القارئ: قال: إطلاق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي
وكان الحاكم أبو عبد الله,والخطيب البغدادي يسميان كتاب الترمذي الجامع الصحيح,وهذا تساهل منهما؛فإن فيه أحاديث كثيرة منكرة، وقول الحافظ أبي علي ابن السكن,وكذا الخطيب البغدادي في كتاب السنن للنسائي: إنه صحيح فيه نظر,وإن له شرط في الرجال أشد من شرط مسلم غير مسلم,وإن فيه رجالاً علنا أو حالا,وفيهم المجموع,وفيه أحاديث ضعيفة ومعللة ومنكرة,كما نبهنا عليه في (الأحكام الكبير).
الشيخ: هذا التنبيه من الحافظ ابن كثير رحمه الله تنبيه في محله؛ لأن هناك من أطلق وصف الصحة على كتاب الجامع للترمذي,أو كتاب السنن للترمذي,ولعلكم تجدون هذا في بعض الطبعات الموجودة في الأسواق، مكتوب عليها: الجامع الصحيح، وهذه التسمية ليست صحيحة؛لأن الترمذي نفسه ما أراد هذه التسمية؛فهناك عدة أحاديث ينبه الترمذي على ضعفها ويضعفها هو بنفسه,ويعللها,فلماذا نحمل إذن كلام الترمذي ما لا يحتمل, أو لماذا نحمل الترمذي ما لا يحتمل؟ هذا مع أن واقع الكتاب يبين أن الأحاديث المنتقدة على الترمذي حقيقة أكثر من الأحاديث.. أو الأحاديث الضعيفة والضعيفة جداً والموضوعة في كتاب الترمذي أكثر من الأحاديث الموجودة في سنن أبي داود وسنن النسائي.
فكتاب الترمذي فيه أحاديث موضوعة,وإن لم تكن بالكثيرة,وفيه أحاديث ضعيفة جداً ومناكير,والضعيف فقط هذا كثير,ومنه أشياء يبينها الترمذي وهي كثيرة أيضاً.
فهذا يدُلُّ على أنَّ إطلاقَ وصفِ الصحَّةِ على كتاب الترمذي هذا غير صحيح، وأن من سماه كذلك فإنه قد تجوز تجوزا غير مرضي,فرحم الله الجميع.
وكذلك أيضاً كتاب النسائي، فكتاب (السنن) للنسائي سواء السنن الكبرى أو السنن الصغرى,لا يليق إطلاق وصف الصحة عليه,وإن كانت الأحاديث التي في السنن الصغرى أنقى من الأحاديث الموجودة في.. أو الزائدة في السنن الكبرى؛لأن السنن الصغرى كالمجتنبى والمختصر من السنن الكبرى,وإن كان القول الراجح أنها رواية ابن السني لسنن النسائي,والروايات تختلف قلة وكثرة؛ فرواية ابن السني لسنن النسائي جاءت هكذا بهذا المقدار الموجود بين أيدينا,أما الروايات الأخرى كرواية ابن الأحمر وابن سيار وغيرها من الروايات فتلك الروايات فيها أحاديث زائدة على ما في رواية ابن السني,كما أن أيضاً رواية ابن السني يبدو أن فيها أحاديث زائدة على ما في الروايات الأخرى,فيوجد في كل رواية ما ليس في الرواية الأخرى.
لكن بعض العلماء نظر إلى هذه الرواية التي هي رواية ابن السني,وهي التي اشتهرت وانتشرت بأيدي الناس,نظر إليها ووجد أن كثيراً من أحاديثها أحاديث جيدة,منها الصحيح ومنها الحسن,والضعيف فيها يعتبر إلى حد ما قليلاً,ولكنه موجود، بل يوجد فيها أحاديث ضعيفة جداً,وأما الموضوع فهو نادر هذا في كتاب المجتبى السنن الصغرى,أما السنن الكبرى فيوجد فيها جملة من الأحاديث الموضوعة.
على كل حال, على كلا الحالين,سواء أريد السنن الكبرى أو السنن الصغرى,فإطلاق وصف الصحة عليها غير صحيح.
وينبه الحافظ ابن كثير رحمه الله على أمر قد ذكره بعض العلماء,حينما قال: إن للنسائي شرطا في الرجال أقوى من شرط مسلم.وقد وجه إلي سؤال من أحد الإخوة أرجأته لهذا الموضع؛ لأن السؤال كان فيه تعجل لأن الكلام سيأتي، يتساءل عن هذه العبارة,ولكنه قال: إن هناك من يقول: إن شرط النسائي أقوى من شرط البخاري,أنا أذكر العبارة التي وردت مثل ما حكاها ابن كثير ههنا، أن شرط النسائي أقوى من شرط مسلم، أم أن يكون ذلك العالم قال: إن شرط النسائي أقوى من شرط البخاري,فأنا لا أذكر ذلك.
وعلى أي الحالين,سواء قال: أقوى من شرط مسلم,أو أقوى من شرط البخاري,فكل هذا ليس بصحيح,ولو كان ذلك كذلك لعدت سنن النسائي ممن ألف في الصحيح المجرد الذي لا يخالطه غيره,ولتلقاها العلماء والأمة بالقبول,وهذا شيء لم يحظ به سوى الصحيحين: صحيح البخاري وصحيح مسلم، فعلى تلقي الأمة لهذين الكتابين بالقبول وإجماعهم على ذلك يدل على بطلان مثل هذا القول,وأن فيه تجوز وغير فرضي.
ولكن مع هذا نقول: إن سنن النسائي فعلا تعتبر من أجود الكتب,لكن تأتي مرحلة المفاضلة بينها وبين سنن أبي داود,في الحقيقة أنا لا أستطيع أن أفاضل بين الكتابين؛لأن كلا الكتابين جيد؛ سنن أبي داود وسنن النسائي,وهما في نظري أجود من جامع الترمذي؛لأن الأحاديث المضعفة ووجود الضعيف جداً والموضوع في جامع الترمذي,أكثر من هذين الكتابين.
ومما يدل على ضعف هذه العبارة,التي فيها: إن شرط النسائي في الرجال أقوى من شرط مسلم، أن في سنن النسائي رجالاًَ مجهولين,وهذا يدل على أن شرطه ليس كذلك,كما أنه يخرج لرجال هو نفسه يتكلم فيهم، أي: النسائي، ومن وازن بين الكتابين: كتاب مسلم وكتاب النسائي,وجد الفرق عظيماً,والبون شاسعاً بين الكتابين؛مما يدل على أن هذه العبارة ليست في محلها.
هذا بالإضافة إلى وجود الأحاديث الضعيفة,والمعللة,والمنكرة في سنن النسائي,وكما قلت: إن الموضوع في المجتبى يعتبر قليلاً جداً,وبالنسبة للسنن الكبرى يوجد فيها جملة,وإن لم تكن أيضا بالكثيرة,من الأحاديث الموضوعة.