أجب على الأسئلة التالية:
1: استخلص عناصر الباب الأول: كيفية نزول القرآن وتلاوته وذكر حفاظه في ذلك الأوان.
- المراد بتنزيل القرآن.
- فصل: في كيفية نزول القرآن.
- بيان ابتداء نزول القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان.
- بيان نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا.
- سبب نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا.
-زمن نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا.
- مسألة: قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} من جملة القرآن الذي نزل جملة، أم لا؟ فإن لم يكن منه فما نزل جملة، وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة؟
- بيان نزول القرآن إلى الأرض منجما حسب الوقائع والأحداث.
- سبب نزول القرآن منجما إلى الأرض.
- فصل: أول ما نزل من القرآن.
- فصل آخر ما نزل من القرآن.
- فصل: في كتابة القرآن.
- فصل: في توقيف ترتيب الآيات عن رسول الله.
- ترخيص قراءة القرآن على سبعة أحرف.
- فصل: في معارضة جبريل القرآن على رسول الله.
- فصل: في النسخ وأنواعه وأمثلته.
- فصل: في تأليف المصحف.
- فصل: في الجمع وأنواعه ومراحله.
- فصل: فيمن جمع القرآن من الصحابة.
- بيان أن ما بين أيدينا من المصاحف هي القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير نقص ولا تغيير ولا تحريف.
2: حرّر القول في المراد بالأحرف السبعة.
قيل في المراد بالأحرف السبعة أقوال ذكرها أبو شامة المقدسي نعرضها كالتالي:
1- أنها سبع لغات من لغات العرب, هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه نزل بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة. قال بذلك أبو عبيد القاسم, واختاره الحافظ أبو العلاء.
ودليله: قول ابن مسعود رضي الله عنه: "إني سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال"، وكذلك قول ابن سيرين: "إنما هو كقولك هلم وتعال وأقبل"، ثم فسره ابن سيرين فقال: في قراءة ابن مسعود (إن كانت إلا زقية واحدة)، وفي قراءتنا: {صيحة واحدة}، فالمعنى فيهما واحد، وعلى هذا سائر اللغات.
وقد ضعفه الأهوازي وعلل, فقال: أن اللغات في القبائل كثير عددها.
2- أن الله أباح أن يقرأ القرآن على سبعة أحرف من لغات العرب ما يحتمل ذلك من ألفاظ القرآن وعلى دونها ما يحتمل ذلك من جهة اختلاف اللغات وترادف الألفاظ توسيعا على العباد. نقله عن بعض الشيوخ ورجحه.
دليله: ما روي من صحيح مسلم عن أبي بن كعب أن رسول الله قال: "إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه يهون على أمتي فرد إلي في الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف..".
3- أن القرآن أنزل مرخصا للقارئ، وموسعا عليه أن يقرأه على سبعة أحرف، أي يقرأ بأي حرف شاء منها على البدل من صاحبه.
دليله: أنه قيل في الحديث: "على سبعة أحرف" وليس "أنزل القرآن سبعة أحرف" ليعلم أنه أريد به هذا المعنى، أي كأنه أنزل على هذا من الشرط، أو على هذا من الرخصة والتوسعة، وذلك لتسهل قراءته على الناس، ولو أخذوا بأن يقرءوه على حرف واحد لشق عليهم، ولكان ذلك داعية إلى الزهادة فيه وسببا للنفور عنه".
4- وقيل: أن المراد به التوسعة، ليس حصرا للعدد.
مثال ذلك: ما روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم، وهو ما قيل في معنى قوله تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} إنه جرى كالمثل في التعبير عن التكثير، لا حصرا في هذا العدد.
5- أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم، وعلى هذا أكثر أهل العلم. ذكره ابن عبدالبر.
دليله: حديث أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرئت القرآن فقلت: على حرف أو حرفين، فقال لي الملك الذي عندي: على حرفين، فقلت: على حرفين أو ثلاثة، فقال الملك: على ثلاثة، فقلت: على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف وليس منها إلا شاف كاف، غفورا رحيما، عليما حكيما، عزيزا حكيما، أي ذلك قلت فإنه كذلك)) -زاد بعضهم- ((ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب)).
6- ذهب قوم إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف، فمنها زاجر، ومنها آمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه.
دليلهم: حديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
قال ابن عبد البر:"هذا حديث عند أهل العلم لم يثبت، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به، وهذا الحديث مجتمع على ضعفه من جهة إسناده، وقد رده قوم من أهل النظر، منهم أحمد بن أبي عمران فيما سمعه الطحاوي منه قال: من قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد؛ لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه، أو يكون حلالا لا ما سواه؛ لأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله، أو حرام كله، أو أمثال كله.
كما أبطل الأهوازي تفسير الأحرف بالأصناف؛ لأن أصناف القرآن أكثر من ذلك، منها الإخبار، والاستخبار على وجه التقرير والتقريع، ومنها الوعد، والوعيد، والخبر بما كان وبما يكون، والقصص، والمواعظ، والاحتجاج، والتوحيد، والثناء، وغير ذلك.
7- وقال بعضهم: معنى ذلك هو الاختلاف الواقع في القرآن، يجمع ذلك سبعة أوجه: الجمع والتوحيد، كقوله تعالى: {وكتبه} "وكتابه"، والتذكير والتأنيث، كقوله تعالى: {لا يقبل} و"لا تقبل"، ونحو ذلك, ذكره الأهوازي والحافظ أبو العلاء ورجحاه, وروى الحافظ أن مالك بن أنس يذهب إلى هذا المعنى.
8- قال بعضهم: معنى ذلك سبعة معان في القراءة, مثل: أن يكون الحرف له معنى واحد، تختلف فيه قراءتان تخالفان بين نقطة ونقطة مثل {تعملون} و"يعملون", أو أن يكون المعنى واحدا وهو بلفظتين مختلفتين، مثل قوله تعالى: {فاسعوا} و"فامضوا", وغير ذلك. ذكره الأهوازي.
9- أن المراد اختلاف الصورة والمعنى، نحو: {وطلح منضود}، "وطلع منضود"، وقيل هما اسمان لشيء واحد، بمنزلة {العهن} و"الصوف"، و {الأثيم} و"الفاجر"، فيكون مما تختلف صورته في النطق والكتاب، ولا يختلف معناه. ذكره الأهوازي.
10- أن يكون الاختلاف في القراءتين، اختلافا في حروف الكلمة بما يغير معناها ولفظها من السماع، ولا يغير صورتها في الكتاب، نحو "ننشرها" و {ننشزها}. ذكره الأهوازي.
11- الاختلاف في بناء الكلمة بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها، نحو "البخل" و"البخل"، و"ميسرة"، و"ميسرة"، "يعكفون"، و{هل نجازي إلا الكفور} ". ذكره الأهوازي.
12- تغيير الصورة دون المعنى، نحو "العهن" و"الصوف"، و {صيحة} و"زقية"، {فومها} و"ثومها". ذكره الأهوازي.
13- اختلاف حركات الإعراب والبناء، بما يغير المعنى، والصورة واحدة، نحو "باعد، وباعد بين أسفارنا"، و"لقد علمت ما أنزل هؤلاء" بالضم والفتح". ذكره الأهوازي.
وهذه الطرق المذكورة في بيان وجود السبعة الأحرف في هذه القراءات المشهورة كلها ضعيفة؛ إذ لا دليل على تعيين ما عينه كل واحد منهم، ومن الممكن تعيين ما لم يعينوا. ثم لم يحصل حصر جميع القراءات فيما ذكروه من الضوابط، فما الدليل على جعل ما ذكروه مما دخل في ضابطهم من جملة الأحرف السبعة دون ما لم يدخل في ضابطهم, فعلى هذا وبعد فرز الأقوال ومحاولة الجمع بينها وبعد تضعيف ما ضعف منها يكون المراد بالأحرف السبعة على قولين:
- أن يكون المراد بالأحرف السبعة اللغات السبع مع اتحاد صورة الكتابة.
- الألفاظ المترادفة والمتقاربة المعاني كما سبق.
3: هل القراءات السبع هي الأحرف السبعة؟
يقول أبو شامة: قد ظن جماعة ممن لا خبرة له بأصول هذا العلم أن قراءة هؤلاء الأئمة السبعة هي التي عبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، فقراءة كل واحد من هؤلاء حرف من تلك الأحرف، ولقد أخطأ من نسب إلى ابن مجاهد أنه قال ذلك.
فعلى ذلك نقول ما قاله أبو محمد المكي: أن هذه القراءات كلها التي يقرؤها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه وعلى اطراح ما سواه، ولم ينقط ولم يضبط فاحتمل التأويل لذلك.
4: بيّن سبب اختلاف القراء بعد ثبوت المرسوم في المصحف.
قال أبو طاهر: أنه لما خلت تلك المصاحف من الشكل والإعجام وحصر الحروف المحتملة على أحد الوجوه وكان أهل كل ناحية من النواحي التي وجهت إليها المصاحف قد كان لهم في مصرهم ذلك من الصحابة معلمون كأبي موسى بالبصرة وعلي وعبد الله بالكوفة وزيد وأبي بن كعب بالحجاز ومعاذ وأبي الدرداء بالشام، فانتقلوا عما بان لهم أنهم أمروا بالانتقال عنه مما كان بأيديهم، وثبتوا على ما لم يكن في المصاحف الموجهة إليهم مما يستدلون به على انتقالهم عنه.
وقد قال ابن العربي: أنه لما أرسل أمير المؤمنين المصاحف إلى الأمصار الخمسة بعد أن كتبت بلغة قريش، فإن القرآن إنما نزل بلغتها ثم أذن رحمة من الله تعالى لكل طائفة من العرب أن تقرأ بلغتها على قدر استطاعتها، فلما صارت المصاحف في الآفاق غير مضبوطة ولا معجمة قرأها الناس فما أنفذوه منها نفذ، وما احتمل وجهين طلبوا فيه السماع حتى وجدوه".
"فلما أراد بعضهم أن يجمع ما شذ عن خط المصحف من الضبط جمعه على سبعة أوجه اقتداء بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))".
5: ما هي شروط قبول القراءة واعتبارها؟ وما حكم ما خالف هذه الشروط؟
كل قراءة اشتهرت فإنها مقبولة إن تحققت فيها هذه الشروط:
1- صحة الإسناد. 2- موافقتها خط المصحف. 3- عدم إنكارها من جهة العربية.
فإن اختلت أحد هذه الشروط فإن القراءة تصبح شاذة ضعيفة, والمأمور اجتناب ما خالف الإجماع من ذلك لا ما خالف شيئا من هذه الكتب المشهورة عند من لا خبرة له.
6: تكلّم بإيجاز عن وجوب العناية بفهم القرآن وتدبّره، والثمرّة المتحصّلة من ذلك.
إنك حينما تقصد أمرا فإنك تتعرف على وسائل الوصول إليه قبل قصده, وإن المهتم بكتاب الله بحفظه أو تلاوته مقصده عظم الانتفاع به في الدنيا, والأجر في الآخرة, وعلى هذا فإننا نقول له وبلسان القرآن نفسه :"كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ءاياته" و"الذين ءاتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته" وحق تلاوته باتباعه كما ذكر ذلك ابن عباس ومجاهد وعكرمة, فعلى ما ورد من أحاديث تشيد بحافظ القرآن وتاليه, إلا أن مقصد نزول القرآن هو فهمه وتدبره وتطبيقه, فهمك لهذا يوصلك لمقصدك, فإن مجرد القراءة إن لم يلازمها فهم وعمل فهي وبال على صاحبها, كما ورد أن قارئ القرآن قد يعذب ويكون حجة عليه إن لم ينتفع به, فوعيك لهذه الأمور تزيدك تدبرا لهذا الكتاب, وتفتح من بصيرتك على ما له الأولوية من فهم وتدبر وعمل على غيره, وقد ورد عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قام رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليل كله، حتى أصبح، بها يقوم وبها يركع وبها يسجد: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). فلو كانت العبرة بكم ختمت أو كم قرأت لما ذهب ليل رسول الله في آية وحدة, بل إن المقصد الانتفاع وحسن التدبر وتأمل الآي والخشوع معه.
وقد ورد عن الحسن البصري أنه قال: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان، لا علم لهم بتلاوته، ولم ينالوا الأمر من أوله. قال الله عز وجل: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}، أما تدبر آياته، اتباعه والعمل بعلمه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله، فما أسقط منه حرفا، وقد والله أسقطه كله ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نفس واحد، والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، متى كانت القراء تقول مثل هذا، لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء.
ومعرفتك بثمار تدبر القرآن تزيد من همتك لذلك, فنقول أن من ثمار تدبر القرآن:
1- تحقيق المقصد الشرعي الأساسي من تنزيل القرآن :{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}.
2- نيل الأجر العظيم والثواب الجزيل, فإذا كانت قراءة الحرف الواحد بحسنة, والحسنة بعشر أمثالها, كما ورد ذلك عن رسول الله, فكيف بمن يقرأ ليعي ويعمل؟.
3- ترقيق القلب وتليينه, فإن هذا القرآن لو أنزل على جبل "لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله", فكيف بقلوبنا؟ لكن استرقاق القلب يستلزم تنظيفه الدوري بما يطهر القلوب, ومن ذلك تدبر القرآن واستيعاب معانيه.
4- فهم القرآن وتدبره فلاح في الآخرة, ونجاح في الدنيا, فإن المرء تنغلق عليه المسألة من مسائل الدنيا, فيجد انفتاحها في آية تدله على الحل الصحيح.
5- نيل السعادة, وذهاب الهم والغم, وذلك أن المرء يستشعر معية الله بكلامه, ويستشعر فضل الله وكرمه بتدبر هذه الآيات, مما يذهب عن القلب الحزن والهم, وقد ورد أنه بذكر الله تطمئن القلوب :"ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
6- الخروج ممن قال الله عنهم :"كالحمار يحمل أسفارا" فإن قارئ القرآن دون فهمه, لا فرق بينه وبين الحمار الذي يحمل كتبا لا يعيها.
7- الخروج ممن قال الله عنهم :"وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا", فمن أنواع هجر القرآن هجر معانيه والعمل بها.
ولتدبر القرآن وفهمه ثمرات كثيرة جليلة, نكتفي بما أوردنا منها, رزقنا الله حسن الاتباع, ومما تعلمنا وقرأنا الانتفاع, والحمدلله رب العالمين.