الدراسة والنقد والترجيح.
اختلف أهل العلم في المراد بالنجوم على قولين
وكلا القولين يوجد في اللغة والشرع ما يعضده
والذي يظهر أن منشأ الخلاف راجع الاختلاف في معنى كلمتي "النجوم " و " مواقع"
وهذا الاختلاف راجع لاختلاف معانيها في اللغة . فالنجوم في اللغة تطلق على الكواكب المعروف و يطلق على القسط من الشيء أو على الوقت المضروب
وكذا كلمة مواقع فهي إما بمعنى الحلول في الشيء أو بمعنى السقوط والهوى وقد تكون بمعنى ظرف المكان أو ظرف الزمان. وعلى هذا الخلاف في اللغة ترتب عليه الخلاف في المراد بمواقع النجوم في الآية
ومن جهة أخرى فكل ما ذكر من المعاني المختلفة إلا وله ما يؤيده من جهة الشرع
فمن قال أن المراد "بمواقع النجوم "هي منازل النجوم ومجاريها فهو كقوله تعالى :{:{ والسماء ذات البروج}
ومن قال بالمراد "بمواقع النجوم " سقوطها ومغاربها
فهو كقوله تعالى " والنجم إذا هوى" وكقوله تعالى "{ {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}
ومن زاد وقال هو مطالعها ومغاربها فهو كقوله تعالى "{ فلا أقسم برب المشارق والمغارب"
ومن المراد بها سقوطها يوم القيامة فهو كقوله تعالى:{ وإذا النجوم انكدرت} {وإذا النجوم طمست}
ومن قال أن "المراد بالنجوم "نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء , أيد وقوى جحته بقوله تعالى : : {وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم * إنّه لقرآن كريم})."
فعاد الضمير على ما يفهم من قوله : { بمواقع النجوم } ، أي نجوم القرآن ؛حتى يكاد يعدّ كالمذكور صريحاً ولا يحتاج إلى أن يقال يفسره السياق كما في سائر الأقوال .
الترجيح
وقد رجح ابن جرير الطبري القول الأول الذي مفاده أن المراد بمواقع النجوم مساقطها ومغاربها
قال رحمه الله تعالى:{ وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النّجوم ومغايبها في السّماء، وذلك أنّ المواقع جمع موقعٍ، والموقع المفعل من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به..."؛}
و رجح ابن القيم أن المراد بالنجوم هو الكواكب المعروفة بدلالة المعهود المعروف من استعمال النجم في القران
قال رحمه الله تعالى :{ ويرجح هذا القول أيضاً أن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب كقوله تعالى {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} وقوله {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ}.
وقد رجح الشنقطيى: أن المراد بمواقع النجوم نجوم القران لأمرين
الأمر الأول :أن الإقسام بالقران على القران معهود في كتاب الله و أن خير ما يفسر به القران هو القران
الأمر الثاني : لمناسة الآيات لما بعدها .فكون المراد بالإقسام بالنجوم هو القران أنسب لقوله ما بعده "وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. " و وقوله عظيم أي تعظيم من الله سبحانه وتعالى ليدل أن المقسم عليه في غاية العظمة.
فالذي يظهر والعلم عند الله
أن كلا القولين لهما وجه من الصحة والآية تحتملها...إلا أن القول الأول - أن المراد بالنجوم الكواكب المعروفة - أقوى من ناحية
- أنه هو المعهود المعروف من إطلاق النجوم في القران الكواكب ...فحمل الآية على المعهود من القرآن أولى من حمله على غيره.
- والأمر الآخر أن اللفظ المتابدر إلى الذهن من لفظ النجوم هو النجم المعروف الكواكب المعروفة.وحمل اللفظ على المعنى الظاهر أولى من حمله على غيره
وأيضا مما يقوى هذا القول المناسبة القوية بين القسم "النجم" والمقسم عليه " القران"
قال ابن القيم...وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه أحدها أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس والجن والنجوم آياته المشهودة المعاينة والقرآن آياته المتلوة السمعية مع ما في مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النزول..التبيان في أقسام القران
ولعل أولى الأقوال من القول الأول هو مغاربها ومساقطها.فهذا الذي كانت تعرفه العرب؛ فهي آية عظيمة مشاهدة ؛وقد كان للعرب وقد كانوا يعظمون النجوم والكواكب حتى وصل الحال ببعضهم لإعطائها شيء من تدبير الكون.؛ فأقسم الله بهذا الشىء العظيم للدلالة على عظم شأن القران..والله أعلم