلا إن أدخلنا القول الرابع ضمن معنى الأقوال السابقة كأحد علامات الحسن للخيل, وذلك بكونها معدة وجاهزة للجهاد, وإن كان هذا عندي لبعيد, فالسياق يتحدث عن النعم والمتع المرفهة للمرء كاستمتاعه بأبنائه وبالمال والنساء, لذا فهذا ما يضعف من هذا القول.
يبقى لنا الآن القول الثاني, وهو قول قوي جدا في توجيهه كما ذكرناه بالأعلى, ويزيده قوة كثرة القائلين به من كبار المفسرين والسلف, لكنه في أصله ومبناه لا يدخل تحت المعنى الأول الذي ذكرناه وجمعنا قولين تحته, مما يجعله معنى آخر, وهو أن المراد: الخيل السائمة الراعية في المرعى, وقد نقول بهذا القول كداعم للقول الأول, إذ أنها ما أصبحت مطهمة حسناء إلا لرعيها في الكلأ دون مانع أو حسيب, وبذا يجتمع القولين بهذه الصورة, ولعل سبب تكرار بعض الأسماء كابن عباس في أكثر من قول هو أنه يرى كذلك بالجمع بين الأقوال وعدم تعارضها, لا أن أصل مبناهما واحد, ولذا نجد الطبري يفرق بينهما, ويميل للقول الأول ويرجحه, وإن كان لا بد من ترجيح بينهما فإن ما رجحه الطبري يبدو هو الأرجح, إذ أن من المستفيض في كلام العرب أن الخيل المسومة هي المعلمة بالشيات الحسان, كما قال نابغة بني ذبيان في صفة الخيل:
وضمرٍ كالقداح مسوّماتٍ = عليها معشرٌ أشباه جنٍّ
يعني بالمسوّمات المعلّمات؛ وقول لبيدٍ:
وغداة قاع القرنتين أتينهم = زجلا يلوح خلالها التّسويم
فيبدو أن هذا القول أرجح, والقول بأنهن سائمات أي: راعيات, يأتي بعده وقد يكون من باب التنوع في تفسير المعنى إن احتمل الأمر ذلك, هذا والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد.