بابُ الإعرابِ
(1) وحكمةُ تبويب الكتب -كما ذكره الزَّمخشريُّ- أنَّ الكتابَ إذا كان مبوّبًا كان أنشطَ للقارئ، كما أنَّ المسافرَ إذا كانت الطّريقُ مقدَّرةً كان ذلك أبعثَ له على السَّفرِ، ولذلك كان القرآنُ سورًا.
وأصلُ (بابٍ) بَوَبٌ، تحرَّكتِ الواوُ وانفتحَ ما قبلها فقُلبَتْ ألفاً فصار بابٌ، ويُجمَعُ على أبوابٍ وبيبانٍ وأبوبةٍ، ولكنَّ جمعَهُ على أبوابٍ قياسيٌّ، وعلى بيبانٍ وعلى أبوبةٍ سماعيٌّ.
وإعرابُهُ: أنَّه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ تقديرُهُ: هذا بابُ.
الهاءُ: حرفُ تنبيهٍ، وذا: اسمُ إشارةٍ مبتدأ مبنيٌّ على السّكونِ في محلّ رفعٍ.
وبابُ: خبرٌ مرفوعٌ بالضّمَّةِ الظَّاهرةِ في آخرِهِ، وبابُ: مضافٌ.
والإعرابِ: مضافٌ إليه مجرورٌ بكسرةٍ ظاهرةٍ في آخرِهِ.
ويصحّ أن يكونَ مبتدأً والخبرُ محذوفٌ، تقديرُهُ: بابُ الإعرابِ هذا موضعُهُ.
فقولُه: بابُ مبتدأٌ. والخبرُ قولُهُ: هذا موضعُهُ.ويصحُّ نصبُهُ على أنَّهُ مفعولٌ لفعلٍ محذوفٍ تقديرُهُ: اقرأ بابَ الإعرابِ.
وأمَّا كونُه منصوبًا باسمِ فعلٍ محذوفٍ تقديرُهُ: هاك بابَ الإعرابِ،فلا يصحّ لأنَّ اسمَ الفعلِ لا يعملُ محذوفاً على الصَّحيحِ.
وجوّز بعضُهُم جرَّه، فقال: هو مجرورٌ بـ(في) مقدَّرةٍ، والتَّقديرُ: انظرْ في بابِ الإعرابِ، وهذا الوجهُ شاذٌّ يُحفَظُ ولا يُقاسُ عليه؛ لأنَّ حذفَ حرفِ الجرِّ وإبقاءَ عملِهِ شاذٌّ.ولا تصحّ قراءتُه بإسكانِ البابِ.
ومعنى البابِ: لغةً: المدخلُ للشَّيءِ، أي مكانُ الدُّخولِ أو فُرجةٌ في ساترٍ يتوصَّلُ بها من داخلٍ إلى خارجٍ، وعكسُهُ.
واصطلاحاً:ألفاظٌ مخصوصةٌ دالَّةٌ على معانٍ مخصوصةٍ، وهو حقيقةٌ في الأجرامِ مجازٌ في المعاني.
ومثالُ كونِهِ حقيقةً في الأجرامِ:بابُ الدَّارِ مثلاً.
ومجازاً في المعاني:بابُ الإعرابِ مثلاً.
(2) قوله: (الإِعْراب): بكسرِ الهمزةِ احترازا من الأَعرابِ سكَّانِ الباديةِ، وهو جمعٌ عربيٍّ ويُجمَعُ على أعاريبَ:
والإعرابُ لغةً: يُطلَقُ على معانٍ:
منها: التَّحسينُ، ومنه: جاريةٌ عروبٌ، أي: حسناءُ.
ومنها: التَّبيينُ، ومنه: ((الثَّيِّبُ تعرِبُ عن نفسِهَا)) أي: تبينُ.
ومنها: التَّغيُّرُ، ومنه: أعربَتْ معدةُ البعيرِ، أي: تغيَّرَتْ.
واصطلاحًا: يُطلَقُ على معنيين:
- فعلى القولِ بأنَّهُ لفظيٌّ: يٌعرَّفُ بأنَّه: أثرٌ ظاهرٌ أو مقدَّرٌ، يجلبُهُ العاملُ في آخرِ الكلمةِ، أو ما هو كالآخرِ.
- وعلى القولِ بأنَّ الإعرابَ معنويٌّ:يُقالُ: ما جيء به لبيانِ مقتضى العاملِ من حركةٍ أو حرفٍ أو سكونٍ أو حذفٍ.
فمثالُ ما فيه الحركةُ: نحو: جاء زيدٌ وعمرو يضربُ، فالحركةُ كالضَّمَّةِ.
ومثالُ ما فيه السّكونُ: نحو: يضربْ من قولِكَ:لم يضربْ، وإعرابُهُ:
لم: حرفُ نفيٍ وجزمٍ وقلبٍ.
ويضربْ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلم، وعلامةُ جزمِهِ السّكونُ.
ومثالُ ما فيه الحرفُ: نحو: جاء الزَّيدون.
فالزَّيدون: فاعلُ جاء مرفوعٌ بالواوِ نيابةً عن الضّمَّةِ؛ لأنَّه جمعٌ مذكَّرٌ سالمٌ.
ومثالُ الحذفِ: كما في قولِكَ: لم يخشَ.
فلم: حرفُ نفي وجزمٍ وقلبٍ.
ويخشَ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلم وجزمُهُ حذفُ الألفِ.
واعلمْ أنَّ المصنِّفَ مشى على القولِ بأنَّ الإعرابَ معنويٌّ، وأشارَ إليه بقولِهِ: (الإعرابُ تغييرُ أواخرِ الكلمِ لاختلافِ العواملِ).
والفرقُ بين الإعرابِ اللفظيِّ والمعنويِّ:
أنَّ اللفظيَّ: هو نفسُ الحركاتِ كالضّمَّةِ والفتحةِ والكسرةِ.
والمعنويَّ:هو الانتقالُ من الرّفعِ إلى النَّصبِ ومن النَّصبِ إلى الجرِّ، فتكونُ الحركاتُ علامةً لا نفسَ الإعرابِ.
ويظهرُ الفرقُ بالمثالِ، فإذا قلتَ: جاء زيدٌ، تقولُ في إعرابِهِ -على القولِ بأنَّه لفظيٌّ-: جاء: فعلٌ ماضٍ.
وزيدٌ: فاعلٌ مرفوعٌ ورفعُهُ ضمَّةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ.
فالضّمَّةُ هي نفسُ الإعرابِ كالفتحةِ والكسرةِ.
وعلى القولِ بأنَّه معنويٌّ تقول في إعرابِهِ:
زيدٌ: فاعلٌ مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ إلى آخرِهِ….
فتكونُ الضَّمَّةُ علامةً على الإعرابِ كالفتحةِ والكسرةِ.
وأمَّا البناءُ: فمعناه لغةً: وضعُ شيءٍ على شيءٍ على جهةٍ يُرادُ بها الثّبوتُ.
وفي الاصطلاحِ: عند من يقولُ إنَّ الإعرابَ لفظيٌّ: ما جيء به لا لبيانِ مقتضى العاملِ من شِبْهِ الإعرابِ، وليس حكايةً ولا نقلاً ولا إّتْباعاً ولا تخلّصاً من ساكنين.
فمثالُ حركةِ الحكايةِ: مَنْ زيدًا، بالنَّصبِ، في جوابِ: هل رأيتَ زيدا؟.
فمَنْ: اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ مبنيٌّ على السّكونِ في محلِّ رفعٍ.
وزيداً: خبرٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدّرةٍ في آخرِهِ منع من ظهورِهَا اشتغالُ المحل بحركةِ الحكايةِ.
ومثالُ حركةِ النّقلِ: كقولِهِ تعالى: {فمَنُ اوتِيَ}بنقلِ ضمَّةِ الهمزةِ إلى ما قبلَها وهو النّونُ.
ومثالُ حركةِ الإتباعِ: كقولِهِ: الحمدِ للهِ، بكسرِ الدّالِ، بإتباعِ حركةِ الدّالِ اللامَ وهي الكسرةُ.
وخرج بقولِهِ:(ولا تخلّصًا من ساكنين) حركةُ التّخلّصِ، كقولِهِ تعالى: {لم يكنِ الَّذينَ كفرُوا}.بكسرِ النّونِ.
وأمَّا معنى البناءِ عند من يقولُ إنَّ الإعرابَ معنويٌّ: فهو لزومُ آخرِ الكلمةِ حالةً واحدةً في الأحوالِ الثَّلاثةِ كهؤلاءِ، فإنَّه ملازمٌ للكسرةِ في الأحوالِ الثَّلاثةِ أعني: حالةَ الرَّفعِ والنَّصبِ والجرِّ.
تقولُ: جاءَ هؤلاءِ، ورأيتُ هؤلاءِ، ومررتُ بهؤلاءِ:
فهؤلاءِ:في المثالِ الأوَّلِ: فاعلٌ بجاءَ مبنيٌّ على الكسرِ في محلِّ رفعٍ.وفي المثالِ الثَّاني: مفعولٌ به مبنيٌّ على الكسرِ في محلِّ نصبٍ.
وفي المثالِ الثَّالثِ: مجرورٌ مبنيٌّ على الكسرِ في محلِّ جرٍّ.
وخرج بقولِ المصنِّفِ: (تغييرُ أواخرِ الكلمِ) تغييرُ الأوائلِ والأواسطِ، كقولِهِ في فَلْسٍ فُلَيْسٌ، وفي دِرْهمٍ دُرَيْهمٌ، فلا يُسمَّى هذا التّغييرُ إعرابًا.
فإن قلتَ:إنَّ التَّغييرَ فعلُ الفاعلِ فيكونُ صفةً للمغيِّرِ بكسرِ الياءِ، فكيف يصحّ جعلُهُ وصفًا للإعرابِ؟
قلت: مرادُهُ بالتَّغييرِ التَّغير من إطلاقِ المصدرِ وإرادةِ أثرِهِ.
وقولُهُ: (أواخرُ الكلمِ): جمعُ آخرٍ، والمرادُ بتغييرِ أواخرِ الكلمِ: تغييرُ كلِّ آخرٍ على حدتِهِ، وهو تصييرُهُ:
- مرفوعاً إذا رُكِّبَ مع عاملٍ يقتضي الرَّفعَ كـ(جاء وقام).
- أو منصوباً إذا رُكِّبَ مع عاملٍ يقتضي النَّصبَ كـ(ضربتُ).
- أو مجروراً إذا رُكِّبَ مع عاملٍ يقتضي الجرَّ، وهو الباءُ والمضافُ.
فإن قلتَ: إنَّ الآخرَ ليس متغيِّرًا في نحوِ: جاء زيدٌ، ورأيتُ زيداً، ومررتُ بزيدٍ، فإنَّ الدَّالَ لم تتغيَّرْ وإنَّما التَّغيُّرُ للحركةِ؟
فالجوابُ:إنَّ كلامَ المصنِّفِ على حذفِ مضافٍ، والتَّقديرُ: تغييرُ أحوالِ أواخرِ الكلمِ، أي: تغيّرُ صفاتِهَا.
والمرادُ بالكَلِمِ: الاسمُ المتمكِّنُ والفعلُ المضارعُ الخالي من نونِ الإناثِ ونوني التَّوكيدِ.
أمَّا إذا اتّصلَتْ به نونُ النّسوةِ: فإنَّه يُبنَى على السّكونِ، كما في قولِكَ: النّسوةُ يتربَّصْنَ:
فالنّسوةُ: مبتدأٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ ظاهرةٍ في آخرِهِ.
ويتربَّصْنَ: فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على السّكونِ في محلِّ رفعٍ، ونونُ النّسوةِ فاعلٌ في محلِّ رفعٍ، والجملةُ من الفعلِ والفاعلِ: في محلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأ.
وأمَّا إذا اتّصلَتْ به نونُ التَّوكيدِ الخفيفةُ أو الثَّقيلةُ:
فإنَّه يُبنَى على الفتحِ، كما في قولِهِ تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ ولَيَكُونَن}:
فاللامُ: موطّئةٌ للقسمِ.ويسجنَنَّ: فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ رفعٍ لاتّصالِهِ بنونِ التَّوكيدِ الثَّقيلةِ.
وقولُهُ: وليكونَن: اللامُ: موطّئةٌ للقسمِ.
ويكونَن: فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على الفتحِ لاتّصالِهِ بنونِ التَّوكيدِ الخفيفةِ.
والفرقُ بين نونِ التَّوكيدِ الخفيفةِ والثَّقيلةِ وبين نونِ النّسوةِ:
أنَّ نونَ التّوكيدِ حرفٌ لا محلَّ له من الإعرابِ، ونونُ النّسوةِ اسمٌ، وهو فاعلٌ في محلِّ رفعٍ.وقد عُلِمَ ممَّا تقدَّمَ: أنَّ الفعلَ إذا اتّصلَ به نونا التَّوكيدِ بُنِيَ على الفتحِ، وإذا اتَّصلَ به نونُ النّسوةِ بُنِيَ على السّكونِ.
قوله: (لاختلافِ العواملِ): اللامُ للتَّعليلِ، يعني: أنَّ اختلافَ العواملِ علَّةٌ لتغييرِ أحوالِ أواخرِ الكلمِ.
قوله: (الدَّاخلةِ عليها): صفةٌ للعواملِ، وفيه: أنَّ العواملَ جمعٌ، والدَّاخلةُ مفردٌ فكيف يصحّ وصفُ الجمعِ بالمفردِ؟
ويُجابُ: بأنَّ العواملَ جمعُ كثرةٍ لما لا يعقلُ، والأفصحُ وصفُهُ بالمفردِ كما قال العلامةُ الأجهوريُّ:
وجمـعُ كـثـرةٍ لـمـا لا يعـقل= الأفصحُ الإفرادُ فيه يافُلُ
(عليها): أي: الكلم، يجوز في ضميرِهِ التَّذكيرُ والتَّأنيثُ؛ لأنَّه اسمُ جنسٍ جمعيٌّ، واسمُ الجنسِ الجمعيُّ يجوزُ في ضميرِهِ التَّذكيرُ والتَّأنيثُ.
قوله: (لفظاً أو تقديراً): منصوبان على الحالِ، أو منصوبان على التَّمييزِ، أي: تغييرُ أواخرِ الكلمِ من جهةِ اللفظِ أو من جهةِ التَّقديرِ.
ويصحُّ نصبُهُمَا على المصدريَّةِ صفةً لموصوفٍ محذوفٍ، أي: تغييراً لفظيًّا أو تغييراً تقديريًّا.
ويصحّ أن يكونا منصوبين بنزعِ الخافضِ،أي: التّغييرُ في اللفظِ أو في التَّقديرِ.
ويصحُّ أن يكونا خبرين لكان المحذوفةِ، أي: سواءٌ كان التَّغييرُ لفظاً أو تقديراً.لكنَّ الأَْوْلى نصبُهُما على التَّمييزِ؛لأنَّ وقوعَ المصدرِ حالاً وإن كان كثيراً فهو مقصورٌ على السَّماعِ، والنَّصبُ بنزعِ الخافضِ شاذٌّ، وحذفُ كان بدونِ إنْ الشّرطيَّةِ أو لو قليلٌ.فالأوْلى جعلُهُ تمييزاً كما تقدَّمَ من الخمسةِ أوجهٍ.قوله: (أو تقديراً): اعترض بأنَّ (أو) لا يجوزُ ذكرُهَا في الحدودِ كما قالَ صاحبُ (السّلمِ): ولا يجوزُ في الحدودِ ذكرُ أَوْويُجابُ: بأنَّ الممنوعَ دخولُ (أو) الَّتي للشّكِّ والتّرديدِ، و(أو) هنا للتَّقسيمِ.
فمثالُ التَّغييرِ لفظاً: كما في قولِكَ: جاء زيدٌ، ورأيت زيدًا، ومررتُ بزيدٍ.
ومثالُ الإعرابِ التَّقديريِّ: جاء الفتى ورأيتُ الفتى ومررتُ بالفتى.
فالفتى. في المثالِ الأوَّلِ: فاعلٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدّرةٍ على الألفِ اللفظيَّةِ.وفي المثالِ الثَّاني: مفعولٌ به منصوبٌ بفتحةٍ مقدّرةٍ على الألفِ منع من ظهورِهَا التّعذّرُ.
وفي المثالِ الثَّالثِ: مجرورٌ بكسرةٍ مقدّرةٍ على الألفِ منع من ظهورِهَا التّعذّرُ.
هذا كلُّه إذا كانت الألفُ موجودةً في نحوِ: (الفتى والعصا).
فإن كانت محذوفةً كقولِكَ: (جاء فتًى، ورأيتُ فتًى، ومررتُ بفتىً)، بالتَّنوينِ.
فتقولُ في إعرابِ المثالِ الأوَّلِ: (جاء فتًى).
جاء: فعلٌ ماضٍ.
وفتًى: فاعلٌ مرفوعٌ ورفعُهُ ضمَّةٌ مقدّرةٌ على الألفِ المحذوفةِ لالتقاءِ الساَّكنين، منَعَ من ظهورِهَا التّعذّرُ.
وتقولُ في إعرابِ المثالِ الثَّاني: (رأيتُ فتًى).
رأى: فعلٌ ماضٍ والتَّاءُ فاعلٌ.
وفتىً: مفعولٌ به منصوبٌ بفتحةٍ مقدّرةٍ على الألفِ المحذوفةِ.
وتقولُ في المثالِ الثَّالثِ: (مررتُ بفتًى).
مرَّ: فعلٌ ماضٍ والتَّاءُ فاعلٌ.
وبفتًى: الباءُ حرفُ جرٍّ، وفتًى مجرورٌ بالباءِ، وجرُّهُ كسرةٌ مقدّرةٌ على الألفِ المحذوفةِ لالتقاءِ السّاكنين؛ لأنَّ أصلَهُ فَتَيٌ تحرَّكَتِ الياءُ وانفتحَ ما قبلَهَا، قُلِبَت ألفا فصار فتىً، فالتقَى ساكنان الألفُ والتَّنوينُ، حُذِفَتِ الألفُ لالتقاءِ السّاكنين فصار فتىً.
وهذا يُسمَّى مقصوراً،نحو: عصا ورحا، وهو كلُّ اسمٍ معربٍ آخرُهُ ألفٌ لازمةٌ قبلَهَا فتحةٌ كقولِكَ: (جاء الفتى) مثلاً كما تقدَّمَ.
وأمَّا المنقوصُ: فهو: كلُّ اسمٍ معربٍ آخرُهُ ياءٌ لازمةٌ قبلها كسرةٌ كقولِكَ: جاء القاضي: فالقاضي: فاعلٌ بـ(جاء) مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدّرةٍ على الياءِ منع من ظهورِهَا الثّقلُ.هذا حكمُهُ إذا كانت الياءُ موجودةً، فإن كانت الياءُ محذوفةً كقولِكَ: (جاء قاضٍ): فإنَّه فاعلٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدّرةٍ على الياءِ المحذوفةِ لالتقاءِ السّاكنين منعَ من ظهورِهَا الثّقلُ؛ لأنَّ أصلَهُ قاضيٌ استُثْقِلَت الضَّمَّةُ على الياءِ فحُذِفَتِ الضّمَّةُ فصار قاضي، حُذفت الياءُ لالتقاءِ السَّاكنين، والسَّاكنان هما الياءُ والتّنوين، فصار قاضٍ.
وحكمُ المنقوصِ: أن يقدَّرَ فيه الرَّفعُ والجرُّ، ويظهرُ النَّصبُ؛ لأنَّه خفيفٌ، كما في قولِهِ تعالى: {أجيبوا داعيَ اللهِ}.بخلافِ الاسمِ المقصورِ، فيُقدَّرُ فيه جميعُ الحركاتِ في الأحوالِ الثَّلاثةِ.هذا حكمُ المقصورِ والمنقوصِ.
وأمَّا المضافُ إلى ياءِ المتكلّمِ: فإنَّه تُقدَّرُ فيه الحركاتُ الثّلاثُ على ما قبلَ ياءِ المتكلّمِ، كقولِكَ: (جاءَ غلامي، ورأيتُ غلامي، ومررتُ بغلامي).
فغلامي في المثالِ الأوَّلِ: فاعلٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدّرةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلّمِ، منع من ظهورِهَا اشتغالُ المحلِّ بحركةِ المناسبةِ.
وغلامُ: مضافٌ، وياءُ المتكلّمِ: مضافٌ إليه في محلِّ جرٍّ.
وغلامي في المثالِ الثَّاني: مفعولٌ به منصوبٌ بفتحةٍ مقدّرةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلّمِ.وغلامَ: مضافٌ، وياءُ المتكلّمِ: مضافٌ إليهِ.
وغلامي في المثالِ الثالث: مجرور بكسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم.
وغلامِ: مضافٌ، وياءُ المتكلّمِ: مضافٌ إليه.
وهذا هو التّعذّرُ العرضيُّ؛لأنَّ المحلَّ اشتغلَ بحركةِ المناسبةِ، فتعذَّرَ ظهورُ الحركةِ الإعرابيَّةِ.
ويُسمَّى التّعذّرَ العرضيَّ؛لأنَّه بسببِ الإضافةِ لما علمتَ.وأمَّا التّعذّرُ الذّاتيُّ: فمثالُهُ ما تقدَّمَ من قولِنَا: جاء الفتى، ورأيتُ الفتى، ومررتُ بالفتى، لأنَّ ذاتَ الألفِ لا تقبلُ التَّحريكَ كقولِ بعضِ الحذَّاقِ: - بعدَ كلامٍ-: فكأنَّنِي ألفٌ وليسَ بممكنٍ تحريكُهُ وأمَّا الفعلُ المضارعُ:
- فإن كان صحيحاً: كـ(يضربُ) فيُرفعُ بالضّمَّةِ، ويُنصبُ بالفتحةِ، نحو: لن يضربَ، ويجزمُ بالسّكونِ نحو: لم يضربْ.
- وإن كان معتلاًّ -وهو ما آخرُهُ حرفُ علّةٍ ألفاً أو واواً أو ياءً-:
- فإن كان آخرُهُ ألفاً: كـ(يخشى): فيُرفعُ بضمَّةٍ مقدّرةٍ على الألفِ منع من ظهورِهَا التّعذّرُ.
ويُنصَبُ بفتحةٍ مقدَّرةٍ على الألفِ نحو: لن يخشى:
فلن: حرفُ نفي ونصبٍ واستقبالٍ.
ويخشى: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بلن، ونصبُهُ فتحةٌ مقدّرةٌ على الألفِ منع من ظهورِهَا التّعذّرُ.
ويجزمُ بحذفِ آخرِهِ نحو: لم يخشَ: فلم: حرفُ نفي وجزمٍ وقلبٍ.
ويخشَ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بِلَمْ، وعلامةُ جزمِهِ حذفُ الألفِ.
- وإن كان في آخرِهِ واوٌ: فيُرفعُ بالضّمَّةِ المقدّرةِ نحو: يدعو، وهو فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدّرةٍ على الواوِ منع من ظهورِهَا الثّقلُ.
ويُنصَبُ بالفتحةِ الظَّاهرةِ نحو: لن يدعوَ:فلن: حرفُ نفي ونصبٍ واستقبالٍ.
ويدعو: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بلن، ونصبُهُ فتحةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ.
ويُجزَمُ بحذفِ آخرِهِ، نحو: لم يدعُ: فيدعُ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلم، وجزمُهُ حذفُ حرفِ العلّةِ وهو الواوُ، والضّمّةُ قبلها دليلٌ عليها.
- وإن كانَ في آخرِهِ ياءٌ: فيُرفَعُ بضمَّةٍ مقدّرةٍ على الياءِ منع من ظهورِهَا الثّقلُ، نحو: يرمي.ويُنصَبُ بالفتحةِ الظَّاهرةِ نحو: لن يرميَ:
فيرميَ: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بِلَنْ، ونصبُهُ فتحةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ.
ويُجزَمُ بحذفِ الياءِ نحو: لم يرمِ:فيرمِ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بِلَمْ، وجزمُهُ حذفُ الياءِ.