قولُه تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ}. في بعضِ التفاسيرِ: أنَّ اسمَ إِحْدَيْهِما كانَتْ وَالِهَةَ, والأُخْرَى كانَتْ والِغَةَ.
وقولُه: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} أيْ: نُوحٍ ولُوطٍ عليهما السلامُ.
وقولُه تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا}. اختلَفَ القولُ في هذا؛ فأحَدُ الأقوالِ: أنَّه الْخِيانةُ بالكفْرِ.
والقولُ الثاني: أنه الْخِيانةُ بالنِّفاقِ، كانَتَا تُظْهِرانِ الإيمانَ وتُسِرَّانِ الكفْرَ.
والقولُ الثالثُ: بالنَّميمةِ.
والقولُ الرابعُ: بالنِّسْبَةِ إلى الْجُنونِ لنُوحٍ، والدَّلالةِ على الأَضْيَافِ للُوطٍ. فكانَتِ امرأةُ نوحٍ تَقولُ لِمَن يَقْصِدُ نُوحاً عليه السلامُ ليَسْمَعَ كلامَه: إنَّه مَجنونٌ. وامرأةُ لُوطٍ كانَتْ تَدُلُّ قَوْمَها على أَضيافِ لُوطٍ لقَصْدِ الفاحشةِ.
وفي القِصَّةِ: أنَّها كانَتْ بالنهارِ تُرْسِلُ، وبالليلِ تُدَخِّنُ وتُوقِدُ ناراً ليَعْلَموا.
قالَ ابنُ عبَّاسٍ: ما بَغَتِ امرأةُ نَبِيٍّ قَطُّ. أيْ: ما زَنَتْ.
وقولُه: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً}؛ أيْ: لَمْ يَدْفَعَا - نُوحٌ ولُوطٌ - {عَنْهُمَا}. أيْ: عن امْرَأَتَيْهِما.
والمرادُ تَحذيرُ عائشةَ وحَفْصةَ، يَعنِي: إِنَّكما إنْ عَصَيْتُما ربَّكُما لم يَدفَعْ رَسولُ اللَّهِ عَنكما شيئاً، كما لم يَدْفَعْ نوحٌ ولُوطٌ عن امْرَأَتَيْهِما.
وقولُه: {وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}. أيْ: قِيلَ للمَرأتيْنِ.
وقولُه تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}. وهي آسْيَةُ بنتُ مُزَاحِمٍ، وكانَتْ آمَنَتْ باللَّهِ وبمُوسَى - عليهِ السلامُ - سِرًّا ثم أَظهَرَتْ, فعَذَّبَهَا فِرْعَونُ وعَاقَبَها.
وفي القِصَّةِ: أنَّه وَتَدَها بأربعةِ أَوتادٍ مِن حديدٍ، وفي القِصَّةِ: أنَّ أوَّلَ مَن آمَنَتِ امرأةُ خازِنِ فِرْعَونَ، ويُقالُ: ماشِطَةُ بنتِ فِرْعَونَ. فعَذَّبَها فِرْعَونُ فصَبَرَتْ على ذلك، فأَظْهَرتْ حينَئذٍ آسِيَةُ إِيمانَها.
وقولُه: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ}. أيْ: دَاراً.
وقولُه: {وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} فيه قَولانِ:
أحَدُهما: مِن شِرْكِه، والآخَرُ: مِن الْمُضَاجَعَةِ معَه. ويُقالُ: مِن الجِماعِ.
وقولُه: {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. أيْ: مِن قَوْمِ فِرْعَونَ.
قولُه تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}. أشْهَرُ القولَيْنِ أنَّه الفَرْجُ بعَيْنِه. والعرَبُ تقولُ: أحْصَنَتْ فُلانةُ فَرْجَها: إذا عَفَّتْ عن الزِّنَا.
والقولُ الثاني: أنَّ الفَرْجَ ههنا هو الْجَيْبُ. قالَ الفَرَّاءُ: كلُّ خَرْقٍ في دِرْعٍ أو غيرِه فهو فَرْجٌ.
ويُقالُ: في قِراءَةِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: (فنَفَخْنَا فِي جَيْبِهَا مِنْ رُوحِنَا).
وقولُه: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}. في القِصَّةِ: أنَّ جِبْرِيلَ عليهِ السلامُ نَفَخَ في جَيْبِ دِرْعِها فحَمَلَتْ بعِيسَى، ورُوِيَ أنَّه دَخَلَ عليها في صُورةِ شابٍّ أمْرَدَ جَعْدٍ قَطَطٍ وهي في مِدْرَعَةِ صُوفٍ.
قالَ أبو مُعاذٍ النَّحْوِيُّ: في مِدْرَعَتِها.
وعلى القولِ الأوَّلِ إذا قُلْنَا: إنَّه الفَرْجُ بعَيْنِه يَصيرُ النفْخُ في جَيبِ دِرْعِها كالنفْخِ في فَرْجِها بعَيْنِه.
وقولُه: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا}, وقُرِئَ: (بِكَلِمَةِ رَبِّهَا) فمَعنَى الكَلِماتِ ما أَخْبَرَ اللَّهُ تعالى مِن البِشَارَةِ بعِيسَى وصِفَتِه وكَرَامتِه على اللَّهِ وغيرِ ذلك.
ويُقالُ: {بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا}؛ أيْ: بآياتِ رَبِّها.
وأمَّا قولُه: (بِكَلِمَةِ رَبِّهَا) هو عِيسَى عليهِ السلامُ.
وقولُه: {وَكِتَابِهِ}. أي: الإنجيلِ.
وقُرِئَ: (وَكُتُبِهِ) أي: التوراةِ والزُّبُورِ والإنجيلِ.
وقولُه: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} فإنْ قِيلَ: كيفَ قالَ: {مِنَ الْقَانِتِينَ} ولم يَقُلْ: (مِنَ الْقَانِتَاتِ)؟
قُلْنَا: قالَ أبو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: معناه: كانَتْ مِن قَوْمٍ قَانِتِينَ.
والقُنُوتُ هو الطاعةُ على ما بَيَّنَّا.
ويُقالُ: قُنُوتُها هَهُنا هو صَلاَتُها بينَ الْمَغْرِبِ والعِشاءِ، وهو أيضاً فِعْلُ القَانِتِينَ على هذا القولِ. واللَّهُ أعلَمُ.
تَمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ تعالى
الْمُجَلَّدُ الخامِسُ