وأما بالنسبة للزوائد والأمور المتممة؛ فإنها في أصل الثواب والعقاب تأخذ حكم ما هي متممة له،
فالراجع من المسجد إلى البيت يكون مثاباً على هذا الفعل.
ولكن هل الأمور المتممة للمحرم تأخذ حكمه؟
نقول هذه على نوعين:
النوع الأول: أمور متممة للمحرم من جنسه، فتأخذ حكمه في أصل التحريم وفي التأثيم.
والنوع الثاني: متممات للتخلص من الحرام، فهذه لا تأخذ حكمه.
مثال ذلك: المحرم إذا تذكر أن على بدنه مخيطاً؛ فإنه ينـزع المخيط، هذا النـزع للتخلص من المحرم.
وهناك مسائل يقع التردد فيها هل هي من متممات الحرام التي من جنسه، أو من متممات الحرام التي تكون للتخلص منه؟
ومثال ذلك: من كان يجامع زوجته في رمضان في الليل، فأذن المؤذن، فنـزع، فهل النـزع من جنس الوطء؛ فيجب عليه كفارة، ويبطل صيامه، أو النـزع للتخلص من الحرام؛ فحينئذ يصح الصيام، ولا يجب عليه الكفارة.
موطن خلاف بين الفقهاء،منشؤه في تحقيق مناط المسألة، هل النـزع وطء، أو النزع تخلص من الوطء.
س: هل العمل في البنوك التجارية حلال أم حرام أم شبهة ؟
ج: العمل في البنك لا يخلو من أحد حالين:
الحال الأول: أن يكون البنك لا يتعامل إلا بالمعاملات المباحة هذا العمل فيه جائز.
النوع الثاني: بنوك تتعامل بالحرام؛ فالعمل فيها لا يخلو من أحد حالين:
الأول: أن يكون عمله قائماً على فعل محرم؛ فحينئذ فعله حرام، والأجرة التي يأخذها من البنك أيضاً حرام.
والثاني: فعل لا يكون فيه عمل للمحرم، ولا إعانة على المحرم؛ فحينئذ يكون عمله مباحاً جائزاً.
وهناك قسم ثالث من الأعمال ألا يباشر الإنسان الفعل المحرم، ولكن يكون في فعله إعانة على الفعل المحرم من طريق غير مباشر.
مثل الحارس، ومنظف الأرضيات، ونحو ذلك من الأفعال؛ فهذا موطن خلاف بين الفقهاء.
منهم من يقول: عمله محرم ولا يستحق الأجرة، الأجرة التي يأخذها أجرة محرمة.
وبعض الفقهاء يقول:هو آثم بإعانته، لكنه يستحق أجرة المثل.
وكل من القولين له قائل من أهل الزمان، ولا يترجح لدي فيهما شيء.
والواجب على الإنسان أن يحذر من دخول المال الحرام عليه؛ فإن المال الحرام سبب لمحق البركة، سبب لحجب الدعاء عن الإجابة، سبب لدخول النار، كما ورد في (الصحيح) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما جسد نبت على سحت فالنار أولى به))، فالعاقل يقدم أمر الآخرة، -التي نعيمها خالص لا كدر فيه، ونعيمها دائم ليس مؤقتاً- على المنفعة الدنيوية التي يُظن أنها منفعة؛ لأنها مكدرة بالمصائب، ومؤقتة، والمعاصي لا بركة فيها، ولو ظن الإنسان أن فيها خيراً له لكن حقيقة الأمر أنه لا يستفيد منها لا في دنياً ولا في آخرةٍ.
س: ما شروط إعمال مفهوم المخالفة وما مثال ما لم يعمل فيه ؟
ج: مفهوم المخالفة يراد به: أن يرد مع الكلام وصف أو قيد؛ فيفهم منه أن المسكوت عنه مخالف للمنطوق به في الحكم.
مثال ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم ((في سائمة الغنم الزكاة)).
منطوقه: وجوب الزكاة في السائمة التي ترعى.
ومفهومه: مفهوم المخالفة أن المعلوفة التي تطعم ولا ترعى لا زكاة فيها، هذا مفهوم المخالفة، والجمهور على أن مفهوم المخالفة حجة خلافاً للحنفية يستدلون على ذلك بما ورد في الحديث أن يعلى بن أميه سأل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قوله جل وعلا: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} قال يعلى: فقد أمن الناس فهل يجوز لنا قصر الصلاة ؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: ((هي رخصة تصدق الله بها عليكم)) القصر في الأمن، فدل ذلك على أن مفهوم المخالفة يُعمل به، ما لم يرد دليل أو فائدة أخرى تدل على أن إعمال مفهوم المخالفة ليس مراداً.
ومن أمثلة ما لم يُعمل فيه مفهوم المخالفة: آية قصر الصلاة.
ومثلها أيضاً:قوله عز وجل: {مُتَعَمِّداً}، في جزاء قتل الصيد.
ومثلها أيضاً: قول الله عز وجل: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}، فلا يقول قائل: أنا معي برهان على الدعاء، فيجوز لي أن أدعو أحداً مع الله، لأن قوله:{لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} قيد لم يخرج لإعمال مفهوم المخالفة، وإنما خرج للتشنيع على الفاعل، فإذا كان هناك فائدة لذكر القيد غير إعمال مفهوم المخالفة فإنه لا يعمل بمفهوم المخالفة.
ومفهوم المخالفة أنواع:
- منها: مفهوم الصفة.
- ومنها: مفهوم العدد: مثل قوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ}، يدل على أنه لا تجوز الزيادة ولا النقصان.
- ومفهوم الشرط مثل قوله: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث)) دل على أنهم إذا كانوا اكثر من ثلاثة جاز التناجي.
- ومفهوم الغاية مثل قوله عز وجل: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} دل ذلك على وجوب الإمساك بعد التبين، ودل على جواز الأكل بعد دخول الليل، والحديث في مفهوم المخالفة يطول.
س: كثير من الشباب المسلمين يعقدون على نساء أوروبيات، لأخذ الإقامة، فهل هذا الزواج يجوز ؟
ج: إذا كان زواجاً حقيقياً، والمراد به اللبث مع المرأة جاز ذلك، وأما إن كان تحايلاً وغشاً وتدليساً لم يصح، فإنه يَذكر أنه قد تزوج وهو لم يتزوج.
وهنا مسألة الزواج بنية الطلاق:
هذه مسألة وقع الخلاف فيها بين أهل العلم
والصواب أن هذا يُلتفت فيه إلى جهتين:
الجهة الأولى:النية الموجودة في القلب، هذه نية محرمة.
والجهة الثانية:ذات العقد، فالعقد عقد تام بشروطه وأركانه، فهو عقد صحيح، فيقال: العقد في نفسه صحيح، والنية أمر مستقل منهي عنها، وإذا كانت النهي متعلقاً بأمر خارج عن العقد؛ فإنه لا يؤدى إلى الفساد، كما سيأتي هذا في قاعدة مستقلة عند المؤلف.
س: ما حكم العمل في مكاتب التأمين ؟
ج: التأمين، الكلام فيه مثل الكلام في البنوك، إن كانت شركة التأمين لا تتعامل إلا بالمباح، مثل شركات التأمين التعاوني، التي لا تستخدم إلا تأميناً جائزا، فهذا جائز العمل فيها، وإن كانت الشركة تتعامل بالتأمين المحرم، لم يجز العمل فيها.
وهل يستحق الإنسان الأجرة أو أجرة المثل ؟
مثل التفصيل السابق في العمل بالبنوك.
س: إذا طلب الرجل من زوجته الرجوع إلى بلادهم، وقد صممت على البقاء في بلاد الكفار، هل تأثم على ذلك ؟
ج: الواجب على الزوجة طاعة الزوج، والانتقال إلى بيته، ويحرم عليها عدم طاعته في ذلك، إلا إذا اشتُرط عليه في العقد جاز لها ألا تطيعه في ذلك، وتفسخ العقد إن لم ترد الاستمرار معه، أما إذا لم يوجد شرط في العقد؛ فإنه يجب على الزوجة أن تسلم نفسها لزوجها، ما دام قد دفع لها المهر.
س: ما حكم الاستعاذة قبل قراءة آية الكرسي ؟
ج: الاستعاذة مشروعة قبل قراءة القرآن، لقوله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ}، والمراد بها قبل القراءة، وليس المراد بعد القراءة، ولكن إذا كان الإنسان سيقرأ آيات متتابعة، يكفيه الاستعاذة في أول قراءته، ولو كانت هذه الآيات من سور متعددة، يبقى هنا مسألة إذا كانت القراءة واردة في محل مخصوص، مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يؤثر فيه أن يستعيذ، مثل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة المفروضة، والحديث في ذلك قد حسنه طائفة من أهل العلم، فحينئذٍ هل يشرع الاستعاذة أو لا يشرع؟ لعل الأظهر أنه يجوز ذلك ويستحب، ولا يشنع على من فعل أو من ترك، وكل من الرأيين له مساغ في الاجتهاد.
س: ما حكم قطع صلاة الفريضة من أجل إجابة الأم أو الرد على الهاتف؟
ج: بالنسبة لصلاة الفريضة: الأصل عدم جواز قطع الصلاة، لكن هل يجوز للإنسان أن ينوي قلب الصلاة من الفريضة إلى نافلة، ثم حينئذٍ يجيب الأم؟.
وحديث جريج في (صحيح مسلم) لما دعته ولم يجبها، فدعت عليه، فاستجاب الله دعاءها، وهذا في صلاة النافلة، وأما صلاة الفريضة، فلا يجب إجابة دعاء الأم أو غيرها، ويُعتذر لها بعد ذلك بمثل هذا الحكم، ولكن إن نوى قلب الصلاة من الفريضة إلى النافلة جاز ذلك على ما تقدم من جواز قلب النية من الفاضل إلى المفضول.
س: ما الضابط في معرفة ذريعة أو وسيلة المحرم ؟
ج: وسيلة الشيء نوعان:
وسيلة وطريق يُعلم بأنه لا يمكن أن يُفعل الشيء إلا بواسطته، فهذا أمر مأخوذ من طريق الوجود الخارجي، يُعرف بطريق الحس، أو بطريق العقل، فحينئذ يأخذ حكم الوسائل السابقة، لكن يبقي هنا إن بعض الوسائل وبعض الوسائل يقع فيها تخيير.
مثال ذلك:الذهاب إلى المسجد متعين لأداء صلاة الجماعة، ما يمكن أن تصلي مع الجماعة إلا بالذهاب، فهذه وسيلة واجبة متعينة، وقد يكون ذلك على سبيل التخيير.
مثال ذلك: يصح أن تذهب على قدميك، أو على السيارة الأولى، أو على الثانية، أو الثالثة، فأصل الفعل -وهو الذهاب واجب- وأنت تتخير في الوسيلة التي تذهب بها إلى المقصد.
وقد تتعين في شيئين أو ثلاثة.
مثال ذلك: أن الله أمر بالإعفاف، ولا يتحقق ذلك إلا بوسيلتين:
- إمابوطء الأمة.
- أوبالزواج لمن كان به شبق.
فحينئذٍ يتعين عليه إحدى هاتين الوسيلتين، وهذا يؤخذ منه قاعدة:
(الأمر بالشيء نهي عن ضده)، و(النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده).