مقدمة التحرير والتنوير وفهرسة مسائلها.
*خطبة المصنف
الحمد والثناء على الله عزوجل
الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم
*سبب تأليف الكتاب
رغبة في تأليف كتاب في تفسير القران جامع لبيان ما جاء في القران من مصالح العباد في دينه ودنياهم ....مستظهرا لنكته وآدابه و مكارم أخلاقه مبينا لما حوى من فنون العلوم من بلاغة وفصاحة. وغير ذلك
*اسم الكتاب
وقد سمى ابن عاشور كتابه التفسير " تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد ..ثم اختصره بقوله : "حرير والتنوير من التفسير"
اجتهاده في تأليف الكتاب
وقد بين ابن عاشور مدى اجتهاده في التفسير و أنه استفرغ وسعه في تأليفه ..قال رحمه الله" { وأقدمت على هذا الهم أقدام شجاع على وادي السباع ..."
*مصادر تفسيره
ذكر ابن عاشور عدد من كتب التفاسير اعتمد عليها في تفسيره؛ نرتبها تاريخيا
-تفسير الطبري. (310ه)
-تفسير الكشاف (538 ه )والحواشي عليه ل: الطيبي والقزويني والتفتزاني.
- ابن عطية ( 541ه) وتقييد ابن عرفة عليه.
-التفسير الكبير للرازي (606 ه)
-تفسير البيضاوي (685 ه).والحواشي عليه ل: الخفاجي
- ودرة التنزيل المختلف في نسبته ؛ نسب لفخر الدين الرازي و قيل للراغب الأصفهاني ونسب أيضاللخطيب الاسكافي.
-تفسير القرطبي.( 671ه ).
-تفسير أبي السعود (982ه).
-تفسير الآلوسي روح المعاني ( 1270ه).
* منهجه في التفسير
وقد انتهج ابن عاشور في تفسيره منهجا بينه في خطبته:
من جهة اللغة .
- اعتنى رحمه الله ببيان معاني المفردات القرآنية بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميس اللغة
- اعتنى ببيان معاني القران ووجوه إعجازه وأساليبه.. والنكت البلاغية
- وأكثر علوم اللغة العربية التي اعتنى بها ابن عاشور وبذل جهده في بيانها علم البلاغة فقد سعى إلى إبراز دقائقه ..وقد علل ذلك لكونه أقل العلوم اعتناء اهتماما من طرف المفسرين
علم المناسبات
-اهتم رحمه الله بذكر المناسبات بين آي القران.
مقاصد السور
اعتنى رحمه ببيان مقاصد السور وأغراضها حتى تظهر آياتها منسجمة متوافقة تنصب في موضوع واحد
في تعامله مع أقوال المفسرين
-لأجل الاختصار أعرض عن عزو ما ينقله من كلام المفسرين إليهم ..
-الاعتماد على ما قاله المفسرون السابقون الأولون تهذيبا وتلخيصا وزيادة عليهم ..ولا تكون الزيادة نقضا لما قاله السابقون دون غمط لحقهم أو تنقص لقدره لأن المسالة راجعة إلى التحليل و التحرير العلمي
ولا يكون من أصحاب الجمود والتقليد المحض و لا من أصحاب الاجتهاد المحض الذي يرد علم من سبق ويجهده
- تمييز لكلامه عن كلامه عن كلام المفسرين فيما يخص ما يفتح الله عليه من معاني للقار ناو مسائل علمية لم يجدها عند من سبقه من المفسرين.
في القراءات
بنى تفسيره على قراءة قالون عن نافع المدني؛ لأنها قراءة المدينة إمام ورواية و لأنها القراءة المشتهرة المنتشرة في أغلب القطر التونسي.
فعند تعرضه للقراءات يبدأ يفسر على قراءة قالون ثم يذكر خلاف بقية القراء العشرة خاصة لتواترها .
*قيمة تفسير بن عاشور
وقد أثنى ابن عاشور على كتابه بقوله :" هذا التفسير على اختصاره مطولات القماطير، ففيه أحسن ما في التفاسير، وفيه أحسن مما في التفاسير."
المقدمة الأولى
في التفسير والتأويل وكون التفسير علماً
التفسير
تعريف التفسير لغة و اصطلاحا:
التفسير لغة:
التفسير مصدر فسَّر مضاعف فسَرَ مصدره الفَسْرُ، كلاهما متعدٍّ، فالتضعيف ليس للتعدية فهو للتكثير.
والفسْرُ الإبانة والكشف.
الفرق بين فسّر الشدد و فسَر المخفف
-قيل الفعلان والمصدران سواء .
-وقيل المضاعف يختص بإبانة المعقولات وهو قول الراغب
-وقيل إن المتعدي إذا ضعف أريد به التكثير إما حقيقة أو مجازا
واصطلاحا:اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع.
وموضوع التفسير: ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه، وما يستنبط منه.
فضل علم التفسير
- أشرف العلوم الإسلامية ورأسها على التحقيق.
التفسير علم من العلوم
لما كان المراد بالعلم في التنصانيف .المسائل المعلومات وهي مطلوبات خبرية يُبرهن عليها في ذلك العلم، وهي قضايا كلية.
وكان مباحث علم التفسير ليست بقضايا يبرهن عليها فما هي بكلية، بل هي تصورات جزئية غالبا، لأنه تفسير ألفاظ أو استنباط معانٍ، والأول من التعريف اللفظي، والثاني من دلالة الالتزام، وليس ذلك من القضية.
كان اعتبار التفسير علما بناء على هذا الاصطلاح مبني على التسامح في الألفاظ. والمسوِّغ لعدِّ التفسير علما أمور:
1-لأن مباحث علم التفسير تعد مبدأ ومنشأ لعلوم كثيرة و قواعد كلية بهذا الاعتبار عد علما.
2- اعتبار الشرط المذكور هو في العلوم العقلية ؛ أما العلوم الشرعية والأدبية فلا اعتبار لذلك الشرط بل يكتفى فيها أن تكون مباحثها مفيدة كمالا علميا لمزاولها، والتفسير أعلاها في ذلك.
3-الألفاظ الجزئية يتفرع عنه جمة من المعاني ..تنزلها منزلة الكليات ؛ والاحتجاج علي تلك المعاني بشعر العرب وغيره يقوم مقام البرهان على المسألة. فعد من هذه الناحية علما
4- تفسير القرآن لا يخلو من قواعد كلية في أثنائه، كقواعد النسخ من آية (ما ننسخ..) وقواعد التأويل من آية (وما يعلم تأويله..)، فسمي مجموع ذلك علما تغليباً.
5اشتمال التفسير على كليات الشريعة يجعله علما، وعدم وجود ذلك في بعض التفاسير لا يعارضه
6لما كان الاشتغال بعلم التفسير تدوينا ومناظرة و تعليما مولد لسائر العلوم الشرعية الكلية؛ وكان المشتغل به يُكسبه ملكة يدرك بها أساليب القرآن ودقائق نظمه ؛ يعد بذلك علما .
تاريخ علم التفسير
- التفسير أول العلوم الإسلامية ظهورا، إذ قد ظهر الخوض فيه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم..و قد اهتم الصحابة بتفسير القران وبيان معانيه وأشهرهم قولا في التفسير،ابن عباس وعلى ابن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.
- وشاع علم التفسير في زمن التابعين وانشر؛ خاصة لما دخل في الإسلام من لم يكن عربي السجية، فلزم عليهم التصدي لبيان معاني القرآن لهم، وأشهرهم في ذلك مجاهد وابن جبير.
-أول تصنيف في التفسير كتاب عبد الملك بن جريج المكي "ت 149هـ"
-ثم أخذ العلماء بالتوسع فيه والتدوين،وقد سلك العلماء في تدوين التفسير مسلكين؛ فمنهم من سلك مسلك نقل آثار السلف،وهو ما يسمى التفسير بالمأثور؛ ومنهم اعتمد مسلك التفسير بالرأي
مرويات التفسير
المرويات عن ابن عباس
هناك عدة روايات عن ابن عباس؛ رواية مقاتل ؛رواية الضحاك ؛رواية أبي صالح؛ رواية على بن أبي طلحة
أضعفها ما روي عنه من طريق أبي صالح عن الكلبي لا تصح بل هي أوهى الروايات لأن أبا صالح متهم بالكذب؛فإذا انضم إليها رواية محمد بن مروان السدي عن الكلبي فهي سلسلة الكذب.
وأصحها :رواية علي بن أبي طلحة، وهي التي اعتمدها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه.
روايات علي ابن أبي طالب
هناك عدة روايات عن على رضي الله عنه لكن أكثرها من الموضوعات إلا ما صح سندها إليه ؛ مثل ما في صحيح البخار ي وغيره
التأويل
تعريف التأويل لغة
التأويل لغة :مصدر أوله ...وهو الرجوع إلى الغاية المقصودة.
الفرق بين التأويل والتفسير
اختلفت عبارات أهل التفسير في ذكر التفريق بين لفظي التفسير و التأويل
1-قيل هما سواء وإلى ذلك ذهب ثعلب وابن الأعرابي وأبو عبيدة، وهو ظاهر كلام الراغب.
2-قيل التفسير للمعنى الظاهر والتأويل للمتشابه.
3-وقيل حصر التأويل في معناه الأصولي المتأخر " صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل
ولا مشاحة في الاصطلاح..غير أن القول يشهد لقوته اللغة ؛لما كان بيان معنى اللفظ هو الغاية المقصودة منه وكان التفسير بيان المعاني تساوى التفسير والتأويل من هذه الناحية
ويعتضد بالآثار الواردة في ذلك
كما في قوله تعالى : {هل ينظرون إلا تأويله} أي ينتظرون إلا بيانه الذي هو المراد منه.
- وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه لابن عباس: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل))، أي فهم معاني القرآن وغيرها
استمداد علم التفسير
-معنى المدد: العون والغوث
-استمداد العلم : ما يتوقف عليه تقويمه؛ فأما ما يورد من المسائل عند الإفاضة في البيان، فليس منه.
فاستمداد علم التفسير من المجموع الملتئم من علم العربية وعلم الآثار، ومن أخبار العرب وأصول الفقه قيل وعلم الكلام وعلم القراءات.
**العربية
العربية المراد منها معرفة مقاصد العرب في كلامهم وأدبهم
-وعلوم اللغة :علم من متن اللغة، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان. واختص علم المعاني و علم البيان بمزيد عناية واهتمام في التفسير لكونهما وسيلة لإظهار معاني القرآن وخصائص بلاغته، وبيان وجه الإعجاز ولذلك سميا: علم دلائل الإعجاز.
-ويدخل في اللغة معرفة استعمال العرب المتبع من أساليبهم في خطبهم وأشعارهم وعوائدهم ومحادثاتهم وتراكيب بلغائهم حتى يحصل للمفسر ذوق يحاكي به ذوق العربي القح .
-وطريقه إلى ذلك معرفة وفهم ديوان العرب " نثرهم وشعرهم "
فبه يعرف ويتبن له الأسلوب الصحيحة في الاستعمال فيمتسك بها ويستدل به على فهم الآية و ينجلي له الباطلة والخاطئة فيطرحها
وحتى يتكامل له الذوق الصحيح فلابد للدخيل في بداية الطريق من تقليد في بعض فتاويه .
-ولا غنى للمفسر في بعض المواضع من الاستشهاد على المراد في الآية بكلام العرب شعرا أو نثرا، لتكميل ما عند المشتغل بالتفسير أو لإقناع السامع.
-ومما يدخل في استعمال العرب ما يروى عن السلف في فهم معاني بعض الآيات على قوانين استعمالهم.
** الآثار
- ويدخل في الآثار ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان المراد من بعض القرآن في مواضع الإشكال والإجمال، .مثل ما جاء عنه –عليه الصلاة و السلام – في بيان مغيبات القرآن وتفسير مجمله مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف أو غير ذلك
- ويدخل في الآثار ما نقل عن الصحابة الذين شاهدوا نزول الوحي من بيان سبب النزول، وناسخ ومنسوخ، وتفسير مبهم، وتوضيح واقعة من كل ما طريقهم فيه الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، دون الرأي.
-ويدخل في الآثار ما نقل من إجماع الأمة على تفسير معنى إذ لا يكون إلا عن مستند .
القراءات
تفيد في الاستدلال بالقراءة على تفسير غيرها، ترجيحا لأحد المعاني، أو استظهارا على المعنى كالشاهد من كلام العرب،فهي إما مشهورة فهي حجة لغوية
وإما شاذة فالاحتجاج بها أنه ما قرأ بها إلا لاستنادها إلى استعمال عربي صحيح، إذ لا يكون القارئ معتدا به إلا إذا عرفت سلامة عربيته.
أخبارالعرب
أخبار العرب: فمن جملة أدبهم، وخصت بالذكر بيانا لأهميتها وأنها ليست لغواً وتفيد في معرفة بعض معاني الآيات.
أصول الفقه
عد علم أصول الفقه مادة علم التفسير من جهتين:
إحداهما :أن علم الأصول قد أودعت فيه مسائل كثيرة هي من طرق استعمال كلام العرب وفهم موارد اللغة أهمل التنبيه عليها علماء العربية مثل مسائل الفحوى ومفهوم المخالفة. .
الجهة الثانية: أن علم الأصول يضبط قواعد الاستنباط ويفصح عنها فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعية من آياتها.
ما لا يدخل في مدد علم التفسير
-علم الكلام :
لم يعد ابن عاشور علم الكلام من مبادئ التفسير، بل اعتبره مما يحتاج إليه في التوسع في إقامة الأدلة على استحالة بعض المعاني. وما يحتاج إليه في التوسع لا يصير مادة للتفسير
-الفقه
-لم يعد ابن عاشور الفقه من مادة التفسير .لعدم توقف فهم القران على مسائله وإنما يتطرق إليه المفسر توسعا في بيان وتفصيل المعاني تشريعا وآدابا وعلوما ؛ وكما سبق قوله ما يحتاج إليه في التوسع لا يصير مادة للتفسير
-الآثار المروية عن النبي في تفسير الآي و ما روي عن السلف من الصحابة ومن جاء بعدهم في ذلك لا تعد من استمداد التفسير لأنها من التفسير لا من مدده
-وتفسير القران للقران لا يعد من استمداد التفسير لأن ذلك من قبيل حمل بعض الكلام على بعض.
علم التفسير أصل العلوم
واعتماد علم التفسير على بعض العلوم الإسلامية لا ينافي كونه رأسا للعلوم الإسلامية لاختلاف الجهات.فهو أصل لها على سبيل الإجمال، وهي له على سبيل التفصيل في بعض الآيات.
في صحة التفسير بغير المأثور ومعنى التفسير بالرأي ونحوه
شرط التفسير الصحيح
شرط التفسير الصحيح كما قال الطيبي في حاشيته على الكشاف: أن يكون مطابقا للفظ من حيث الاستعمال، سليما من التكلف عريا عن التعسف.
ما يدل على جواز التفسير بالرأي
1- لم تتسع التفاسير وتتفنن مستنبطات معاني القرآن وتتعدد جهاته في الفقه والأحكام التشريعية والتوحيد ومقاصد السور والقواعد الكلية، إلا بما رزقه الذين أوتوا العلم من فهم في كتاب الله.
2- ولو كان التفسير مقصورا على معاني مفردات القرآن، لكان نزرا.
3- ليس كل ما ورد عن الصحابة والتابعين في تفسير القرآن منقولا عن النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه لم يثبت عنه عليه السلام إلا تفسير آيات قليلة، ولاختلافهم في وجوه التفسير.اختلافا يتعذر الجمع بينهما فلو كان ما تكلموا به في التفسير منقولا عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكان فاصلا وحاكما للخلاف فيكون أكثر ما ورد عنهم استنباط برأيهم وعلمهم.
4- أما ما ورد من أثار وأخبار التي تحذر من تفسير القران بالرأي
مثل ما روي عن ابن عباس أن رسول الله قال: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)).رواه الترمذي
وفي رواية: ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)).
وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ" رواه أبو داود والترمذي والنسائي
فيرد عليها من وجوه خمسة:
الأول: أن المراد بالرأي القول عن مجرد الخاطر دون استناد إلى نظر في الوسائل وآليات التفسير ومقاصد الشريعة وتصاريفها ومعرفة الناسخ والمنسوخ ونحو ذلك.
الثاني: أو المراد به التحذير منصب على التفسير الذي لم يستكمل المفسر تمام النظر فيه الآية و لم يحط بجوانبها ولم يستجمع جميع الأدلة فيقتصر على بعضها دون بعض .
الثالث: أو المراد به ما كان فيه المفسر متعصب إلى مذهب ما أو طائفة ما أو طريقة معينة يعتقدها فيلوى أعناق آيات القران ويجريها إلى مذهبه أو نزعته التي ينزع إليها، ويصرفها عن المراد منها بحسب ظواهر الأدلة والقوانين التفسيرية.
الرابع : أن يزعم أن ما فسر به القران هو الحق الذي لا يجوز العدول عنه وكل ما سواه باطل مردودوفي هذا تحجير بلا دليل
الخامس:أن يحمل ذلك التحذير الوارد في الأحاديث والآثار على وجوب الحرص والتدبر، وعدم التسرع في التأويل.
أما ما ورد عن السلف في تورعه في التفسير بالرأي
- كما روي عن أبي بكر الصديق أنه سئل عن تفسير الأب في قوله {وفاكهة وأبا }. فقال: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأيي".
- ويروى عن سعيد بن المسيب والشعبي إحجامهما عن ذلك.
فالجواب: أن ذلك كان منهم تورعا منهم خشية الوقوع في الخطأ إذ لم يقم له دليل على ما يقول ؛ أو لم تدع الحاجة للتفسير بالرأي .
وقد ثبت عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال في الكلالة " أقول فيها برأي فإن كان صوابا فمن الله و إن كان خطا فمنى ومن الشيطان"
الرد على من قصر التفسير بالماثور
الذين جمدوا على القول بأن تفسير القرآن يجب أن يكون بالمأثور مبنى كلامهم عدم ضبط هذه المعاني، فضلا عن أن من قال بذلك لم يضبط مراده بالمأثور وعمن يؤثر.
فإن أرادوا الاقتصار على مجرد ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وصح سنده، فقد ضيقوا واسعا، وناقضوا أنفسهم فيما دونوه في التفاسير، وغلَّطوا سلفهم فيما تأولوه.
وإن أضافوا إلى المأثور أقوال الصحابة وأصحابهم وتلاميذهم، فقد اضطروا إذن إلى إدراج ما قاله هؤلاء برأيهم، فلا يمكنهم أن ينكروا أنهم اجتهدوا في التفسير برأيهم بحسب علمهم.
التفسير بالرأي المذموم
التفسير الباطني
وإذ جاز التفسير بالرأي بضوابطه؛ لا يعنى بذلك جواز تفسير القران بالهوى و صرف ظواهر الألفاظ على ما يسمى بالباطن ؛ كفعل غلاة الشيعة والإسماعيلية.
فمذهبهم مبني على الفلسفة و قواعد الحكمة الإشراقية ومذهب التناسخ والحلولية، ومن طقوس اليهود والنصارى والأديان القديمة. .
فلا ضبط للباطن، وسيؤدي ذلك إلى التعارض والتناقض في المعاني التي يقال بها.
التفسير الإشاري
أما إشارات الصوفية في بعض آيات القرآن فلا تجري مجرى التفسير، بل يعنون أن ما قالوا يصلح للتمثيل بها في الغرض المتكلم فيه. فلذلك سمَّوها إشارات، ولم يسموها معاني ؛فهي من باب التنبيهات الملائمة لظاهر اللفظ أو سياقه
موقف العلماء من التفسري الاشاري
-الغزالي يراها مقبولة، كما جاء ذلك في كتابه "الإحياء":
-وابن العربي في كتاب "العواصم" يرى إبطال هذه الإشارات كلها
- وابن عاشور يرى أنها لا تخرج على أحد ثلاث أحوال
- 1-إما أن يكون تمثيلا لحال شبيه بما تدل عليه الآية.
2- أو من باب التفاؤل بذكر معنى للكلمة يسبق من صورتها هو غير معناها المراد، كم قال في قوله تعالى(من ذا الذي يشفع): أي من ذلَّ ذي، يريد النفسَ.
3 وقد تكون من باب العبر والمواعظ. وشأن أهل النفوس اليقظى أن ينتفعوا من كل شيء ويأخذوا الحكمة حيث وجدوها فما ظنك بهم
الفرق بين التفسير الإشاري وبين أنواع الأدلة عند الأصوليين
لا يدخل في حد ومعنى التفسير الإشاري ما يسميه الأصوليين؛ دلالة الإشارة والتضمين والالتزام؛ وفحوى الخطاب وغيرها لأنها مما قامت الدلالة العرفية مقام الوضعية واتحدت في إدراك أفهام أهل العربية فكان من المدلولات التبعية.
خطورة تفسير القران بدون علم
- ولا يصح أخذ قول القائل في التفسير إلا إذا توافرت فيه شروط الضلاعة في العلوم التي سبق ذكرها. وقد تهافت الناس في تفسير القرآن، فمنهم من يضع الآية ثم يركض في أساليب المقالات تاركا معنى الآية جانبا، جالبا من معاني الدعوة والموعظة ما كان جالبا.فمن يركب متن عمياء فحق على أساطين العلم تقويم اعوجاجه، وتمييز حلوه من أجاجه.
فيما يحق أن يكون غرض المفسر
مقاصد القران تفصيلا وإجمالا
مراد الله من كتابه هو بيان تصاريف ما يرجع إلى حفظ مقاصد الدين، فالمقصد الأعلى منه إجمالا صلاح
أولا: الأحوال الفردية؛ بصلاح الاعتقاد وتهذيب النفس وتزكيتها..الخ
ثانيا: الأحوال الجماعية؛ وهو يحصل أولا بالصلاح الفردي، ثم ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه يعصمهم من مزاحمة الشهوات ومواثبة القوى النفسانية.
ثالثا: الأحوال العمرانية؛ ويكون بحفظ نظام العالم الإسلامي، وضبط تصرف الجماعات والأقاليم بعضهم مع بعض على وجه يحفظ مصالح الجميع، ورعي المصلحة الإسلامية.
وقد أوصلها ابن عاشور على جهة التفصيل ثمانية
أولا: إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح
ثانيا: تهذيب الأخلاق
ثالثا: بيان التشريع الأحكام العامة والخاصة
رابعا: سياسة الأمة لأجل تحقيق صلاح الأمة وحفظ نظامها
خامسا:القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم
سادسا:: التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين، وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة ونشرها وذلك علم الشرائع وعلم الأخبار .
سابعا:باب الترغيب والترهيب ..
ثامنا:الإعجاز بالقران
أهمية معرفة مقاصد القران:
-بها يستبين للمفسر غايته من التفسير وهو بيان وإظهار تلك المقاصد .
- تقويم التفسير : مدى استيعابه لتلك المقاصد .ومقدار الذي أغفله
- تصنيف كتب التفسير وتحديد التي تعتني ببيان مقاصد القران والتي غاية اهتمامها بيان المعاني تفصيلا
-
غرض المفسر
فغرض المفسر بيان ما يصل إليه من مراد الله تعالى بأتمِّ بيان مع ما يتوقف عليه الفهم أو يخدم المقصد تفصيلا وتفريعا مع إقامة الحجة.
فلا جرم كان رائد المفسر في ذلك أن يعرف على الإجمال مقاصد القرآن مما جاء لأجله، ويعرف اصطلاحه في إطلاق الألفاظ، وللتنزيل اصطلاح وعادات،
طرائق المفسرين في القران
طرائق المفسرين للقرآن ثلاث
1 -الاقتصار على الأصل في التفسير وهو بيان الظاهر من المعنى الأصلي للتركيب وتوضيحه
2 - زيادة على مجرد بيان الظاهر من المعنى وهو استنباط معان من وراء الظاهر تقتضيها دلالة اللفظ أو المقام ولا يجافيها الاستعمال ولا مقصد القرآن،باستعمال علوم الآلات ..وهذا الذي اعتنى به علماء التفسير وخصوها بالتآليف الواسعة وأكثروا فيها
3- تجلب مسائل علمية من علوم لها مناسبة بالآية .
إما تناسبا في المعنى أو لزيادة الفهم أو للتوفيق بين المعنى القرآني وبين بعض العلوم مما له تعلق بمقصد من مقاصد التشريع لزيادة تنبيه إليه ، أو لرد مطاعن. من يزعم أنه ينافيه....
وبناء على ذلك يتوسع بعض العلماء بذكر مسائل علمية تجريبية أو فلكية أو نحو ذلك. ويشترط أن يقصد فيه الخلاصة وذكر ما يليق بالتفسير ويخدم المعنى.
موقف العلوم من تجلب مسائل علمية من علوم لها مناسبة بمقصد الآية
العلماء في قبول الطريقة الثالثة من التفسير بين طرفي نقيض
1- جماعة منهم ابن رشد الحفيد و الغزالي وابن العربي وابن الجني و الزجاج وأبو حيان قد استحسنوا التوفيق بين العلوم غير الدينية وآلاتها وبين المعاني القرآنية إذ أن القران يشير إلى كثير منها.
ومعاني القران لا يقتصر في فهما على طائفة معينة ولكن معانيه تطابق الحقيقة فكل حقيقة علمية ارتبطت بالآية ارتباطا صحيحا فتلك الحقيقة مرادة للآية
وشرط ذلك أن لا يخرج التفسير عما يصلح له اللفظ عربية، ولا يبعد عن الظاهر إلا بدليل، ولا يكون تكلفا بينا ولا خروجا عن المعنى الأصلي حتى لا يكون في ذلك كتفاسير الباطنية.
2- موقف أبي إسحاق الشاطبي
قال الإمام الشاطبي في الموافقات الفصل الثالث من المسألة الرابعة:"لا يصح في مسلك الفهم والإفهام إلا ما يكون عاما لجميع العرب، فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه."اهـ،
وبناء على ذلك منع أن يورد فيه من العلوم ما لم يكن يعرفه العرب، تجريبية كانت أو غيرها.
وحجته في ذلك
1-لم يثبت عن أحد من السلف الصالح أنه تكلم في مثل ذلك رغم أنهم كانوا أعلم بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه
2- الشريعة أمية ..والخطاب القرآني إنما كان للأميين فيجب الاعتماد على مقدرتهم وطاقتهم في الفهم.
الرد على أبي إسحاق الشاطبي
يرد عليه من وجوه ستة
الأول : إن هذا يقتضي عدم مراعاة ما يمر فيه العرب من الانتقال من حالكانوا عليه إلى حال آخر لا يكونون فيه أميين، بل عالمين عارفين
الثاني: القران عام الدعوة معجزة باقيا في كل زمان ومكان
فلا بد أن يوجد في مقاصده ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة.
الثالث :" القرآن لا تنقضي عجائبه ".. ولو كان كما قال الشاطبي لانقضت عجائبه .
الرابع: أن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه ما لم تف به الأسفار المتكاثرة.
الخامس: العرب الأميين غاية ما أدركوا من القران المعنى الأصلي الأساسي .أما تفاصيل معانيه ودقائقها فلابد أن يأتي من بعدهم من يفهما و يتمكن من إدراكها ؛فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
السادس
عدم التسليم أن السلف الصالح لم يتكلموا في مقاصد القران بل تكلموا وبينوا وفصلوا وفرعوا في علوم عنوا بها. .
ونحن نقفي على آثارهم في علوم أخرى راجعة لخدمة المقاصد القرآنية أو لبيان سعة العلوم الإسلامية.
علاقة العلوم بتفسير القران
قال ابن عاشور: إن علاقة العلوم بالقرآن على أربع مراتب:
الأولى: علوم تضمنها القرآن كأخبار الأنبياء والأمم، وتهذيب الأخلاق والفقه والتشريع والاعتقاد والأصول والعربية والبلاغة.
الثانية: علوم تزيد المفسر علما كالحكمة والهيئة وخواص المخلوقات.
الثالثة: علوم أشار إليها أو جاءت مؤيدة له كعلم طبقات الأرض والطب والمنطق.
الرابعة: علوم لا علاقة لها به إما لبطلانها كالزجر والعيافة والميثولوجيا، وإما لأنها لا تعين على خدمته كعلم العروض والقوافي.
تعريف سبب النزول
حوادث يروى أن آيات من القرآن نزلت لأجلها لبيان حكمها أو لحكايتها أو إنكارها أو نحو ذلك
علة إدراج أسباب النزول في مقدمة التفسير
بين ابن عاشور أن مبحث أسباب النزول ما كان ليدخل ضمن مقدمة تفسريه إلا لما رأى شدة الحاجة إلى تمحيصه أثناء التفسير؛ فرأى أن يقدمه في مقدمة تفسيره فيستغنى بالمقدمة عن التفصيلات أثناء التفسير عن كل مثال.
هل لكل آية سبب نزول
لا يشترط أن يكون لكل آية سبب نزول لأن الأصل في نزل القران هداية الخلق إلى ما به صلاحهم في أصناف شتى ؛فلا يتوقف نزوله على حدوث الحوادث الداعية إلى تشريع الأحكام.
أقسام أسباب النزول من حيث الثبوت
بين رحمه الله أن أسباب النزول من حيث صحة ثبوتها ثلاثة
أسباب نزول صحيحة صح سندها.
أسباب نزول ضعيفة لم يصح سندها
أسباب نزول موضوعة مختلقة لا أصل لها كما قال الواحدي
في أول كتابه في أسباب النزول: "أما اليوم فكل أحد يخترع للآية سببا، ويختلق إفكا وكذبا، ملقيا زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد"
وشرط رواية أسباب النزول أن تكون ثابتة رواية وسماعا ممن شاهدوا التنزيل ..قال الواحدي: "لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل" اهـ.
تعامل العلماء مع أسباب النزول
قد أولع قوم بأسباب النزول فأكثروا من ذكرها ولم يفرقوا بين صحيحها و ضعيفها ؛ خاصة من كان تصنيف خاص بهذا العلم ؛ وقد أعتذر لهؤلاء ابن عاشور لأن كان لهم السبق في التأليف .
أما أساطين المفسرين الذين أقحموا كتبهم وأكثروا من ذكر أسباب النزول ولم ينبهوا على مراتبها قوة وضعفا حتى أوهموا أن لكل أية سبب نزول فهؤلاء لم يعذر ابن عاشور
أقسام أسباب النزول
قسمها ابن عاشور إلى خمس "
أولا:
هذا النوع لابد للمفسر من البحث عنه والوقوف عليه ولا غنى للمفسر عن العلم به لأنه المقصود من الآية وعليه يتوقف فهم معنى الآية والمراد منها من أوجه:
- فمنه ما يتحقق به بيان المجمل أو إيضاح المبهم و الموجز
- و منه ما يكون وحده تفسيرا.
- و منه ما يدل المفسر على طلب الأدلة التي بها تأويل الآية... - و منه ما يعين على تصوير مقام الكلام فتوصل المفسر من خلاله إلى إدراك خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى هذا المقام
-ثانيا: أسباب نزول الجهل بها لا يؤثر في فهم معنى الآية والمراد منها؛ لأنها لا تبين مجملا ولا توضح مبهما و لا تزيل إشكالا.
-ثالثا:أسباب النزول تكون أمثلة للمعنى العام للآية؛ فالقصد من إيرادها التمثيل .. وقد كانت الآية نزلت في حادثة ما في شخص معين لتبين أحكام تلك الحادثة نهيا أو زجرا أو إباحة أو غير ذلك.فلما يقول المفسر نزلت في كذا وكذا فقصدهم انطباق هذا الحال مع تلك الأحوال التي نزلت لأجلها الآية
وهذا القسم قد أكثر من ذكره أهل القصص وبعض المفسرين ولا فائدة في ذكره، على أن ذكره قد يوهم القاصرين قصر الآية على تلك الحادثة لعدم ظهور العموم من ألفاظ تلك الآيات.
رابعا: أسباب نزول ؛ يراد بها أن الآية تتضمن هذا الحكم وهذا المعنى ولا يقصد به سبب نزول..ذلك أنه قد تحدث حوادث و قد وجد في القران آيات تناسب معانيها هذه الحوادث؛ فيربط بينهما المفسر فيقول الآية نزلت في كذا كذا ؛ وليس قصده أنها سبب نزول بل هي معنى من المعنى تتضمنه الآية..
وهو الذي درج عليه السلف بقولهم "نزلت هذه الآية في كذا "
فإنهم يردون بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها.
خامسا:أسباب نزول تبين المجمل و تدفع المتشابه ويظهر بها وجه التناسب الآي بعضها ببعض..
حكم قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا
- تنازع العلماء في قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند أو يجري مجرى التفسير؟
فالبخاري يدخله في المسند. وأكثر أهل المسانيد لا يدخلونه فيه، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلونه في المسند.
أهمية معرفة أسباب النزول:
من فوائد معرفة أسباب النزول ظهور إعجاز القران من جهتين
-أن القران جاء بألفاظ كلية يندرج تحتها تفصيل جزئية...هذا ظاهر للإعجاز لبقاء صلاحه في جميع الأزمان والأوطان.وليجتهد أأئمة الدين وعلماء التفسير في مزيد تدبر و استنباط
-وفيه دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين.
سبب إدراج مبحث علم القراءات في مقدمة التفسير
القراءات علم جليل مستقل بنفسه له قواعده وأصوله ؛عني بكير اهتمام من طرف أهل العلم فحضي بالتصانيف الكثيرة؛ لأجل هذا كان الأصل أن لا يدرج ضمن مقدمة التفسير
لكن ابن عاشور ضمن مقدمته ببيان مراتب القراءات قوة وضعفا ومدى تعلقها بعلم التفسير بمثابة العذر له حين تعترضه القراءات أثناء التفسير فيعرض عنها اكتفاء بما ذكر في المقدمة
سبب اختلاف القراء
بين ابن عاشور أن سبب اختلاف القراء في قراءة القران
أن أئمة القران قرؤوا القران بما يوافق اللغة العربية لهجاتهم ؛دون أن يخالف ذلك مصحف عثمان فلا يزيد عليه حرفا ولا ينقص وإنما هي وجوه أدائية وافق بها القوم الذي يعيش بين ظهرانيهم
وكان ذلك بمثابة الإذن والجواز لأن يتخير الواحد منه قراءة يقرأ بها
علاقة القراءات بعلم التفسير
القراءات من حيث تعلقها بعلم التفسير لها حالان
1-لا علاقة لها بعلم التفسير لعدم تأثيرها في اختلاف معاني الآي.. وتكمن أهميتها أنها مادة كبرى لعلوم العربية
وهي القراءات التي يكمن اختلافها في أوجه النطق بالحروف في مخارجها وصفاتها وبيان اختلاف الإعراب
2 قراءات لها تعلق بعلم التفسير لارتباطها بمعاني آي القران؛
وهي اختلاف القراء في حروف الكلمات مثل {مالك يوم الدين} (ملك يوم الدين) و(ننشرها) و{ننشزها}
فعلى المفسر أن يبين اختلاف القراءات المتواترة لأن في اختلافها توفيرا لمعاني الآية غالبا فيقوم تعدد القراءات مقام تعدد كلمات القرآن
وهي نظير التضمين في استعمال العرب وغيره من الأساليب
شروط القراءة المقبولة
إذا كانت القراءة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تحتاج إلى شرط لقبولها ..فالتواتر أكسبها الحجية لغة وقراءة ؛يغنيها عن الاعتضاد بموافقة المصحف المجمع عليه.
أما إذا كانت القراءة غير متواترة فتقبل شروط ثلاثة:
- صح سندها .
وهو أعظم وأكثر هذه الشروط اعتبارا صحة السند فلابد منه ولا محيد عنه؛ إذ قد تكون القراءة موافقة لرسم المصحف وموافقة لوجوه العربية لكنها لا تكون مروية بسند صحيح، فلا قبل بل تكون شاذة مردودة..مثل من قرأ (بل الذين كفروا في غرة) بغين معجمة وراء مهملة وإنما هي {عزة} بعين مهملة وزاي.
- وافقت وجها في العربية
الأصل في اعتبار اللغة العربية الصحيحة الفصيحة القران لأنه نزل بأفصح اللغات فهو مقدم
على ما قرره علماء وشيوخ النحو.
فلا يسلم دائما ما قاله علماء النحو وغيرهم من كون حرف من القران قد خالف اللغة العربية لأن اللغة الفصيحة لا تنحصر فيما صاروا إليه من قواعد وضوابط .فالقران حاكم عليها.
-ووافقت خط المصحف العثماني : أي وافقت أحد المصاحف التي أرسلها عثمان إلى الأمصار .
و حكمها أنها قراءة صحيحة لا يجوز ردها.
القراءات التي تحقق فيها الشروط
انحصر توفر الشروط في الروايات العشر للقراء للذين أجمع عليهم العلماء وهم، نافع بن أبي نعيم المدني، وعبد الله بن كثير المكي، وأبو عمرو المازني البصري وعبد الله بن عامر الدمشقي، وعاصم بن أبي النجود الكوفي، وحمزة بن حبيب الكوفي، والكسائي علي بن حمزة الكوفي، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، وخلف البزار بزاي فألف فراء مهملة الكوفي، وهذا العاشر ليست له رواية خاصة، وإنما اختار لنفسه قراءة تناسب قراءات أئمة الكوفة، فلم يخرج عن قراءات قراء الكوفة إلا قليلا.
انتشار هذه القراءات في الأمصار في هذه العصور
والقراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام من هذه القراءات العشر، هي قراءة نافع برواية قالون في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري، وفي ليبيا وبرواية ورش في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري وفي جميع القطر الجزائري وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد. والسودان.
وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع الشرق من العراق والشام وغالب البلاد المصرية والهند وباكستان وتركيا والأفغان. وبلغني أن قراءة أبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان المجاور مصر.
حكم القراءة التي خالفت الشروط
الشاذة
-القراءة التي لا تتحقق فيها شروط القبول شاذة ؛ لا تقبل عند أهل العلم ولا يصح القراءة بها في الصلاة ولا تأخذ منها الأحكام ولا تكون قراءنا
- وقد عد الجمهور ما سوى العشر التي تحقق فيها شروط القبول شاذا .
-قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
قراءة النبي صلى الله عليه وسلم :اصطلاح أطلقه أهل العلم على القراءة التي ثبتت بالسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرها أهل الصحيح في كتبهم؛ ولم ينقلها أئمة الرواية في قراءاتهم فلم تنسب إلى أحد منهم.
هذه أيضا من جملة القراءة الشاذة لا تعد قراءنا لا يصح القراءة بها ؛بل يحتاج إليها من جهات أخر..
علاقات القراءت بالاحرف السبع
اختلاف القراءات قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم بن حزام ففي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ في الصلاة سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله، فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ? قال: أقرأنيها رسول الله، فقلت: كذبت فإن رسول الله أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله: ((اقرأ يا هشام)) فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر)) فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله: ((كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه)) اهـ.
المراد بالأحرف السبعة
وللعلماء في معنى الحديث اعتباران:
-الحديث منسوخ
على اعتبار كون الحديث منسوخ
ترخيص للعرب بداية أن يقرؤوا القرآن بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها، ثم نسخ ذلك بحملهم على لغة قريش لأنها التي بها نزل القرآن وزال العذر لكثرة الحفظ وتيسير الكتابة.
. والنسخ حاصل إما إجماع الصحابة أو بوصاية النبي صلى الله عليه وسلم.
ودليلهم في ذلك قول عمر: إن القرآن نزل بلسان قريش.
وقول عثمان لكتاب المصاحف فإذا اختلفتم في حرف فاكتبوه بلغة قريش فإنما نزل بلسانهم.
ويكون معنى الأحرف السبعة على هذا القول أحد ثلاثة أقوال
1- الكلمات المترادفة للمعنى الواحد؛ ولا يتجاوز فيها سبع مرادفات أو لهجات من سبع لغات للعرب ثم وقع خلاف في تعين تلك اللغات .
وعليه يكون العدد سبعة على هذا القول حقيقي
2-العدد غير مراد به حقيقته، بل هو كناية عن التعدد والتوسع، وكذلك المرادفات ولو من لغة واحدة كقوله: {كالعهن المنفوش} وقرأ ابن مسعود (كالصوف المنفوش)
3-المراد التوسعة في نحو {كان الله سميعا عليما} أن يقرأ عليما حكيما ما لم يخرج عن المناسبة كذكره عقب آية عذاب أن يقول "وكان الله غفورا رحيما" أو عكسه.
-الحديث غير منسوخ
على القول بكون الحديث منسوخ يكون المراد بالأحرف السبعة أحد أقوال ثلاثة
1- المراد من الأحرف أنواع أغراض القرآن كالأمر والنهي، والحلال والحرام، أو أنواع كلامه كالخبر والإنشاء، والحقيقة والمجاز: أو أنواع دلالته كالعموم والخصوص، والظاهر والمؤول.
ورده ابن عاشور لكون ذلك مخالف لقصد التوسعة والترخيص على الناس من جعل الأحرف السبعة.
2 المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب لكن ليست في الكلمة الواحدة بل هي مبثوتة متفرقة في سائر القران.وهذا أيضا رده ابن عاشور كسابقه بنفس علته.
3-المراد بالأحرف السبع لهجات العرب في كيفيات النطق كالفتح والإمالة، والمد والقصر، والهمز والتخفيف، على معنى أن ذلك رخصة للعرب مع المحافظة على كلمات القرآن
توجيه ابن عاشور لحديث
الذي مال إليه ابن عاشور أن الرخصة كانت لهم في قراءة القران بدون المحافظة على ترتيب الآيات . وهو الخلاف الذي حصل بين عمر ابن خطاب وهشا بن حكيم
ثم لم يزل الناس يتوخون بقراءتهم موافقة قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ترتيب المصحف في زمن أبي بكر على نحو العرضة الأخيرة
فأجمع الصحابة في عهد أبي بكر على ذلك لعلمهم بزوال موجب الرخصة.
الأحرف السبع والقراءات السبع:
قد سبق بيان اختلاف أهل العلم في المراد بالأحرف السبع
أما مصطلح القراءات السبع فراجع إلى كتاب ابن مجاهد إذ إنه ألف كتابا في القراءات سماه " السبعة في القراءات ".جمع فيه سبع قراءات لسبع من أئمة القراء ؛ وصنيعه هذا أوهم على العامة فظُن أن الأحرف السبعة هي القراءات السبعة وهو خطأ لم يقل به أحد من أهل العلم
التصنيف في القراءات
صنف ابن جبير المكي وهو قبل ابن مجاهد كتابا في القراءات اقتصر فيه على خمسة أئمة؛ من كل مصر إماما، وهي الأمصار التي أرسل إليها عثمان المصاحف .
و أول من جمع القراءات في سبع ابن مجاهد ؛وقد وافقه في عده سبع قراء عد سبعة أحرف إما بدون قصد أو بقصد التيمن بعدد السبعة أو بقصد إيهام أن هذه السبعة هي المرادة من الحديث تنويها بشأنها بين العامة.
مراتب القراءات الصحيحة والترجيح بينها:
سبق أن بينا أن شروط صحة القراءة وقبولها ثلاثة:
-صحة السند
-أن توافق رسم المصحف
-أن توافق اللغة العربية
ثم هذه القراءات الصحيحة على مراتب
أولها وأعلاها: المتواتر وهي القراءات التي لا تخالف الألفاظ التي كتبت في مصحف عثمان هي متواترة وإن اختلفت في وجوه الأداء وكيفيات النطق ومعنى ذلك أن تواترها تبع لتواتر صورة كتابة المصحف.
ثانيها : غير المتواتر : ما كان نطقه صالح لرسم المصحف واختلف فيه فهي القراءة المقبولة لأن وجود الاختلاف فيه مناف للتواتر..وأسانيد هذه القراءات أحاد لا بلغ حد التواتر .
وقد قرأ بها مذ عصر الصحابة دون إنكار فصارت متواترة على التخيير.
-أسانيد القراءات لعشر تنتهي إلى ثمانية من الصحابة: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله من مسعود، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، فبعضها ينتهي إلى جميع الثمانية وبعضها إلى بعضهم وتفصيل ذلك في علم القرآن.
-وجوه إعراب القران أكثره متواتر
الترجيح بين القراءات
-قد درج أهل العلم في الترجيح بين القراءات الصحيحة المتواترة لما اشتملت على بعض خصوصيات تجعلها راجحة على غيرها من بلاغة أو فصاحة أو كثرة معاني أو شهرة
-وترجيح القراءة لا يعنى رد و إبطال واطراح غيرها.
هل ترجيح القراءة ينافي الإعجاز
- على اعتبار حد الإعجاز هو مطابقة الكلام لمقتضى الحال فهذا لا تفاوت فيه؛} فكل آية تحقق فيها هذا القدر من الإعجاز.
-وعلى اعتبار كون الإعجاز مزيد تخصيص قراءة بنوع من أنواع الحسن من الجناس و المبالغة أو مزيد فصاحة فهذا قد تتفاوت فيه بعض القراءات على بعض .
وأقل ما يتحقق به الإعجاز مقدار ما ينتظم به ثلاثة آيات لأن الله تحدى العرب أن يأتوا بسورة مثله و أقصر سورة في كتاب الله ثلاث آيات فعلم بهذا أنه لا يلزم أن يتحقق الإعجاز في كل آية من كتاب الله.