المجموعة الأولى:
1: حرّر القول في معنى الحروف المقطّعة الواردة في أول سورة البقرة، وما قيل في الحكمة من ورودها في القرآن.
اختلف في معنى الحروف المقطعة الواردة في أول سورة البقرة إلى قولين :
الأول :أنها لا تفسر , وهي مما استأثر الله بعلمه , وأن علمها يرد إلى الله تعالى . وهو قول أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود - رضي الله عنهم - الشعبي عامر بن شراحيل و سفيان الثوري و الربيع بن خثيم واختاره أبو حاتم ابن حبان. ذكره الزجاج , وابن عطية , وابن كثير نقلا عن القرطبي .
وقالوا : (هي سرّ الله في القرآن، وهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن يؤمن بها وتمرّ كما جاءت ) .
الثاني :أنها تفسر ,بل يجب أن يتكلم فيها وتلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها , واختلفوا في معناها إلى أقوال :
1 – هي اسم الله الأعظم . وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس . ذكره ابن عطية وابن كثير .
واستدل له بما رواه ابن جريرٍ عن بندار، عن ابن مهدي، عن شعبة، قال: سألت السّدّيّ عن {حم} و{طس} و{الم}، فقال: قال ابن عبّاسٍ: "هي اسم اللّه الأعظم".
2 – هي أسماء الله أقسم بها . وهو قول ابن عباس وعكرمة . ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير .
واستدل له بما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: "هو قسمٌ أقسم اللّه به، وهو من أسماء اللّه تعالى".
3 – هي أسماء السور . وهو قول زيد بن أسلم . ذكره ابن عطية وابن كثير .
وقال ابن كثير : قال العلّامة أبو القاسم محمود بن عمر الزّمخشريّ في تفسيره: وعليه إطباق الأكثر، ونقله عن سيبويه أنّه نصّ عليه .
واستدل له بما ورد في الصّحيحين، عن أبي هريرة: "أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الصّبح يوم الجمعة: {الم} السّجدة، و{هل أتى على الإنسان}".
4 – هي أسماء للقرآن كالفرقان والذكر . وهو قول قتادة ومجاهد وزيد بن أسلم . ذكره ابن عطية وابن كثير .
وردَّ هذا القول ابن كثير فقال : ولعلّ هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرّحمن بن زيدٍ: أنّه اسمٌ من أسماء السّور، فإنّ كلّ سورةٍ يطلق عليها اسم القرآن، فإنّه يبعد أن يكون {المص} اسمًا للقرآن كلّه؛ لأنّ المتبادر إلى فهم سامع من يقول: قرأت {المص}، إنّما ذلك عبارةٌ عن سورة الأعراف، لا لمجموع القرآن . واللّه أعلم .
5 – هي فواتح السور . وهو قول مجاهد . ذكره ابن عطية وابن كثير .
6 – هي حساب أبي جاد لتدل على مدة ملة محمد صلى الله عليه وسلم . وهو قول أبو العالية . ذكره ابن عطية وابن كثير.
وردَّ هذا القول ابن كثير فقال : وأمّا من زعم أنّها دالّةٌ على معرفة المدد، وأنّه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم، فقد ادّعى ما ليس له، وطار في غير مطاره، وقد ورد في ذلك حديثٌ ضعيفٌ، وهو مع ذلك أدلّ على بطلان هذا المسلك من التّمسّك به على صحّته.
7 – هي إشارة إلى حروف المعجم . وهو قول قطرب . ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير .
8 - هي أمارة قد كان الله تعالى جعلها لأهل الكتاب أنه سينزل على محمد كتابا في أول سور منه حروف مقطعة . ذكره ابن عطية ولم يعزه .
9 - هي حروف تدل على: أنا الله أعلم، أنا الله أرى، أنا الله أفصّل . وهو قول ابن عباس . ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير .
واستدل له بما روى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث شريك بن عبد اللّه، عن عطاء بن السّائب، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ: "{الم}، قال: أنا اللّه أعلم".
10 - هي حروف كل واحد منها إما أن يكون من اسم من أسماء الله، وإما من نعمة من نعمه، وإما من اسم ملك من ملائكته، أو نبي من أنبيائه . وهو قول ابن مسعود وابن عباس وأبو العالية . ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير .
واستدل له بما قال سعيد بن جبيرٍ، وقال السّدّي عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عباس –وعن مرّة الهمذاني عن ابن مسعودٍ. وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {الم}. قال: أمّا {الم} فهي حروفٌ استفتحت من حروف هجاء أسماء اللّه تعالى.
واستدلوا له أيضا بما في الشعر من إطلاق الحرف والمراد به الكلمة مثل :
قلنا قفي لنا فقالت قاف ....... لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف
تعني: وقفت.
11 - هي تنبيه ك «يا» في النداء . ذكره ابن عطية ولم يعزه .
12 - أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة نزلت ليستغربوها فيفتحوا لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة . ذكره ابن عطية وابن كثير ولم يعزه .
13 – هي حرف الهجاء افتتاح كلام . وهو قول أبو عبيدة معمر بن المثنى و أبو الحسن الأخفش . ذكره الزجاج .
وقال : ودليل ذلك أن الكلام الذي ذكر قبل السورة قد تم .
14 – أنها ذكرت في أوائل السور لبيان إعجاز القرآن وأنّ الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنّه [تركّب] من هذه الحروف المقطّعة الّتي يتخاطبون بها. ذكره ابن كثير .
قال ابن كثير : ولهذا كلّ سورةٍ افتتحت بالحروف فلا بدّ أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلومٌ بالاستقراء، وهو الواقع في تسعٍ وعشرين سورةً .
ومما سبق يتبين أن المفسرين قد اختلفوا في معنى الحروف المقطعة فمنهم من قال أنها لا تفسر فهي سر الله في القرآن , وأنها تمر كما جاءت , ومنهم من فسرها وقال أنه ينبغي أن تلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها , وهؤلاء اختلفوا إلى أربعة عشر قولا فمنها ما رده المفسرون لضعف الاستدلال عليها , أو للتكلف في إبراز معناها , ومنها ما قبلوه , ولم يرجح أحد منهم قولا من هذه الأقوال .
2: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المنافقين بأعيانهم؟
اختلف أهل العلم في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم المنافقين بأعيانهم أم لا على قولين ذكرهما ابن كثير :
الأول : أنه كان يعرفهم بأعيانهم , واستدلوا بحديث حذيفة بن اليمان الذي فيه تسمية الأربعة عشر منافقا في غزوة تبوك , الذين هموا بأن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا عند عقبة هناك ؛ عزموا على أن ينفروا به النّاقة ليسقط عنها فأوحى اللّه إليه أمرهم فأطلع على ذلك حذيفة .
الثاني : أنهلم يكن يعرفهم بأعيانهم , واستدلوا بقوله تعالى : (وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) , وقوله : (لئن لم ينته المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثمّ لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلا ) ففي هذه الآيات دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرفهم بأعيانهم , وإنما كان يعرفهم بصفاتهم التي ذكرها الله تعالى : (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول ) .
والله أعلم