المجموعة الأولى:
س1: بيّن معاني ما يلي مع بيان أحكامها بالدليل:
التمائم: جمع تميمة، تعلق على البشر أو الدواب, وليس لها شكلا معينا, بل التمائم اسم يعم كل ما يعلق لدفع العين, لاتقاء الضرر، أو لجلب خير نفسي.
حكم التمائم:
1- منها ما هو مجمع على تحريمه ودخوله في الشرك, وقد قال عليه الصلاة والسلام:"إن الرقى والتمائم والتولة شرك", و أرسل رسولا: "أن لا يبقين في عنق بعير قلادة من وتر أو قال: قلادة إلا قطعت", وقال عليه الصلاة والسلام:"من تعلق شيئا وكل إليه", وهذا النوع على ثلاث درجات:
الأولى: ما يكون منها شركا اكبرا مخرج من الملة, وهذا إن علقها معتقدا جلبها النفع أو دفعها الضر استقلالا, أو ما كان فيها استغاثة بالشياطين أو الأولياء.
الثانية: ما يكون منها شركا أصغرا, وهذا إن اعتقد بأنها سببا من الأسباب, وإن الله هو النافع الضار, فهذا شرك في الأسباب لأن الله لم يجعلها سببا لا شرعا ولا قدرا.
الثالثة: ما يكون تعليقها من باب الزينة من غير أن يصاحب تعليقها اعتقادا من اي نوع, فهذا محرم لأنه فيه مشابهة المشركين, وقد قال عليه الصلاة والسلام:"من تشبه بقوم فهو منهم", كما إنه ذريعة موصلة للشرك الأكبر إن داوم على تعليقها وزين له الشيطان نفعها أو دفعها للضر عنه.
2- من التمائم ما اختلف السلف في حكمه, وهو ما كان من القرآن الكريم أو الأدعية المأثورة, فاختلف فيه على قولين:
الأول: من قال بجواز تعليق التمائم من القرآن استدلالا بقوله تعالى:"وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين", واللفظ عام لم يخصص طريقة معينة للاستشفاء فيه, فيدخل في هذا استخدامه استخداما حسيا, وتعليقه تمائم لشفاء البدن أو الروح, وحملوا الحديث على التمائم الشركية لا التي من القرآن, وهو قول عمرو بن العاص, وظاهر ما روي عن عائشة, وقول أحمد بن الباقرو ورواية عن أحمد.
القول الثاني وهو الأصح: عدم جواز ذلك, وهو قول ابن مسعود واصحابه, وابن عباسو وظاهر قول حذيفة, وقال به جماعة من التابعين, وذلك للدليل والتعليل:
- فالدليل: إن النهي عن التمائم جاء عاما, "إن الرقى والتمائم والتولة شرك",ولفظ "التمائم" جمع محلى بأل الإستغرقية فتعم جميع التمائم, ولا يوجد دليل يخصص هذا العموم, كما إن الصفة التي وردت للاستشفاء بالقرآن هي القراءة, ولم يرد في تعليقه كتميمة دليل من القرآن او السنة, أو من فعل الصحابة رضوان الله عليهم.
أما التعليل:
- فلأن في منع تعليقه سدا للذريعة, فمن يرى التميمة على شخص لا يدري أهي من القرآن أم غيره, والناس كأسراب القطا يقلد بعضها بعضا.
- قد يتعلق بها قلب الشخص الذي علقها, فيعتقد فيها اعتقادا خاصا بها من جلب الفع أو دفع الضر استقلالا.
- فيه امتهان لكلام الله, فيدخل فيه الشخص أماكن النجاسة, أو قد يفعل أمورا تنافي قدسية القرآن, كالغيبة مثلا.
- قد يصل إليها من النجاسات التي تصيب الصبيان إن علقت عليهم, أو نجاسات البالغين بشكل عام إن هم فرطوا في المحافظة عليها.
- قد يستغنى بها الشخص عن قراءة القرآن والاستشفاء به على طريقة النبي عليه الصلاة والسلام, وهذا من أسو ما يكون.
فعلى هذا يكون الحكم المنع بالنسبة لجميع التمائم..
أما الرقى: فهي: جمع رقية، وتعني القراءة، وهي التي يقال لها العزائم, وحقيقتها: أنها أدعية وألفاظ تقال أو تتلى ثم ينفث بها.
وهي نوعان:
الأول: ما هو جائز مشروع, لقوله عليه الصلاة والسلام:"اعرضوا عليَّ رُقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن شرك", وقوله في حديث اللديغ عن الفاتحة:"وما أدراك إنها رقية", وهي من باب الإحسان, وجائزة في حق المرقي, فقد رقى الرسول عليه الصلاة والسلام, ورقته عائشة رضي الله عنها, إلا إنه لا يندب للعبد أن يسعى لطلبها, لما فيها من تعلق القلب بالراقي. فطلبها ينافي كمال التوحيد المستحب. وهذا النوع من الرقى يشترط فيه شروط ثلاثة:
1- أن تكون بالقرآن أو بما ثبت في السنة الصحيحة, أو بأسماء الله أو بصفاته.
2- أن تكون بالكلام العربي المفهوم معناه.
3- ألا يعتقد بأنها تنفع بنفسها، بل يتيقن قلبه بأنها مجرد سبب وبأن الشافي هو الله سبحانه.
الثاني: ما هو شرك:
- قد يكون أكبر إن كان فيه استغاثة بغير الله, أو دعاء غيره من الشياطين والأولياء, أو صرف عبادة لغير الله.
- وقد يكون الشرك اصغرا إن تعلق قلب المرقي بالرقية أو بالراقي, واعتمد عليها مع اعتقاده بأنها سبب وبأن الله هو الشافي سبحانه, وذلك لأن هذا ينافي كمال التوحيد الواجب.
س2: ما حكم رقية الكافر للمسلم؟
تجوز رقية الكافر من أهل الكتاب للمسلم ما لم تكن شركا وكانت بأسماء الله سبحانه وتعالى, أو بصفاته, أو بأدعية يسأل فيها الله تعالى, ودليله: حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, قالت: إن عبد الله رأى في عنقي خيطا ، فقال : ما هذا ؟ فقلت : خيط رقي لي فيه قالت : فأخذه فقطعه ، ثم قال : أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " فقلت : لم تقول هكذا ؟ لقد كانت عيني تقذف ، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي ، فإذا رقاها سكنت ، فقال عبد الله : إنما ذلك عمل الشيطان ، كان ينخسها بيده ، فإذا رقي كف عنها ، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول : " اذهب البأس ، رب الناس واشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ". رواه أبو داود .
فلو كان غير جائز لنهاها رضي الله عنه عن الذهاب إلى اليهودي الذي رقاها, ولبين لها عدم جواز ذلك.
س3: بيّن خطر التعلّق بغير الله تعالى.
التعلق بغير الله سبحانه وتعالى, قد يوصل العبد إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة, وهذا إن تعلق بما يستحيل أن يكون له أثر, كالتعلق بأصحاب القبور وسؤال الأولياء والاستغاثة بهم كما قال تعالى:"ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون", فهذا شابه المشركين فهو في حكمهم.
وقد يدخل صاحبه في الشرك الأصغر إن تعلق قلبه بسبب شرعي أو كوني, لأن هذا ينافي كمال التوحيد الواجب من تعلق القلب بالله وحده, وينافي يقين العبد أن السبب لا ينفع ولا يضر إلا بإذن الله وقدرته, فالأولى أن يصرف قلبه إلى مسبب الأسباب سبحانه وتعالى.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:"من تعلق شيئا وكل إليه", فكيف يكون حال عبد وكله الله إلى عبد مثله, أو إلى خيط أو خرزة أو غير ذلك مما لا يملك ضرا ولا نفعا!! فهذا مصيره إلى الخذلان والخسارة في الدنيا والآخرة إن هو بقي على حاله هذه.
فيكون مشتتا, ضعيفا, يجري وراء الأسباب, لا يدرك لذة التوكل على الله سبحانه, ولا يدري معنى استقرار القلب وسكونه بيقين إلى خالقه, حيث يجعل الله في قلبه الرضا, فلا يجزع ولا يتسخط.
لذلك كان من كمل توحيدهم الكمال المستحب, يتجنبون ما كان فيه ذريعة لتعلق القلب بغير الله, وما كان فيه خدش لكمال توكلهم على خالقهم, فجاء في وصفهم في حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب بأنهم:"لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون", وهذا كان من كمال توكلهم على الله وتفويضهم جميع الأمور إليه سبحانه.
وقد قال تعالى:"ومن يتوكل على الله فهو حسبه".
س4: فصّل القول في أحكام التبرّك.
التبرك:طلب الخير الكثير، وطلب ثباته، وطلب لزومه.
وقد دلت النصوص على أن الله هو الذي يبارك، قال تعالى:"تبارك الذي نزل الفرقان على عبده", وقال:"وجعلني مباركاً", فلا يجوز لأحد أن ينسب حصول البركة من غير الله تعالى, لأنه سبحانه هو الذي بيده الملك والأمر.
والتبرك أقسام:
1- التبرك المشروع:
دلت النصوص على أن الله تعالى, خص بعض الأزمنة وبعض الأمكنة وبعض الذوات ببركة خاصة, قال تعالى في المسجد الأقصى:"الذي باركنا حوله"وهذا مثال لما بارك الله من أمكنة, وهي مباركة من جهة ما يحصل فيها من عبادات يحبها الله تعالى, فيحصل للعبد الثواب والخير الكثير.
وبركة الأزمنة: كبركة شهر رمضان, وبركة ليلة القدر, قال تعالى:"ليلة القدر خير من ألف شهر" فالبركة من جهة ما يحصل من مضاعفة الثواب وفضل العبادة في هذا الوقت .
- البركة التي وضعها الله في بني آدم: منها ما هو بركة ذاتية, ومنها ما هي بركة معنوية:
فالبركة الذاتية يختص بها الأنبياء فقط, فقد جعل الله تعالى أجسادهم مباركة, فلو تبرك أحد بجسد نبي بالتمسح به, أو بأخذ عرقه, أو ماء وضوئه, أو غيره, لجاز لهم ذلك, وقد ثبت بأن الصحابة رضوان الله عليهم, كانوا يتبركون بماء وضوء النبي عليه الصلاة والسلام, وعرقه, وهذا خاص بالأنبياء فقط, ولا يجوز لأحد أن يدعي المماثلة لهم في هذا, ولم يرد على أن الصحابة تبركوا بأبي بكر رضي الله عنه, مع عظم فضله, فعدم جواز التبرك بمن بعده يكون من باب أولى.
أما قول أسيد بن خضير:"ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر" فليس المقصود منها البركة الذاتية, بل هي بركة العمل الصالح, وقد قال عليه الصلاة والسلام:"إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم" فدل هذا على أن المؤمن فيه بركة, وهذا بسبب ما قام في قلبه من توحيد, وإيمان, وتعظيم لله, ودعوة إليه, وما يعمله من عمل صالح.
فهذا النوع من البركة لا ينتقل , فيكون طريق التبرك بهم: الأخذ من علمهم, والاقتداء بهم, أما التمسح بهم واعتقاد بركتهم الذاتية, فلا يجوز.
2- التبرك المحرم:
- التبرك المحرم قد يكون شركا أكبرا, وهذا إن قصد مكانا, أو قبرا, أو شجر أوحجر, أو شخصا, طالبا بركتها, فتمرغ بها, أو التصق بها معتقدا بأنها تقربه إلى الله, وبأنها واسطة بينه وبين الله تعالى, فهذا قد وقع في قلبه تعظيم هذا الشيء, لذلك عكف عنده ولازمه تقربا ورجاء ورهبة ومحبة, وطلب بركته تقربا لله عز وجل, وهذه الأفعال جميعها من أنواع العبادات التي لا تصرف إلا لله عز وجل, وهذا هو عين ما كان يفعله أهل الجاهلية الذين بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إليهم, حيث جعلوا لله أندادا صرفوا لهم عبادات لا يجوز صرفها إلا لله, قال تعالى:"والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى", وقال " ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون".
- وقد يكون التبرك شركا أصغر: إذا فعل ما فعل اعتقادا منه بأن هذا سببا لحصول البركة, كان يتمسح بجدار المكان أو ينثر ترابه عليه طلبا لحصول البركة لا اعتقادا بأنها توصل لله, فهذا لم يصرف عبادة لغير الله وإنما جعل ما ليس سببا سببا, كمن تقلد التميمة سببا لدفع العين دون اعتقاد نفعها أو ضرها استقلالا, وهذا كطلب الصحابة رضوان الله عليهم من الرسول عليه الصلاة والسلام بقولهم:"اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط", فهم أرادوا جعلها سببا لحصول البركة لا إنهم أرادوا صرف عبادة لها, وظنوا بأن هذا محبوبا لله عز وجل, فوقعوا في الشرك الأصغر, لذلك لم يأمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بتجديد إسلامهم.
س5: اذكر ما استفدته من قصّة ذات أنواط.
- أهمية العلم, فإنما وقع هذا من الصحابة رضوان الله عليهم, كان بسبب عدم إحاطتهم بحكم المسألة.
- قبح مشابهة المشركين, لذلك كان التشبه بهم محرم.
- الرفق في الدعوة, وعذر الجاهل, وتعليمه ما يحتاجه مما لا يسع المسلم جهله.
- ضرورة تعلم التوحيد تفصيلا لا إجمالا, وهذا ما فيه نجاة العبد من النار.
- ضرورة معرفة ما هو الشرك, بأنواعه وتفاصيله, حتى يسلم الموحد من الوقوع فيه.
- قوله عليه الصلاة والسلام:"لتركبن سنن من كان قبلكم" فيه تحذير لأمته حتى يجتنبوا تقليد اليهود والنصارى, ويقع بغضهم في قلوب المسلمين من قبح ما وقعوا فيه من الشرك.
- عدم العجب والأمن على النفس من الوقوع في الشرك, فالصحابة رضوان الله عليهم, طلبوا لأنفسهم "ذات أنواط", فوقوع غيرهم فيه من باب أولى.
- إذا وفق الله عبدا للتوبة والهداية, فعليه أن يلزم صحبة الصالحين, فهي تعين على التخلص مما كان عليه من معتقدات فاسدة لا يعلم مدى فسادها.
س6: كيف تردّ على من زعم أن التبرّك بآثار الصالحين مستحب؟
من أجاز التبرك بآثار الصالحين, استدل بفعل الصحابة رضوان الله عليهم مع النبي عليه الصلاة والسلام, وتبركهم بريقه, وعرقه, وغير ذلك, فقاس باقي الصالحين على النبي عليه الصلاة والسلام, وهذا خطأ لعدة أسباب منها:
1- بركة النبي عليه الصلاة والسلام, ذاتية ولا يساويه أحد في هذا الفضل ولا حتى يقاربه, فلا يقاس غيره عليه.
2- التيقن بصلاح شخص أمر متعذر, فالصلاح مكانه القلب, والجزم بصلاح عبد لا بد فيه من نص, كمن رضي الله عنه في القرآن من المهاجرين والأنصار, أو من شهد لهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة, أو من شهدت لهم الأمة بالصلاح من الأئمة في القرون الفضلى, أما غيرهم فغاية الأمر أن يظن بهم خيرا.
3- لو شهدنا لشخص بالصلاح حال حياته, فلا نجزم بأن يختم له بخاتمة حسنة.
4- لم يكن هذا فعل الصحابة رضوان الله عليهم, ولنا فيهم قدوة حسنة, فلم يتبركوا بغير النبي عليه الصلاة والسلام, وقد كان فيهم أفضل هه الأمة بعد نبيها, ولا فعله من بعدهم مع من أجمعت الأمة على صلاحهم: كالحسن البصري, أو أويس القرني, فدل هذا على خصوصية النبي عليه الصلاة والسلام, بالنسبة لهذا الأمر.
5- قد يكون هذا كالمدح في الوجه الذي نهى النبي عليه الصلاة والسلام, عنه, فيجلب على المتبرك به العجب والغرور والرياء, فيفسد عمله.
س7: ما حكم أكل ذبائح أهل الكتاب؟
قال تعالى:" وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم", فالأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل:
- فإن ذكروا اسم الله عليها: فهذا لا إشكال في حله.
- وإن ذكروا اسم المسيح أو الصليب عند الذبح وذبحوها تقربا وعبادة لهم, فهذا أيضا لا خلاف في تحريمه, قال تعالى:"وما أهل به لغير الله", وقد قال شيخ الإسلام في الآية:" الظاهر أنه ما ذبح لغير الله ، مثل أن يقال : هذا ذبيحة لكذا...وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبح للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه ، كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله ، فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح أو الزهرة أو قصد به ذلك أولى ، فإن العبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله".
وقال عليه الصلاة والسلام:" لعن الله من ذبح لغير الله " قال النووي : المراد أن يذبح باسم غير اسم الله كمن ذبح للصنم أو للصليب أو لموسى أو لعيسى أو للكعبة أو نحو ذلك ، فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو يهوديا أو نصرانيا كما نص على ذلك الشافعي ، وأصحابه, فإن قصد الذابح مع ذلك تعظيم المذبوح له وكان غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرا ، فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا انتهى .
- أما ما ذبح للحم وذكر اسم غير الله عليه, كاسم المسيح أو مريم عليهما السلام, فقد اختلف العلماء فيه:
فالقول الأول: جواز الأكل منه, قال ابن عباس : قال الله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ، ثم استثنى فقال : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" يعني ذبيحة اليهودي والنصراني ; وإن كان النصراني يقول عند الذبح : باسم المسيح, واليهودي يقول : باسم عزير ; وذلك لأنهم يذبحون على الملة .
وقال عطاء : كل من ذبيحة النصراني وإن قال باسم المسيح ; لأن الله جل وعز قد أباح ذبائحهم ، وقد علم ما يقولون ، وهو قول القاسم بن مخيمرة, والزهري, وربيعة, والشعبي, ومكحول, وروي عن أبي الدرداء, وعبادة بن الصامت .
القول الثاني: عدم جواز الأكل منها, وقال بهذا من الصحابة علي وعائشة وابن عمر, وهو قول طاوس والحسن لقوله تعالى:" ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق" ، والتحريم ظاهر قول شيخ الإسلام, ووافقه عليه طائفة من العلماء.
وهذا كله فيما لو عُلم حال الذبيحة وحال الذابح.
أما لو لم يعلم ماذا ذكر عليها, فلا يبحث, والأصل في ذبائحهم الحل.
س8: ما حكم الذبح في مكان يُذبح فيه لغير الله تعالى؟
يحرم الذبح في مكان يذبح فيه لغير الله تعالى, لما جاء في حديث الرجل الذي نذر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم.
فأجاز له الرسول عليه الصلاة والسلام, أن يوفي بنذره بعد أن تأكد من الرجل بأن المكان لم يكن محلا للأوثان ولا لإقامة أعياد الكفار, فدل هذا على أنه لو وجد هذا المانع في المكان, لما جاز له الوفاء بنذره.
وقوله عليه الصلاة والسلام:"فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله" دليل على أن الذبح في مكان كان يعظم فيه غير الله, وكان يذبح فيه لغير الله: معصية لا يجوز الوفاء بها, وإنما كان ذلك سدا للذريعة, ومنعا من مشابهة المشركين, فلو ذبح المسلم ذبيحة في مكان يذبح فيه لغير الله فقد شابههم في ظاهر الفعل, وهذا يؤدي إلى عدة مفاسد:
- موافقتهم الظاهرة تؤدي ولو بعد حين إلى الموافقة الباطنة.
- التلبيس على الناس, وقد يجر هذا إلى تقليده وتعظيم هذا المحل.
.- سوء الظن به من قبل الموحدين.
لذلك قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام, في مسألة مسجد ضرار:"لا تقم فيه أبدا", لأن صلاة المنافقين تشبه صلاة غيرهم من المؤمنين, وصلاة النبي عليه الصلاة والسلام, فيه, قد تجر إلى تعظيمه, وموافقة البعض للمنافقين فيما يبطنونه من كفر وخبث وحقد على المؤمنين, وفيما يخططونه من إلحاق الأذية بهم.