ولهذا قال : ((وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام)), وهذا أيضاً من خيرية هذه الأمة , فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أفضل صحابة نبي.
ولهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من الفضل العظيم ما يجب أن يجفظه كل مسلم ويثني عليهم به يحترمهم ويبجلهم .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم))(1) كما ثبت عنه قوله : (( لا تسبوا أصحابي , فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً, ما بلغ مُدِّ أحدهم ولا نصيفه ))(2) وغيرهما من الأحاديث الكثيرة الواردة في فضائل الصحابة- رضي الله عنهم جميعاً - , وهي دالة على فضلهم وبذلهم إذ وفقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه في جميع المواقف ومنها ساعة العسرة , وتحملوا في سبيل الله تبارك وتعالى صنوف الأذى والعذاب والتنكيل ثم كان جهادهم في الفتوحات الإسلامية ونقل الرسالة والإرث النبوي إلى من بعدهم حتى وصلت إلينا هذه الدعوة بيضاء نقية .
ومن أعظم فضائل الصحابة أنهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه, ومن المعلوم أن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأجتمع به مؤمناً به وما على ذلك فيخرج بذلك من لقيه وهو كافر ثم لم يجتمع به بعد ذلك ولو آمن, ويخرج أيضاً من لقيه وهو مومن ثم ارتد ومات كافر ويخرج أيضاً من عاصره ولكن لم يلقه.
وهؤلاء الصحابة لهم أفضلية الصحبة التي لا يشاركهم بفيها أحد ممن جاء بعدهم مهما بلغ عمله, وهذا لا يتعارض مع حديث : (( فإن من ورائكم أيام الصبر, للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم . قالوا : يا رسول الله : منا أو منهم؟ قال: بل منكم))(3) لأنه قد يأتي بعد الصحابة ؛ من هو أكثر عملا من بعض آحاد الصحابة ولكن هذا العمل كله لا يبلغه درجة الصحبة ؛ لأن ذلك الصحابي نال أفضلية خاصة اسمها درجة الصحبة لا يبلغها ولا ينالها إلا من كان صحابياً.
أما من جاء بعدهم ولو عمل ما عمل فإنه لا ينال هذه الدرجة فهي منزلة عظيمة وهي درجة تشريف وفضل وأجر عظيم عند الله لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى , ومن ثم لا ينالها إلا من كان صحابياً أما من جاء بعدهم فقد يكون لـه من العمل العظيم ما ينال به أجراً كثيراً عند الله سبحانه وتعالى ولكنه لا يبلغ درجة الصحابي بحال.
ثم إن الشيخ رحمه الله تعالى بدا يقرر مسألة مهمة جداً تتعلق بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعقيدة أهل السنة فيهم, فإن عقيدة أهل السنة فيهم هي الترضيِّ عنهم جميعاً وأن الله رضي عنهم بنص كتابه , وأن منهم المهاجرين ومنهم الأنصار, وأن بعضهم أفضل من بعض بنص القرآن الكريم قال تعالى : {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: من الآية10 ] فدل على أن بعضهم أفضل من بعض, لكن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لهم حق الصحبة ولا يجوز أن ننتقص أحداً منهم , بل يجب أن نترضى عنهم كلهم ونعرف فضلهم جميعاً .
(1) اخرجه البخاري كتاب الشهادات
(2) اخرجه البخاري كتاب فضائل الصحابة
(3) اخرجه ابو داود كتاب الملاحم والترمذي كتا التفسير وابن ماجه كتاب الفتن .