دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > رسائل التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 محرم 1442هـ/11-09-2020م, 03:17 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي


قال الله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}
وقال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}
مسائل "قل لهم يفعلوا" من المسائل التي كثر اختلاف النحاة فيها، ولها أمثلة كثيرة في القرآن الكريم وفي كلام العرب، ووقع في حكاية أقوال النحاة ونسبتها خطأ وتخليط في بعض الكتب، وتلخيصها في أربعة أقوال:
القول الأول: جُزم الفعل {يقيموا} ونظائره، لأنه خبرٌ مؤوَّل بالأمر، فهو على صورة الخبر، لكنَّه وقع موقع الجزاء لدلالته على معنى الأمر، وهذا قول الفراء، واختيار ابن جرير، وردّه ابن هشام في مغني اللبيب.
والقول الثاني: الفعل مجزوم "بلام" محذوفة، والتقدير: قل لعبادي الذين آمنوا: ليقيموا الصلاة.
وهذا قول الكسائي، واختاره أبو الحسن ابن سيده في المخصص، وابن مالك في شرح الكافية، وابن هشام في مغني اللبيب، وردّه الأخفش والمبرّد وغيرهما.
القول الثالث: الفعل مجزوم في جواب {قل} وهو قول سيبويه والأخفش، وردّه المبرّد وابن مالك.
وسبب ردّه أنه على تقدير: "إن تقل لهم يقيموا الصلاة"؛ ومقول القول محذوف، ولا يُعقل أن يكون القول المجمل مقتضياً للجزاء بمجرّده.
والقول الرابع: {يقيموا} مجزوم على جواب أمر محذوف بعد {قل}، والتقدير: قل لعبادي الذين آمنوا: "أقيموا الصلاة" يقيموا الصلاة.
وهذا قول المبرّد، إذ قال في المقتضب: (وأما قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} وما أشبهه، فليس {يقولوا} جواباً لـ{قل}، ولكن المعنى والله أعلم: قل لعبادي: قولوا = يقولوا.
وكذلك {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} وإنما هو: قل لهم: افعلوا = يفعلوا)ا.هـ.
وهذا القول حكاه أبو جعفر النحاس عن أبي عثمان المازني، واختاره الحريري في "درة الغواص"، وابن الحاجب في أماليه، وابن الناظم في شرح الألفية.
واعترض عليه أبو البقاء العكبري وابن هشام من وجهين:
أحدهما: أن جواب الشرط يجب أن يخالف فعل الشرط في الفعل أو الفاعل أو فيهما، وهذا التقدير على معنى: إن يقيموا يقيموا.
والثاني: أن الأمر على هذا التقدير يقتضي الخطاب "أقيموا"، والجواب خبر عن غائب "يقيموا".
والجادّة أن يقال: أقيموا الصلاة تفلحوا، فيُخالف بين الفعلين ويتوافق الخطاب فيهما.
وهذا الاعتراض مبناه على توهّم تفرّد الأمر المحذوف بالعمل، فلا يصحّ أن يقال: أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة، من غير "قل".
ولو كان الأمر كذلك لكان الاعتراض صحيحاً، لكن دخول "قل" قام مقام المخالفة بين الفعلين، وسوّغ الإخبار عن غائب.

والمبرّد ومن قال بقوله من النحاة لم يبنوا التقدير على تفرّد الأمر المحذوف بالعمل من غير "قل"، فيكون التقدير الطلبي: قل لهم أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة.
والتقدير الشرطي: إن تقل لهم: "أقيموا الصلاة" يقيموا الصلاة، وهذا تقدير ظاهر الصحة لا فساد فيه.
واعترض ابن مالك على هذا القول والذي قبله باعتراض آخر، وهو أنَّ جَعْلَ الفعل "يقيموا" جواباً للطلب يقتضي حصوله من المخاطبين وعدم تخلّف أحد منهم عنه، وهذا خلاف الواقع؛ فإنَّ الأمر قد يتخلف عن امتثاله متخلّفون.
وأجاب ابنه في شرح الكافية بأنّ حصول الامتثال من أكثرهم يصحّ فيه الإسناد إليهم على الإجمال.
وهذا الجواب وإن كان صحيحاً إلا أنه يقصر عن المعنى البياني الجليل للآية.

والتحقيق أن مسائل "قل لهم يفعلوا" تحتمل أمرين:
أحدهما: طلب تبليغهم الأمر.
والآخر: الإخبار عن استجابتهم وامتثالهم للأمر.
وترجيح أحد الأمرين على الآخر يتوقّف على ما يظهر من قصد المتكلّم إمّا بدلالة السياق، وإمّا بدلالة نظائر خطابه، وإمّا بدلالة أحوال المخاطبين بالأمر.
فإذا قيل: قل لهم يفعلوا؛ وأريد به إبلاغهم الأمر فهي في معنى: قل لهم: ليفعلوا، وقل لهم: افعلوا.
وإذا أريد بها الإخبار عن استجابتهم فهي في معنى: إن تقل لهم افعلوا يفعلوا، ومعنى: مُرْهم يطيعوا.
وتتأكّد إرادة المعنى الثاني في حقّ من تُعرفُ استجابته أو يُثنى عليه بها.
ولذلك لا يصحّ القول بترجيح أحد القولين على الآخر مطلقاً، لاتفاق صورة التركيب وصحة إرادة المعنيين.

فقول الله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} يحتمل معنيين:
أحدهما: قل لعبادي الذين آمنوا: ليقيموا الصلاة.
والآخر: قل لعبادي الذين آمنوا: "أقيموا الصلاة" يقيموا الصلاة.
وإيثار {يقيموا} في هذا السياق لجمع المعنيين بديع جداً.
والذي يترجّح لي صحّة جمع المعنيين وحمل كلّ معنى على ما هو أولى به.

ففي قول الله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}
إذا أريد بالعباد مطلق العباد المكلّفين؛ فالأليق هو اختيار معنى الأمر، وتكون الإضافة في قوله تعالى: {عبادي} إضافة ملك.
ويكون هذا المعنى نظير قول الله تعالى: {وقولوا للناس حسناً} لعموم الخطاب، ولما فيه من التصريح بالأمر.
وإذا أريد بالعباد العباد الذين يحبّهم الله ويثني عليهم بعبادتهم إياه وطاعتهم أوامره، فالأولى اختيار معنى الإخبار عن استجابتهم، ويكون التقدير: وقل لعبادي: "قولوا التي هي أحسن" يقولوا التي هي أحسن.
وتكون الإضافة في قوله: {لعبادي} إضافة تشريف.
ويكون هذا المعنى نظير قول الله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}.
فإن قيل: قد تبدر مخالفة من بعض عباد الرحمن في موقف أو مواقف لا يقولون فيها بالتي هي أحسن؛ فكيف تقدّر الاستجابة مع وجود المخالفة؟
قيل: ما يجري على جواب الطلب في آية الإسراء يجري على الخبر في آية الفرقان، فالعبد فيما خالف فيه لم يوافق الطائفة التي أثنى الله عليها، ففازوا بالثناء وتخلف عنهم، وهو بالتوبة والاستغفار يرجى له أن يُلحقه الله بهم.
وهذه الإضافات في {عبادي} و{الذين آمنوا} ونحوها يدخلها التفاضل؛ لتفاضل مراتب العبادة والإيمان، وكلما أريد بالوصف طائفة أخصّ كان لهم من خصوصية العبادة والجزاء عليها ما يقتضي تمييزهم.

وقد تتبعت الآيات التي على مثال "قل لهم يفعلوا" فوجدتها كلها في شأن المؤمنين مع الإيماء لما يحضّ على الامتثال ويرغّب فيه.
- قال الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}
وإضافة التشريف تحضّ على الامتثال.
- وقال تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)}
وإضافة التشريف مع وصف الإيمان يحضان على الامتثال.
- وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}
- وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
ووصف الإيمان في الآيتين يحضّ على الامتثال.
- وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}
وما في الآية من الإضافات وتقديم من يؤتسى بهنّ يحضّ على الامتثال.
- وقال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}
ووصف الإيمان يحضّ على الامتثال.

ولما وُجّه الأمر لغير المؤمنين أُتي بصيغة الأمر؛ فقال تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121)}.
فتحصّل من هذا التقرير أن صيغة: "قل لهم افعلوا" صريحة في الأمر، و"قل لهم يفعلوا" تحتمل الأمر، وتحتمل مع الأمر الإخبار عن استجابتهم، والثناء عليهم بها.

وخلاصة القول أن قول الله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية} قد اشتمل على لطائف بيانية بديعة:
منها: إظهار محبّة الله تعالى لعباده المؤمنين وثنائه عليهم بإيمانهم بعد إضافتهم إلى نفسه المقدّسة إضافة تشريف، فتشرئبّ نفوسهم لمعرفة ما أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لهم؛ فطُوي ذكره، وذكرت استجابتهم التي يحبّها الله ويثيب عليها.
ومنها: إخراج الأمر مخرجاً محبّباً إلى نفوسهم بإقامة استجابتهم دليلاً على معرفة الأمر الذي أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغه.
ومنها: الثناء على المؤمنين باستعدادهم للاستجابة وتلقّيهم الأمر بالمحبة والقبول والمبادرة إلى الامتثال؛ ففيها معنى قول الله تعالى: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)}.
ومنها: التصوير البديع لسرعة استجابة المؤمنين، فهي استجابة تحمل معنى المبادرة من غير تردد ولا مماراة.

وهذه المعاني والصفات الجليلة يفوز بها من تحقق فيه وصف الإيمان، ونال شرف الإضافة فبادر إلى الاستجابة، ومن تخلّف عنها كان له معنى الأمر مع ما يورثه الشعور بالتخلّف من حسرة وندامة ينبغي أن تدفعاه إلى الإنابة إلى الله واللحاق بالركب.

والله تعالى أعلم.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir