المقدمة السابعة
قصص القرآن
- امتنان الله على رسوله بإنزال أحسن القصص .
- القصة (لغة) : من قصّ على فلان إذا أخبره بخبر .
- القصة (اصطلاحا) : خبر عن حادثة غائبة عن المخبر عنها .
الغرض من سوق القرآن للقصص :
أ- حصول العبرة والعظة مما تضمنته
ب- التنويه أو التشويه بأصحاب تلك القصص .
تميزت قصص القرآن بأنها أحسن القصص وذلك :
1-لأنه يأخذ من كل قصة أشرف مواضيعها ، فلا يكون القصد منه التفكه .
2-جاءت القصص مفرقة على مقامات تناسبها
3-أسلوب القصص القرآن بين التذكر والتذكر ، وبذلك تكتسب القصص صفتين ، وهما : صفة البرهان ، وصفة البيان .
4-نسج نظمها على أسلوب الإيجاز
5-طي ما يقتضيه الكلام الوارد
6-سياق القصة جاء في مظان الاتعاظ مع الحفاظ على الغرض الأصلي من تشريع وتفريع ، فتوفر بذلك عشر فوائد :
أ- تحدي أهل الكتاب وتعجيز لهم ، وانقطاع صفة الأمية والجاهلية عن المسلمين .
ب- ذكر تاريخ المشرعين ومعرفة تاريخ التشريع ، فلا يذكر أنسابهم أو بلدانهم بل مواضع العبرة فقط كقصة أصحاب الكهف .
ج- ظهور المثل العليا ، ومعرفة ترتب المسببات على أسبابها في الخير والشر لتحذر الأمة .
د- موعظة المشركين بما لحق الأمم التي عاندت وكذبت رسلها كقوم نوح وعاد وثمود ، قال تعالى (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)
ه- حكاية القصص بأسلوب التوصيف والمحاورة الذي لم يكن معهودا عند العرب ، وهو من إعجاز القرآن ، كمحاورة أهل الجنة والنار في سورة الأعراف .
و- توسيع علم المسلمين وإحاطتهم بأحوال الأمم السابقة ليتعظوا ، كقوله (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال)
ز- دفع صفة الغرور عن المسلمين بمعرفة عظمة الأمم السابقة والاعتراف بمزاياها لإكمال ما ينقصهم ، فلا يكونوا كقوم عاد حين قالوا (وقالوا من أشد منا قوة) .
ح- أن ينشيء في المسلمين همة السعي لسيادة العالم ، كما ساد أمم من قبلهم ، فلا يرضوا بأن يكونوا أتباع الفرس والروم .
ت_ معرفة المسلمين أن نصر الله ومنع تسلط العدون يكون بأخذهم أسباب النصر من الاستعداد والاعتماد عليه .
ي- الاستفادة مما في القصص من تاريخ التشريع والحضارة ، والإلمام بما فيها من فوائد المدنية ، كقوله (وأخاف أن يأكله الذئب) يدل على أن بادية الشام إلى مصر كان يسكنها ذئاب مفترسة .
فائدة تكرار القصة في سور كثيرة :
ذكر القصة كبرهان على الغرض المسوقه له لا يعد تكرار ، لأنه إعادة لمعانيها وليس لألفاظها ، وهذا يؤدي إلى :
1-رسوخها في الأذهان
2-ظهور بلاغة القرآن بالتفنن في المعاني باختلاف طرق الأداء والتفنن في الألفاظ ، والمحسنات البديعية .
3-سماع اللاحقين من المؤمنين ذكر القصة التي فاتتهم ، وذلك يكون أوقع في تفوسهم .
4-أن يعلم بالقصة من حفظ بعض السور .
5-ذكر بعض أحداث القصة الواحدة في مواضع وعدم ذكرها في مواضع أخرى ، وذلك لأسباب منها :
أ- تجنب التطويل والاقتصار على مواضع العبرة منها .
ب- أن يكون بعض القصة المذكور في موضع مناسبا للحالة المقصودة من سامعيها ، فتارة تساق للمشركين ، وتارة لأهل الكتاب أو للمؤمنين كقصة موسى عليه السلام .
ج- قد يقصد التنبيه على خطأ المخاطبين فيما ينقلونه من تلك القصة ، وتارة لا يقصد ذلك .
المقدمة الثامنة
اسم القرآن وآياته وسوره
- أهمية هذه المقدمة بالنسبة للتفسير :
هذه المقدمة لها اتصال متين بالتفسير لأن ما يتحقق فيه ينتفع به في مواضح كثيرة من فواتح السور ، ومناسبة بعضها لبعض فيغني المفسر عن إعادته .
تعريف القرآن :
لغة : اختلف في ذلك على أقوال ، منها :
مشتق من القراءة لأن أول ما أنزل منه قوله (اقرأ)
وقيل من القرن بين الأشياء والجمع بينها لاقتران سوره وآياته وحروفه .
وقيل هو اسم لكتاب الله وليس من قرأ كالتوراة والأنجيل
وقيل هم اسم جمع من قرينة أي علامة ، لآن آياته يصدق بعضها بعضا .
اصطلاحا : هو اسم للكلام العربي الموحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل ليبلغة لقومه باللفظ الموحى به ، للعمل به وقراة ما تيسر منه عبادة وفي صلواتهم ، المكتوب في المصاحف من الفاتحة إلى الناس .
- بيان أن القرآن هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ، تحدى الله سبحانه بها المنكرون لرسالته فلم يستطيعوا معارضته ، فكان آية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم
مراتب التحدي :
- الإتيان بعشر سور مثله (قل فأتوا بعشر سور مثله )
- الإتيان بسورة مثله (قل فأتوا بسورة مثله)
- الإتيان بسورة من مثله (فأتوا بسورة من مثله ) .
أشهر أسماء القرآن :
الفرقان
قال تعالى : (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعلمين نذيرا)
وجه تسميته بذلك :
1-مصدر من فرق لأنه يفرق بين الحق والباطل ويعضد هديه بالدلائل والأمثال
2-بيان التوحيد وصفات الله
3-آيات أحكامه مبرأة من اللبس وبعيدة عن الشبهة
التنزيل
قال تعالى : (تنزيل من الرحمن الرحيم)
وجه تسميته : مصدر نزل باعتبار أن ألفاظ القرآن أنزلت من السماء .
الكتاب :
قال تعالى : ( ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين)
وجه تسميته : اسم جنس مطلق ومعهود ، وسمي كتابا لأن الله جعله جامعا للشريعة ، وقد أمر رسوله أن يكتب كل ما أنزل عليه ليكون حجة للناس .
الذكر :
قال تعالى : (وأنزلنا عليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)
وجه تسميته : فيه تذكير بما يجب على الناس اعتقاده والعمل به .
الوحي :
قال تعالى : (قل إنما أنذركم بالوحي)
وجه تسميته : أنه ألقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك .
كلام الله
قال تعالى : (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه )
- سبب تسميته بالمصحف :
لما جمع أبو بكر القرآن ، قال للصحابة التمسوا له اسما ، فكرهوا تسميته بالتوراة والأنجيل ، فقال ابن مسعود : رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف فسموه مصحفا .
آيات القرآن
الآية : هن مقدار من القرآن مركب ولو تقديرا أو إلحاقا
التقدير : لإدخال قوله (والفجر) فالتقدير أقسم بالفجر
الإلحاق : عد بعض الحروف المقطعة آيات .
سبب التسمية آية :
دليل على أنها موحى بها من عند الله
-وهي تشمل على الحد الأعلى من بلاغة نظم الكلام
-وقوعها مع غيرها من الآيات جعل دليلا على أن القرآن منزل من عند الله إذ لم يستطع أهل البلاغة على أن يأتوا بسورة من مثله .
- تسمية هذه المقادير آيات هو من مبتكرات القرآن
- لا يصح تسمية ما في الإنجيل والتوراة آيات إذ لا تكوّن مع غيرها سورة معجزة في اللغة العبرانية أو الأرامية .
تحديد مقدار الآيات
اختلف العلماء في تحديد مقادير الآيات على أقوال :
القول الأول : أن مقادير الآيات توقيفي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واختلاف الرواية في بعض الآيات محمول على التخيير في حد تلك الآيات في تعيين منتهاها ومبتدأ ما بعدها .
- كان الصحابة على علم من تحديد الآيات ، وفي الصحيح : (من قرآ العشر الخواتم من سورة آل عمران) .
وكانوا يقدرون بعض الأوقات بمقدار ما يقرآ القارئ عددا من الآيات ، كما ورد في سحور النبي صلى الله عليه وسلم (كان بينه وبين طلوع الفجر مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية )
- قال الزمخشري : الآيات علم توقيفي
القول الثاني : ليس توقيفيا عن النبي صلى الله عليه وسلم :
- قال ابن العربي : تحديد الآية من معضلات القرآن ، فمن آيات طويل وقصير ، ومنه ما ينقطع ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلا
قال المؤلف : لا يبعد تحدد مقدار الآية تبعا لانتهاء نزولها ، وأمارته وقوع الفاصلة .
على أنه يجب اتباع المأثور من تحديد الآي كما قال الزمخشري وابن العربي .
الفواصل
تعريف الفواصل : هي الكلمات التي تتماثل في آواخر حروفها وتتقارب وتكرر في السورة تكرارا يوضح أن تماثلها أو تقاربها مقصود من النظم .
- الفواصل كلها منتهى آيات ، وإذا انتهى الغرض من الكلام عند غير فاصلة ، لا يكون منتهى الكلام نهاية آية إلا نادرا .
- الفواصل من إعجاز القرآن ، فتتأثر النفوس بمحاسن ذلك التماثل ، ويسهل تعلقها بالإذهان .
أهمية الوقف على رؤوس الآيات
- ينبغي الوقف عند نهاية كل آية حتى لا يضيع محاسن التماثل
عن أم سلمة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته آية آية
قال أبو عمرو : الوقف على رؤوس الآيات سنة
وروي عن البيهقي : الأفضل الوقف على رؤوس الآيات اتبعاعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم .
- آيات القرآن متفاوتة في مقادير كلماتها .
- وقوف القرآن لا يرتبط بنهاية الآيات .
عد الآي
سبب اختلاف السلف في عدد الآيات :
1-قد يكون عن اختلاف في الرواية
2-قد يكون عن اختلاف في الاجتهاد
الخلاف في عد البسملة آية أم لا ؟
أهل الكوفة والبصرة والمدينة والشام لا يعدونها آية في أول كل سورة ,
- هل البسملة آية في سورة الفاتحة أم لا ؟
المصحف الكوفي والمكي عدها آية ، والبصري والشامي والمدني لم يعدها آية .
- كان لأهل المدينة عددان الأول والأخير
- لأهل مكة عدد واحد
- يوجد اختلاف في عدد الآيات في مصاحف الكوفة والبصرة والشام .
متى بدأ عد الآي ؟
عدد آي السور كان معروفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عباس قال : لما نزلت (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ضعوها في رأس ثمانين ومائتين من سورة البقرة
واستمر العمل بعد الآيات في زمن الصحابة ، فعن ابن عباس في الصحيح قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام .
ترتيب الآي
- ترتيب الآي هو بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم حسب نزول الوحي .
أهمية ترتيب الآي : ترتيب الآي يدخل في وجوه إعجاز القرآن ، فلو تغير الترتيب لنزل عن حد الإعجاز الذي امتاز به .
طرق معرفة ترتيب الآي :
ترتيب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الجهرية
رواية الحفاظ من الصحابة على العرضات الأخيرة
كتابة زيد بن ثابت المصحف ولم يخالف في ترتيب الآيات
كتابة كتاب الوحي ما أنزل من القرآن بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بتوقيف إلهي .
- الحكمة من الأمر بالكتابة : يرجع إليها المسلمون عند حدوث شك أ نسيان
بيان ارتباط الآيات ببعضها :
- بعض الآيات يكون لها تناسب في الغرض ويدل عليه وجود حروف العطف وغيرها كقوله (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) الآية وما بعدها .
- بعضها قد لا تكون له مناسبة ولكن اقتضاء سبب ، كقوله (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إنا علينا جمعه وقرآنه)
- بعضها لا يكون بين ما قبلها مناسبة لكن نزلت على سبب حدث في مدة نزول السورة ، كقوله (حافظوا على الصوات والصلاة والوسطى) .
- قد تلحق الآية بالسورة بعد تمام نزولها بوضعها عند آية معينة بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم كما في قوله (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) .
هل يلزم أن يكون آيات القرآن متسلسلة ؟
لا يلزم تسلسل الآيات ، وإنما هي مستقلة بعضها عن بعض ، وتكثر الجمل الاعتراضية ، فكل جملة تشمل على حكمة وإرشاد وتقوم ، إذ الغرض الأكبر من القرآن : إصلاح الأمة بأسرها ، بدعوة الكفاء للإيمان ، وتهذيب أخلاق المؤمنين .
وقوف القرآن
الوقف : هو قطع الصوت عن الكلمة زمن يتنفس من مثله المتنفي عادة .
أهمية معرفة الوقوف :
لأن الكلام يختلف معناه باختلاف الوقف ، ومثال ذلك قوله (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) فيختلف المعنى باختلاف الوقف على كلمة (الله) أو الوقف على (الراسخون في العلم) .
- قد يحصل بتعدد الوقف ما يحصل بتعدد وجوه القراءات من تعدد المعنى مع اتحاد الكلمات .
حكم الوقف
لا يوجد في القرآن مكانا يجب الوقف عليه ، ولا مكانا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري ، وإنما هنا الوقف الحسن والتام والقبيح وغير ذلك .
- عدم مراعاة صحة الوقف تفريطا في الغرض المقصود من الآيات ، وهو فهم معانيها وإعجاز الجاحدين عن معارضته.
سبب عناية أهل القرآن بضبط الوقوف :
لم يشتد عناية السلف بتحديد الوقوف لظهور أمرها ، وكان الاعتبار بفواصل القرآن عندهم أهم .
ثم لم دخل في الإسلام كثير من دهماء العرب وغيرهم من بقية الأمم اعتنوا بضبط وقوفه تيسيرا لفهمه .
- أشهر من تصدى لضبط الوقوف ابن الأنباري وابن النحاس والنكزوي ومحمد بن أبي جمعة الهبطي .
سور القرآن
تسمى القطعة المعينة من عدة آيات سورة ، لقوله (فأتوا بسورة مثلة ) ولا يكون التحدي إلا باسم معلوم المسمى والمقدار .
- أقصر سورة ثلاث آيات
الدليل على ذلك قول عمر حين جاء خزيمة بالأيتين من أخر سورة براءة : لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة .
السورة لغة :
قيل مأخوذ من السُور ، وهو الجدار المحيط بالمدينة .
وقيل مأخوذة من السؤر ، وهو البقية مما يشرب الشارب فهي جزء مما يشرب .
السورة اصطلاحا : قطعة من القرآن معينة بمبدأ ونهاية لا يتغيران ، لها اسم مخصوص وتشتمل على ثلاث آيات أو أكثر ، ولها غرض تام ناشيء عن أسباب النزول أو مقتضيات ما تشتمل عليه من المعاني المتناسبة .
- تسوير القرآن من السنة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان مقسما إلى مائة وأربع عشر سورة بأسمائها .
- اختلف مصحف ابن مسعود فلم يثبت المعوذتين ، وأثبت القنوت وجعل قريش والفيل سورة واحدة .
- ترتيب الآيات في السور بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم .
فائدة التسوير :
قال صاحب الكشاف : الجنس إذا أنطوى تحته أنواع كان أحسن ، وتعدد السور يكون أنشط للقارئ وأهز للعاطفة .
ترتيب السور
اختلف العلماء في ترتيب السور :
1-قال الباقلاني : يحتمل أن تكون بتوقيف ويحتمل أن تكون باجتهاد الصحابة
2-قال الداني : هو توقيف من جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم
3-نقل ابن عطية عن الباقلاني : أن ترتيب السور من وضع زيد بن ثابت بمشاركة عثمان .
4-قال ابن عطية : السبع الطوال والحواميم والمفصل كات مرتبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، والبعض لم يرتب إلا وقت كتابة المصحف .
رجح المؤلف قول ابن عطية ، وأن زيد بن ثابت وعثمان توخيا ما استطاعا في ترتيب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للسور ، فترتيب السور كان بتوقيفا من الصحابة رضي الله عنهم ، وأن كثير من السور كانت مرتبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول الجمهور والدليل على ذلك :
أن المصاحف الأولى التي كتبها الصحابة لأنفسهم كانت مختلفة في الترتيب كالتالي :
1-منهم من رتب حسب ترتيب النزول كمصحف علي بن أبي طالب وسالم مولى أبي حذيفة
2-منهم من رتب حسب الطول والقصر كمصحف ابن مسعود وأبي بن كعب .
هل يجب القراءة على ترتيب المصحف ؟
لا يجب ذلك كما ظاهر من حديث عائشة حين سألها رجل من العراق أن تريه مصحفها ليؤلف عليه فقالت : وما يضرك آية قرآت قبل .
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران .
- معنى قراءة القرآن منكسا :
المراد منه القراءة من أخر السورة إلى أولها ، وهو قول ابن بطال وشمس الدين محمود الأصفهاني .
قال المؤلف : ويحتمل النهي عن كراهة القراءة بغير ترتيب .
- سبب تقديم آل عمران على النساء في المصحف الإمام :
إما لأنها نزلت قبل سورة النساء ، أو لرعي المناسبة بين سورة البقرة وآل عمران في الافتتاح بقوله (ألم) .
أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بينهما بقوله (اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران ) .
- السور الطولى والقصرى :
المراعى فيه عدد الآيات لا عدد الكلمات والحروف .
- ترتيب نزول السور المكية والمدنية فيه ثلاث روايات :
رواية مجاهد وعطاء وجابر بن زيد عن ابن عباس ، والأخيرة هي التي اعتمدها المؤلف في تفسيره .
أسماء السور
جعلت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل قوله : (ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا)
فائدة التسمية : تيسير المراجعة والمذاكرة ، وتمييز السورة عن غيرها .
كيفية التسمية :
الراجح أن التسمية غير مأثورة ، والظاهر أن الصحابة سموا بما حفظوا عن النبي صلى الله عليه وسلم واشتهر في زمنه ، أو أخذ لها أشهر الأسماء
طريقة التسمية :
- إما بأوصافها كالفاتحة
- إما بالإضافة لشيء اختصت به كسورة لقمان
- إما بالإضافة لما كان ذكر فيها أوفى كسورة هود وإبراهيم
- إما بالإضافة لكلمات تقع في السورة نحو براءة
اختلف العلماء في تسمية السور على قولين :
القول الأول : من وافق على التسمية
الأدلة على ذلك :
ترجم البخاري باب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة
كان شعار المسلمين يوم حنين (يا أصحاب سورة البقرة )
وقول النبي صلى الله عليه وسلم (شيبتني هود وأخواتها)
القول الثاني : من منع ذلك واستدلوا بحديث أنس (لا تقولوا سوة البقرة ، ولكن قولوا السورة التي ذكر فيها كذا)
الراجح : القول الأول ، للآتي :
قال أحمد بن حنبل : الحديث منكر ، وذكر ابن الجوزي في الموضوعات
ولم يشتهر هذا المنع عن السلف .
والذين صححوا الحديث كابن حجر تأولوه على أن ذلك كان في مكة حتى لا يستهزأ المشركون بأسماء السور ، فلما هاجروا للمدينة زال سبب المنع .
- كتابة أسماء السور في المصاحف
لم يثبت الصحابة أسماء السور في المصحف الإمام ، وإنما اكتفوا بذكر البسملة في مبدأ السورة ، كراهة كتابة ما ليس بأية فيه
كتبت أسماء السور في عصر التابعين ، ولم ينكر عليهم ذلك .
نزول آيات السور
1-ربما نزلت السورة كاملة كالمرسلات
2-ربما نزلت نزولا متتابعا كالأنعام
3-ربما نزلت مفرقة أو نزلت السورتان مفرقتان في أوقات متداخلة ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كتاب الوحي وبقول : (ضعوا هؤلاء الآيات في السورة كذا )
- نهاية كل سورة فكان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم .
جمع الصحابة للقرآن
- بعض الصحابة جمع القرآن كله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كزيد ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وعبادة وأبي موسى وغيرهم .
- بعض الصحابة حفظ أكثر القرآن على تفاوت بينها
- كان النداء على الأنصار يوم حنين (يا أصحاب سورة البقرة) فلعلهم عكفوا على حفظها لأنها أول ما نزل في المدينة .
المقدمة التاسعة
المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة بها
- أشتهر العرب بالإيجاز وذلك لذكاء القرائح وفطنة السامعين ، فكثر في كلامهم المجاز والاستعارة والكناية وغيرها من السور البيانية والمحسنات البديعية .
فائدة الإيجاز في الكلام :
توفير المعاني وأداء ما في نفس المتكلم بأوضح عبارة وأخصرها ليسهل تعلقها بالإذهان .
- أعجز القرآن البلغاء والفصحاء لأن أسلوبه جاء على أبدع مما كان العرب بعهدون ، فلم يسعهم إلا الإذعان له سواء من آمن كلبيد بن ربيعة ، أو من كفر كالوليد بن المغيرة .
إيجاز القرآن
إيجاز القرآن من أوجه إعجازه , والمراد به أن يودع في القرآن من المعاني والمقاصد أكثر ما تحتمله الألفاظ في أقل ما يمكن من المقدار بحسب ما تسعه اللغة الوارد بها ، ليحصل تمام المقصود من الإرشاد الذي جاء لأجله .
وجوه الإعجاز :
الوجه الأول : أن يحتمل معنى التركيب المحتمل معنين أو أكثر بحيث كان المعنى الأعلى مقصودا وما هو أدنى منه مرادا معه لا مرادا دونه سواء كانت دلالة التركيب عليه متساوية أو متفاوته ، ولو أن تبلغ حد التأويل ، أما إذا تساوى المعنيان فالأمر أظهر ، مثل قوله : (فأنساه الشيطان ذكر ربه) ففي كل من كلمة (ذكر) و ( ربه) معنيان .
- قد يحمل لفظ الآية على وجهين أو أكثر تكثيرا للمعاني مع إيجاز الالفاظ ، ومثاله : قوله (إلا عن موعدة وعدها إياه) ووجه (أباه) .
- يراعى في معاني تراكيب القرآن المعاني المألوفة للعرب من هذه التراكيب ما لم يمنع من ذلك مانع صريح أو غالب من دلالة شرعية أو لغوية أو توقيفية .
- يحمل على هذا الوجه اختلاف القراءات المتواترة اختلافا يفضي إلى اختلاف المعاني .
- إذا اختلف علماء المسلمين فإن القرآن هو الحجة العامة بينهم ، وإن اختلفوا في حجية ما عدا ذلك .
- بيان دعوة القرآن للأمة بتدبره واستخراج معانيه في غير آية كقوله (فاتقوا الله ما استطعتم )
بعض الأمثلة على ذلك :
أ- بعض التفسيرات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد منها المعنى الأسبق من التركيب إلى أيقاظ الأذهان ، وذلك لأخذ أقصى المعاني من ألفاظ القرآن ، كتفسيره لقوله (استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم )
ب- ما ورد عن الصحابة ومن بعدهم في ذلك ، مثل ما روي عن عمرو بن العاص حين تمم من احتلام في شدة البرد متأولا قوله تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم )
ج - ما ورد عن بعض الفقهاء مثل الاستدلال على مشروعية الجعالة والكفالة بقوله (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) .
د- استدلال الشافعي على حجية الإجماع من قوله تعالى : (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم ) .
الوجه الثاني : أن يحتمل معاني التركيب المحتمل معنيين فأكثر بينهما عدة وجوه ، منها :
أ- قد يكون بينهما عموم وخصوص ، فيحمل التركيب على جميع ما يحتمله ما لم يصرف بعض تلك المحامل صارف لفظي أو معنوي ، مثل قوله (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) تحمل على مجاهدة النفس ومقاتلة الأعداء .
ب- قد يكون بينهما تغايير بحسب إرادة المتكلم عرفا ، فيحمل على الأخذ بالجميع إيفاء بما عسى أن يكون مراد المتكلم .
ج- قد يكون ثاني المعنيين متولدا من المعنى الأول ، فيحمل عليه لأنه من مستتبعات التراكيب ، ومثاله ما ورد عن ابن عباس في تفسير قوله : (إذا جاء نصر الله والفتح) .
- يجب حمل معاني تراكيب القرآن على جميع المحامل ما لم يفضي إلى خلاف المقصود من السياق ، كقوله (لا ريب فيه هدي للمتقين ) إذا وقف على (لا ريب) أو (فيه) .
أسباب اختيار الله للغة العربية :
أوفر اللغات مادة ، وأقلها حروفا ، وأفصحها لهجة ، وأكثرها تصرفا في الدلالة على أغراض المتكلم وأوفرها ألفاظا .
الألفاظ المشتركة في اللغة
اختلف علماء العربية وأصول الفقه في جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى ، وحمل ألفاظ القرآن على هذا الاستعمال ، والسبب في الخلاف :
أنه غير وارد في كلام العرب قبل القرآن ، أو وقع بندرة .
- ذهب الغزالي وأبو الحسين البصري إلى أن يصح أن يراد بالمشترك عدة معان لكن بإرادة المتكلم وليس بدلالة اللغة .
- وذهب جماعة إلى أن يصح إطلاق المشترك على عدة معاني إطلاقا لغويا ، واختلفوا في حقيقته أو مجازه :
أ- قال قوم هو من قبيل الحقيقة كالشافعي والباقلاني وجمهور المعتزلة
ب - قال قوم هو من قبيل المجاز كابن الحاجب ، ويؤخذ عليهم أنهم سهوا عن الفرق بين قرينة المجاز وقرينة المشترك
ج- وذهب قولم إلى صحة إطلاق المشترك على معانيه في النفي ، وعدم صحة ذلك في الإيجاب ، ونسب ذلك لبرهان علي المرغيناني ، قال المؤلف : وهذا القول لا يلتفت إليه .
الراجح لدى المؤلف : يصح حمل المشترك في القرآن على ما يحتمله من المعاني سواء في ذلك اللفظ المفرد المشترك أو التركيب المشترك ، وسواء كانت المعاني حقيقية أو مجازية ، محضة أو مختلفة ، مثل قوله (ويبسطوا إليكم إيديهم وألسنتم بالسوء )
المترتب على هذا الأصل :
استخدام ذلك في الجمع بين المعاني أو ترجيح بعضها على بعض .
نتيجة إغفال هذا الأصل :
يؤدي ذلك إلى ترجيح معنى من المعاني التي يحتملها لفظ الآية ، ويلغي غير ذلك من المعاني .
طريقة المؤلف في ترجيح المعاني :
1-المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ تكون معاني في تفسير الآية
2-ترك معنى حمل عليه بعض المفسرين آيات من القرآن ليس لإبطاله ، وإنما لترجيح غيره ، أو اكتفاء بذكره تجنبا للإطالة .
المقدمة العاشرة
إعجاز القرآن
تفوق القرآن على كل كلام حتى عجز السابقون واللاحقون بالإتيان بمثله .
هدف المؤلف من هذه المقدمة :
- معرفة مدى إعجاز القرآن ونواحي إعجازه
- رؤية بلاغة القرآن ولطائف أدبه التي فتح الله بها العقول والبصائر والممالك ، كما ارتقى بالأدب العربي مرتقى لم يبلغه أدب أمة من قبل .
علاقة هذه المقدمة بالتفسير :
- لا يعد التفسير لمعاني القرآن تفسير كاملا ما لم يكن مشتملا على بيان دقائق وجوه البلاغة في الآية المفسرة .
اختلاف التفاسير من ناحية مبحث إعجاز القرآن :
- بعض التفاسير مقل مثل تفسير الزجاج وابن عطية
- بعض التفاسير مكثير مثل الكشاف
- بعض التفاسير لم يهمل هذا المبحث مثل أحكام القرآن لإسماعيل ابن اسحاق ، تفسير ابن عربي .
سبب العناية ببيان وجوه إعجاز القرآن :
1-أن القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الكبرى
2-أنه المعجزة الباقية والعامة
3-أنه المعجزة التي تحدى بها النبي صلى الله عليه وسلم معارضيه .
تحدي القرآن لمعارضيه
تحدي القرآن متواتر وعجز المتحدين أيضا متواتر على مر العصور .
اختلف العلماء في أسباب عجز المعارضين عن الإتيان بمثله :
1-ذهبت طائفة إلى الصرفة : وهي أن الله صرفهم عن معارضة القرآن ، وسلبهم المقدرة والداعي لذلك ، نسب ذلك القول إلى الأشعري ، والنظّام والشريف المرتضى والإسفرائيني ، وهو قول ابن حزم وكثير من المعتزلة .
2-ذهب الجمهور إلى أن السبب في ذلك هو بلوغ القرآن في درجات البلاغة والفصاحة مبلغا تعجز قدرة بلغاء العرب عن الإتيان بمثله .
3-ذهب جماعة أن إعجازه بمخالفة أسلوبه لأساليب كلامهم من أشعار وخطب ورسائل ، أو لسلامته من التناقض مع طوله واشتماله على أخبار ومغيبات .
- ذهب المؤلف إلى قول الجمهور ، واستدل ببقاء الآيات التي نسخ حكمها ، وبقيت متلوة في القرآن ثابتة في المصاحف ، وما فيها من بلاغة بحيث يكون مقدار ثلاث آيات متحدى بالإتيان بمثله مثل آية الوصية في سورة المائدة .
- وقع التحدي بسورة من القرآن وليس بعدة آيات ، والسبب في ذلك :
أن من أفانين البلاغة ما مرجعه إلى مجموع نظم الكلام وصوغه بسبب الغرض الذي سيق فيه ، وهذا يتوفر في السورة وليس في عدد من الآيات .
ملاك وجوه الأعجاز
يرجع الإعجاز إلى عدة جهات :
الجهة الأولى
وهي بلوغه الغاية القصوى من البلاغة مما يفيد معاني دقيقة ونكتا ، فلا يدانيه شيء من كلام البلغاء .
وهذه الجهة لها ناحيتين :
الناحية الأولى : وهي الطرف الأعلى من البلاغة والفصاحة ولاتي تسمى حد الإعجاز .
نواحي الإعجاز من هذه الناحية :
- تصدى أئمة البلاغة للموازنة بين ما جاء في القرآن ، وبين أبلغ ما حفظ عن العرب ، ومن هؤلاء الباقلاني وابن الأثير والسكاكي .
الدليل إلى إعجاز القرآن من هذه الناحية :
أن الله سبحانه تحدى بلغاء العرب أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطع أحد معارضته ، اعترافا بالحق أو ابتعادا بأنفسهم من الافتضاح ، فادعوا بعد عجزهم أنه (إن هو إلا سحر يؤثر) (سحر مستمر) (أساطير الأولين) وغير ذلك .
- الإعجاز من هذه الناحية يدرك ولا يمكن وصفه ، ومدركه هو الذوق ، وطريق اكتسابه بالذوق هو طول خدمة علمي المعاني والبيان .
الذوق : هو قوة إدراكية خاصة بإدراك لطائف الكلام ووجوه محاسنه الخفية .
بعض خصوصيات القرآن الكريم
- خصوصية التقسيم : مثل ما روي عن أبي هريرة (قسمت الصلاة بيني وبين عبدى) .
- مراعاة التجنيس مثل : (وهم ينهون عنه وينئون عنه)
- مراعاة التطابق : (فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير
- مراعاة التنبه على ما فيه من التمثيل كقوله (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) .
ومن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم :
1-الالتفات : وهو نقل الكلام من أحد طرق التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى طريق أخر منها .
فوائد الالتفات : يجدد نشاط السامع ، فإذا انضم إليه غرض آخر صار من أفانين البلاغة .
2-التشبيه والاستعارة : ولها عند العرب مكانة وقدر عالي في باب البلاغة ، وقد جاء في القرآن ما أعجز العرف كقوله (واشتعل الرأس شيبا) .
3-تعدد دلالة نظم القرآن ، ومن ذلك
أ- دلالة وضعية تركيبية : يشاركها فيها الكلام العربي كله
ب- دلالة بلاغية : يشاركها فيها كلام البلغاء ولا يصل إلى مبلغ بلاغتها
ج- دلالة مطوية : قليلة في كلام البلغاء ، كثرت في القرآن
د- دلالة مواقع جملة بحسب ما قبلها وما بعدها ، ولا تأتي في كلام العرب لقصر أغراضه في قصائدهم بخلاف القرآن .
4-التقديم والتأخير : وله دقائق عجيبة كثيرة في القرآن
5-مراعاة المقام في نظم الكلام على خصوصيات بلاغية هو من إعجاز القرآن مثل قوله : (أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) وقوله (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) ، ومرجع هذا النوع من الإعجاز يسمى بالنكت البلاغية .
- هذه الناحية من الإعجاز هو أقوى نواحيه في القرآن ، والتي يتحقق بها إعجاز أقصر سور منه .
الناحية الثانية :
فصاحة اللفظ وانسجام النظم وخلوه من الثقل على اللسان .
فمن جهة الألفاظ : ما يسمى بتنافر حروف الكلمة أو الكلمات عند اجتماعها ، مثل : مستشزرات في معلقة امرئ القيس
- اتفق أئمة العربية على أن وقوع اللفظ المتنافر في أثناء الكلام الفصيح لا يخرجه عن وصف الفصاحة ، فلم يعب العرب على معلقة امرئ القيس .
تميز القرآن من جهة الألفاظ :
1-لم يقع في القرآن من هذا التنافر ، وما قيل في قوله (ألم أعهد إليكم ) ، وقوله (وعلى أمم ممن معك) يرد عليه : لم يبلغ حد الثقل ، وحسن دلالة اللفظ مقدم على مراعاة خفة لفظه .
2-مجيء القرآن بأحسن اللهجات ، وأخفها وهي لسان قريش
3-صراحة كلماته وشمولها لمعان عديدة مقصودة مثل كلمة الحرد في قوله (وغدو على حرد قادرين) .
الجهة الثانية
وهي ما أبدعه من أفانين التصرف في نظم الكلام مما لم يكن معهودا في أساليب العرب ، ولا يخرج عما تسعه اللغة .
مميزات أساليب القرآن :
- ابتكر القرآن أساليب كثيرة تتنوع بتنوع المقاصد ، ومقاصدها تتنوع بتنوع أسلوب الإنشاء ، عكس العرب الذين التزموا طريقة واحدة وهي التي ألفوها في أسلوبي الشعر والخطابة رغم تنافسهم في ابتكار المعاني والتفاوت في التراكيب .
- تميز القرآن بسلاسة الأسلوب وسلامته من ارتكار ضرورة أو تقصير في بعض ما تقتضيه البلاغة ، ولم يرزح تحت قيوم الميزان عكس العرب الذين اضطروا لذلك ، فقد كان القرآن كلاما منثورا فاق في فصاحته وسلاسته على الألسنة كل كلام ، وخلت تراكيبه وكلماته من أقل تنافر .
- اشتمل القرآن على أنواع أساليب الكلام العربي ، وابتكر أساليب جديدة ، والحكمة من هذا التنوع ما يلي :
1-ظهور أنه من عند الله
2-أن يكون في ذلك زيادة التحدي للمتحدين به
أعظم الأساليب التي خالف بها القرآن أساليب العرب
1-أنه جاء بأسلوب يجمع بين مقصدين وهما : مقصد الموعظة ومقصد التشريع .
2-أسلوب التضمين : وهو الانتقال من فن لآخر بطرائق الاعتراض ، والتنظير ، والتذييل ، والإتيان بالمترادفات ، والإكثار من أسلوب الالتفات .
من فوائد هذا الأسلوب أنه يعين على استماع السامعين ، ويدفع سأمة الإطالة عنهم ، وهذا يتوافق مع غرض القرآن من الاستكثار من أزمان قراءته .
3-العدول عن تكرير اللفظ والصيغة فيما عدا المقامات التي تقتضي التكرار من تهويل ونحوه ، كقوله (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)
4-التخالف والتفنن في الأسلوب عند ذكر أشياء متساوية ، وهذا وقع كثيرا في القرآن ، نحو قوله (وكلا) البقرة ، و(فكلا) الأعراف .
وفائدة هذا التخالف : تلوين المعاني المعادة ، والتجديد في المعنى وتغاير الأسلوب .
5-اتساع أدب اللغة في القرآن : فتضمن المحاورة والخطابة والجدل والأمثال والقصص والتوصيف والرواية ، وهو صالح لكل العقول ، متضمن لكل أغراض الحياة .
6-تميز أسلوب القرآن بسرعة الحفظ خفة الانتقال وذلك بابتكار أسلوب الفواصل المتماثلة في الأسماع .
7-تميز بكثرة المحسنات البديعية أكثر مما جاء في شعر العرب خاصة الجناس ، كقوله (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) ، وكذلك الطباق كقوله : (كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) .
مبتكرات القرآن
للقرآن مبتكرات تميز به نظمه عن بقية كلام العرب ، ومنها :
1-جاء على أسلوب يخالف الشعر ، ويخالف الخطابة بعض المخالفة ، وذلك كالتالي :
أ- جاء بطريقة يقصد منها حفظه وتلاوته
ب- جاء بجمل دالة على معان مفيدة محررة
ج- لم يأت بعمومات شأنها التخصيص غير مخصصة
د- لم يأت بمطلقات تستحق التقييد غير مقيدة .
2-جاء القرآن على أسلوب التقسيم والتسوير
3-الأسلوب القصصي في حكاية أحوال النعيم والعذاب في الآخرة كما في الأعراف .
4-حكاية أقوال المحكي عنهم بما يقتضيه أسلوب الإعجاز ، لا على الصيغة التي صدرت منها .
5-حكاية الأسماء الواقعة في القصص بما يناسب حسن مواقعها في الكلام من الفصاحة ، مثل تغيير شاول لطالوت .
6-توضيح الأمثال ، وإبداع تراكيبها مثل قوله (مثل الذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ...) الآية
7-عدم الالتزام بالأسلوب الواحد ، فكان لكل سورة لهجة خاصة ، وكذلك فواتحها .
8-أسلوب الإيجاز الذي يشمل على معاني متعددة كلها تصلح لها العبارة باحتمالات ينافيها اللفظ .
9-أسلوب الحذف مع عدم الالتباس ، كقوله (في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر)
10-حذف المضاف كقوله (ولكن البر من آمن بالله ..) الآية
11-حذف الجمل التي يدل الكلام على تقديرها ، كقوله (أن اضرب بعصاك البحر * فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)
12-من بديع الإيجاز التضمين ، وهو أن يضمن الفعل أو الوصف معنى فعل أو وصف آخر مع قرينة من حرف جر أو محمول فيحصل في الجملة معنيان كقوله (قل كل يعمل على شاكلته )
13-أسلوب الأطناب : كمقام توصيف الأحوال لإدخال الروع في قلب السامع كقوله (كلا إذا بلغت التراقي )
14-استعمال اللفظ المشترك في معنيين أو عدة معان بحسب اللغة ، وكذلك استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي إذا صلح المقام لإرادتهما .
15-الإتيان بألفاظ تختلف معانيها باختلاف حروفها أو حركاتها ، كما في اختلاف كثير من القراءات ، كقوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) وقراءة (عند الرحمن).
16-تميز أسلوب القرآن أيضا بالجزالة والرقة ، فلا تخلو سورة من تكرار هذين الأسلوبين ، كقوله (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) .
عادات القرآن
- يحق على المفسر التعرف على عادات القرآن في نظمه وكلامه .
- تعرض السلف لبعض عادات القرآن ، ومن ذلك :
أ- ما ورد عن ابن عباس : كل كأس في القرآن فالمراد به الخمر .
ب- قال ابن عباس : كل (يا أيها الناس) المقصود به أهل مكة المشركين .
ج- قال ابن عيينة : (ما سمى الله مطر في القرآن إلا عذابا ) رواه البخاري .
د- بعض المعاني لا تكاد تفترق مثل : الصلاة والزكاة ، الجوع والخوف ، الجنة والنار ، المهاجرين والأنصار .
ه- قال الزمخشري والرازي : من عادة القرآن ما جاء بوعيد إلا أعقبه وعد ، ولا بنذارة إلا أعقبها بشارة .
بعض ما ذكره المؤلف من عادات :
1-كلمة (هؤلاء) إذا لم يرد بعدها عطف بيان فيراد بها المشركون ، كقوله : (بل متعت هؤلاء وآباءهم) .
2-إذا حكى المحاورات حكاها بلفظ خال من حروف العطف إلا إذا انتقل لمحاورة آخرى .
الجهة الثالثة
هي ما أودع الله فيه من معاني وإشارات إلى الحقائق العقلية والعلمية مما لم تبلغها عقول البشر وقت نزول القرآن .
- لم يكن للعرب علم سوى الشعر وما تضمنه من أخبار .
- أنواع العلم :
أ- علم اصطلاحي : هو ما تواضع الناس في عصر من العصور على أن صاحبه يعد من العلماء ، لذا فقد يتغير بتغيير العصور والأقطار .
ب- علم حقيقي : هو معرفة ما يؤدي لكمال الإنسان ، ويبلغ ذروة المعارف وإدراك الحقائق النافعة .
- اشتمال القرآن على نوعي العلم
فالأول : علم أهل الكتاب ومعرفة الشرائع والأحكام وقصص الأنبياء والأمم
والثاني : ينقسم إلى : أ - قسم يكفي لإدراكه فهمه وسمعه
ب- قسم يحتاج إدراك وجه أعجازه إلى العلم بقواعد العلوم .
وكلا العلمين دليل على أنه من عند الله ، إذ جاء به أمي في قوم لم يعلم أهله دقائق العلوم .
من طرق إعجازه العلمية :
دعا للنظر والاستدلال
شبه العلم بالنور وبالحياة ، فوضح فضائل العلوم .
الحجة في تعلق هذه الجهة بالإعجاز :
قوله عليه الصلاة والسلام : (ما من الأنبياء نبي إلا أوتي أو أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)
ومن نكته :
أ- أن كل نبي جاء بمعجزة في أمر خاص كان قومه أعجب به وأعجز عنه .
ب- أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ليس من قبيل الأفعال ، بل ما في القرآن من دلالة على عجز البشر عن الإتيان بمثله من جهة اللفظ وجهة المعاني .
- هذه الجهة تثبت للقرآن بمجموعه لا بكل آية من آياته ، ولا سورة من سوره .
- إعجاز هذه الجهة ظاهر ، فلا قبل لهم بتلك العلوم
إعجازه لعامة الناس : أن تأتي هذه العلوم من رجل أمي نشأ بين أميين .
إعجازه لأهل الكتاب : لأنه جاء ينبئهم بما في كتبهم ، ونسخ دينهم ، وإظهار تحريفهم له .
الجهة الرابعة
وهي ما انطوى عليه من أخبار عن المغيبات مما يدل على أنه منزل من علام الغيوب ، ويدخل في هذه الجهة ما عدة عياض من وجوه الإعجاز وهو ما أنبأ به من أخبار القرون السابقة مما كان مقصورا علمه على الفذ من أحبار أهل الكتاب ، ومثاله قوله (ألم * غلبت الروم) .
ملاحظات على هذه الجهات :
1-إعجازه من الجهة الأولى والثانية : متوجه إلى :
أ- فصحاء وبلاغاء العرب بعجزهم على تحديه
ب- عامة العرب : فهم معجز لهم لإدراكهم عجز بلغائهم عن الإتيان بمثله ، وفي هذا دليل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
ج - من تعلم لغة العرب ومارس بليغ كلامهم وآدابهم في مختلف العصور ، عن طريق ترجمة معانيه التشريعية والحكمية والعلمية والأخلاقية .
2-إعجازه من الجهة الثالثة : معجز للبشر قاطبة إعجازا مستمرا على مر العصور .
3-إعجازه من الجهة الرابعة : معجز لأهل عصر نزوله إعجازا تفصيليا ، ومعجز لمن يجيء بعدهم ممن يبلغه ذلك .