ومنَ الإيمانِ بالله، الإيمانُ بما وصفَ به نَفْسَهُ في كتابِه وبما وصَفَهُ به رسولُهُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ
ذكر المصنِّف رحمه الله هذا الأصل والضّابطَ العظيم في الإيمان بالله إجمالاً قبل أن يشرع في التفصيل ليبني العبد على هذا الأصل جميع ما يردُّ عليه من الكتاب والسُّنة فيستقيم له إيمانه ويسلم من الانحراف؛ فذكر أنه يجب ويتعين الإيمان بكل ما أخبر الله به في كتابه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم إيماناً صحيحاً سالماً من التحريف والتعطيل وسالماً من التكييف والتمثيل بل يثبت ما أثبته الله ورسوله ولا يزيد على ذلك ولا ينقص، فإن الكلام على ذات الباري وصفاته واحد فكما أن لله ذات لا شبه الذوات فله تعالى صفات لا تشبهها الصفات، فمن مال إلى نفي الصِّفات أو بعضها فهو نافٍ معطل محرِّف، ومن كيَّفها أو مثَّلها بصفات الخلق فهو ممثل مشبِّه.
والفرق بين التحريف والتعطيل:
أن التعطيل نفيٌ للمعنى الحق الذي دلّ عليه الكتاب والسنَّةُ.
والتحريف: تفسير للنصوص بالمعاني الباطلة التي لا تدلّ عليها بوجه من الوجوه.
فالتحريف والتعطيل قد يكونان متلازمين إذا أثبت المعنى الباطل ونُفِيَ المعنى الحق، وقد يوجد التعطيل بلا تحريف، كما هو قول النافين للصفات، الذين ينفون الصفات الواردة في الكتاب والسُّنَّة، ويقولون ظاهرها غير مراد، ولكنهم لا يعينون معنى آخر ويسمون أنفسهم مفوِّضة ويظنون أن هذا مذهب السلف وهو غلط فاحش، فإنّ السلف يثبتون الصفات، وإنما يفوِّضون علم كيفيَّتها إلى الله فيقولون ا لوصف المذكور معلوم، والكيف مجهول والإيمان به واجب، وإثباته واجب و السؤال عن كيفيته بِدعة، كما قال الإمام مالك وغيره في الاستواء.
وأما قوله: (من غير تكييف ولا تمثيل) فالفرق بينهما:
- أن التكييف: هو تكييف صفات الله والبحث عن كنهها،
- والتمثيل: أن يقال فيها مثل صفات المخلوقين. ونفي الكفؤ والنِّد والسمي ينفي ذلك التكييف والتمثيل.