".. ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذمي إلى ذم الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب العباد وأمنوا على ذنوبه.. "
وصية جليلة من الإمام العابد الزاهد المخبت أبو يزيد الربيع بن خثيم الثوري ؛ يعلمنا فيها الاقبال على النفس بالتزكية والإصلاح، والإنشغال بعيوبها عن عيوب الناس ، وبمثل هذه الآداب أفلح القوم وسبقوا.
قال إبراهيم التيمي: (أخبرني من صحب ابن خثيم عشرين عاما ما سمع منه كلمة تُعاب).
والربيع بن الخيثم ثقة جليل القدر كبير الشأن في التابعين من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام، ولم ير النبيَّ صلى الله عليه وسلم، نزل الكوفة وصحب ابن مسعود؛ وتعلّم من علمه وهديه وسمته، وروى عنه.
خشية واخبات ..
وكان عبد الله بن مسعود إذا رأى الربيع بن خثيم مقبلا قال : {بشر المخبتين}، أما والله لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك).
وكان من خشيته أنه مرّ يوما بالحدّادين فنظر إلى الكير وما فيه فتذكر النار فخرّ مغشيّاً عليه.
سلامة صدر للمسلمين..
وبلغ من سلامة صدره أنه سُرق له فرس وقد أعطى به عشرين ألفا فاجتمع عليه حيُّه وقالوا: ادع الله عليه؛ فقال: (اللهم إن كان غنيا فاغفر له، وإن كان فقيراً فأغنه).
وكان حريصاً رحمه الله على تحقيق الإخلاص معتنياً به..
قالت سرّيته: (كان الربيع يدخل عليه الداخل وفي حجره المصحف يقرأ فيه فيغطيه).
وكان يقول: (كل ما لا يراد به وجه الله يضمحلّ).
وكان من العلماء الحكماء، عظيم الزهد في الدنيا، بصيراً بأمر دينه، ناصحاً للمسلمين، وله وصايا مأثورة، وحكم مشهورة، وأخبار وآثار اعتنى السلف بتدوينها وروايتها،
وأفرد لها ابن أبي شيبة باباً في مصنفه في كتاب الزهد، ونقل منها طائفة ابن سعد،
وكان مع ذلك متواضعا لا يرى لنفسه فضلا، إذا قيل له: كيف أصبحتم؟ قال: ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا)،
وكان يبكي حتى تبتل لحيته من دموعه ويقول: (أدركنا قوما كنا في جنوبهم لصوصا)
من وصاياه الجليلة:
«يا بكر، اخزن عليك لسانك إلا مما لك ولا عليك، فإني اتهمت الناس على ديني، أطع الله فيما علمت، وما استؤثر به عليك فكله إلى عالمه،
لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ، ما خيركم اليوم بخيرٍ، ولكنه خيرٌ من آخر شر منه، ما تتبعون الخير كل اتباعه، ولا تفرون من الشر حق فراره،
ما كل ما أنزل الله على محمدٍ أدركتم، ولا كل ما تقرءون تدرون ما هو، السرائر اللاتي يخفين على الناس هن لله بَوَادٍ، ابتغوا دواءها»
ثم يقول لنفسه: «وما دواؤها؟ أن تتوب ثم لا تعود»
روى عنه كثير من الأئمة منهم: الشعبي، وسعيد بن مسروق الثوري أبو سفيان، وبكر بن ماعز، وأبو رزين، ومنذر الثوري، ونسير بن ذعلوق، وغيرهم.
من مروياته في التفسير:
في ققوله تعالى: {وأحاطت به خطيئته} ، قال الربيع بن خثيم: (هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب).
وفي قوله تعالى: {فليضحكوا قليلا}، قال الربيع بن خثيم: في الدنيا، {وليبكوا كثيرًا} قال: في الآخرة.
توفي رحمه الله سنة 61 ه.
مما يستفاد من سيرته رحمه الله:
1- ما انشغل امرء بالناس نقدا أو رياء إلا لغفلته عن نفسه وربه.
2- حفظ اللسان عن الخوض في عيوب الناس.
3- الحرص على الحال التي يحبها الله ورسوله.
4- مما ينفع المرء ويصلح قلبه تذكر الله والآخرة في المواضع التي يغفل فيها الناس عادة مثل الأسواق.
5- الرحمة بالمذنب.
6- الحرص على اخفاء ما يمكن اخفاءه من الأعمال الصالحة.
7- أنى للإنسان أن يتكبر وكل ما هو فيه من فضل الله ورحمته.
8- التوبة دواء للسرائر.