من سورة الأنبياء
قال تعالى :
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
يذكر الله تعالى في كتابه الكريم قصص هؤلاء الأئمة العظماء من الأنبياء الذين أمر تعالى بالاقتداء بهم ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) – الأنعام
وذلك لأن الله اجتباهم واصطفاهم من خلقه ، واستخلصهم لرسالته ودعوته : قال تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) – الحج
فهم اصطفاء الله واختياره رباهم بربوبيته الخاصة التي تستلزم معيته ونصرته وتأييده كما قال لموسى وهارون عليهما السلام : ( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) –طه ، وفي قوله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) – التوبة
ولهذا الاصطفاء يكرر جل ذكره قصصهم للعبرة والاقتداء بهم .، وفيه على رد اليهود ومن وافقهم في استنقاص قدرهم أو الكلام بما لا يليق عليهم ، فكل قول يخدش فيهم مردود على صاحبه لا يلتفت إليه لأنه مخالف لأصول هدايات القرآن
فأيوب عليه السلام هو مثال العبد الصالح الشاكر الصابر الموحد ، الفقير لربه في كل أموره وحاجاته ، مما زاده عزة ورفعة .
وإن اختلف المفسرون في الضرر الذي أصاب بأيوب عليه السلام إلا أن الآيات واضحة في ذكر عبوديته لربه .فجمع هنا في هذه الآية حقيقة التوحيد وأصله ، أظهر فاقته وحاجته لربه الذي بيده الأمر كله ، وإليه ترفع الحوائج ، إليه التقرب والتزلف ، مع وجود المحبة والتملق له سبحانه ، ونسب الشر للشيطان تأدبا مع الله تعالى ,إن كان الكل بأمره تعالى وقدره ، فالشر ينسب لسببه وليس لله تعالى تأدبا معه سبحانه جل في علاه ، وفي هذا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : ( والشر ليس إليك ) ، وهذا كما قالت الجن : (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) وكذلك في قصة الخضر مع موسى عليه السلام : ( فأردت أن أعيبها ) في السفينة ، وفي الجدار : ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ) وهذا أدب عظيم نحتاج إليه في تربية أنفسنا وتربية من هم تحتنا
وأقر هنا سيدنا أيوب عليه السلام بصفة الرحمة وأنه تعالى أرحم الراحمين ، فتوسل إليه سبحانه بصفاته ، وهذا مما يحبه الله تعالى ويرضاه ، وقال تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعو فله الأسماء الحسنى ) فالرحمن اسمه والرحمة صفته ونحن ندعو الله بأسمائه وصفاته ونتقرب إليه بها مع وجود الحاجة والفقر إليه سبحانه
فمتى كان هذا من العبد فإنه – بإذن الله – للاجابة أقرب ولكشف بلواه أمكن
وقد جاء في فضل هذه الدعوة مارواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع بها رجل مسلم في شيئ قط إلا استجاب الله له )
وقال ابن القيم – رحمه الله - : وقد جرب من قالها سبع مرات ولا سيما مع هذه المعرفة كشف الله ضره
فإن هذه الكلمة فيها كمال التوحيد : ففيها تنزيه الله تعالى الذي يتضمن اثبات كل كمال ونفي كل نقص أو عيب ، والاعتراف له سبحانه بالفقر والحاجة – وهذا من أوسع الأبواب للتقرب إلى الله - فهو يوجب الانكسار والرجوع والندم
فتوسل إلى الله تعالى : بتوحيده التوحيد الكامل المنزه عن كل نقص ، والاعتراف بالعبودية والحاجة والفقر التام لخالقه وانكسار قلبه
ولهذا امتدحه ربه تعالى فقال : ( إنا وجدناه صابرا ، نعم العبد إنه أواب ) ص
_____________________________
المراجع المكتوبة
- بدائع التفسير الجامع لما فسره الامام ابن قيم الجوزية - جمع وإخراج : يسري السيد محمد وصالح أحمد الشامي - المجلد الثاني - دار ابن الجوزي - الطبعة الاولى ، عام 1427ه
- تفسير عبد الرحمن السعدي - إشراف ومتابعة : محمد بن عبد الرحمن السعدي ،مساعد بن عبد الله السعدي، ماهر بن عبد العزيز الشبل ،راني بن عبد العزيز الشبل ، سليمان بن عبد الله الميمان ، أيمن بن عبد الرحمن الحنيحن- جمعه وأعاد تحقيقه قسم تحقيق التراث والنشر العلمي شركة الدار العربية لتقنية المعلومات الميمان للنشر والتوزيع - الرياض -
طبع على نفقةوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية-ضمن مجموع مؤلفات الشيخ العلامة السعدي - المجلد الثاني - الطبعة الاولى : 1432ه - 2011 م -
المراجع الصوتية
- محاضرات في أصول التفسير لفضيلة للشيخ محمد بن جابر العبيدي القحطاني
- محاضرات مسموعة في قواعد التفسير لفضيلة الشيخ سعد الشتري
الاسلوب المتبع :
بعد فضل الله حاولت أن أجمع فيه الاسلوب الاستنتاجي ما استطعت وما توفيقي الا بالله