30/1482 - وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ)).
(وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ).
هَذَا آخِرُ حَدِيثٍ خَتَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ صَحِيحَهُ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِن الأَئِمَّةِ فِي خَتْمِ تَصَانِيفِهِمْ فِي الْحَدِيثِ.
وَالْمُرَادُ مِن الْكَلِمَتَيْنِ: الْكَلامُ؛ نَحْوُ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ.
وَقَوْلُهُ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ)) إلَخْ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَصَحَّ الابْتِدَاءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْخَبَرَ؛ تَشْوِيقاً لِلسَّامِعِ إِلَى الْمُبْتَدَأِ، سِيَّمَا بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِن الأَوْصَافِ. وَالْحَبِيبَةُ: بِمَعْنَى الْمَحْبُوبَةِ؛ أَيْ: مَحْبُوبَتَانِ لَهُ تَعَالَى. وَالْخَفِيفَةُ: فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَالثَّقِيلَةُ: فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ أَيْضاً.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الْخِفَّةُ مُسْتَعَارَةٌ لِلسُّهُولَةِ، شَبَّهَ سُهُولَةَ جَرَيَانِهَا عَلَى اللِّسَانِ بِمَا خَفَّ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ بَعْضِ الأَمْتِعَةِ، فَلا يُتْعِبُهُ كَالشَّيْءِ الثَّقِيلِ.
وَفيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَائِرَ التَّكَالِيفِ شَاقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ ثَقِيلَةٌ، وَهَذِهِ سَهْلَةٌ مَعَ ثِقَلِهَا فِي الْمِيزَانِ؛ كَثِقَلِ الشَّاقِّ مِن الأَعْمَالِ.
وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ السَّلَفِ عَنْ سَبَبِ ثِقَلِ الْحَسَنَةِ وَخِفَّةِ السَّيِّئَةِ، فَقَالَ: لأَنَّ الْحَسَنَةَ حَضَرَتْ مَرَارَتُهَا، وَغَابَتْ حَلاوَتُهَا، فَثَقُلَتْ، فَلا يَحْمِلَنَّكَ ثِقَلُهَا عَلَى تَرْكِهَا، وَالسَّيِّئَةُ حَضَرَتْ حَلاوَتُهَا، وَغَابَتْ مَرَارَتُهَا؛ فَلِذَلِكَ خَفَّتْ، فَلا تَحْمِلَنَّكَ خِفَّتُهَا عَلَى ارْتِكَابِهَا.
وَالْحَدِيثُ مِن الأَدِلَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمِيزَانِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَوْزُونِ؛ فَقِيلَ: الصُّحُفُ؛ لأَنَّ الأَعْمَالَ أَعْرَاضٌ، فَلا تُوصَفُ بِثِقَلٍ وَلا خِفَّةٍ، وَلِحَدِيثِ السِّجِلاَّتِ وَالْبِطَاقَةِ.
وَذَهَبَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّ الْمَوْزُونَ نَفْسُ الأَعْمَالِ حَقِيقَةً، وَأَنَّهَا تُجَسَّدُ فِي الآخِرَةِ، وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعاً: ((تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتُوزَنُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، فَمَنْ ثَقُلَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ ثَقُلَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ النَّارَ)). قِيلَ لَهُ: فَمَن اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ، قَالَ: ((أُولَئِكَ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ)). أَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ فِي فَوَائِدِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ مَرْفُوعاً.
وَالأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ أَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُوزَنُ، وَأَنَّهُ عَامٌّ لِجَمِيعِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَخُصُّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لا سَيِّئَةَ لَهُ وَلَهُ حَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَحْضِ الإِيمَانِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ الأَلْفِ. وَيَخُصُّ مِنْهُ الْكَافِرَ الَّذِي لا حَسَنَةَ لَهُ، وَلا ذَنْبَ لَهُ غَيْرُ الْكُفْرِ؛ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي النَّارِ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلا مِيزَانٍ.
نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: الْكَافِرُ مُطْلَقاً لا ثَوَابَ لَهُ، وَلا تُوضَعُ حَسَنَتُهُ فِي الْمِيزَانِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ: ((الْكَافِرُ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ)).
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا مَجَازٌ عَنْ حَقَارَةِ قَدْرِهِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوَزْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكَافِرَ تُوزَنُ أَعْمَالُهُ، إلاَّ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُفْرَهُ يُوضَعُ فِي الكِفَّةِ، وَلا يَجِدُ حَسَنَةً يَضَعُهَا فِي الأُخْرَى؛ لِبُطْلانِ الْحَسَنَاتِ مَعَ الْكُفْرِ، فَتَطِيشُ الَّتِي لا شَيْءَ فِيهَا.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}؛ فَإِنَّهُ وَصَفَ الْمِيزَانَ بِالْخِفَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ الْعِتْقُ وَالْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ الْمَالِيَّةِ مِمَّا لَوْ فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ لَكَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ جُمِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي الْمِيزَانِ، غَيْرَ أَنَّ الْكُفْرَ إذَا قَابَلَهَا رَجَحَ بِهَا.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الأَعْمَالَ تُوَازِنُ مَا يَقَعُ مِنْهُ مِن الأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ؛ كَظُلْمِ غَيْرِهِ، وَأَخْذِ مَالِهِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ سَاوَتْهَا عُذِّبَ بِالْكُفْرِ، وَإِنْ زَادَتْ عُذِّبَ بِمَا كَانَ زَائِداً عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ زَادَتْ أَعْمَالُ الْخَيْرِ مَعَهُ طَاحَ عِقَابُ سَائِرِ الْمَعَاصِي، وَبَقِيَ عِقَابُ الْكُفْرِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ.
اللَّهُمَّ ثَقِّلْ مَوَازِينَ حَسَنَاتِنَا إذَا وُزِنَتْ، وَخَفِّفْ مَوَازِينَ سَيِّئَاتِنَا إذَا فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وُضِعَتْ، وَاجْعَلْ سِجِلاَّتِ ذُنُوبِنَا عِنْدَ بِطَاقَةِ تَوْحِيدِنَا طَائِشَةً مِنْ كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَوَفِّقْنَا بِجَعْلِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ عِنْدَ الْمَمَاتِ آخِرَ مَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ.