629- وعن أَبِي الطُّفَيْلِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بالبَيْتِ، ويَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بمِحْجَنٍ مَعَهُ، ويُقَبِّلُ المِحْجَنَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
مُفْرَداتُ الحديثِ:
-المِحْجَنُ: بكَسْرِ الميمِ وسُكونِ الحَاءِ المُهْمَلَةِ ثمَّ جِيمٍ آخِرَه نُونٌ, والمِيمُ زَائِدَةٌ، جَمْعُه مَحَاجِنُ، هو عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ.
قالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: كُلُّ عُودٍ مَعْطُوفِ الرَّأْسِ فهو مِحْجَنٌ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1-لَمَّا كَثُرَ الناسُ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وهو يَطُوفُ طَافَ على نَاقَتِهِ وجَعَلَ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ الأَسْوَدَ بمِحْجَنِهِ، ويُشِيرُ بهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحَجَرِ.
2- فيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوازِ الطَّوَافِ رَاكِباً للحَاجَةِ.
3-فيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِلامِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ، فإنْ شَقَّ اسْتِلامُه باليَدِ اسْتَلَمَهُ بما في يَدِه على أَنْ لا يُؤْذِيَ بذلك الطَّائِفِينَ.
4-اسِتْلامُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ، وتَقْبِيلُه لَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ في حَالِ الطَّوَافِ، وبَيْنَ الطَّوَافِ والسَّعْيِ.
5-قالَ في الحَاشِيَةِ: أمَّا الإِشَارَةُ إلى الحَجَرِ الأَسْوَدِ إِنْ شَقَّ تَقْبِيلُه، أو استلامُه بيَدِهِ، أو شَيْءٍ آخَرَ فهو إِجْمَاعٌ.
وأمَّا الرُّكْنُ اليَمَانِيُّ فلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه كانَ يُشِيرُ إليهِ، ولو فَعَلَه لنُقِلَ، فالسُّنَّةُ تَرْكُ مَا تَرَكَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنَّ السُّنَّةَ كَمَا تَكُونُ فِي الفِعْلِ تَكُونُ أيضاًً بالتَّرْكِ.
6-قالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لا يَسْتَلِمُ إِلاَّ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ دونَ الشَّامِيَّيْنِ، فإنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّما اسْتَلَمَ اليَمَانِيَّيْنِ خَاصَّةً؛ لأنَّهما على قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، والآخَرَانِ هُمَا في دَاخِلِ البَيْتِ، قالَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
7-قالَ الشَّيْخُ: وأَمَّا سَائِرُ جَوَانِبِ البَيْتِ، ومَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وحُجْرَةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَقَابِرُ الأَنْبياءِ والصَّالحِينَ، وصَخْرَةُ بَيْتِ المَقْدِسِ، فالطَّوَافُ بها واستلامُها، وتَقْبِيلُها، مِن أَعْظَمِ البِدَعِ المُحَرَّمَةِ باتِّفاقِ الأَئِمَّةِ الأربعةِ.
8-قالَ النَّوَوِيُّ: واسْتَدَلَّ بهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وأَحْمَدَ على طَهَارَةِ بَوْلِ ما يُؤْكَلُ لَحْمُه ورَوْثُهُ؛ لأنَّه لا يُؤْمَنُ ذلك من البَعِيرِ، فلو كانَ نَجِساً لَمَا عَرَّضَ المَسْجِدَ له.
قَرَارُ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلماءِ بشَأْنِ حُكْمِ الطَّوَافِ على جُزْءٍ مِن سَقْفِ المَسْعَى:
الحَمْدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَن اهْتَدَى بهُدَاهُ، وبعدُ:
فإنَّ مَجْلِسَ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلماءِ في دَوْرَتِه الثَّالثةِ والخَمْسِينَ، المُنْعَقِدَةِ بمَدِينَةِ الطَّائِفِ، خلالَ المُدَّةِ من 12/5/1421هـ إلى 15/5/1421هـ، دَرَسَ مَوْضُوعَ حُكْمِ الطَّوافِ وَقْتَ الزِّحامِ على جُزْءٍ مِنْ سَقْفِ المَسْعَى، وذلك بِنَاءً على كَثْرَةِ مَا يَرِدُ إلى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ للبُحوثِ العِلْمِيَّةِ والإِفْتَاءِ من استفتاءاتٍ حَوْلَ هذا المَوْضوعِ.
وبعدَ الدِّراسةِ رَأَى المَجْلِسُ بالأكْثَرِيَّةِ عَدَمَ جَوَازِ الطَّوافِ فَوْقَ جُزْءٍ مِن سَطْحِ المَسْعَى؛ لأنَّ المَسْعَى يُعْتَبَرُ خَارِجَ المَسْجِدِ الحرامِ، وليسَ جُزْءاً مِنه، بلْ هو مَشْعَرٌ مُسْتَقِلٌّ بأحْكَامِه وما يُؤَدَّى فيه من عِبَادَاتٍ، والطَّوَافُ إِنَّما هو فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.
وخُروجاً من هذا المَحْذُورِ فَقَدِ اطَّلَعَ المَجْلِسُ على كِتَابِ معالي الرئيسِ العامِّ لشُؤونِ المَسْجِدِ الحَرَامِ والمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ رَقْمِ: (32/1) وتاريخِ 15/3/1421 هـ، ومَشْفُوعِهِ المُحْضَرِ المُعَدِّ مِن لَجْنَةٍ هَنْدَسِيَّةٍ مُكَوَّنَةٍ من: (مَجْمُوعَةِ بنِ لادِنَ السُّعُودِيَّةِ، واتِّحادِ المُهَنْدِسِينَ الاسْتِشَارِيِّينَ، والرِّئَاسَةِ العامَّةِ لشُؤونِ المَسْجِدِ الحَرَامِ والمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، المُتَضَمِّنِ إيجادَ حَلٍّ لهذا الموضوعِ، وذلك بتَوْسِعَةِ سَطْحِ المَسْجِدِ الحَرَامِ من الجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ مِمَّا يلي صَحْنَ المَطَافِ مِن خَلالِ إضافةِ ثَلاثَةَ عَشَرَ مِتْراً (13م) إلى المَمَرِّ الضَّيِّقِ، ليُصْبِحَ عَرْضُ المَمَرِّ كَامِلاً عِشْرِينَ مِتْراً (20م)، وهذا يَتَطَلَّبُ عَمَلَ قَوَاعِدَ أَرْضِيَّةٍ، وأَعْمِدَةٍ جديدةٍ من الأرضِ إلى السَّطْحِ، تَخْتَرِقُ المَبْنَى القَدِيمَ للحَرَمِ في ذلك الجُزْءِ.
ويَرَى المَجْلِسُ المُوافَقَةَ على رَأْيِ اللَّجْنَةِ الهَنْدَسِيَّةِ المَذْكُورِ بعالِيَهُ، لِمَا فيهِ من المَصْلَحَةِ العَامَّةِ للطَّائِفِينَ من الحُجَّاجِ والمُعْتَمِرِينَ، ولكونِه لا يَجُوزُ الطَّوافُ خَارِجَ المَسْجِدِ الحَرَامِ، وباللهِ التوفيقُ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ.