تلخيص مقدمة ابن كثير في التفسير
حمد المؤلف الله تعالى عدة محامد
وحمده على إنزال كتابه وتباينه
وان النبي صلى الله عليه وسلم بلغه وأن
الواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه،
كما قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون} [آل عمران: 187]
تلخيص أحسن طرق التفسير
إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن،
فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له،
و إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال
ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: ((بم تحكم؟)). قال: بكتاب الله. قال: ((فإن لم تجد؟)). قال: بسنة رسول الله. قال: ((فإن لم تجد؟)). قال: أجتهد برأيي. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)) وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد
من أشهرهم الخلفاء الأربعة وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين
وكان ابن مسعود وابن عباس يوردون بعض الإسرائيليات في تفاسيرهم وهي على ثلاثة أقسام :
حدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني؛
تلخيص كيف نفسر مالا نجد تفسيره
إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم.
أما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام ، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)
وكان السلف يتورعون من تفسير القرآن بالرأي، مثل أبو بكر الصديق لما سئل عن ( وفاكهة وأباً) ما معنى أباً فقال
أي سماء تقلني وأي أرض تحملني إن قلت في كتاب الله مالا أعلم
ولكنهم كانوا يبلغون ما سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
تلخيص فضائل القرآن
قدم ابن كثير رحمه الله الفضائل قبل التفسير وذكر فضل كل سورة قبل تفسيرها ليكون ذلك باعثا على حفظ القرآن وفهمه والعمل بما فيه
: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} [الإسراء: 106]. هذا إسناد صحيح. أما إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه، وأما إقامته بمكة بعد النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة؛ لأنه، عليه الصلاة والسلام، أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح،
ووجه مناسبة هذا الحديث بفضائل القرآن: أنه ابتدئ بنزوله في مكان شريف، وهو البلد الحرام، كما أنه كان في زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان
بيان أنه من القرآن مكي ومنه مدني، فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة
السفير بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام وهو ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانة كما قال: {نزل به الروح الأمين )
من فضائل القرآن:
انه معجز في لفظه ومعانيه ومحفوظ الى ماشاء الله
أن الله تعالى له برسوله عناية عظيمة ومحبة شديدة، حيث جعل الوحي متتابعا عليه ولم يقطعه عنه؛ ولهذا إنما أنزل عليه القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام.
نزل القرآن بلسان قريش والعرب، قرآنا عربيا، بلسان عربي مبين ،وقال تعالى: {وهذا لسان عربي مبين} [النحل: 103]
تلخيص نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن
أورد المؤلف رحمه الله أحاديث كثيرة تثبت نزول السكينة والملائكة عند قراءة آيات الله، أورد بعضاً منها :
حدثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير قال: "قلت: يا رسول الله، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفي، حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)) مرتين قال: فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)). فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: ((تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب)) ".
وروى أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق سمع البراء يقول: بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة إذ رأى دابته تركض، أو قال: فرسه يركض، فنظر فإذا مثل الضبابة أو مثل الغمامة، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((تلك السكينة تنزلت للقرآن، أو تنزلت على القرآن )
وفي الحديث المشهور الصحيح: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم عن أبي هريرة.
تلخيص باب من قال: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس،
فقال له شداد بن معقل:" أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين". تفرد به البخاري
ولهذا قال ابن عباس: وإنما ترك ما بين الدفتين يعني: القرآن، والسنة مفسرة له ومبينة وموضحة له، فهي تابعة له، والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى،
فضل القرآن على سائر الكلام
عن أبي موسى، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)).
ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث: أن طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما، فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر.
إن هذه الأمة مع قصر مدتها فضلت الأمم الماضية مع طول مدتها، كما قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110].
وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم الذي شرفه الله تعالى على كل كتاب أنزله، جعله مهيمنا عليه، وناسخا له، وخاتما له؛ لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه،
ملخص الوصايا بكتاب الله
حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا مالك بن مغول، حدثنا طلحة بن مصرف قال: "سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله، عز وجل".
النبي صلى الله عليه و سلم لم يورث درهما ولا ديناراً وإنما ورث هذا الكتاب العظيم
ملخص من لم يتغن بالقرآن
وقول الله تعالى:{أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} [العنكبوت: 51].
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن) ومعناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها
والله سبحانه وتعالى، يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، كما قالت عائشة، رضي الله عنها: سبحان الله الذي وسع سمعه الأصوات، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم، كما قال تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} الآية [يونس: 61]، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ
ثم قال البخاري، رحمه الله:
أنزل القرآن على سبعة أحرف
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله؛ أن عبد الله بن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).
وقال الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد، حدثني عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)). وهكذا رواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد به.
وإنما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ربه أن يقرأ بسبعة أحرف شفقة منه على أمته وتوسيعاً لهم .
و روى الإمام أحمد على الصواب، فقال: حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني يزيد بن خصيفة، أخبرني بسر بن سعيد، حدثني أبو جهيم؛ أن رجلين اختلفا في آية من القرآن فقال هذا: تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا: تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((القرآن يقرأ على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن مراء في القرآن كفر)). وهذا إسناد صحيح -ولم يخرجاه
استناداً على هذا الحديث فإن الاختلاف ( المراء) وهو الجدال في القرآن مذموم وحذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم .
فصل
وفي الأحرف السبعة أقوال للعلماء ، منهم من قال انها لغات من لغات العرب ودليل ذلك
قول أبو عبيد: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة لأنها المشهورة، وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، وهذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى السبعة،
ومنهم من قال انها سبعة أوجه، ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة، من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة، كما في رواية عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة.قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب بها الجنة.
ويرى ابن جرير ان الأحرف الستة اندثرت ولا يقرأ بها وذلك بعد جمع الخليفة عثمان بن عفان القرآن على مصحف واحد على لسان قريش ، والله أعلم
معارضة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم للقرآن
عن أبي هريرة قال: [كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مره فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض]
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه عن أبي بكر وهو ابن عياش عن أبي حصين واسمه عثمان بن عاصم به والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى ليبقى ما بقي ويذهب ما نسخ توكيدا واستثباتا وحفظا ولهذا عارضه في السنة الأخيرة من عمره عليه السلام على جبريل مرتين وعارضه به جبريل كذلك ولهذا فهم عليه السلام اقتراب أجله
وعثمان رضي الله عنه جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة رضي الله عنه وأرضاه وخص بذلك رمضان من بين الشهور لأن ابتداء الإيحاء كان فيه ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة في تلاوة القرآن كما تقدم ذكرنا لذلك
غبطة صاحب القرآن
عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [لا حسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار] رواه البخاري من هذا الوجه واتفقا على إخراجه من رواية سفيان عن الزهري ثم قال البخاري: ثنا على بن إبراهيم ثنا روح ثنا شعبة عن سليمان قال: سمعت ذكوان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتيت فلان فعملت مثل ما يعمل ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل] [ومضمون هذين الحديثين أن صاحب القرآن في غبطة وهي حسن الحال فينبغي أن يكون شديد الاغتباط بما هو فيه ويستحب تغبيطه بذلك يقال: غبطه يغبطه بالكسر غبطا إذا تمنى مثل ما هو فيه من النعمة وهذا بخلاف الحسد المذموم وهو تمنى زوال نعمة المحسود عنه سواء حصلت لذلك الحاسد أولا وهذا مذموم شرعا مهلك وهو أول معاصي إبليس حين حسد آدم على ما منحه الله تعالى من الكرامة والاحترام والإعظام والحسد الشرعي الممدوح هو تمنى حال مثل ذاك الذي هو على حالة سارة ولهذا قال عليه السلام: لا حسد إلا في اثنتين فذكر النعمة القاصرة وهو تلاوة القرآن آناء الليل والنهار والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار، كما قال تعالى {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور}.
خيركم من تعلم القرآن وعلمه
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [خيركم من تعلم القرآن وعلمه]
والغرض أنه عليه الصلاة والسلام قال: [خيركم من تعلم القرآن وعلمه] وهذه صفات المؤمنين المتبعين للرسل وهم الكمل في أنفسهم المكملين لغيرهم وذلك جمع بين النفع القاصر والمتعدي
وكما قال تعالى {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} فجمع بين الدعوة إلى الله سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى الله تعالى من تعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك
وهذا بخلاف صفة الكفار المكذبين الذين لا ينفعون ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع كما قال تعالى
{الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب} وكما قال تعالى {وهم ينهون عنه وينأون عنه} في أصح قولي المفسرين في هذا هو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن مع نأيهم وبعدهم عنه أيضا فجمعوا بين التكذيب والصد كما قال تعالى {فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها} .
القراءة عن ظهر قلب
عن سهل ابن سعد [أنه عليه السلام قال للرجل: فما معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا لسور عدها قال: أتقرأهن عن ظهر قلب؟ قال: نعم اذهب قد ملكتها بما معك من القرآن] وهذه الترجمة من البخاري رحمه الله مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل والله أعلم ولكن الذي صرح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف وهو عبادة كما صرح به غير واحد من السلف
لثاني: إن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب ليمكنه تعليمها لزوجته وليس المراد ههنا أن هذا أفضل من التلاوة نظرا ولا عدمه والله سبحانه وتعالى أعلم
وهناك عدة آثار تدل على أن النظر في المصحف أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم أو تأخير فالاستثبات أولى والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن لأن الكتابة لا تدل على الأداء كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على ألفاظ القرآن فأما عند العجز عما يلقن فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية فإذا قرأ في المصحف والحالة هذه فلا حرج علي
استذكار القرآن وتعاهده
الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده لئلا يعرضه حافظة للنسيان فإن ذلك خطأ كبير نسأل الله العافية منه فإنه قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد ثنا خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فايد عن رجل عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم] وهكذا رواه جرير
القراءة على الدابة
لا يكره جمع من العلماء قراءة القرآن وتلاوته حضرا وسفراً
[قال البخاري:] حدثنا حجاج أنا شعبة أنا أبو إياس قال: سمعت عبد الله ابن مغفل رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح.
تعليم الصبيان للقرآن
جواز تعلم الصبيان للقرآن بل عده البعض مستحباً ،
عن ابن عباس قال [جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: وما المحكم؟ قال المفصل] انفرد بإخراجه البخاري ،
نسيان القرآن
وقول الله {سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله} عن عائشة قالت: [سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: لقد أذكرني كذا وكذا أية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا] ورواه مسلم
(الحديث الثاني) حدثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت كيت وكيت بل هو نسي] ورواه مسلم والنسائي إنما هو نسي بالتخفيف هذا لفظه وفي هذا الحديث والذي قبله دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص له إذا كان بعد الاجتهاد والحرص
وفي حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك فلا يقول نسيت كذا فإن النسيان ليس من فعل العبد وقد تصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضي إلى ذلك فأما النسيان نفسه فليس بفعله ولهذا قال بل هو نسي مبني لما لم يسم فاعله وأدب
فأمر الله تعالى بذكره ليذهب الشيطان عن القلب ( واذكر ربك إذا نسيت ) كما يذهب عند النداء بالأذان والحسنة تذهب السيئة فإذا زال السبب للنسيان انزاح فحصل الذكر للشيء بسبب ذكر الله تعالى والله أعلم