رسالة في تفسير قوله تعالى:((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا))
قاعدة جليلة:((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا))
فتضمنت ثلاث تنبيهات:
أولها: أن ابتداء الآية بنداء { الذين آمنوا }، إنما هو للاهتمام بمضمون هذا النداء، ولفت الانتباه إليه.
ثانيها: أن النداء بـ { الذين آمنوا }، فيه تعريض بأن الذين يصدر منهم ما يؤذي الناس قصداً، ليسوا من المؤمنين حق الإيمان.
ثالثها: أن تقديم الأمر بالتقوى مشعر بأن ما سيؤمرون به من القول السديد هو من شُعَب التقوى كما هو من شعب الإِيمان.
الكلمة هي صلة الوصل بين الإنسان والعالم من حوله، وهي من الصفات التي تميَّز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، وهي الوسيلة التي تجعل العبد من أصحاب الجنة أو من أصحاب الجحيم.
وقد أولى القرآن الكريم عناية خاصة بهذه الوسيلة، فحض المؤمنين على التحلي بخير الكلام وأحسن القول.
فوصف سبحانه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة التي { أصلها ثابت وفرعها في السماء }(إبراهيم:24). وأمر المؤمنين من عباده أن يقولوا { للناس حسنا } (البقرة:83)، وأن يقولوا { لهم قولا معروفا } (النساء:5). وأخبر تعالى أنه { إليه يصعد الكلم الطيب } (فاطر:10).
وفي هذا الصدد يأتي قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا }(الأحزاب:70). فالآية الكريمة تأمر المؤمنين بالقول السديد.
تأويل الآية :
يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ , اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصُوهُ , فَتَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ عُقُوبَته . وَقَوْله : { وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } يَقُول : قُولُوا فِي رَسُول اللَّه وَالْمُؤْمِنِينَ قَوْلًا قَاصِدًا غَيْرَ جَائِز , حَقًّا غَيْر بَاطِل , -حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : حدثنا الْحَسَن , قَالَ : حدثناوَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } يَقُول : سَدَادًا . -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حدثنا عَنْبَسَة , عَنِ الْكَلْبِيّ { وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } قَالَ : صِدْقًا .حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : حدثنا يَزِيد , قَالَ : حدثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } أَيْ
عدلا، وعن عكرمة أنه :قول :لا إله إلا الله.
والاية تتناول هذا كله فالسداد بالمعنى العام هو التوفيق للصواب وإصابة القصد في القول والعمل وأصدق قول هو قول (لاإله إلا الله ).
ثمرات القول السديد :
- أنه يوصل إلى رضوان الله ومغفرته
-يجازي الله من قام به بإصلاح أعمالهم ومغفرة ذنوبهم الماضية،وما قد يقع منهم في المستقبل ويلهمكم التوبة منه
-صاحبه لا يخيب في أي امتحان يمتحن به
-به تشيع الفضائل والحقائق بين الناس،فيرغبون بالتخلق بها
-ضوابط القول السديد:
1-ألا يتكلم الانسان إلا بما يرضي الله تعالى ،وقد قال عليه الصلاة والسلام إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا.
2-إذا ترجح لدى المتكلم أن قوله ليس فيه مصلحة فعليه أن يكف عن ذلك وذلك لما يتسبب به قوله من الضرر.
والقول السديد يشتمل على تمجيد الله والثناء عليه مثل : التسبيح،وهو باب عظيم من أبواب الخير ،وبهذا ندرك أهمية الكلمة الحسنة ، والقول السديد في حياة الأفراد والامم معا ،فكم من كلمة صوبت مسيرة إنسان كان يسلك طريق الضلال! وكم من كلمة أودت بحياة إنسان كان يعيش في خير وأمان!وكم من كلمة صنعت سلاما وأمنا!وكلمة صنعت حربا ودمارا! وواقع الأفراد وتاريخ الأمم خير دليل على ذلك، أسأل العلي القدير أن يهديني وإياكم إلى القول السديد ويختم لنا به،إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين.
المراجع التي رجعت لها في هذه الرسالة:
-تفسير ابن كثير -دار طيبة
-تفسير الطبري
-موقع الكلم الطيب
-جريدة الجزيرة ،القول السديد ضوابطه وآثاره ،للشيخ عبد العزيزالمشيقح
الأسلوب الذي اتبعت فيه كتابة هذه الرسالة هو الأسلوب الوعظي وأسلوب التقرير العلمي قدر الإمكان ،وحاولت أن أحاكي فيها أسلوب العالم الكبير ابن القيم في رسالته ((يأيها الذين أمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم ))أسأل الله التوفيق والسداد .