اعْلَمْ أَنَّ "لَوْ" تَأْتِي عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:
الأوَّلُ: أَنْ تكونَ للعَرْضِ نحوُ: "لَوْ تَنْزِلُ عَنْدَنَا فَتُصِيْبَ خَيْرًا" ذَكَرَهُ فِي (التَّسْهِيْلِ).
الثانِي: أَنْ تَكُونَ للتقليلِ, نحوُ: "تَصَدَّقُوا ولوْ بِظُلْفٍ مُحْرَقٍ" ذكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ اللَّخْمِيُّ وغيرُهُ.
الثالثُ: أَنْ تكونَ للتمَنِّي نَحْوُ: "لَوْ تَأْتِيْنَا فَتُحَدِّثَنَا" قيلَ: ومنهُ {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} ولهذَا نُصِبَ "فَنَكُونَ" فِي جَوَابِهَا، واخْتُلِفَ فِي "لَوْ" هذِهِ؛ فقالَ ابْنُ الصَّائِغِ، وابْنُ هِشَامٍ الخَضْرَاوِيُّ، هِي قِسْمٌ بِرَأْسِهَا، لا تَحْتَاجُ إِلَى جوابٍ كجوابِ الشرطِ، ولكِنْ قَدْ يُؤْتَى لَهَا بجوابٍ منصوبٍ كجوابِ "لَيْتَ"، وقَالَ بعضُهُمْ هِي "لَوْ" الشرطيةِ أُشْرِبَتْ مَعْنَى التَّمَنِّي، بدليلِ أنَّهُمْ جَمَعُوا لَهَا بينَ جوابينِ؛ جوابٍ منصوبٍ بعدَ الفاءِ، وجوابٍ باللامِ، كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1106- فَلَوْ نُبِشَ المَقَابِرْ عَنْ كُلَيْبٍ = فَيُخْبَرَ بالذَّنَائِبِ أَيَّ زِيْرِ
بِيَومِ الشَّعْثَمَيْنِ لَقَرَّ عَيْنًا = وَكَيْفَ لِقَاءُ مَنْ تَحْتَ القُبُورِ؟!
وقالَ المصنفُ: هِي "لَوْ" المصدريةُ أَغْنَتْ عَنْ فِعْلِ التمنِّي، وذلكَ أنَّهُ أوردَ قولَ الزَّمَخْشَرِيِّ، وقَدْ تَجِئُ "لَوْ" فِي معنَى التمنِّي، نحوُ: "لَوْ تَأْتِيْنِي فَتُحَدِّثَنِي" فقالَ: إِنْ أَرَادَ أَنَّ الأصْلَ" ودَدْتُ لَوْ يَأْتِيْنِي فَيُحَدِّثَنِي"، فَحَذَفَ فِعْلَ التمنِّي لدلالةِ "لَوْ" عليهِ، فأَشْبَهَتْ "لَيْتَ" فِي الإِشْعَارِ بمعنَى التمنِّي فَكَانَ لَهَا جوابٌ كجَوابِهَا، فصحيحٌ، أو أنَّها حرفٌ وُضِعَ للتمنِّي كـ"لَيْتَ" فممنوعٌ لاستلزامِهِ مَنْعَ الجَمْعِ بينَها وبينَ فِعْلِ التمنِّي، كَمَا لا يُجْمَعُ بينَهُ وبينَ "لَيْتَ" وقالَ فِي (التَّسْهِيْلِ) بَعْدَ ذِكْرِهِ المَصْدَرِيَّةِ: وتُغْنِي عَنِ التَّمَنِّي، فيُنْصَبُ بعدَهَا الفعلُ مَقْرُونًا بالفاءِ، وقالَ فِي شرحِهِ، أَشَرْتُ إِلى نحوِ قَوْلِ الشاعرِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1107- سَرَيْنَا إِلَيْهُمْ فِي جُمُوْعٍ كَأَنَّهَا = جِبَالُ شَرَوْرَى لَوْ تُعَانُ فَتَنْهَدَا
قالَ: فَلَكَ فِي "تَنْهَدَا" أَنْ تقولَ: نُصِبَ لأنَّهُ جوابُ تَمَنٍّ إِنْشَائِيٍّ كجوابِ "لَيْتَ" لأنَّ الأصلَ، وَدَدْنَا لَوْ تُعَانُ، فَحَذَفَ فِعْلَ التمنِّي لدلالةِ "لَوْ" فَأَشْبَهَتْ "لَيْتَ" فِي الإِشْعَارِ بمعنَى التمنِّي دُوْنَ لفظِهِ، فَكَانَ لهَا كجوابِ "لَيْتَ" وهَذَا عِنْدِي هُوَ المُخْتَارُ، ولكَ أَنْ تقولَ: لَيْسَ هذَا مِنْ بَابِ الجوابِ بالفاءِ، بَلْ مِنْ بَابِ العطفِ عَلَى المصدرِ، لأنَّ "لَوْ" والفعلَ فِي تأويلِ مصدرٍ، هذَا كلامُهُ، ونَصَّ عَلَى أَنَّ "لَوْ" فِي قولِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} مَصْدَرِيَّةٌ واعْتَذَرَ عَنِ الجَمْعِ بينَهَا وبينَ "أَنْ" المصدريةِ بوجهينِ، أحدِهِمَا: أَنَّ التقديرَ: لَوْ ثَبَتَ أَنَّ، والآخَرَ أَنْ تكونَ مِنْ بابِ التوكيدِ.
الرابعُ: أنْ تكونَ مصدريةً بمنزلةِ "أَنْ" إِلَّا أَنَّها لَا تَنْصِبُ، وأَكْثَرُ وقوعِ هذِهِ بَعْدَ "وَدَّ" أو "يَوَدُّ" نحوُ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} ومِنْ وقوعِهَا بِدُونِهِمَا قولُ قُتَيْلَةَ [مِنَ الكَامِلِ]:
1108- مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ، وَرُبَّمَا = مَنَّ الفَتَى وهُو المَغِيْظُ المُحْنَقُ.
وقولُ الأَعْشَى [مِنَ البَسِيْطِ]:
1109- وَرُبَّمَا فَاتَ قَوْمًا جُلُّ أَمْرِهِمْ = مِنَ التَّأَنِّي وَكَانَ الحَزْمُ لَوْ عَجِلُوا
وأَكْثرُهُمْ لَمْ يُثْبِتْ ورودَ "لَوْ" مَصْدَرِيَّةً، ومِمَّنْ ذَكَرَهَا الفَرَّاءُ وأبُو عَلِيٍّ، ومِنَ المُتَأخرينَ التَّبْرِيْزِيُّ، وأبُو البَقَاءِ، وتَبِعَهُمْ المصنفُ، وعَلامَتُهَا أَنْ يَصْلُحَ فِي موضِعِهَا "أَنْ" وَيَشْهَدُ للمُثْبِتِيْنَ قراءةُ بعضِهِمْ (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُوا) بحذفِ النونِ، فَعَطَفَ "يُدْهِنُوا" بالنصبِ عَلَى "تُدْهِنُ" لَمَّا كَانَ معنَاهُ "أَنْ تُدْهِنَ" ويَشْكُلُ عليهِمْ دخولُهَا عَلَى "أَنْ" فِي نحوِ: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيْدًا}، وجوابُهُ أَنَّ "لَوْ" إِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ محذوفٍ مُقَدَّرٍ بعدَهَا، تقديرُهُ: تَوَدُّ لَوْ ثَبُتَ أَنَّ بينَهَا وبينَهُ، كَمَا أَجَابَ بِهِ المُصَنِّفُ فِي {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} علَى رَأْيِهِ كَمَا سَبَقَ، وأمَّا جوابُهُ الثانِي وهو أنْ يكونَ مِنْ بابِ توكيدِ اللفظِ بِمُرَادِفِهِ عَلَى حَدِّ {فِجَاجًا سُبُلًا} ففِيْهِ نَظَرٌ، لأَنَّ توكيدَ المصدرِ قَبْلَ مجِيْءِ صلتِهِ شَاذٌّ، كقراءةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ (والذِيْنَ مَنْ قَبْلِهِمْ) بفتحِ المِيْمِ.
الخامسُ: أَنْ تكونَ شرطيةً، وهِي المرادةُ بهَذَا الفَصْلِ، وهِي علَى قِسْمَيْنِ، امتناعيةٍ وهِيَ للتعليقِ فِي المَاضِي وبمعنَى "إِنْ" وهي للتعليقِ فِي المُسْتَقْبَلِ فَأَشَارَ للقِسْمِ الأوَّلِ بقولِهِ:
709- "لَوْ" حَرْفُ شَرْطٍ فِي مُضِيٍّ (وَيَقِلّ = إِيْلَاؤُهَا مُسْتَقْبَلًا لَكِنْ قُبِلْ)
(لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ فِي مُضِيٍّ) يَعْنِي أَنَّ "لَوْ" حَرْفٌ يَدلُّ علَى تعليقِ فعلٍ بفعلٍ فيما مَضَى، فيلزمُ مِنْ تقديرِ حصولِ شرطِهَا حصولُ جوابِهَا، ويلزمُ كونُ شرطِهَا مَحْكُومًا بامْتِنَاعِهِ، إذْ لَوْ قُدِّرَ حصولُهُ لَكَانَ الجوابُ كذلكَ، ولم تَكُنْ للتعليقِ فِي المُضِيِّ، بلْ للإيجابِ، فتخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهَا، وأمَّا جوابُهَا فَلا يَلْزَمُ كونُهُ مُمْتَنِعًا علَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، لأنَّهُ قَدْ يكونُ ثَابتًا مَعَ امْتِنَاعِ الشرطِ، نَعَمْ الأكثرُ كونِهِ مُمْتَنِعًا.
وحاصِلُهُ أَنَّها تَقْتَضِي امتناعَ شرطِهَا دَائِمًا، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ لجوابِهَا سببٌ غيرُهُ لَزِمَ امتناعُهُ، نحوُ: {ولو شِئْنَا لرَفَعْنَاهُ بِهَا} وكقولكَ: لَوْ كانتِ الشمسُ طالِعَةً لكانَ النهارُ مَوْجُودًا، وإلا لَمْ يَلْزَمْ نحوُ: "لوْ كانتِ الشمسُ طالعةً لكانَ الضوءُ مَوْجُودًا" ومِنْهُ: "نِعْمَ المرءُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ".
فقدْ بانَ لكَ أَنَّ قولَهُمْ: ""لَوْ حرفُ امتناعٍ لامتناعٍ" فَاسِدٌ، لاقتضائِهِ كونَ الجوابِ مُمْتَنِعًا فِي كُلِّ موضعٍ، وليسَ كذلكَ، ولهذَا قالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، العبارةُ الجيدةُ، فِي "لَوْ" أَنْ يُقَالَ حرفٌ يَدُلُّ عَلَى امتناعِ تالٍ يَلْزَمُ لثبوتِهِ ثُبُوتُ تَالِيَهُ، فقيامُ زيدٍ مِنْ قولِكَ: "لَوْ قامَ زيدٌ لقامَ عمْرٌو" محكومٌ بانتفائِهِ فِيْمَا مَضَى، وكونُهُ مُسْتَلْزِمًا ثُبُوتَهُ لثبوتِ عَمْرٍو، وهَلْ لِعَمْرٍو قِيَامٌ آخَرُ غيرُ اللازمِ عَنْ قِيَامِ زَيْدٍ أَوَ لَيْسَ لَهُ؟ لا يُتَعَرَّضُ لذلكَ، بَلِ الأكثرُ كونُ الأَوَّلِ والثانِي غيرُ واقِعَيْنِ ا هـ.
وعبارةُ سِيْبَويْهِ، حَرْفٌ لِمَا كانَ سيقعُ لوقوعِ غيرِهِ، وهِي إِنَّما تَدُلُّ عَلَى الامتناعِ الناشئِ عَنْ فَقْدِ السببِ، لَا علَى مُطْلَقِ الامتناعِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُ العِبَارةِ الأُوْلَى، أَيْ: أنَّ جوابَ "لو" مُمْتَنِعٌ لامتناعِ سبَبِهِ، وقَدْ يكونُ ثَاِبتًا لثُبُوتِ سببِ غيرِهِ.
وأَشَارَ إلى القِسْمِ الثانِي بقولِهِ: (وَيَقِلُّ إيْلَاؤُهَا مُسْتَقْبَلًا لَكِنْ قُبِلْ) أيْ: يَقِلُّ إيلاءُ "لَوْ" فِعْلًا مُسْتَقْبَلَ المَعْنَى، ومَا كانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ يَلِيَهَا، لكنْ وردَ السماعُ بِهِ، فَوَجَبَ قَبُولُهُ، وهِي حينئذٍ بمعنَى "إِنْ" كَمَا تَقَدَّمَ إلا أنَّهَا لَا تَجْزِمُ، مِنْ ذَلكَ قولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1110- وَلَوْ تَلْتَقِي أَصْدَاؤُنَا بَعْد مَوْتِنَا = ومِنْ دُوْنِ رَمْسَيْنَا مِنَ الأرضِ سَبْسَبُ
لَظَلَّ صَدَى صَوْتِي وإِنْ كُنْتُ رِمَّةً = لِصَوْتِ صَدَى لَيْلَى يَهَشُّ ويَطْرَبُ
وقولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
1111- لَا يُلْفِكَ الرَّاجُوكَ إِلَّا مُظْهِرًا = خُلُقَ الكِرَامِ وَلَوْ تكونُ عَدِيْمًا
وإذَا وَلِيَها حينئذٍ أُوِّلَ بالمستقبلِ، نحوُ: {وَلْيَخْشَ الذِيْنَ لَوْ تَرَكُوا} الآيةَ، وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1112- وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ = عَلَيَّ ودُوْنِي جَنْدَلٌ وصَفَائِحُ
لَسَلَّمْتُ تَسْلِيْمَ البَاشَةِ أو زَقَا = إِلَيْهَا صَدًى مِنْ جَانِبِ القَبْرِ صَالِحُ
وإنْ تَلَاهَا مُضَارعٌ تَخَلَّصَ للاستقبالِ، كَمَا إِنَّ "إِنْ" الشرطيةَ كذلكَ، وأَنْكَرَ ابْنُ الحَاجِّ فِي نَقْدِهِ عَلَى المُقَربِ مَجِيءَ "لَوْ" للتعليقِ فِي المُسْتَقبَلِ وكذلكَ أَنْكَرَهُ الشارحُ، وتَأَوَّلَ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ نحوِ: {وَلْيَخْشَ الذينَ لَوْ تَرَكُوا} الآيةَ، وقولِهِ:
* وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ *
وقَالَ: لا حُجَّةَ فِيهِ لصِحَّةِ حَمْلِهِ عَلَى المُضِيِّ، ومَا قَالَهُ لَا يُمْكِنُ فِي جميعِ المواضعِ المُحْتَجِّ بِهَا، فَمِمَّا لَا يمكنُ ذلكَ فيه، وصَرَّحَ كثيرٌ مِنَ النحويينَ بِأَنَّ "لَوْ" بِمَعْنَى "إِنْ"، قولُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِيْنَ} {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ} {قُلْ لَا يَسْتَوِيِ الخَبِيْثُ والطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيْثِ} {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} {وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} ونحوُ: "أَعْطُوا السائِلَ وَلَوْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ"، وقولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1113- قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ = دُوْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ
710- (وهِي فِي الاخْتِصَاصِ بالفعلِ كَـ "إِنْ" = لَكِنَّ لَوْ "أَنَّ" بِهَا قَدْ تَقْتَرِنْ
(وهِي فِي الاخْتِصَاصِ بالفعلِ كإِنْ) أَيْ: "لَوْ" مِثْلُ "إِنْ" الشرطيةِ فِي أَنَّها لَا يَلِيْهَا إِلَّا فِعْلٌ أو مَعْمُولُ فعلٍ مُضْمَرٍ، يُفَسِّرُهُ فِعْلٌ ظَاهِرٌ بَعْدَ الاسمِ، كقولِ عُمَرَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ: "لَوْ غَيْرَكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ"، وقالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: لا يَلِيْهَا فِعْلٌ مُضْمَرٌ، إِلَّا فِي ضرورةٍ، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1114- أَخِلَّايَ لَوْ غَيْرُ الحِمَامِ أَصَابَكُمْ = عَتَبْتُ، وَلَكِنْ مَا عَلَى الدَّهْرِ مَعْتَبُ
أو نادِرِ كلامٍ كقولِ حَاتِمٍ: "لَوْ ذَاتُ سِوَارٍ لَطَمَتْنِي" والظاهرُ أَنَّ ذلكَ لَا يَخْتَصُّ بالضرورةِ والنادرِ، بَلْ يكونُ في فَصِيْحِ الكلامِ، كقولِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلُكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} حُذِفَ الفعلُ فانْفَصَلَ الضميرُ، وأمَّا قولُهُ [مِنَ الرَّمَلِ]:
1115- لَوْ بِغَيْرِ الماءِ حَلْقِي شَرِقٌ = كُنْتُ كَالغَصَّانِ بالماءِ اعْتِصَارِي
فقيلَ: عَلَى ظَاهِرِهِ، وأَنَّ الجُمْلَةَ الاسْمِيَّةَ وَلِيَتْهَا شُذُوذًا، وقَالَ ابْنُ خَرْوْفٍ، هُو عَلَى إِضْمَارِ "كَانَ" الشَّأْنِيَّةِ، وقَالَ الفَارِسِيُّ: هُو مِنَ الأَوَّلِ، والأصْلُ: لَوْ شُرِقَ حَلْقِي هُوَ شَرِقٌ، فَحَذَفَ الفعلَ أولًا والمُبْتَدَأَ آخِرًا.
ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى مَا تُفَارِقُ فِيه "لَوْ" "إِنْ" الشرطيةَ، فَقَالَ (لَكِنَّ لَوْ أَنْ بِهَا قَدْ تَقْتَرِنْ) أَيْ: تَخْتَصُّ "لَوْ" بِمُبَاشَرَةِ "أَنْ" نحوُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا} {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} وقوله [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
وَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَي لِأَدْنَى مَعِيْشَةٍ = كَفَانِي ـ وَلَمْ أَطْلُبْ ـ قليلٌ مِنَ المَالِ
وهو كثيرٌ، وموضِعُهَا عندَ الجميعِ رَفعٌ، فقالَ سِيْبَويْهِ وجمهورُ البصريينَ: بالابتداءِ، ولا تَحْتَاجُ إِلَى خبرٍ لاشتمالِ صِلَتِهَا عَلَى المُسْنَدِ والمُسْنَدِ إليهِ، وقيلَ: الخبرُ محذوفٌ، وقيلَ يُقَدَّرُ مُقَدَّمًا، أَيْ: ولوْ ثَابِتٌ إيمانُهُمْ عَلَى حَدِّ: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا} وقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: بَلْ يُقَدَّرُ هُنَا مُؤَخَّرًا، ويَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ يَأْتِي مُؤَخَّرًا بَعْدَ "أَمَّا"، كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
عِنْدِي اصْطِبَارٌ وَأَمَّا أَنَّنِي جَزِعٌ = يَوْمَ النَّوَى فَلِوَجْدٍ كَادَ يَبْرِيْنِي
وذلكَ لأنَّ لعلَّ لَا تقعُ هُنَا فَلا تَشْتَبِهُ "أَنَّ" المُؤَكِّدَةُ إذَا قَدِمَتْ بِالتِي بمعنَى "لَعَلَّ"، فالْأَوْلَى حينئذٍ أَنْ يُقَدَّرَ الخبرُ مُؤَخَّرًا عَلَى الأصلِ، أَيْ: ولَوْ إِيْمَانُهُم ثَابِتٌ، وقَال الكوفيونَ والمُبَرِّدُ والزَّجَّاجُ والزَّمَخْشَرِيُّ فَاعِلُ "ثَبَتَ" مُقَدَّرٌ، كَمَا قالَ الجَمِيْعُ فِي "مَا" وَصِلَتِهَا فِي "لَا أُكَلِّمُهُ مَا أَنَّ فِي السَّمَاءِ نَجْمًا"، ومِنْ ثَمَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ يَجِبُ أَنْ يكونَ خبرُ "أَنْ" فِعْلًا، ليكونَ عِوَضًا عَنِ الفعلِ المحذوفِ، ورَدَّهُ ابْنُ الحَاجِبِ وغيرُهُ بقولِهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} وقالُوا: إِنَّمَا ذلكَ فِي الخبرِ المُشْتَقِّ لَا الجامدِ كالذِي فِي الآيةِ، وفِي قولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1116- مَا أَطْيَبَ العَيْشَ لَوْ أَنَّ الفَتَى حَجَرٌ = تَنْبُو الحَوَادِثُ عَنْهُ وَهْو مَلْمُومُ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1117- وَلَوْ أَنَّها عُصْفُورَةٌ لَحَسِبْتَهَا = مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيْدًا وأَزْنَمَا
ورَدَّ المصنفُ قولَ هؤلاءِ بِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ اسْمًا مُشْتقًا كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1118- لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الفَلَاحِ = أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1119- وَلَوْ أَنَّ مَا أَبْقَيْتِ مِنِّي مُعَلَّقٌ = بِعُودِ ثُمَامٍ مَا تَأَوَّدَ عُوْدُهَا
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1120- ولَوْ أَنَّ حَيًّا فَائِتُ الموتِ فَاتَهُ = أَخُو الحَرْبِ فَوُقَ القَارِحِ العَدَوانِ
711- (وإِنْ مُضَارِعٌ تَلَاهَا صُرِفَا = إِلَى المُضِيِّ نحوُ: لَوْ يَفِي كَفَى)
أَيْ: لَوْ وَفَى كَفَى، ومنهُ قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
1121- رُهْبَانُ مَدْيَنَ والذينَ عَهِدْتُهُمْ = يَبْكُونَ مِنْ حَذَرِ العَذَابِ قُعُودَا
لَوْ يَسْمَعُونَ كَمَا سَمِعْتُ حَدِيْثَهَا = خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وسُجُودَا
وهذَا فِي الامتناعيةِ، وأمَّا التِي بِمَعْنَى "إِنْ" فقدْ تقَدَّمَ أَنَّهَا تَصْرِفُ الماضِي إلى المُسْتَقْبَلِ، وإذَا وَقَعَ بَعْدَهَا مضارعٌ فهو مستقبلُ المعنَى.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: لِغَلَبَةِ دخولِ لو عَلَى المَاضِي لَمْ تَجْزِمْ، ولوْ أُرِيْدَ بِهَا مَعْنَى "إِنْ" الشرطيةِ، وزَعَمَ بعضُهُم أَنَّ الجَزْمَ بِهَا مُطَّرِدٌ عَلَى لُغَةٍ، وأَجَازَهُ جماعةٌ فِي الشِّعْرِ مِنْهُم ابْنُ الشَّجَرِيِّ، كقولِهِ [مِنَ الرَّمَلِ]:
لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهَا ذُو مَيْعَةٍ = لَاحِقُ الآطَالِ نَهْدٌ ذُو خُصَلْ
وقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
تَامَتْ فُؤَادَكَ لَوْ يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْ = إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا
وخَرَجَ عَلَى أَنَّ ضَمَّةَ الإعرابِ سُكِّنَتْ تَخْفِيفًا، كقراءةِ أَبِي عَمْرٍو {ويَنْصُرْكُمْ} و{يُشْعِرْكُمْ} و{يَأْمُرْكُمْ} والأوَّلُ على لُغَةِ مَنْ يقولُ: "شَا يَشَا" بالألفِ ثُمَّ أُبْدِلَتْ همزةً ساكنةً كَمَا قيلَ: "الْعَأْلَمِ" و"الخَأْتَمِ".
الثانِي: جوابُ "لَوْ" إِمَّا ماضٍ معنًى نحوُ: "لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ"، أو وَضْعًا، وهو إِمَّا مُثْبَتٌ فاقْتِرَانُهُ باللامِ، ونحوُ: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} أَكْثَرُ مِنْ تَرْكِهَا، نحوُ: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} وإِمَّا مَنْفِيٌّ بِمَا فالأمرُ بالعكسِ نحوُ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} ونحوُ قولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1122- وَلَوْ نُعْطَى الخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا = ولَكِنْ لَا خِيَارَ مَعَ اللَّيَالِي
وأمَّا قولُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فِيْمَا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، ((لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثلاثٌ وعِنْدِي مِنْهُ شيءٌ)) فهو عَلَى حَذْفِ "كَانَ" أَيْ: مَا كانَ يَسُرُّنِي قِيْلَ: وقَدْ تُجَابُ لَوْ بِجُملةٍ اسميةٍ، نحوُ: {ولَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا واتَّقُوا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ} وقيلَ: الجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أو جوابٌ لِقَسَمٍ مُقَدَّرٍ، و"لَوْ" فِي الوجهينِ للتَّمَنِّي فَلَا جوابَ لَهَا.